لا يوجد طرف لديه مصلحة في تصدع التحالف بين الجيش والحركات المسلحة غير العدو
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
الجيش السوداني، المؤسسة التي يقع على عاتقها الدفاع عن وجود الدولة والتصدي لأخطر مؤامرة تهدد كيانها، ومن موقع المسئولية والسعي للانتصار في هذه الحرب الوجودية، لا يمكن أن يخسر الحركات الموقعة على اتفاق جوبا كحليف عسكري مهم وحاسم ويجعلها تتحول من حليف إلى عدو.
بحسابات الحرب والمعركة لا يمكن أن للجيش أن يفرط في التحالف مع الحركات المسلحة مهما كانت الخلافات.
الجيش كمؤسسة احترافية يدرك أكثر من أي طرف آخر، أهمية حليف مثل القوات المشتركة في المعركة الحالية، ومن الناحية العسكرية البحتة لا يمكن أن يخسر هذا الحليف.
وعليه، فلا يوجد لدى الجيش ما يدعوه لإثارة خلافات ومشاكل قد تؤدي إلى خسارة حليف عسكري في معركته المصيرية، والتي بذل فيها أغلى الأثمان وما يزال. هذه حرب وحرب وجودية وليست لعبة سياسية.
من الجهة الأخرى، فالحركات المسلحة ليس لها أي مصلحة في الخروج من هذا التحالف والقفز إلى المجهول، وفقدان إمتيازات اتفاق سلام جوبا؛ فهي بأي حال لا يمكن أن تحصل على وضع أفضل من وضعها الحالي. بالتالي لا يوجد أي مبرر منطقي يدعوها لمجرد التفكير في ابتزاز الجيش؛ خسارة الحركات في حال انهيار اتفاق سلام جوبا أكبر من خسارة الجيش عسكريا وسياسا، والحركات لديها من الخبرة السياسية ما يجعلها تدرك ذلك بوضوح. وبالتالي، فإن فكرة أن الحركات تهدد أو تبتز غير واردة، ولا تعدو كونها مجرد اتهامات في إطار الحرب السياسية ضدها.
لا يوجد طرف لديه مصلحة في انهيار أو تصدع التحالف بين الجيش والحركات المسلحة غير العدو الذي يقاتله الطرفان. والطرفان، الجيش كمؤسسة عسكرية محترفة والحركات المسلحة كقوى عركتها التجربة، لا يمكن أن يفكر أي منهما في العبث بهذا التحالف من أجل تحقيق مكاسب زائفة. فإذا كان هناك من يسعى للوقيعة بينها فهو طرف ثالث، وهو عدو.
بالنسبة للخلافات حول اتفاقية جوبا، فإن مطالبة الحركات بالوفاء بهذه الاتفاقية حق مشروع وليس جريمة سياسية. حق طبيعي وبديهي. لو كانت الحركات تتكلم عن شيء أكثر من الاتفاقية كان يمكن أن نقول إن هذا ابتزاز أو طمع. ضمن حدود الاتفاقية هذا حق مشروع.
صحيح بعد ذلك قد تحدث اختلافات بين أطراف الاتفاق حول بعض البنود أو ما شابه، وهذا خلاف سياسي عادي قد يحدث ويجب أن يبقى خلافا سياسيا داخل البيت الوطني ويحل بالحوار.
فكرة أن تطالب الحركات بالتنازل عن حصتها بموجب الاتفاقية لأن هناك معركة كرامة وطنية ويجب أن تتجرد وتقاتل بلا مقابل هذه فكرة طفولية لا تستحق حتى أن تناقش.
