دأب الإعلام الإسرائيلي في الآونة الأخيرة على تسريب معلومات حول انسحاب أمريكي وشيك من سوريا أو تقليص عديد القوات الأمريكية في هذا البلد إلى حد كبير.

وعلى الرغم من الخدمات الجليلة التي يقدمها الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق البلاد إلى إسرائيل ولا يزال فإن الواقع يشي بوجود رغبة إسرائيلية في استثمار هذا الانسحاب المنتظر المزعوم على نحو يضمن هيمنة إسرائيل على سوريا بحجة مكافحة الفراغ الناتج عنه وإعلان تل أبيب صراحة  عن عدم ثقتها بحكومة الرئيس الشرع التي وصفتها بالإرهابية المتطرفة رغم إرسال  هذه الأخيرة الكثير من رسائل الاطمئنان إلى إسرائيل.

ليبقى السؤال الملح: كيف سيكون عليه الحال إذا ما انسحبت القوات الأمريكية من سوريا؟ وما هو السيناريو الذي ستلعبه إسرائيل في ضوء المخاطر المزعومة على أمنها والمتأتية من وجود حكومة دينية في سوريا؟

يؤكد المحلل السياسي السوري ابراهيم العلي أن "تركيز الإعلام الإسرائيلي على انسحاب أمريكي وشيك من سوريا لم يأت من فراغ وهو يشكل تمهيدا إعلاميا ونفسيا لمشروع اسرائيلي مبيت يهدف إلى السيطرة على سوريا بعد خلق الذريعة بحجة أن البديل عن الوجود الأمريكي في سوريا سيكون الفراغ أو حكومة إسلامية متطرفة لا تعترف بها واشنطن حتى الآن ولم تتردد تل أبيب في وصفها بالإرهابية ما يجعل السلوك الإسرائيلي المبيت مندرجا في خانة محاربة الإرهاب الدولي الذي تصر إسرائيل على أنها رأس حربة فيه".

وفي حديثه لـRT لفت العلي إلى أن "الإعلام الإسرائيلي بدا كمن يحتفي ضمنيا بقرار الانسحاب الأمريكي الوشيك من سوريا والذي لم تتبنه واشنطن حتى الآن بل وضعته في سياق الترجيح مشيرا إلى أن ذلك يضع تل أبيب أمام فرصة رسم خطوط حمراء جديدة في سوريا سواء في وجه حكومة الرئيس الشرع أو في وجه حليفته أنقرة التي تبادلت إسرائيل وإياها الاتهامات بشأن المطامع المتبادلة في سوريا".

وأضاف أن "التركيز الإسرائيلي في المرحلة الحالية منصب على الفصائل المؤتلفة  ضمن إطار هيئة تحرير الشام  وعلى العناصر الجهادية الأجنبية بكثرة داخلها وبالرغم من إعلانها الصريح عن حل نفسها والانطواء ضمن قوات الأمن والجيش فإن  الخطوة الإسرائيلية يراد من خلالها  الإشارة إلى أن هذه الفصائل وإن كانت قد تركت القرار السياسي لحكومة الرئيس الشرع فإنها لا تزال مسيطرة على الأرض وتملك هامش التنصل من أوامر الحكومة حين ترغب في ذلك مشيرًا إلى أن ذلك لا يعفي الحكومة السورية الحالية من اتهامات التشدد والإرهاب بمزاعم إسرائيل التي تصم أذنيها عن كل رسائل الاطمئنان التي ترسلها هذه الحكومة الساعية في سبيل ترسيخ وجودها إلى عدم الصدام مع إسرائيل رغم مسلسل الاستفزازات المتواصلة التي تقوم بها هذه الأخيرة بحق الأراضي والأجواء السورية".

وشدد المحلل السياسي في حديثه لموقعنا على أن "إسرائيل تريد أن تبني على الانسحاب الأمريكي المنتظر من سوريا عبر رسم سيناريو يقول بأن الفصائل الجهادية المسلحة ستصبح في وضع يسمح لها بتهديد أمن إسرائيل مستغلة حالة الفوضى الناجمة عن الفراغ الذي سيشكله غياب الأمريكي  فضلًا عن تردي الواقع الأمني والاقتصادي في سوريا رغم الزيارات الكثيرة التي قام بها الشرع إلى دول الخليج العربية وقدوم وفود عربية وأجنبية إلى سوريا وحضور المؤتمرات الدولية والإقليمية والتي لم تنعكس حتى الآن بشكل إيجابي على دخل المواطن السوري في ظل غياب الخدمات الأساسية التي يحتاجها والتي جعلته  في واقع صعب لا يحسد عليه بسبب العقوبات الغربية المفروضة على بلاده والبطء في تنفيذ الوعود الحكومية إلى واقع بعد مضي قرابة خمسة أشهر على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد ووصول الحكومة السورية الجديدة إلى السلطة".

ولفت العلي إلى "أن هذا الأمر يتسق إلى حد كبير مع كلام مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس والتي أكدت فيه "عدم وجود تقدم كاف من الإدارة السورية الجديدة في دمشق يدفع إلى تعليق المزيد من العقوبات" مشيرة إلى أن" مستقبل سوريا لا يزال هشا لكنه يحمل بعض الأمل".

