الخرطوم- أثار حديث قائد قوات درع السودان اللواء أبو عاقلة محمد كيكل مع مجموعة من الإعلاميين عاصفة من الجدل، بعد أن كشف عن معلومات عدّها صحفيون سرية لارتباطها بقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ووضعه الصحي ودوره في المعارك.

وتزامن ذلك مع تسريبات متداولة عن جهود لإنعاش عملية السلام في البلاد، مما حمل على الاعتقاد أن إفادات كيكل محاولة لغسل حميدتي من جرائم قواته وتقديمه بوجه جديد في إطار تسوية محتملة.

وفي أحد الصالونات بمدينة بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة، جلس كيكل إلى نخبة من رؤساء التحرير والكتاب مساء الأحد، وردَّ على تساؤلاتهم بعدما طرح عليهم معلومات للنشر، وأخرى طلب عدم نشرها بسبب حساسيتها، كما نقل أحد الحضور -فضل عدم الكشف عن هويته- للجزيرة نت.

حذر حميدتي ودموعه

ونشر من حضروا اللقاء أن كيكل رسم في بداية اللقاء صورة لسير العمليات العسكرية، قائلا "قريبا سنصل إلى منطقة إطلاق المسيرات في دارفور، والوضع العملياتي مطمئن جدا، والنصر في كردفان ودارفور بات قريبا".

وأوضح كيكل أن حميدتي كان موجودًا في الخرطوم حتى فبراير/شباط الماضي، وكان يستخدم نظام تشويش حوله يغطي دائرة 100 كيلومتر، وكان معه قوة حماية تتألف من 150 مركبة بها مدافع.

إعلان

وكشف كيكل استخدام حميدتي لوسيلة تواصل عبارة عن هاتف رقمه من دولة عربية، ولديه جهاز بحجم كبير وتصميم مختلف استخدم حصريا لأغراض الاتصالات السرية، إذ كان حميدتي يصر على عدم التواصل إلا عبر هذا الهاتف الذي تخلَّص منه -حسب كيكل- بمجرد انضمامه إلى الجيش، لشكه القوي في احتوائه على جهاز تتبع.

وأكد كيكل أن جميع الاجتماعات مع حميدتي خلال الحرب كانت تُعقد ليلا فقط، بناء على تعليمات مباشرة منه، في خطوة تعكس حذرا شديدا كان يمارسه لتجنب الرصد والاستهداف.

وقال كيكل إن حميدتي لم يكن مجرد قائد رمزي، بل كان يتولى إدارة الحرب بنفسه، وكان يتصل به يوميا بمعدل يصل أحيانا إلى 15 مرة، كما كان يتابع الإمدادات العسكرية بشكل شخصي، من ذخيرة وسلاح ومركبات وحتى الزي العسكري.

ونفى كيكل المعلومات الرائجة عن إصابة حميدتي خلال المعارك، مؤكدا أنه لم يصب مطلقا، وعزا نحافته إلى التزامه بالصيام منذ اندلاع الحرب، فقد ظل مواظبا عليه من دون انقطاع، كما أنه يعاني من مرض باطني، وسافر أسبوعين خارج البلاد لتلقي العلاج.

وأشار اللواء، الذي انحاز للجيش السوداني في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى أن آخر جلسة عقدها مع حميدتي وجها لوجه كانت قبل انضمامه للجيش بـ12 يوما.

وعن الانتهاكات المرتبطة بقوات الدعم السريع، قال كيكل إنه عند مناقشة تلك القضايا أمامه كانت "دموع حميدتي تجري، لكنه كان يصمت دون أي تعليق".

إعادة تموضع

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم شقلاوي إن كيكل منشق عن تشكيل عسكري مثير للجدل، ويتحدث من موقع سياسي مضاد للدعم السريع، وذلك ما يجعله طرفا غير محايد، وقد يكون مدفوعا بحسابات شخصية أو داخلية، مما يوجب الحذر في التعامل مع إفاداته.

وأضاف شقلاوي للجزيرة نت أن تصوير حميدتي كقائد عسكري يتابع الإمداد والتموين بدقة، وفي الوقت ذاته كشخص عاطفي متأثر بالانتهاكات، يعدّ تناقضا يلمّح إلى محاولة تلميع صورته أو خلق تعاطف معه، وهو طرح غير مقنع عسكريا أو نفسيا بالنظر إلى الجرائم المرتكبة ضد المدنيين.

