دولة فارماكون.. مشروع فني لتجمع تراكم يجسد إمبراطورية المخدرات زمن النظام البائد
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
ريف دمشق-سانا
أقام فنانو تجمع تراكم في مقر مركز مكافحة المخدرات السابق في مدينة جرمانا بريف دمشق، معرضاً قدموا فيه منحوتات ولوحات تناول بعضها مأساة الإدمان على المخدرات التي شكلت تجارة رابحة للنظام البائد، فيما يجسد الآخر المعاناة التي عاشها المعتقلون في هذا المركز.
المعرض يقام برعاية وزارة الثقافة ضمن مشروع “دولة فارماكون”، وهي كلمة من اللغة الإغريقية مشتقة من كلمتي سم وعلاج، كناية عن مخدر الكبتاغون الذي صنعه وروجه النظام البائد وسعى لنشره داخل سوريا وخارجها، عبر شبكات عديدة من الميليشيات والمهربين، للحصول على المزيد من الأموال وتمويل حربه على الشعب السوري.
هذا المبنى المرعب الذي كان من المفروض أن يكون مركز تأهيل لا تعذيب للمتعاطين، حشد فيه فنانو تراكم إبداعاتهم، إذ سوف تطالعك عند دخوله مجسمات تجسد عناصر أمن النظام البائد، وقد اصطفوا برتل عسكري، حاملين هراواتهم وخوذهم ودروعهم، ثم تنتقل إلى قسم القلم، حيث يذهلك وضع آلاف الضبوط والتقارير الأمنية فوق بعضها، وقد جثم عليها بقسوة كرسي الضابط المحقق.
سوف يطالعك أيضاً في قسم رئيس الفرع تمثال عرض (مانيكان) لشابين، وقد أخذا وضعية جاثياً وقُيدت يداهما إلى الخلف، وسحق رأساهما تحت حجر رحى موضوعة على طاولة.
أما في قسم السجن، حيث انتشرت زنازين الموقوفين قدم فنانو تراكم أعمالهم من لوحات تشكيلية ومنحوتات، حاكت عذابات الموقوفين ومآسيهم، من آفة التعاطي التي ابتلوا بها، ومن نظرة المجتمع السلبية لهم، إلى تعذيبهم على يد أجهزة أمن النظام البائد، والذي كان في الوقت نفسه يروج للمخدرات على أوسع نطاق.
مدير تجمع تراكم الفنان التشكيلي البصري خالد بركة، الذي قضى في المغترب 14 سنة، وعاد إلى سوريا بعد سقوط النظام، روى لـ سانا الثقافية أن هذا المكان ارتبط بذكريات مرعبة عند سكان الحي، فكانوا يسمعون منه كل ليلة صرخات وآهات المعتقلين من المتعاطين، جراء تعذيبهم وإرهابهم.
ويشرح لنا مدير التجمع أن مشروع دولة فارماكون كان الثمرة الأولى لتجمع تراكم الذي يضم مجموعة من الفنانين التشكيليين، ضمن رؤية فنية جديدة تقوم على تفعيل الأماكن البديلة، لقلب الطريقة النمطية التي تعامل فيها النظام البائد مع الفن، وجعله يقتصر على النواحي الترفيهية والتزيينية، وتفريغه من قيمته الاجتماعية والسياسية.
وأضاف مدير تجمع تراكم: إن فكرة المشروع قائمة على أسلوب الفن المجتمعي socially engaged art المنتشر عالمياً، ومن هنا تم اختيار مركز مكافحة المخدرات في جرمانا، والمساهمة بمعالجة هذه الآفة، من خلال الاعتراف بوجودها كمشكلة وتشخيصها، وإطلاق حملات توعية من مبدأ أن المتعاطي يجب التعامل معه كمريض وضحية لا كمجرم.
ومن الفنانين المشاركين في المشروع تحدثت الفنانة التشكيلية ربا قرقوط عن لوحتها التي أعطتها اسم اللاوعي، ووضعت فيها أقنعة عكست وجه الإنسان المتعاطي من قلب فراغ أسود يمثل بيئته، لتظهر أن هذا الإنسان ضحية ظروفه ومحيطه، ولتوجه رسالة مع زملائها تشرح رحلة المعاناة التي يمر بها متعاطو المخدرات، ولنجنب الأطفال والمراهقين سلوك هذا الطريق، لأن نهايته مأساوية.
الفنان التشكيلي النحات سليمان عبيد، وضع عمله النحتي في قسم السجون، مستخدماً رمز الخيل العربي الأصيل، الذي عندما يتعثر يقال كبوة جواد، ليقول من خلاله: إن الشاب عندما يصبح فريسة للتعاطي يقع في كبوة يمكن أن يتعافى منها من خلال مصحات العلاج، لا أن يساق إلى المعتقل، حيث كان يتعرض لأبشع أنواع التعذيب والابتزاز في هذه الزنازين المظلمة المخيفة، والتي كانت أحد صناديق أسرار النظام البائد، معتبراً أن مشروع دولة فارماكون تأكيد لإرادة شعب وقف كعين واجهت المخرز، ولدور الفنان في مرحلة التعافي للشفاء من هذه العذابات.
ويستمر مشروع دولة فارماكون الذي تشارك فيه مؤسسات ومنظمات أهلية طوال الشهر الجاري، ويتضمن فقرات عديدة من ندوات وورشات مسرحية، وعروضاً سينمائية وحركية وموسيقية ومسيراً بيئياً.
