شبكة انباء العراق:
2025-07-30@06:24:14 GMT

مرارات فوق البحر الاحمر

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

بقلم: د. مظهر محمد صالح ..

دخل مكتبي ، رجل أشيب الرأس متوسط القامة ، عرف نفسهُ بأنه أستاذ الاقتصاد الكمي في واحدة من جامعات جنوب العراق ، ثم اخذ مجلسه على اول كرسي في الطرف الايمن من مكتبي ليبادرني القول مبتسماً هل رأيتني من قبل ؟ اجبته ربما ، هنا اطلق الرجل اساريره وعلت الابتسامة ثغره ثانيةً قائلاً :ما اسهل الكلام وما اشق اللحظات والمواقف …! و واصل حديثه ، انه من الصعب عليك ان تتذكرني مالم اكرر ما حدث لنا سوية قبل (اكثر من اربعين عاما ).


هنا توقف الرجل من فوره ملتزماً الصمت ليتركني في دوامة الانفعالات وانا ابحث عن الاستفهام والشوق الى المجهول ، حيث كان من ايسر الامور على نفسي في تلك اللحظات هي الغربة المتسارعة بين بحر الوجد وبحر الامل .ثم استدركت وانا ابحث في يقيني صفحة قديمة ليقلبها هذا الرجل في تاريخي الشخصي المليء بالمتاعب والمحن !! هنا اجبت الدكتور محمد القادم من الجنوب ، لا اتذكر يا استاذ ،فان سوء الحظ قد سلط علينا عدواً اسمه الافكار فغزانا من داخل ذكرياتنا وعبث فيها ايما عبث
خلال العقود العجاف الماضية ،فربما كان الحادث المشترك بيننا فريسة لقهر معُذب ، ولكن لابد من بلوغ الحقيقة.
تبسم الدكتور محمد ثانية وهو من شاطرني البؤس والخوف والهم فوق سماء البحر ، قائلاً لا اسعى الى هذه المقابلة العسيرة ولكن جئت كي اذكرك ما حصل لنا على متن الطائرة الخاصة الرسمية الحديثة الصنع والتي تحمل عنوان : Lockheed JetStar….!!!
هنا انسكب سم القلق ليبتعد عن نفسي ،فاطلقت ضحكة عالية قائلًا له كيف لا اتذكر وانت من جلس الى جانبي في تلك الطائرة التي اريد لها ان تسقط في الشعب المرجانية للبحر الاحمر!!! .
ففي شهر أيار /مايو من العام 1980 حملتنا طائرة رسمية صغيرة حديثة الصنع ،وفي اول طيران لها بعد قدومها من الولايات المتحدة وهي تتسع لمجموعة لايزيد عددها على عشرة اشخاص ، مُتسمةً بطابعها البيروقراطي من حيث طغيان الجلد الابيض الثمين على مقاعدها وسيادة اللون الذهبي على مقابضها المعدنية ومواسير المياه ، ويوحي لك مجلسها وانت داخلها شدة المكتبية الحكومية وطغيانها ، وهي محلقة في السماء مواصلةً رحلتها من بغداد الى دار السلام عاصمة تنزانيا الواقعة قبالة الساحل الشرقي لافريقيا .اذ حملت الطائرة وفدا رسميا فنيا يراسه سياسي كبير صوب هذه الدولة الفقيرة ، لتحظى حكومة الرئيس جوليوس نايريري بقرض من الاموال التي وفرتها ريوع دورة الاصول النفطية التي تراكمت في نهاية سبعينيات القرن الماضي قبل ان تفنى موارد البلاد في حرب هوجاء في الاشهر اللاحقة .
ففي سماء البحر الاحمر اخذت طائرة JetStar بالنزول تدريجياً من مستوياتها العالية وصارت تلامس لمعان الامواج الا قليلاً ، ولم يمر حينها من امامي سوى ذلك الشاب مهندس الطائرة الذي حانت منه شدة نظره الى ارض الطائرة وان مفاصله ترتعد خوفاً صامتًا وهو يذهب مسرعاً بين مقدمة الطائرةً ويعود الى مؤخرتها بذهن مشتت . فالمنظر وسيناريو الاحداث اللحظية بات مرعباً ولم يبرح مخيلتي .اما زميلي محمد الذي جلس الى جانبي فقد حمل منظر البحر فوق راسه وهو ينظر الي بعينٍ متلصصة حذره ، وغدا كلانا يختلس الخوف بالنظر نحو مهندس الطائرة لنتسائل ما الخطب ايها الرجل ؟ فكانت اجابته لاشيء . ولم يفصح وجه ذلك الشاب المهندس عن تعبير محسوس في مفاصل وجهه ، سوى سحنة واحدة تدفع اساريره صوب الخوف بلا حذر.وظل يسرع الذهاب والاياب وهو يتمتم في نفسه ليقتنص فرصة للحزن الداكن بعد ان طغى الخوف على انفاسه.
هبطت الطائرة على مدرج طاريء في مدينة جدة ، واحاطتها في الوقت نفسه عدد من سيارات الاطفاء والاسعاف من كلا الجانبين لتواكب الطائرة بسرعات عالية وهي تترنح على مدرج الهبوط الاضطراري.
مضت ساعات قليلة من الانتظار ولم يكتشف فريق الصيانة التابع لشركة لوكهيد اي عطل ، بعد ان اشروا فجأة ان هناك عطل متعمد بفتح الملفات الفولاذية التي تربط مقدمة الطائرة في بدنها ، وهو فعل مروع اريد منه احداث خلل في توازن الضغط داخل الطائرة نفسه ، ما قد يتيح سقوطها بعد قطعها مسافات محددة.
انتهت اللعبة وواصلنا الطيران صوب العاصمة التنزانية دار السلام ونحن جميعا نغفوا بصمت مطبق ،لنذهب في اليوم التالي مباشرة الى وزارة المالية التنزانية التي كتب على مدخل بوابتها و باللغة السواحلية ( وزارة يا فدا) اي (وزارة الفدية او المال). استدركت في نفسي ما هي الفدية التي ستدفع الى الحكومة التنزانية ؟ هل نحن ام القرض ؟انه المال المجهول الذي افتتحنا به رحلتنا الى شرق افريقيا بالتقلب على ظهر طائرة JetStar فوق البحر الاحمر !!! ام انه يوم لاتكفي فيه الفدية و لاتمضي الا في رحلة هابطة نحو اعماق مياه البحر الاحمر، كي تنعقد المكيدة .
ضمت الطائرة شخصية اقصيت من مناصبها كافة بعد العودة بفترة قليلة كي اتيقن انها المكيدة الخفية . فربما لا تصنف مثل هذه الحوادث بالصدف القدرية طالما ظلت ايادي الخصومة تتهاوى من امامي وهي تدير مكرها بخبث محكم لترمي مراراتها في النهاية كضحايا فوق البحر الاحمر.