إعلان

ويعتقد المحلل السياسي أن رواية كيكل تميل إلى الإثارة والتشويق أكثر من التوثيق والانضباط العسكري، وهو أسلوب يضعف من قيمتها الاستخبارية، ويقربها من الخطاب السياسي أو التعبوي، حسب كلامه.

أما المحلل السياسي ومدير مركز أرتكل للإنتاج والتدريب الإعلامي عثمان فضل الله فيرى أن كيكل والصحفيين الذين التقوه قدموا صورة لحميدتي هدمت كل ما كان مساندي الجيش يحاولون بناءه طوال الحرب، كما نسف رواية إصابة قائد الدعم السريع.

غير أن رئيس تحرير موقع "مصادر" ووزير الإعلام السابق في ولاية النيل الأبيض عبد الماجد عبد الحميد الذي حضر اللقاء مع كيكل قال إن الجدل الذي رافق لقاءهم سببه أن معلومات كيكل عن حميدتي هزَّت مسلمات وصورة رسخت في ذهن كثير من الناس.

وأكد عبد الحميد للجزيرة نت أن اللقاء لم يكن مرتبا من أي جهة، وأن إفادات كيكل كانت ردا على أسئلتهم، وعدَّه "لقاء أكثر من عادي، تم تحميله أكثر مما يحتمل".

إنعاش للمفاوضات

وفي اتجاه آخر، يرى مراقبون أن نشر منصات ومواقع سودانية عن جهود دولية وإقليمية لإنعاش المفاوضات بين الحكومة السودانية والدعم السريع -تزامنا مع تصريح كيكل- يدفع إلى الاعتقاد بأن كيكل يحاول غسل قائده السابق "حميدتي" من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قواته، وتقديمه بوجه جديد تمهيدا لأي عملية سلام أو تسوية محتملة.

وكانت تلك المواقع ذكرت أن وفدين من الجيش وقوات الدعم السريع وصلا إلى مدينة شرم الشيخ المصرية للانخراط في مفاوضات جديدة، وربطت ذلك بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول الخليج.

ونسبت مواقع تواصل اجتماعي، ينشط فيها سودانيون، تصريحا إلى مستشارة مركز الأهرام للدراسات أماني الطويل أن الأوضاع في السودان ستذهب نحو التهدئة في الأيام القادمة.

غير أن الطويل أوضحت عبر صفحتها في فيسبوك أن ما نسب إليها غير دقيق، وأنها قالت إن المطلوب وساطة عربية للتهدئة في السودان، نافية علمها بوجود اتصالات أو مفاوضات بين أطراف النزاع.

إعلان

كما نفت قوات الدعم السريع، في بيان لها، وجود أي مفاوضات سرية أو علنية مع الجيش. وأكد البيان أن ما يتم تداوله عن مفاوضات سرية لا أساس له من الصحة، وأنها ستواصل معركتها ضد ما وصفتهم "بالفلول والمتطرفين".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

ترقّب في الفاشر قبيل تنفيذ هدنة إنسانية وسط غموض موقف الدعم السريع

الفاشر- بعد أكثر من عام على الحصار الخانق الذي فرضته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر غربي السودان، يترقب سكان المدينة دخول هدنة إنسانية حيز التنفيذ، عقب إعلان مجلس السيادة الانتقالي موافقته على مقترح من الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار لمدة أسبوع.

ويأتي هذا التطور في وقتٍ تشهد فيه الفاشر تدهورًا مأساويًّا في الأوضاع المعيشية، وسط دعوات دولية متزايدة لتأمين ممرات آمنة تتيح إيصال الإغاثة لآلاف المدنيين العالقين في المدينة.

ومنذ أبريل/نيسان 2024، تعاني المدينة من حصار شامل تفرضه قوات الدعم السريع، أدى إلى شلل كامل في المرافق الخدمية وانقطاع الغذاء والدواء، خصوصًا بعد توقف عمليات الإسقاط الجوي التي كان ينفذها الجيش السوداني منذ أكثر من 5 أشهر.

