متى ينطق أهل الضاد "اللام القمرية"؟
تاريخ النشر: 3rd, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لكم كانت سعادتي حين سمح الطبيب لابني بأن يخطو مستخدمًا العكاز عقب فترة عصيبة اضطر خلالها لاستخدام الكرسي المدولب إثر تعرضه لحادث سير ضرب عموده الفقري في مقتل ما أدى إلى تدهور حالته بعد أن كان لاعب رفع أثقال.. فكانت فرحتي بالعكاز أشبه بفرحة أم تمكن ابنها من تحريك اصبع قدميه بعد إصابته بشلل رباعي.
هذا حال مجتمعنا خلال متابعته مسلسل "لام شمسية" فقد احتفى بالعمل الذي حرك المياه الراكدة إثر مناقشته لعدة قضايا من ضمنها جرائم التحرش بالأطفال المسكوت عنها منذ أبد الدهر، فبدا المواطن ككهل يصفق لنفسه بعد أن شرع يفك الخط ويقرأ ألف فتحة "أَ" عقب عقود من الأمية.
وبعد أن كتبت بنفسي مقالًا أشدت فيه بتميز "لام شمسية" من الناحية الفنية إلا أنه وجب التنويه أن الحلقة الأخيرة للمسلسل والمعنونة "لام قمرية" - في إشارة إلى حث المجتمع على النطق بالمسكوت عنه- تلك الحلقة جاءت مخيبة للآمال حيث إنها أقرت بنفي المتحرش "وسام" لاقترافه تلك الجريمة مع ابنته رغم الدلائل التي أشار إليها المسلسل في حلقاته الأولى.
فردًا على سؤال زوجته عما إذا كان تحرش بابنتهما، أجاب: "زينة لا.. زينة لا" في رسالة تطمينية، خادعة للطفولة مفادها أن الآباء بعيدون البعد كله عن المساس بأبنائهم ما يعد تزييفًا لوعي النشء وتضليلًا لحقائق الواقع من أجل جأتكريس سلطة النظام "الباتريياركي" حيث الأب الرئيس الذي يعلم ويعمل – دائمًا - لصالح الأبناء. ولنضرب بعرض الحائط البحوث والدراسات والبلاغات التي تعج بها هواتف نجدة الطفل والتي تؤكد تعرض الأبناء لخطر "البيدوفيليا" من ذويهم سواء الجدود -لا استثني الجدات- والآباء، الأمهات، الأعمام،الأخوال وهلم أقرب وأبعد.. ومع هذا لا تزال المؤسسات المجتمعية تتعامل مع الأهل وكأن لديهم حصانة سماوية، ثم جاء العمل الفني ليهادن الرقيب برفضه إظهار المتحرش إلا مقترفًا لشناعاته بعيدًا عن أهل بيته.
لذا، لا أستبعد إجراء طاقم العمل لتغييرات في أحداث المسلسل بناء على توجيهات رقابية للابتعاد عن كل ما هو "تحرش أسري" بدليل تأخر عرض الحلقة الأخيرة خمس ساعات عن موعدها.
إذا كنا نريد لمجتمعنا أن يصل لمرحلة نضج حقيقية فمواجهة الجرائم أدعى من إنكارها بدعوى تشويه سمعة الوطن وكأن تلك الفظائع حصرية في بلادنا وغير منتشرة في العالم بأثره. فاللصوص فئات موجودة في جميع المجتمعات وليسوا حكرًا على وطن دون آخر.. وبالتالي تسليط الضوء على الجوانب المظلمة حتمي لرفع الوعي لا لنكأ الجراح.
ثم تختتم الحلقة بالنشيد الوطني "اسلمي يا مصر" وكأنها دعوة لأن ينام أطفالنا في وهم الأمان لأن القضاء والعدالة سينتصران للضحايا في حين أن الواقع يقول إنه لا يمكن في الوقت الحالي صدور حكم بالمؤبد لصالح طفل ذكر واجه جريمة التحرش، إذ تشدد العقوبات لضحايا من الإناث أكثر من الذكور لأن المشرع يعتبر أن الضرر الواقع على الأنثى أشد من سواه على الذكر، في تفرقة عنصرية أدعو لمراجعتها.
ورغم صعوبة إثبات جرائم التحرش إلا أن محكمة النقض قضت بحبس الفنان شادي خلف لثلاث سنوات مع الشغل لهتكه عرض سبع فتيات خلال ورش تمثيل كان يديرها! ما يعني أن شرف كل بنت لا يتعدى ثمنه خمسة شهور بالحبس، وهو ما يثبت أن موضوع المؤبد –وإن ثبتت الإدانة- غير وارد على أرض الواقع لا للإناث أو للذكور لا سيما وأن المتهم أعلاه قد خرج من الحبس بعد قضاء نصف المدة!
وعليه فالمسلسل جاء لإرضاء مزاجيات المشاهد بتخديره بحكم درامي، وهمي، لذيذ لينام هانئًا رغم أنه –في وقتنا الراهن- لا داعي للطمأنية بل الأدعى هو الحيطة وأخذ تدابير الحذر كون الوقاية أفيد مع الإنزلاق في تلك الجرائم التي يصعب علاج تداعياتها.