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات البحر الاحمر

إقرأ أيضاً:

مراسل سانا: بدء المؤتمر الصحفي الخاص بإطلاق فعاليات الدورة الـ 62 من معرض دمشق الدولي، التي تقام خلال الفترة من الـ 27 من شهر آب المقبل حتى الـ 5 من أيلول

2025-07-28BOUTHINA BOUTHINAسابق المخابر البيطرية الحكومية خط الدفاع الأول عن الثروة الحيوانية في سورياالتالي المدير العام للمؤسسة السورية للمعارض والأسواق الدولية محمد حمزة: معرض دمشق الدولي حدث تاريخي عريق طالما شكل علامة فارقة في المشهد الاقتصادي السوري والعربي والدولي انظر ايضاًالمدير العام للمؤسسة السورية للمعارض والأسواق الدولية محمد حمزة: معرض دمشق الدولي حدث تاريخي عريق طالما شكل علامة فارقة في المشهد الاقتصادي السوري والعربي والدولي

آخر الأخبار 2025-07-28المدير العام للمؤسسة السورية للمعارض والأسواق الدولية محمد حمزة: معرض دمشق الدولي حدث تاريخي عريق طالما شكل علامة فارقة في المشهد الاقتصادي السوري والعربي والدولي 2025-07-28مراسل سانا: بدء المؤتمر الصحفي الخاص بإطلاق فعاليات الدورة الـ 62 من معرض دمشق الدولي، التي تقام خلال الفترة من الـ 27 من شهر آب المقبل حتى الـ 5 من أيلول 2025-07-28المخابر البيطرية الحكومية خط الدفاع الأول عن الثروة الحيوانية في سوريا 2025-07-28الصحة السورية تبحث تعديل المرسوم الناظم لعمل المنشآت الصحية الخاصة 2025-07-28سوريا والهند تبحثان تعزيز العلاقات الثنائية 2025-07-28وزير الصحة السوري يبحث مع وفد هندي تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدوائية والتدريب الطبي 2025-07-28الأمن الداخلي في حلب يلقي القبض على اللواء الطيّار في النظام البائد عماد نفوري 2025-07-28مدير المؤسسة السورية للمخابز محمد الصيادي لـ سانا: وزارة الاقتصاد والصناعة تعمل رغم التحديات على إيصال الطحين إلى محافظة السويداء بشكل يومي، بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والإنسانية 2025-07-28مدير المؤسسة السورية للمخابز محمد الصيادي لـ سانا: المخابز في محافظة السويداء تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية حالياً، بالتنسيق مع المحافظة، وذلك بهدف تأمين الخبز للمواطنين من دون انقطاع 2025-07-28المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا الدكتور آدم عبد المولى لـ سانا: تواصل الأمم المتحدة جهودها في حشد الدعم وتعزيز التنسيق مع السلطات السورية لضمان استمرارية الاستجابة الإنسانية جراء الوضع في محافظة السويداء

صور من سورية منوعات اكتشاف بصمة يد عمرها 4 آلاف عام على أثر طيني مصري 2025-07-28 رجل صيني يثير جدلاً بتحويل سيارته إلى حوض أسماك متنقل 2025-07-28
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • بعد موجة الحر الشديد التي ضربت لبنان... كيف سيكون طقس الأيام المقبلة؟
  • اللواء محمد القادري: لدينا مفاجآت كبيرة في المرحلة الرابعة من التصعيد
  • اليوم .. شباب الطائرة يلتقي بولندا في بطولة العالم
  • وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار: سوريا الجديدة هي المنتجة التي تعيد تشكيل معاملها وبناء إنتاجها
  • محمد معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة
  • وكيل وزارة الصحة يتفقد مركز علاج ضربات الشمس بالبحر الاحمر
  • مراسل سانا: بدء المؤتمر الصحفي الخاص بإطلاق فعاليات الدورة الـ 62 من معرض دمشق الدولي، التي تقام خلال الفترة من الـ 27 من شهر آب المقبل حتى الـ 5 من أيلول
  • بيان أمني من كوردستان: الطائرة التي سقطت في اربيل مفخخة ولا إصابات
  • الحوثيون يوسّعون دائرة التصعيد: وتهديد صريح باستهداف السفن في البحر الاحمر
  • محمد أبو العينين: الشعب لديه وعي بكل المخططات التي تدار ضد الدولة