مجلس السيادة السوداني: البرهان يوافق على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع في محلية #الفاشر#الجزيرة_مباشر #السودان pic.twitter.com/1SjQVx8OEC

الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 27, 2025

اتصال أممي

وقال مجلس السيادة، في بيان نشره عبر منصاته الرسمية، إن الرئيس الفريق أول عبد الفتاح البرهان تلقى اتصالًا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيريش، دعا فيه إلى هدنة إنسانية مؤقتة في محلية الفاشر لتسهيل وصول المساعدات وتخفيف معاناة السكان.

ورحب غوتيريش بتكليف كامل إدريس رئيسًا للوزراء، معبرًا عن دعم الأمم المتحدة الكامل للجهود الرامية إلى إنعاش المسار المدني، بينما أكد البرهان التزامه بتشكيل حكومة من المستقلين تتمتع بكامل السلطات التنفيذية.

ووفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لـ"الجزيرة نت"، فإن الترتيبات الفنية الخاصة بالهدنة لم تبدأ بعد، ويتوقع أن تشمل وقفًا شاملاً لإطلاق النار من الطرفين داخل مدينة الفاشر، ووقف التحركات العسكرية كليا بما في ذلك الآليات الثقيلة والطيران، إلى جانب السماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية عبر الممرات الآمنة التي يجري التنسيق حولها.

إعلان

وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة السودانية موافقتها الرسمية على مقترح الهدنة، لم تصدر حتى الآن أي توضيحات أو بيانات من قبل قوات الدعم السريع بشأن موقفها، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول مدى التزامها ببنود المبادرة الأممية.

وفي السياق، شددت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح على التزامها بالهدنة المعلنة، مع التحذير مما وصفته بـ"الهدن الشكلية التي دأبت قوات الدعم السريع على استغلالها عسكريا".

وقال الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة، العقيد أحمد حسين مصطفى، في تصريح خاص لـ"الجزيرة نت": "نحن مع أي هدنة إنسانية تحفظ أرواح المدنيين، لكننا لن نسمح بتكرار سيناريوهات سابقة شهدت خروقات ممنهجة من الطرف الآخر، وسنتعامل بحزم مع أي محاولة لزعزعة الوضع".

#السودان يقدم تقريرًا للأمم المتحدة يرصد انتهاكات قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 pic.twitter.com/UsoiMv7hiO

— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 20, 2025

انتهاكات متكررة

وأشار مصطفى إلى واقعة جرت مؤخرًا في منطقة الكومة شرقي الفاشر، حيث تعرضت قافلة مساعدات إنسانية للحرق والنهب، متهمًا قوات الدعم السريع بالوقوف خلف الحادث، واصفًا ما حدث بأنه "جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني".

وأضاف: "ننسق مع الشركاء الدوليين لضمان سلامة المسارات الإنسانية، لكن لن نقبل باستخدام الهدنة كوسيلة لإعادة تموضع المليشيات أو خلق واقع ميداني جديد يهدد أمن المدنيين".

من جانبها، اعتبرت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر الهدنة المعلنة "فرصة ثمينة لالتقاط الأنفاس"، مشيدة بالجهود الدولية المبذولة لوقف النار وفتح مسارات الإغاثة.

وقال محمد حسن محمد "قوبا"، عضو اللجنة الإعلامية للتنسيقية، في حديثه لـ"الجزيرة نت": "نحن نثمّن كل مبادرة تنقذ الأرواح وتضع حدا للكارثة الإنسانية التي تعيشها مدينتنا. الهدنة تمثل اختبارًا لنوايا الأطراف، ونأمل أن تكون مدخلا لحوار حقيقي يقود إلى مصالحة شاملة".

وأكد أن لجان المقاومة ستكثف جهودها على الأرض لدعم المبادرات الإنسانية وتعزيز الأمن داخل الأحياء، معربًا عن أمله في أن تشكل هذه الخطوة بداية مسار سلمي يُنهي معاناة الفاشر والمناطق المحيطة بها.

تحذيرات أممية

في 20 يونيو/حزيران 2025، حذّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من التدهور الخطير في الأوضاع الإنسانية بمدينة الفاشر، مؤكدة أن الأزمة بلغت مستويات غير مسبوقة.