أي نقاش حول اتفاقية جوبا وإعادة النظر فيها يجب أن يسلم أولا بالاتفاقية وما فيها كشيء ملزم من ناحية كونه عهد وميثاق بين طرفين. بعد ذلك يمكن فتح حوار حول الاتفاقية ونصيب الحركات بالتراضي وهذا يستلزم وجود إطار أوسع يجري فيه هذا النقاش. بمعنى أن الحركات يمكن أن تقبل التنازل عن بعض مكاسبها إذا كان هناك مشروع وطني أوسع وأكثر إقناعا، تشارك فيه كطرف أصيل. ولكن في ظل غياب المشروع يبقى أي نقاش حول إعادة النظر في الاتفاقية يدور في الإطار القديم البائس للصراع حول السلطة كغنيمة، وداخل هذا الإطار لا يمكن تحقيق أي نوع من التنازلات؛ لأنه ببساطة لا توجد غاية أسمى تجعلني أتنازل عن حقي لطرف آخر.
الخطوة الأولى لكي تقدم حركات اتفاق سلام جوبا تنازلات في السلطة هو أن تكون في موقع صاحب السلطة، أي أن تكون هي صاحب البيت الذي يدعو الآخرين، مع من يملك حق الإعطاء والمنع على قدم المساواة، في هذه الحالة يمكن أن تتنازل. ولكن ما دامت الحركات في موقع المطالب الذي يريد أخذ حقه من المركز، المركز الذي يملك الحق في توزيع الامتيازات، فهي ستبقى متمسكة بحقها الذي اتنزعته بالاتفاقية.
المشكلة هنا في نموذج العلاقة بين الحركات والدولة، علاقة المركز الذي يملك والهامش الذي يطالب بحصته من المركز (صاحب السلطة). هذا النموذج هو الذي يجب أن يتغير.
لنتخيل الحركات الآن كمالك للسلطة، كجزء من مركز السلطة والقرار في الدولة بحق، ووجدت نفسها مطالبة من قبل الآخرين بالمشاركة: نريد حقوقنا معكم، يمكن أن نتخيل الحركات هنا وهي تقدم التنازلات من موقع السلطة والمسئولية. ولكن ما دامت الحركات هي مجرد ضيف طارئ في هذه السلطة، فمن الطبيعي أن تتمسك بما اكتسبته.
ما نحتاجه هو مشروع سياسي تكون فيه الحركات المسلحة وكذلك بقية المكونات السياسية أصحاب حق أصلاء على قدم المساواة، وبشكل حقيقي. حينها يمكن أن تنتفي الحاجة إلى اتفاق سلام جوبا وتجاوزه بشكل كامل نحو مشروع أشمل وأكمل.
وإلى حين تحقيق هذا المشروع، فليس أمامنا سوى الاستمرار في الصيغة الحالية لاتفاق سلام جوبا وشراكة الحركات المسلحة وتحالفها مع الجيش، كصيغة لا تملك شيء أفضل منها.
حليم عباس
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الحرکات المسلحة اتفاق سلام جوبا لا یمکن أن لا یوجد
إقرأ أيضاً:
الريال اليمني بين أنياب المضاربين والبنك المركزي خارج اللعبة.. ما الذي يمكن فعله؟
في ظل انهيار متواصل وغير مسبوق، يتآكل سعر الريال اليمني يومًا بعد يوم أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، ليتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد 2800 ريال، بينما تغرق الحكومة الشرعية ومؤسساتها المالية في صمت طويل يشبه الاستسلام، وتستمر الأسواق بالاشتعال، ويظل المواطن اليمني هو الضحية ومن يدفع الثمن من قوت يومه.
التدهور الحاصل ليس مجرد أزمة صرف عابرة، بل يعكس انهيارًا عميقًا للبنية الاقتصادية والنقدية في اليمن، وسط فراغ سياسي، وغياب شبه كلي للمؤسسات المالية الفاعلة، وتضارب في مراكز القرار الاقتصادي.
هذا التقرير يرصد - بتحليل معمق - الأسباب الاقتصادية والمؤسسية التي تقف خلف الانهيار، ويسلط الضوء على تداعياته الكارثية، مستندًا إلى آراء الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، وتحذيرات المؤسسات الأممية، وتحليل المشهد المالي الميداني، بالإضافة إلى ملاحظات مهمة من الخبير المصرفي علي أحمد التويتي.
