لم تكن "عاصفة الصحراء" سوى أولى نُذر الإعصار الطويل الذي اجتاح الشرق الأوسط مع بداية الألفية الجديدة. ظنَّ البعض أنها ضربة خاطفة، فإذا بها تتحوّل إلى زمن ممتد من الفوضى وإعادة تشكيل الخرائط.

الضربة الأولى لم تأت من الداخل، بل من السماء، صواريخ ذكية، وطائرات من دون طيار، وأسطورة "الحرية والديمقراطية" التي امتطت ظهور حاملات الطائرات.

سقطت بغداد، وتبعتها عواصم أخرى، بينما كانت الجغرافيا تُعاد رسمها فوق الرمال، والحكّام يُنقلون إمّا في توابيت، أو في طائرات إلى المنافي. الأعاصير الكبرى لا تكتفي بهز السطح، بل تُفتّت التربة، وتزرع بذورًا جديدة، ليس بينها ما ينبت.

ومع حلول العقد الثاني من القرن، كان الغبار قد غطّى كل شيء: الوعي، والتاريخ، والذاكرة. جاء ما سُمِّي "الربيع العربي"، فهللت له العناوين العريضة بوصفه موسمًا لسقوط "الطغاة". لكن الرياح التي هبّت من "عاصمة الياسمين" سرعان ما تحولت إلى عاصفة حمراء، أكلت الأخضر واليابس في ليبيا واليمن وسوريا، وتسللت إلى قلب الخرطوم، فيما نجت عواصم أخرى، لا بفعل القدر، بل بصفقات وتسويات.

لم تكن العاصفة بلا عقل، بل مسنودة بخططٍ دقيقة، قوى كبرى تُعيد ترتيب النفوذ، وأخرى تبحث عن موطئ قدم في مدن تتهاوى، ونخب هجينة تسارع لكتابة سرديات بديلة عن هوية جديدة تُبنى على أنقاض الذاكرة الجمعية. الخرائط تُقسم كما تُوزع الغنائم، على موائد تفاوض لا يجلس عليها أهل البلاد.

ليبيا تاهت بين العواصم، واليمن نُسي على قارعة الجغرافيا، وسوريا أصبحت صندوق رسائل مفتوحًا بين القوى الإقليمية والدولية. أما السودان، فقد أدخل في عاصفة جديدة، لا أحد يعرف من أطلق رياحها، لكنها حملت لعنة الانفصال وفتنة السلطة، حتى بات النيل يصرخ من وطأة الجفاف السياسي.

اللاعبون تغيّروا، لكن الأدوات بقيت: إعلام يروّج، مؤسسات تُهندس، منظمات تُمهد، وشباب يُقاد إلى المجهول بشعارات التحرر والخلاص. أما الشعوب، فهي بين منفى وركام، أو في حالة انتظار طويل لمعجزة لا تأتي.

لقد أدرك "الاستعمار الجديد" أن الهزيمة لا تُفرض بالدبابات فقط، بل تُزرع في العقول والرموز. يريدون وطنًا لا يعرف أبناؤه معنى السيادة، ولا يحفظون أسماء قراهم، ولا يميزون بين المحتل والمُخلّص. يريدونها أمة بلا ذاكرة، بلا خرائط، بلا وجهة.

ومع ذلك، وفي عمق الركام، ما يزال شيء ما يقاوم. لا شيء يثبت في هذه الأرض سوى جذور من حملوا الذاكرة كوصية، والأمل كقدر. في زمن العواصف الكبرى، لا ينتصر من يملك العدة والعتاد فحسب، بل من يصمد، من يدرك أن الرماد يخفي بذرة، وأن الغبار لا يدوم، وأن كل عاصفة، مهما بلغت شدتها، لا بد أن تنحني أمام شمس الحقيقة.

نحن الآن في عين الإعصار، لكن التاريخ علمنا أن بعد كل خراب يولد نظام جديد، وأن من فهم العاصفة، لا يسقط فيها، بل يعيد رسم ملامح الخريطة بعد أن تهدأ الريح!!

اقرأ أيضاًأيزنهاور وانتصار الحق: حين أنقذ موقف أمريكا حلم عبد الناصر في استعادة قناة السويس!!

أبو الغيط يفتتح مؤتمر ومعرض سيملس الشرق الأوسط بدبي

إيران والسعودية.. مساران متناقضان في الشرق الأوسط

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: ليبيا مقالات اليمن الشرق الأوسط سوريا العراق بغداد الأسبوع الربيع العربي الجغرافيا الفوضى الشرق الأوسط الجديد عاصفة الصحراء الخراب سقوط بغداد

إقرأ أيضاً:

تزايد التوترات في الشرق الأوسط يعزز ارتفاع أسعار النفط العالمية

عواصم «وكالات»: شهد سعر نفط عُمان الرسمي ارتفاعًا طفيفًا في الأسواق مع تحسن طفيف مقارنة بيوم سابق، وعلى الرغم من هذا الارتفاع فقد سجّل معدل سعر النفط الخام العُماني لشهر مايو انخفاضًا مقارنة بالشهر الذي قبله.

وعلى الصعيد العالمي شهدت أسعار النفط زيادة ملحوظة بعد انتشار تقارير تشير إلى تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، ما أثار مخاوف بشأن تأثيرها على إمدادات النفط. كما ظهرت مؤشرات إيجابية تدل على زيادة الإمدادات، حيث ارتفعت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، في حين شهد إنتاج كازاخستان زيادة ملحوظة رغم الضغوط عليها من قبل منظمة أوبك بلس.