ومن الأفلام التي تم عرضها في المشروع الفيلم الوثائقي “سوريا في قبضة الكبتاغون” إنتاج بي بي سي، والذي يوثق لتجارة المخدرات زمن النظام البائد من قبل رأس السلطة المجرم بشار الأسد وشقيقه ماهر، واعتماده الكلي عليها للحفاظ على بقائه، حيث كانت تعود عليه بخمسة مليارات دولار سنوياً.
تابعوا أخبار سانا علىالمصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: النظام البائد
إقرأ أيضاً:
أنس الشريف.. الصوت الذي أزعج الاحتلال
لكل نبي رسالة، ولكل ميدان رجال، ولكل زمان نجوم، وفي كل شعب شجعان يحملون أرواحهم على أكفهم لا يهمهم من عاداهم ولا يضرهم من خذلهم، لا يبالون بقلة الزاد أو كثرة الأعداء والحُساد.
أُسدل الستار على الزمن الذي لعب فيه الاحتلال الإسرائيلي في عقول الغربيين، لإخافتهم من المسلمين؛ لأن كاميرات ثلة مؤمنة بربها وبعدالة قضيتها كشفت حقد الاحتلال على كل من يخالفه ويقاومه ويقول له "لا".
في غزة التنفيذ الفعلي لمبادئ الحقد الصهيوني الذي لا يميز بين حجر وبشر وشجر، وبين الأنام والأنعام، بين كبيرٍ وصغيرٍ ورجلٍ وامرأةٍ وطاعنٍ في السن، فكل من في غزة "أهداف تنتظر التنفيذ".
وأمام حرارة مشهد الإجرام الصهيوني ضد أهل غزة، وبرودة التعاطي الإعلامي العربي والدولي، وتلبية لنداء الوطن والواجب، تقدم مجموعة من شباب غزة لنقل معاناة شعبهم، فتقدموا وقدموا كل ما يملكون، لم يكن التقدم سهلا ومجانا؛ لأنهم يدركون أن المعادل الموضوعي لكشف الجرائم ونقل معاناة الناس هو الاغتيال.
أحدث جرائم القتل الصهيونية كان اغتيال الصحفي أنس الشريف ورفاقه من طاقم قناة الجزيرة، الذين ما برحوا الميدان منذ بدء العدوان، فودعوا منازلهم وأهليهم، وتواعدوا على اللقاء، إما بعد الحرب، أو في جنة النعيم.. جاعوا وعطشوا كما الناس، فاستمروا في كشف الإجرام
لم يعتذر صحفيو غزة وما رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وما قالوا "سمعنا وعصينا"، أو "إن بيوتنا عورة"، بل قالوا بكل حب: "سمعنا وأطعنا"، قدموا أرواحهم من أجل الحقيقة، فضحوا جرائم العدو على الملأ، حتى كفر بهم هذا الملأ، فما كان من المحتلين إلا أن تنادوا مصبحين على قتل من كشفهم، فكانوا على رأس قائمة الاستهداف، حيث إن عدد من قتلهم الاحتلال من العاملين في الحقل الإعلامي منذ بدء العدوان في تشرين الأول/ أكتوبر2023 زاد عن 270 صحفيا.
أحدث جرائم القتل الصهيونية كان اغتيال الصحفي أنس الشريف ورفاقه من طاقم قناة الجزيرة، الذين ما برحوا الميدان منذ بدء العدوان، فودعوا منازلهم وأهليهم، وتواعدوا على اللقاء، إما بعد الحرب، أو في جنة النعيم.. جاعوا وعطشوا كما الناس، فاستمروا في كشف الإجرام، تنقلوا بين ركام الموت في غزة، ينقلون معاناة الناس، ويكشفون للعالم حقيقة الدولة التي تدعي ولا تزال أنها حمامة السلام.
تعرض أنس ورفاقه لحملات تشويه ممنهجة من العدو، وتلقوا تهديدات بالاغتيال، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما بسلامة المنهج الذي يسيرون عليه، عاش أنس ورفاقه مُطارَدِين من قذائف الموت، ومُطارِدِين جرائم الاحتلال، وناشرين لمعاناة الناس من بين ركام بيوت غزة المدمرة، حتى كان موعد الرحيل إلى جنان الله ولسان حال كل منهم يقول: "سأرقب نصركم بجوار ربي فقد أكملت مهمتي".
نشهد يا أنس أنك ورفاقك أديتم الرسالة بكل أمانة على أكمل وجه حتى أتاكم اليقين، وكنتم نعم رجال الميدان، وأشرف نجوم الزمان، وأشجع من حمل اللواء.
يكفيك فخرا يا أنس أن كان لك من اسمك نصيب، فكم من الناس أنس بك ورثاك؛ لأنه لمس بحديثك صدق الانتماء لشعبك ووطنك وحرصك على نقل المعاناة، ويكفيك شرفا أن اسمك ورفاقك سيسجل في التاريخ.
لروحكم يا أنس الشريف، ومحمد قريقع، وإسماعيل الغول، ومحمد نوفل، وإبراهيم الظاهر؛ السلام، واعلموا أن قوافل الشهداء لا تمضي سدى، فإن الذي يمضي هو الطغيان، رحلت أجسادكم لكن مبادئكم لم ولن تموت، فالرفاق على الطريق يواصلون المسيرة، وعلى العدو أن يعلم أن اغتيال الحناجر لا يطفئ جذوة الحق في الضمائر.