أزمة بلا مركز: حين تفقد السياسة النقدية فعاليتها
يؤكد الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن ما يحدث اليوم في سوق الصرف هو نتيجة طبيعية لفقدان السيطرة النقدية، وعجز البنك المركزي عن أداء دوره الأساسي، فمع توقف تصدير النفط “الذي يُعتبر المصدر الأول للعملة الأجنبية”، وتقلص المساعدات الدولية، إضافة إلى تراجع التحويلات الخارجية، وفقدان الثقة في المؤسسات الحكومية، فقد الريال اليمني أهم موارده، وبات مكشوفًا دون أي موارد للعملة الصعبة.
يقول نصر:“البنك المركزي في عدن يواجه بيئة سياسية وأمنية ومؤسسية شديدة التعقيد، تدخله في سوق الصرف ضعيف وموسمي، ويفتقر إلى رؤية نقدية واضحة. ودون أدوات تدخل فعالة واستقلالية كاملة، لا يمكن للبنك أن يضبط سوقًا بات خاضعًا لتجار العملة وليس لسياسات الدولة”.
في هذا السياق، يوضح الخبير المصرفي علي التويتي أن أداء البنك المركزي يعاني من قصور بالغ، لكنه ليس المسؤول الأول عن الانهيار، لكونه يفتقر إلى الموارد والإيرادات الكافية أصلاً.
ويضيف قائلًا: “البنك المركزي بلا أدوات حقيقية، بينما تُترك السوق مفتوحة للمضاربة، لكن التقصير الأكبر تتحمله الحكومة التي فشلت في تنظيم السوق النقدي أو توحيد السياسة المالية”.
الريال اليمني تحت سطوة السوق السوداء؟
تُسعر العملات الأجنبية في اليمن اليوم خارج أي منظومة رسمية، فالسوق المصرفي بات عشوائيًا غير منظم، وغير خاضع لأي سياسة اقتصادية شاملة، تتحكم به شبكات من المضاربين وشركات الصرافة، في ظل تراجع ملحوظ لدور البنوك التجارية، وعدم قدرة البنك المركزي على إدارة السيولة أو ضبط التدفقات النقدية.
يشير مصطفى نصر إلى أن البنية المؤسسية الضعيفة والفساد المالي هما من أبرز العوامل التي أفرغت البنك المركزي من أدواته:
“البنك عاجز عن مراقبة السوق، لأنه لا يمتلك احتياطات كافية، ولا قدرة على إدارة التدفقات النقدية أو حتى تنظيم مزادات شفافة لبيع العملة. في هذه الحالة، تغدو السوق السوداء هي الموجه الأساسي لسعر الصرف”.
وهنا يضيف التويتي أن أحد أخطر جوانب الأزمة هو اعتماد التجار بشكل شبه كلي على السوق السوداء لتوفير الدولار، وهو ما يجعل السوق عرضة دائمة للمضاربة، ويسهم في رفع سعر الصرف بشكل يومي حتى دون تغير حقيقي في العرض والطلب.
ورغم محاولة بعض السلطات اتخاذ إجراءات رقابية أو فرض هوامش تسعير، إلا أنها غالبًا ما تُطبق بشكل جزئي ويفتقر تنفيذها إلى الانضباط، ما يجعل أثرها محدودًا أو منعدمًا.
فوضى القطاع المصرفي.. وشركات الصرافة كواجهة نفوذ؟
في خضم الأزمة النقدية المتفاقمة، تقف البنوك اليمنية على هامش المشهد، فيما تتصدر شركات الصرافة واجهة النشاط المالي في البلاد، وهو ما يصفه الخبير الاقتصادي مصطفى نصر بأنه نتيجة مباشرة لانهيار المنظومة المصرفية الرسمية، وارتهانها لاقتصاد غير منظم باتت تهيمن عليه شبكات نفوذ تعمل خارج القانون.