وختم المحلل السياسي حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن "كل هذه الظروف مجتمعة بشقيها الداخلي والخارجي وآثارها السياسية والاقتصادية والميدانية على  الداخل السوري والمحيط الإقليمي ستعزز السردية الإسرائيلية عن تحول سوريا المحتوم إلى "دولة فاشلة" تهدد جيرانها الأمر الذي يستدعي وجوب تحرك ذاتي إسرائيلي لضرب "الخطر الإرهابي" قبل استفحاله  وسيفسح المجال أمام تدخل إسرائيلي أكبر في سوريا يضع المزيد من الخطوط الحمراء أمام الحكومة السورية الوليدة ومساعيها الحثيثة للانفتاح على العالم  واستجلاب الاستثمارات ويقطع الطريق على وجود نفوذ معاد لإسرائيل من جانب دول إقليمية محكومة بصراع التنافس على المصالح والامتيازات في هذا البلد".

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: خطوط حمراء القوات الأمريكية الإعلام الإسرائيلي من سوریا فی سوریا إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما تأثير دمج الخوذ البيضاء في الحكومة السورية الجديدة؟

دمشق- أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري، المعروفة بمسمى "الخوذ البيضاء"، اندماجها الكامل ضمن الحكومة السورية، ونقل برامج الاستجابة الطارئة إلى وزارة الطوارئ والكوارث، كما أُعلن نقل الملفات الأخرى التابعة للمنظمة -ومنها ملفات العدالة والمحاسبة والمناصرة- إلى الوزارات والهيئات المختصة، بحسب طبيعة كل ملف.

وأشارت المنظمة في مؤتمر صحفي إلى أن تنفيذ الإجراءات القانونية والإدارية المرتبطة بعملية الاندماج سيتم خلال فترة انتقالية، "وفق أعلى درجات المهنية"، وبما يتماشى مع القوانين السورية والدولية والالتزامات السابقة، حيث أعلنت المنظمة تشكيل لجان قانونية وتقنية متخصصة لقيادة المرحلة الانتقالية.

ويأتي هذا القرار بعد انعقاد الاجتماع السنوي العاشر للمنظمة في العاصمة دمشق، حيث اتُّخذ باتفاق أغلبية أعضاء الهيئة العامة، وهي الهيئة التشريعية العليا في المؤسسة. واعتبرت المنظمة أن هذا الاندماج خطوة نحو توحيد الجهود وتطوير الاستجابة للطوارئ على المستوى الوطني، ضمن إطار مؤسساتي حكومي.

"الخوذ البيضاء" كانت تتولى مهام عديدة غير الإنقاذ كالعدالة والمناصرة (الجزيرة) استمرارية المهام

أكد مدير الدفاع المدني السوري منير مصطفى، في حديث للجزيرة نت، أن القرار لا يتضمن إنشاء كيان جديد، بل يعني استمرار العمل الإنساني والإغاثي الذي قامت به المنظمة سابقا، ولكن ضمن وزارة الطوارئ والكوارث السورية، وهي الجهة الرسمية التي باتت مسؤولة عن برامج الاستجابة الطارئة.

وأضاف أن مهام مثل الإنقاذ، والإطفاء، والإغاثة، التي كانت تُدار سابقا بصفتها أنشطة منبثقة عن المجتمع المدني، ستُنفّذ الآن ضمن إطار حكومي موحد وبسياسات وطنية شاملة.

أما الملفات التي كانت تمثل جانبا أساسيا من عمل "الخوذ البيضاء" -ولا سيما العدالة والمناصرة- والتي تضمنت توثيق جرائم الحرب، والانتهاكات بحق المدنيين، وجمع الأدلة حول المقابر الجماعية والمفقودين، فستُنقل إلى الهيئات المختصة، مثل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية التي أُنشئت بمرسوم رئاسي مؤخرا، و"هيئة المفقودين" التي ستعمل بالتنسيق المباشر مع فرق الدفاع المدني السابقة.

إعلان

وأشار مصطفى إلى أن المنظمة تمتلك أرشيفا غنيا من الأدلة الموثقة، يتضمن شهادات ومقاطع فيديو مُصوّرة بكاميرات صغيرة، مما يجعلها طرفا فاعلا في توثيق الجرائم والانتهاكات، بما فيها الهجمات الكيميائية والمجازر.

وأكد المسؤول أن هذا الدور سيتواصل، ولكن ضمن الإطار المؤسسي الحكومي، لضمان المساءلة وفق آليات عدالة وطنية، بدلا من العمل بشكل مستقل عن الدولة كما كان سابقا.

المرحلة الانتقالية

وفي سياق متصل، أكد مصدر في وزارة الطوارئ والكوارث السورية للجزيرة نت أن الوزارة بدأت بالفعل إدارة المرحلة الانتقالية، عبر تشكيل لجان تقنية مختصة تشرف على نقل برامج الاستجابة الطارئة من منظمة الدفاع المدني إلى الوزارة.

