بينما تتوالى ردود الفعل الأمريكية إزاء تصاعد العمليات العسكرية في البحر الأحمر، تخرج تقارير صحفية أمريكية لتقرّ بما كان كثيرون يعتقدونه، الولايات المتحدة، رغم إنفاقها الهائل، مُنيت بفشل واضح في اليمن، أحدث هذه التقارير جاء من صحيفة “ناشيونال إنترست”، التي أماطت اللثام عن خسائر ضخمة تجاوزت 5 مليارات دولار، في مغامرة لم تُفضِ إلى استعادة الردع أو كبح قدرات صنعاء.

حرب الطائرات المُسيّرة

وفق التقارير، استخدمت واشنطن ذخائر عالية التكلفة ونادرة، كان يفترض أن تُخصص لمناطق تعتبرها أكثر أهمية، كمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكن الأزمة تكمن في أن هذه الذخائر تُستنزف في مواجهات غير متكافئة مع قوات “أنصار الله”، التي تستخدم صواريخ وطائرات مسيّرة زهيدة الثمن، ما جعل الحرب عبئًا اقتصاديًا واستراتيجيًا.

فعندما تسقط طائرة MQ-9 Reaper، لا تسقط فقط معدات قيمتها 30 مليون دولار، بل يتساقط معها جزء من هيبة القوة الأمريكية، وقدرتها على فرض الردع في بيئة غير تقليدية، فهذه الطائرات المتطورة، التي تُعد من أعمدة التفوق التكنولوجي الأمريكي، واجهت فشلًا في صد هجمات من طائرات مسيّرة بدائية من حيث التقنية ولكن عالية الكفاءة في الميدان، المفارقة أن هذه الطائرات نفسها كانت تُستخدم سابقًا في عمليات اغتيال دقيقة، واليوم تُسقط بسهولة على يد قوات لم تمتلك تفوقًا جوّيًا.

إنفاق دون إنجاز

إنفاق يقارب 5 مليارات دولار، ونتيجة صفرية على الأرض، هذا ما خلص إليه تحليل الصحيفة، التي أوضحت أن الولايات المتحدة لم تنجح في استعادة الردع رغم هذا الإنفاق، الأهم من ذلك أن الحرب الحالية تُدار على أرضية إعلامية وسياسية متآكلة؛ فلا استراتيجية واضحة، ولا أهداف محددة، ولا انتصارات يُمكن البناء عليها، كل ذلك يفاقم الشعور بالفشل داخل دوائر صنع القرار الأمريكي.

إرث ترامب وبايدن.. تنافس على الفشل

في الوقت الذي تنتقد فيه إدارة ترامب سلفها بايدن، تكشف التقارير أن الإخفاقات تمتد عبر الإدارتين، فالصحيفة أشارت إلى أن البنتاغون، بقيادة ترامب، لم ينجح في إيجاد حلول لمشكلات تعرقل العمليات منذ سنوات، بل إن هذه الإخفاقات تتكرّر اليوم تحت إدارة بايدن، ما يعكس خللًا بنيويًا في مقاربة واشنطن للحرب في اليمن، ويظهر أن تغيير الرؤساء لا يعني بالضرورة تغيير السياسات أو النتائج.

صنعاء.. مقاومة صلبة أمام آلة عسكرية ضخمة

أكثر ما يُقلق واشنطن أن صنعاء لم تُبدِ أي إشارات على التراجع، بل على العكس، تكشف التجربة أن اليمنيين طوروا أساليب مقاومة فعالة رغم القصف والحصار والحملات الجوية المكثفة، فخلال عشر سنوات من العدوان، شُنّت أكثر من نصف مليون غارة، لكن ذلك لم يُضعف إرادة اليمنيين، بل زاد من تصميمهم على الصمود وتطوير قدراتهم الدفاعية، هنا تكمن نقطة التحوّل، إذ إن الحرب الأمريكية لم تخلق الانهيار بل رسّخت ممانعة جديدة.

التحوّل اليمني في قواعد الاشتباك

بدلًا من أن تستعيد الولايات المتحدة الردع، وُلد ردع جديد من قلب اليمن، فـ”أنصار الله” لم تكتفِ بالدفاع، بل باتت المبادرة بيدها في كثير من الأحيان، من خلال استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر، أو عبر الرسائل العسكرية الموجهة لدول التحالف، هذا التحوّل يُعيد تعريف مفهوم الردع، ويُظهر أن التفوق التكنولوجي لا يكفي لكسب معركة ضد خصم يملك الإرادة والتكتيك المناسب.

الهيمنة تحت التهديد.. اليمن كعامل إقليمي فاعل

الحرب الأمريكية في اليمن لم تُفقد واشنطن فقط بعض طائراتها وذخائرها، بل أضعفت قدرتها على إدارة ملفات إقليمية أخرى، فالتورط في البحر الأحمر جاء في وقت حساس، كانت فيه الولايات المتحدة تسعى لتعزيز وجودها في المحيط الهادئ لمواجهة الصين، لكن الانخراط العسكري في اليمن قيد قدرات الجيش الأمريكي، وشتّت اهتمام القيادة العسكرية، ما قد يُضعف الموقع الاستراتيجي الأمريكي على مستوى عالمي.