ويرى نصر أن ما يُفاقم الأزمة هو العدد المهول لشركات الصرافة التي لا تخضع فعليًا لأي تنظيم أو رقابة فاعلة، مؤكدًا أن كثيرًا من هذه الشركات تمثل “واجهات لنافذين” يستخدمونها كأداة لنهب السوق والمضاربة بالعملة، لافتًا إلى أن بعض تلك الكيانات بات يمتلك سيولة تتجاوز حتى قدرات البنك المركزي نفسه، مضيفًا أن هذا الواقع يُحبط أي محاولة لضبط سوق الصرف أو فرض سعر مرجعي، في ظل غياب أدوات رقابية مستقلة ومؤثرة.
من جانبه، يُحمّل الخبير المصرفي علي التويتي الحكومة والبنك المركزي مسؤولية ترك شركات الصرافة تعمل خارج الإطار المؤسسي دون تنظيم حقيقي، ويشير إلى أن عدم دمجها في منظومة مالية خاضعة للرقابة يُبقيها فاعلًا خطيرًا في السوق، يسرع وتيرة انهيار العملة، ويُضعف من قدرة البنك على إدارة السياسة النقدية.
ويرى التويتي أن تحجيم نفوذ هذه الشركات لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال قرارات تنفيذية صارمة، تفرض معايير موحدة للترخيص والتشغيل، وتلزمها بالاندماج في شبكة مالية مركزية تُدار بشفافية وتُراقب بصورة يومية.
وفي المحصلة، فإن ترك سوق الصرافة بهذا الانفلات لا يمثل فقط خطرًا على الريال، بل يُهدد استقرار الاقتصاد برمته، ويحول النظام النقدي إلى بيئة خصبة للربح غير المشروع والفوضى المنظمة.
انقسام السلطة.. وموت القرار الاقتصادي
من أكبر معضلات المشهد المالي اليمني تعدد مراكز القرار، وانقسام السلطة بين أطراف متعددة داخل الشرعية نفسها، فضلًا عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء. هذا الانقسام السياسي - بحسب مصطفى نصر - هو العائق الأكبر أمام أي إصلاح مالي حقيقي.
وأضاف أن: “غياب الرؤية الاقتصادية في الحكومة الشرعية، وتعدد السلطات داخلها، جعل من اتخاذ القرار الاقتصادي مهمة شبه مستحيلة. فلا توجد إدارة موحدة للإيرادات أو المصروفات، وحتى الضرائب تُجبى بدون تنسيق بين الجهات الرسمية”.
أما علي التويتي، فيذهب إلى أن الانقسام السياسي لم يُسهم فقط في الانهيار الاقتصادي، بل بات المحرك الأكبر للفساد، بما في ذلك فساد “حكومة الشرعية”، كما يسميها، قائلًا:
“الانقسام شل كل أدوات الرقابة، وفتح المجال أمام مراكز النفوذ للسيطرة على الموارد المالية من نفط وغاز وجمارك وغيرها. لا يمكن مواجهة الانهيار دون مواجهة هذا الانقسام”.
تداعيات اقتصادية وإنسانية: الفقر يبتلع الدولة
الآثار المباشرة لانهيار الريال اليمني تطال المواطن العادي أولًا، لا سيما الموظفين الذين لا تزال رواتبهم تُدفع بالريال دون أي تعديل مقابل التضخم، كما ينعكس التدهور على أسعار السلع الأساسية، ما يرفع تكلفة المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، ويزيد من حدة انعدام الأمن الغذائي، خصوصًا في المحافظات المحررة التي تُديرها الحكومة الشرعية.
في هذا السياق، حذر تقرير مشترك صادر عن منظمة الفاو وبرنامج الغذاء العالمي واليونيسف من أن 5.38 مليون شخص في مناطق الحكومة يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينهم 1.5 مليون في “مرحلة الطوارئ”، كما يتوقع التقرير انزلاق مئات الآلاف الإضافيين إلى هذه الحالة بحلول أوائل 2026.