وقال المفوض السامي فولكر تورك، في بيان صحفي، إن تقارير ميدانية موثوقة تشير إلى أن قوات الدعم السريع تقوم حاليًا بـ"تجنيد أطفال لاستخدامهم في عمليات هجومية على المدينة المحاصَرة"، واصفًا ذلك بـ"انتهاك صارخ للقانون الدولي وجرائم محتملة ضد الإنسانية".

وأضاف تورك أن "العواقب الإنسانية الناجمة عن استمرار وتصاعد الأعمال العدائية في شمال دارفور وكردفان ستكون وخيمة، ما لم يتم احتواء العنف فورًا وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات".

في السياق ذاته، كشفت فرق رصد تابعة لمصفوفة تتبع النزوح أن 253 أسرة فرت من مخيم أبو شوك للنازحين، ووسط مدينة الفاشر خلال الأسبوع الماضي، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والانهيار الاقتصادي.

إعلان

وأوضحت البيانات أن هذه الأسر اتجهت نحو مواقع أكثر أمانًا داخل محلية الفاشر، بينما سلكت أخرى طريق النزوح نحو مناطق السريف والطويلة في ولاية شمال دارفور.

وتأتي هذه التطورات في وقت يتزايد فيه القلق الدولي من تفاقم الأزمة، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بقطع الطرق ويصعّب وصول المساعدات، في ظل هشاشة البنية التحتية وغياب أي ضمانات حقيقية لحماية المدنيين.

ما موقف "قوات الدعم السريع" من الهدنة في الفاشر التي دعا إليها غوتيريش؟ pic.twitter.com/9U8MIknJFT

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 27, 2025

فشل محتمل

وقال يعقوب الدموكي، المستشار الاعلامي السابق لقائد قوات الدعم السريع، في حديثه لـ"الجزيرة نت" "أُبدي شكوكًا كبيرة حيال التزام قوات الدعم السريع بالهدنة المعلنة، لأن تنفيذها يتعارض جوهريا مع إستراتيجيتهم في تفريغ مدينة الفاشر من سكانها".

وأضاف أنه على مدى عامٍ كامل، استخدمت هذه القوات الحصار والتجويع وسيلةً للضغط على المدنيين ودفعهم إلى النزوح القسري، فيما تستغل هذا الوضع كورقة تفاوض رابحة ميدانيا وسياسيا.

وتابع المتحدث ذاته "رأينا كيف رُحّل النازحون مؤخرًا من معسكر زمزم إلى مناطق أخرى، تحت غطاء دعائي يصوّر المنطقة وكأنها خالية من السكان المدنيين". وقال "هذا التمهيد، في اعتقادي، يهدف إلى تبرير أي تصعيد عسكري قادم ضد الفاشر".

وأشار الدموكي إلى أن "التجنيد الإجباري للأطفال، ونهب قوافل الإغاثة، وترويع الأحياء السكنية، ممارسات موثقة ومستمرة، لكنها غالبًا ما تُغلف ببيانات إعلامية مضللة".

وشدّد في ختام حديثه على أن "أي هدنة لا تُرافقها آليات مراقبة محايدة وفعالة ستظل بلا معنى، بينما يظل المدنيون هم وحدهم من يدفعون الثمن".

مقالات مشابهة

  • إمعانا في خنقها.. “الدعم السريع” تفعل هذا في الفاشر
  • الدعم السريع ترد على «هدنة الفاشر» وتتمسك بشروط لوقف إطلاق النار
  • الأمم المتحدة: ميليشيا الدعم السريع تجند مقاتلين داخل أفريقيا الوسطى
  • مقاومة الفاشر: مليشيا الدعم السريع تستمر في قصف أحياء المدينة منذ صباح اليوم
  • السودان يدعو لتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية
  • حرب السودان.. حميدتي يقر بالهزيمة ويغازل حركات الكفاح المسلح
  • السودان: الدعم الإماراتي لمليشيا الدعم السريع هو السبب الوحيد لاستمرار النزاع في البلاد
  • 13 قتيلا بينهم أطفال بقصف لقوات الدعم السريع في دارفور
  • ترقّب في الفاشر قبيل تنفيذ هدنة إنسانية وسط غموض موقف الدعم السريع
  • السودان.. 20 قتـ.يلا في هجمات لميليشيا الدعم السريع على قرى جنوب الأبيض