وأشار المصدر إلى أن العملية تسير بسلاسة، دون تحديات تُذكر، مع ضمان استمرارية الخدمات الطارئة، مؤكدا أن مديريات الدفاع المدني المنتشرة في المحافظات السورية ستُدمج مباشرة ضمن الهيكلة الجديدة للوزارة، بكوادرها ومتطوعيها، مما يضمن الحفاظ على الخبرات وتوظيفها بشكل فعّال.

أما بخصوص الكوادر العاملة، فقد شدد المصدر على عدم وجود نية للاستغناء عن أي من العاملين أو المتطوعين، موضحا أن "جميع الكفاءات التي اكتسبت خبرات ميدانية خلال السنوات الماضية ستستمر في أداء دورها ضمن الوزارة الجديدة".

وأضاف أن عملية الاندماج لا تقتصر على وزارة الطوارئ والكوارث فقط، بل تأتي ضمن إطار أوسع لدمج الدفاع المدني في هيكل الحكومة السورية بالكامل، مع إحالة ملفات مثل العدالة والمحاسبة والمناصرة إلى الجهات المختصة بحسب طبيعة كل ملف.

وأوضح المصدر أن اللجان القانونية والتقنية ستقوم بدراسة كل برنامج أو ملف على حدة، لتحديد الجهة الحكومية الأنسب لتسلّمه، مؤكدا أن "ملف المفقودين مثلا قد يُحال إلى هيئة متخصصة بذلك الشأن".

الدفاع المدني كان يتلقى دعما أوروبيا سنويا بمبالغ كبيرة (الجزيرة) رسائل طمأنة

وأكّد المصدر أن هذا الدمج سيُعزز من مستوى الاستجابة الطارئة على مستوى البلاد، لا سيما في ظل تولي الوزارة مسؤوليات شاملة تشمل الكوارث الطبيعية، والحرائق، وحالات الطوارئ المتنوعة. كما نوّه إلى أن دمج الدفاع المدني مع أفواج الإطفاء والكوادر الحكومية سيؤدي إلى رفع كفاءة العمل الوطني.

إعلان

وعن مستقبل التعاون مع الشركاء والداعمين الدوليين، أشار المصدر إلى أن جميع المشاريع ومذكرات التفاهم الموقعة مع الدفاع المدني السوري ستُستكمل حتى نهاية مدتها، موضحا أن الوزارة -بالتنسيق مع الحكومة- ستكون الجهة الراعية لهذه الاتفاقات، مع الحفاظ على إمكانية التعاون مع مختلف الجهات الدولية مستقبلا.

كما وجّه المصدر رسالة طمأنة إلى المواطنين السوريين، قائلا إن "الخدمات ستستمر كما هي، ولن يطرأ أي تغيير على مستوى أو نوعية الخدمات التي كانت تقدمها منظمة الدفاع المدني، وأن ما حدث هو مجرد اندماج إداري وهيكلي، يهدف إلى ضمان استدامة العمل وتحسين الأداء في المستقبل".

مخاوف وتحفظات

من جانبه، يرى الخبير السياسي عبد الله الخير أن القرار "متسرع" إلى حد ما، لكون وزارة الطوارئ والكوارث تفتقر في الوقت الراهن إلى الإمكانيات المالية اللازمة لمواصلة العمل الذي كانت تقوم به "الخوذ البيضاء"، خصوصا أن المنظمة كانت تتلقى دعما أوروبيا سنويا بمبالغ كبيرة.

وأضاف الخير، في حديث للجزيرة نت، أن المانحين قد يتوقفون عن دعم المنظمة بعد حلّها ودمجها ضمن الحكومة السورية، التي تعاني أصلا من أزمة مالية حادّة نتيجة التضخم وآثار الحرب ودمار البنية التحتية.

مقالات مشابهة

  • انسحاب أمريكي من سوريا يستدعي الحذر من شراذم داعش
  • ما تأثير دمج الخوذ البيضاء في الحكومة السورية الجديدة؟
  • وجود القوات الأميركية في شرق سوريا.. عملية انسحاب أم تبديل؟
  • انسحاب جماعي.. المشاركون بمؤتمر العمل يديرون ضهورهم لمندوب إسرائيل
  • وفد مصر ينسحب أثناء إلقاء إسرائيل كلمتها بمؤتمر العمل الدولي
  • تحقيق أمريكي: إسرائيل أطلقت النار على فلسطينيين خلال توزيع المساعدات
  • الوزير الشيباني: الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية انتهاك لسيادة سوريا وتفتح المجال أمام الجماعات التي تهدد أمنها لزعزعة الاستقرار.
  • جولة سرية على أبواب دمشق.. رئيس الشاباك الإسرائيلي يتوغل قرب العاصمة السورية
  • بعد تحميل أحمد الشرع المسؤولية.. حكومة سوريا ترد على إسرائيل واتهام جماعة بإطلاق قذائف من داخل الأراضي السورية
  • إسرائيل تعلن قصف سوريا بعد هجوم نادر من الأراضي السورية.. وتنذر أحمد الشرع