هذه التحولات على مستوى أسواق النفط كانت محط أنظار المستثمرين، مما أدى إلى تفاعل قوي في الأسواق المالية العالمية، حيث شهدت بعض المؤشرات تراجعات ملحوظة، في حين ارتفعت مؤشرات أخرى، مع تأرجح أسعار العملة والسلع الأساسية.

وبلغ سعر نفط عُمان الرسمي اليوم تسليم شهر يوليو القادم 66 دولارًا أمريكيًّا و5 سنتات، وشهد سعر نفط عُمان اليوم ارتفاعًا بلغ دولارًا أمريكيًّا و4 سنتات مقارنة بسعر يوم الثلاثاء والبالغ 65 دولارًا أمريكيًّا وسنتًا.

تجدر الإشارة إلى أنَّ المعدل الشهري لسعر النفط الخام العُماني تسليم شهر مايو الجاري بلغ 72 دولارًا أمريكيًّا و51 سنتًا للبرميل، منخفضًا 5 دولارات أمريكية و12 سنتًا مقارنة بسعر تسليم شهر أبريل الماضي.

على الصعيد العالمي شهدت أسعار النفط العالمية قفزة ملحوظة تجاوزت الواحد بالمائة، مدفوعة بتقارير تشير إلى تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، مما أثار مخاوف من تأثير هذه التطورات على استقرار الإمدادات.

وزادت العقود الآجلة لخام برنت لشهر يوليو بمقدار 86 سنتًا أو بنسبة 1.32%، لتسجّل 66.24 دولارًا للبرميل، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط لشهر يوليو بنسبة 1.45%، لتصل إلى 62.93 دولار للبرميل؛ حيث إنه بعد نشر التقرير شهدت الأسواق تفاعلا كبيرا، حيث ارتفعت أسعار الخام الأمريكي أكثر من دولارين للبرميل، في حين سجّلت أسعار خام برنت زيادة ملحوظة أيضا.

ومع ذلك، ظهرت بوادر على زيادة الإمدادات، وذكرت مصادر بالسوق نقلًا عن أرقام معهد البترول الأمريكي أمس أن مخزونات النفط الخام بالولايات المتحدة ارتفعت الأسبوع الماضي بينما انخفضت مخزونات البنزين ونواتج التقطير.

وقالت المصادر التي اشترطت عدم الكشف عن هويتها: إن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للخام في العالم، ارتفعت بمقدار 2.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 16 مايو.

وكشف مصدر بالقطاع عن أن إنتاج كازاخستان من النفط زاد بنسبة اثنين بالمائة في مايو، وهي زيادة تتحدى ضغوط منظمة أوبك على كازاخستان لخفض إنتاجها.

على صعيد آخر سجّلت مؤشرات الأسهم العالمية أداء متباينا في تعاملات اليوم، وتراجع مؤشر داكس الألماني، في التداولات الأوروبية المبكرة، بنسبة 0.3% ليصل إلى 23967.81 نقطة، كما تراجع مؤشر كاك 40 الفرنسي بنسبة 0.7% ليصل إلى 7891.05 نقطة.

واستقر مؤشر فوتسي 100 البريطاني دون تغيير تقريبا عند 8780.46 نقطة، وتراجعت العقود الآجلة لمؤشري ستاندرد آند بورز 500 وداو جونز الصناعي بنسبة 0.6 %، وفي آسيا، تراجع المؤشر الياباني 225 القياسي بنسبة 0.6% ليصل إلى 37298.98 نقطة.

وارتفع مؤشر هانج سنج في هونج كونج بنسبة 0.6% ليصل إلى 23827.78 نقطة، كما ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.2% ليصل إلى 3387.57 نقطة.

وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز/إيه إس إكس 200 الأسترالي بنسبة 0.5% ليصل إلى 8386 نقطة.

وارتفع مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية بنسبة 0.9% ليصل إلى 2625.58 نقطة، كما ارتفع مؤشر تايكس التايواني بنسبة 1.3%.

وأغلقت الأسهم الأمريكية على تراجع الثلاثاء؛ حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.4% ليصل إلى 5940.46 نقطة، مسجلًا أول انخفاض له منذ سبعة أيام. وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.3% ليصل إلى 42677.24 نقطة، كما تراجع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.4% إلى 19142.71 نقطة.

وفي أسواق العملة تراجع سعر الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني، ليصل إلى 144.10 ين ياباني من 144.51 ين، فيما ارتفع سعر اليورو ليصل إلى 1.1327 دولار من 1.1284 دولار.

مقالات مشابهة

  • فيديو نائب ترامب وتصريح استحالة بناء ديمقراطيات في الشرق الأوسط يشعل تفاعلا
  • حكام العرب يلهثون وراء ترامب .. واليمن تعلن التحدي ”
  • المغرب يعتبر حل الدولتين المفتاح الأساسي لضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط
  • نحو شروق جديد: الأمل يولد من رحم التحديات
  • أمريكا توافق على حضور الشرع اجتماعات الأمم المتحدة.. أول مشاركة منذ 1967
  • علاء فاروق: جهاز مستقبل مصر أكبر مطور زراعي في الشرق الأوسط
  • «إليفيت» تستحوذ على مجموعة «رايز جروب» الشرق الأوسط
  • منتدى قطر الاقتصادي.. 5 قوى ترسم مستقبل اقتصاد الشرق الأوسط
  • تزايد التوترات في الشرق الأوسط يعزز ارتفاع أسعار النفط العالمية