ويشير ممثل الفاو في اليمن إلى أن ضعف الإنتاج الزراعي، وتراجع الأمطار، وانتشار الأمراض في الثروة الحيوانية كلها عوامل تُعمق الأزمة، فيما تؤكد اليونيسف أن 2.4 مليون طفل دون الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، يُهدد نموهم وبقاءهم على قيد الحياة.
وتعليقًا على ذلك، قال سيمون هوليما، نائب مدير برنامج الأغذية العالمي في اليمن، في تصريح له بأن:
“عدد الأشخاص الذين لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية يتزايد بشكل مثير للقلق، وعلينا التحرك الآن”.
أما ممثل الفاو الدكتور حسين جادين، فأوضح أن الزراعة هي بوابة الخروج من الأزمة، قائلًا:
“بإمكاننا تنشيط الإنتاج الغذائي المحلي وحماية سبل العيش… لكننا بحاجة إلى دعم عاجل ومنسق”.
من جانبه، علق التويتي على هذا بأن تداعيات الانهيار لم تعد تقتصر على المواطن العادي، بل تطال الجميع بمن فيهم التاجر والحكومة نفسها، مضيفًا أن اليمن دخلت فعليًا مرحلة “نقطة اللاعودة” ما لم تحدث معجزة مالية، على حد وصفه.
ما الذي يمكن فعله؟ خارطة طريق لم تُرسم بعد؟
يرى الخبير الاقتصادي مصطفى نصر أن أي معالجة جدية لانهيار الريال تبدأ من توحيد السياسة النقدية، وإنهاء الانقسام بين البنكين المركزيين في صنعاء وعدن، بما يعيد فعالية أدوات الرقابة النقدية وضبط سوق الصرف، كما يشدد على أهمية تعزيز استقلالية البنك المركزي وتوفير الموارد الكافية له، لا سيما من خلال استئناف تصدير النفط والغاز بشكل منتظم وتوريد عائداته عبر قنوات شفافة.
ويضيف نصر أن الإصلاح المالي لا يكتمل دون استقرار سياسي شامل، إذ لا يمكن بناء ثقة المواطن أو السوق دون حكومة موحدة وفاعلة تطبق مبادئ الشفافية وتدير الموارد بفعالية.
من جانبه، يتحدث التويتي عن ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لكبح الهدر، أبرزها وقف مخصصات الإعاشة ومرتبات المسؤولين في الخارج، وإعادة النظر في أسعار بيع الغاز المنزلي والبترول في مأرب، التي تُعد أقل من كلفتها الحقيقية وتفتح أبوابًا للتهريب.
كما يشدد على ضرورة تحصيل الإيرادات العامة في حساب مركزي واحد، وتنظيم قطاع الصرافة للحد من المضاربات التي تغذي انهيار العملة.
ورغم اختلاف زاوية المعالجة بين نصر والتويتي، إلا أن كليهما يلتقيان عند نقطة مركزية: لا يمكن للاقتصاد أن يتعافى في ظل الانقسام السياسي، ولا يمكن للثقة بالعملة أن تُستعاد دون حكومة موحدة وفاعلة تعمل على الأرض، تدير الموارد وفق مبادئ الشفافية والحوكمة، وتستعيد ثقة المواطن والمؤسسات الدولية على حد سواء.
انهيار الريال هو مرآة انهيار الدولة
انهيار الريال لا يعكس ضعفًا في السوق فحسب، بل يُجسد فقدان اليمن لمنظومة اقتصادية مركزية، ولإرادة سياسية فاعلة تقود الإصلاح الاقتصادي الشامل. لذا فإن إنقاذ الاقتصاد لن يتم عبر الدعم الخارجي وحده، بل عبر إعادة بناء الدولة من الداخل، سياسيًا ومؤسسيًا، لتستعيد الثقة، وتُهيئ الأرض لإصلاح نقدي حقيقي.
حتى ذلك الحين، سيبقى المواطن اليمني يتلقى ارتدادات هذه الأزمة كل يوم، من سعر الرغيف، إلى قيمة الدواء، إلى وجبة قد لا تأتي أبدًا