جرائم التحرش الجنسي بالأطفال أشد كارثية كونها تقترف بحق فئة عمرية تجهل ما يحاك ضدها، ولصغر سنهم فإنهم ينصاعون لما يغرسه المجتمع في إدراكهم من قيم عن طريق التعليم أو المقدس في إطار "أهلك لا تهلك" وأسطرة الوالدين والإطمئنان التام لهما حتى في ظل وجود شواهد تستدعي الحيطة لاسيما ونحن جميعًا نعلم أن السهام قد تصوب من ذوي القربى، فعقوق الوالدين للأبناء جريمة مسكوت عنها، فلا أقل من توعية أطفالنا من أن الخطر وارد أن يداهمكم من القريب كما البعيد مع التنبيه عليهم بحتمية التواصل بهواتف إغاثة نجدة الطفل عند تعرضهم للخطر. فهذا الرقم موضوع أساسًا لحماية الطلف من أهله أوسواهم حين يُضَلَّل أو حين تشتعل فيه الحرائق بنيران أهلية. ومن منبري هذا أدعو المدارس لوضع أرقام نجدة الطفل فوق كل سبورة وعلى باب كل فصل.
"لام شمسية" ما هو سوى ضوء في نفق لا يزال شديد العتمة وإن أُنِير بوميض شمعة.. ولقد فرحنا بالوميض الخافت لأننا عشنا لقرون في ظلمات حالكة لعدم وجود كهرباء، فبديهي أن نفرح كما فرحت آنفًا بخطوة خطاها ابني بالعكاز لأنها قد تكون واعدة بعودته إلى المشي على قدميه بعيد علاج عموده الفقري.
وعلى أمل أن نكون قادرين على تقديم توعية سليمة تقيم العمود الفقري للمجتمع لنخرج من النفق المظلم، فلا أقل من الاعتراف بالحقائق مهما كانت بشاعتها عوضًا عن دفن وعينا في مقبرة الأوهام.
هاكم الوقائع وتلكم أسنان لبنية وأمامكم أعراض تعاني الهتك كل حين.
ليت مجتمعات أهل الضاد لا ننتظر للألفية الثالثة كي تمارس استخدام اللام القمرية لتنطق ولتساعد الضحايا وليت الرقابة تضع توعية وتحذير الصغار من سوء تصرف بعض الأهالي على ٍرأس أولوياتها مع تنبيه أولياء الأمور بأن السكوت وعدم الإبلاغ عن تعرض أبنائهم للتحرش يعد تسترًا على جريمة تشجع المجرم وتطمئنه على إمكانية تكرار شناعاته ما يحول المتستر لمعتد سلبي على الابن، أما تطبيع أفراد العائلة مع المتحرش والسماح للمجرم بدخول حياة الصغير أو غض الطرف عن تعامل المغتصب مع الضحية فهو تزييف لوعي الضحية وتدمير لصحته العقلية،النفسية والجسدية بل هو شبيه بجريمة القواد الذي لا يزني، بيد أنه يقود ضحاياه للهاوية.
لن يغضب منك صغيرك لو سرقه لص دنيء أو دعسه مجرم فبترت ساقه، لكن أتتخيل شعوره ساعة يشاهد والديه يتعاقدان مع المجرم على ثمن قدميه؟
أتعلم من يراه أحق بوصف دنيء؟
فلأجل بناء الإنسان وتحسين جودة الحياة أدعو لمراجعة قيم مغلوطة تطمئن المتحرش والمتستر أن مئة من "سبحان الله وبحمده" كفيلة بمسح ذنوب "البيدوفيليا"، فقد غرسوا في عقول هؤلاء أن الأوراد والطقوس كفيلة بذهاب السيئات فتضاءل ثقل تلك الشناعات في نفوسهم رغم تداعياتها المدمرة على الطفولة والإنسانية.
*كاتبة مصرية وباحثة في علوم الصحة العقلية وعلم النفس
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مسلسل لام شمسية جرائم التحرش
إقرأ أيضاً:
هل تطوير الفكر مطلب أم خيار؟
محفوظ بن راشد الشبلي
كُنا ذات مرة نحضر محاضرة عن الممارسات والسلوكيات الخاطئة، وما إن انتهينا من المحاضرة وخرجنا إلّا وأرى شخصاً ممن يجلسون قريبين مني في المحاضرة يأتي بسلوك خاطئ من التي كانت قبل قليل هي موضوع المحاضرة، فتساءلت في نفسي عن مغزى حضور ذلك الشخص وجلوسه وإصغائه، مع العلم ولكونه يجلس قريبًا مني كنت أراه متشدقًا بالنظر والتركيز للمحاضر ولا أعي هل تركيزه ذلك كان بالنظر لشخص المحاضر أم للإصغاء لِما يقوله ويتحدث عنه، وأُقارن فعله المتناقض الذي أتى به عندما خرج من ذلك الإطار الذي كان فيه قبل قليل، وهل ما يستمع له الإنسان ويتعلمه ويتفقّه به؛ هل هو مطلب للعمل به لتطوير ذاته وممارساته في الحياة أم هو مجرد حضور من سراب ليس به ما يلزم تطبيقه والعمل به على الواقع.