فلسطين في المشهد.. بعد جديد للصراع

الأزمة لا تتعلق باليمن وحده، بل بما يمثله من دعم علني لفلسطين، فوفق ما جاء في التقرير، فإن صنعاء تُقدم على عملياتها العسكرية كجزء من موقف داعم لغزة، ما يجعل أي ردّ أمريكي على اليمن يُقرأ ضمن سياق أوسع مرتبط بالصراع في الشرق الأوسط، وهو ما يزيد من حساسية التدخل الأمريكي، ويجعله مكلفًا سياسيًا وشعبيًا، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.

استنزاف استراتيجي.. وصدمات محتملة في العقيدة العسكرية

اليمن يكشف ثغرات عميقة في العقيدة العسكرية الأمريكية، إذا كانت الحرب الحديثة تُقاس ليس فقط بالمعدات والذخائر بل بفاعلية الاستراتيجية، فإن ما حدث في البحر الأحمر مثّل صدمة حقيقية للبنتاغون، فالقوة الجوية والتكنولوجية الأمريكية وجدت نفسها أمام خصم يتفوّق بالمرونة والمبادرة، ويستنزف الخصم الأكبر دون أن ينهار، هذا الواقع قد يُجبر دوائر صنع القرار في واشنطن على إعادة تقييم أولوياتها، وربما التفكير في تقليص انخراطها المباشر في النزاعات الإقليمية التي لا تُفضي إلى مكاسب واضحة.

في الختام، خسرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات، وطائرات متطورة، وسمعة عسكرية كانت تُرهب الخصوم، لكن ما هو أخطر أنها لم تحقّق أي نتائج تُذكر على الأرض، ولم تُوقف الهجمات اليمنية، ولم تُعد الهيبة التي كانت تراهن عليها.

الحرب في اليمن، حسب تقارير مثل “ناشيونال إنترست”، لم تعد مجرّد عملية عسكرية بل تحوّلت إلى مأزق استراتيجي، وإذا لم تُراجع واشنطن سياساتها سريعًا، فإن هذه الحرب ستُسجّل في التاريخ كواحدة من أكثر مغامراتها تكلفة وفشلًا في القرن الحالي.

 

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الیمن

إقرأ أيضاً:

سيناريوهات رد الولايات المتحدة على إيران بعد استهداف القواعد الأمريكية

أكد الدكتور ماك شرقاوي المحلل السياسي الأمريكي، أن اجتماع مجلس الأمن الأمريكي مازال منعقدًا حتى الآن، بالتزامن مع الضربات الإيرانية تجاه القواعد الأمريكية في الخليج.

البحرين تغلق مجالها الجوي خلال تصاعد وتيرة الرد الإيراني على الهجوم الأمريكيمحلل سياسي أمريكي: كبار قادة الحزب الجمهوري يؤيدون الضربات الموجهة لإيران

وقال ماك شرقاوي خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى، مُقدّم برنامج «على مسئوليتي»، عبر قناة «صدى البلد»، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح مسبقًا أنه في حال قصف القواعد الأمريكية في الخليج سيكون الرد قاسيًا.


وأردف الدكتور ماك شرقاوي المحلل السياسي الأمريكي، أن : لا أعلم لماذا إيران تهدد دول شقيقة، وتطلق الصواريخ على الدول العربية في الخليج، مؤكدًا أنه لا يعلم ماذا تملك إيران حتى تشن كل هذه العمليات الهجومية.

وأردف ماك الشرقاوي: قطر دولة صغيرة المساحة ومن الوارد أن يكون للهجوم الإيراني تجاه قاعدة العديد الامريكية بالدوحة آثار وأضرار سلبية.

وأكمل: الرد الأمريكي على الهجمات الإيرانية على القواعد الأمريكية في الخليج وسيكون قاسي وصعب للغاية.

وأشار ماك شرقاوي، إلى أن إيران مهددة للتقسيم وفقا الأقليات التي تعيش لها، موضحًا أن التصعيد الإيراني حذر منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وطالبهم بالاستسلام.

ونوه ماك شرقاوي إلى أنه توجيه ضربة قاصمة تجاه طهران من الولايات المتحدة الامريكية بعد العمليات الأخيرة من طهران.

طباعة شارك القواعد الأمريكية الخليج الضربات الإيرانية مجلس الأمن الأمريكي

مقالات مشابهة

  • كم كلفت الضربة الأمريكية التي أنهت الحرب بين إيران والاحتلال؟ (أرقام)
  • أكثر من 6 مليارات دولار صادرات النفط العراقي للشهر الماضي
  • دبلوماسى لبنانى سابق: إيران حاولت توجيه رسالة دون جر الولايات المتحدة إلى معركة شاملة
  • سيناريوهات رد الولايات المتحدة على إيران بعد استهداف القواعد الأمريكية
  • الضربة الأمريكية لإيران.. فشل الردع وعودة مُحتملة للدبلوماسية
  • الولايات المتحدة تكشف عن تكتيك جديد في ضرب المنشآت النووية الإيرانية
  • الاقتصاد العالمي و الضربة العسكرية الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية
  • المبعوث الأمريكي لإيران: واشنطن تسعى للحل الدبلوماسي رغم الضربة العسكرية
  • ما هي المنشآت النووية الثلاث التي استهدفتها الولايات المتحدة في إيران؟
  • تحول جذري في مسار الحرب.. الضربة الأمريكية لـ إيران تهز العواصم العالمية