إحدى المرات رأيت عاملًا من الجالية الآسيوية يرمي بأكياس على الطريق كان يحمل بها طعامًا في يده فسألته عن فعله ذلك ولِم لا ترميه في سلّة المهملات، فأجابني بأن (كل نفر يسوي سيم سيم) فلم أجبه بشيء وانصرفت عنه، وقلت في نفسي لو وجد ذلك العامل ثقافة تُمارس أمامه عن تلك الممارسات الخاطئة التي يُوجّه لها ويُشار ويُنبّه بعدم فعلها من أبناء البلد لَما فعلها وأتى بمثلها ولأحترم التقيّد بها في بلادٍ غير بلاده ولكن التبريرات أحياناً تُجيبك على بعض التساؤلات.
وفي نفس السياق كذلك سألت أحد الوافدين عن سبب وقوفه الخاطئ بسيارته أمام أحد المقاهي، ولِم لا تقف في موقف واحد بالطريقة الصحيحة لتُتيح للباقين مكاناً للوقوف، فكان جوابه على سياق وشاكلة جواب الوافد السابق (كله نفر يقف سيم سيم) فساءني تكرار الرد على نفس الشاكلة من الوافدين في بلادنا ولتطبيقهم سلوكيات خاطئة شاهدوها وقلّدوها من سلوكيات أبناء البلد. ونرجع لنفس السؤال هل ما يتعلمه الإنسان في حياته ويتفقّه به مطلب لتطبيقه على الواقع لتطوير ذاته ورسم صورة إيجابية لغيره لتطبيقها، أم هو خيار فقط ومجرد معلومة تُضاف ولا تُطبّق على الواقع. ناهيك عن المحاضرات والتوجيهات والتعليمات والتثقيفيات بالملصقات الإعلانية التي نجدها في كل مكان، والتي توجّه من قِبل الدوائر والجهات المعنية ذات العِلاقة، وتُبث في مواقع الإعلام المختلفة وعبر مواقع التواصل والكل يشاهدها، ولكن لا زلنا نرى مُخالفاتها تتكرر على الواقع للأسف.
كنت أتابع حلقة ذات مرة من حلقات برنامج (س) الذي يُعرض على قنوات (إم بي سي)، والذي يُقدمه الإعلامي السعودي أحمد الشقيري، وكانت الحلقة يومها في اليابان ويسأل حينها مواطن ياباني عندما شاهده يقطع مسافة ليرمي المهملات في سلة المهملات أو بالأحرى في مكانها الصحيح الذي يجب أن تُرمى فيه، فسأله عن ذلك مُقارنة بما يشاهده في دول أخرى، فاندهش ذلك المواطن الياباني من السؤال اندهاشًا غريبًا قبل أن يرد عليه بإجابة مُحرجة تمنى وقتها مُقدم البرنامج لو لم يسأله، وأردف له بعبارة على جوابه بأن هذه بلاده، وكأنّه يوجّه له رسالة بأن نظافة بلاده هي جزء لا يتجزأ من ثقافته العامة وأن تقدم بلاده الذي وصلت إليه عِلميًا وتطورها تكنولوجيًا يبدأ من تطوير الذات وجعل ممارسة تطبيق ما تعلّمه هي ثقافة عامة لديه وقانون يحترمه ومبادئ يتّبعها ويجعلها منهجًا في حياته.
برغم إن بعض الدول ليست عقيدتها الإسلام إلّا إن تطبيق الثقافة العِلمية الصحيحة في الممارسات التي أوصى بها اللّه ورسوله هي ثقافة عامة يمتهنونها لتطوير ذاتهم، بل وجعلوها مطلبًا لتقدمهم وليس خيارًا في حياتهم، بغض النظر عن سلبياتهم العقائدية الأخرى في فكرهم.
خلاصة القول.. إن لم تجعل ثقافة تطبيق ما تعلمته وشاهدته واستمعت له من توجيهات وتعليمات وأوامر ونواهي منهجًا في تطوير ذاتك وفكرك، وتجعله سلوكًا في حياتك لتفيد به نفسك وبلدك وتكون مرآة لغيرك ليقتدي بك ويتعلّم منك، كما أوصى به رسولنا الكريم في حديثه الكريم: "المسلم مرآة أخيه"، فستبقى في دائرة النقصان مهما اعتقدت انك وصلت بعِلمك إلى الكمال، فتطوير الفكر والذات يجب أن يكون مَطلبًا تسعى إليه في حياتك لترتقي وليس خيارًا كما يظنه البعض للأسف، ومهما دارت الأزمان وتغيّرت الشخصيات والشواخص وتغيّر معها الحال والمكان سيبقى تطوير الفكر والذات وتحوله للأفضل لمواكبة تطور الحياة هو المطلب الأسمى يومًا بعد يوم.