عبد المعطى أحمد يكتب: 87 عاما على معاهدة 1936
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
فى واحدة من مراسلاتهم القيمة كتب الأديب الكبير توفيق الحكيم إلى رفيق مشواره العميد طه حسين: "أهنئك أولا باستقلال مصر، وأرجو بعد ذلك أن تنظرمصر قليلا إلى وجهها فى المرآه، وأن تتزين جسما وروحا حتى تكون خليقة بمكان شريف بين الدولة الجالسة أمام مائدة الحضارة".
قصدت هذه الرسالة أيدى المرسل له فى 31 أغسطس 1936، وذلك بعد أيام قليلة من توقيع مصر الاتفاقية فى 26 أغسطس 1936 أى منذ87 عاما، والتى أخرجت جنود الاحتلال الانجليزى من كل اركانها حتى منطقة قناة السويس.
البداية كانت بالوزارة الثالثة لمصطفى النحاس باشا(1879-1965) والذى تحل ذكرى رحيله هذه الأيام، وهى الوزارة التى استمرت بين مطلع مايو 1936 ونهاية يوليو 1937 مكنت النحاس من استكمال المفاوضات مع بريطانيا والتى كانت قد بدأت فى 2مارس 1936 بقصر الزعفران قبل ان تنتقل صيفا إلى قصر انطونياس بالاسكندرية.
كان الهدف مناقشة إلغاء التحفظات الأربعة التى رافقت إعلان بريطانيا من جانب واحد إستقلال مصر، والمعروف بتصريح 28 فبراير 1922 فقد اعتبرت كل الأحزاب والقوى الوطنية المصرية ذلك الاستقلال منقوصا بسبب التحفظات التى تحفظ لبريطانيا تأمين خطوط مواصلاتها بمصر، والدفاع عن مصر ضد أى اعتداءات خارجية ، وكذلك حماية المصالح الأجنبية والأقليات فى مصر. كما منحت نفسها حق التصرف فى الأراضى السودانية، وراوغت بريطانيا كثيرا، وكان من أدوات المراوغة طلب المندوب السامى البريطانى فى مصر السير مايلز لامبسون موافقة كل الأحزاب المصرية على خوض المفاوضات، وقد كان إلا فيما كان من رفض الحزب الوطنى الذى تمسك بمبدأ إرجاء المفاوضات إلى مابعد إتمام الجلاء البريطانى.
وقد كان أن جرت المفاوضات وافضت فى النهاية إلى توقيع اتفاقية 1936 فى 26 أغسطس من العام ذاته، ونصت الاتفاقية على نقل القوات البريطانية من المدن المصرية إلى منطقة قناة السويس على ألا يزيد قوام هذه القوات فى وقت السلم على 10 آلاف جندى و400 طيار مع باقى الموظفين، ولبريطانيا الحق فى وقت الحرب زيادة أعداد هذه القوات وفقا للحاجة، وتبقى القوات البريطانية فى الاسكندرية لمدة ثمانية أعوام من تاريخ إبرام الاتفاقية، وأقرت حق مصر فى عقد الاتفاقيات السياسية مع أى دولة، وأن تلغى أى اتفاقية أو معاهدة تخالف هذه الاتفاقية، وأقرت أيضا مرور 20 ماما قبل إعادة تفاوض الجانبين حول النظر فى استمرار القوات البريطانية بمنطقة القناة، وقدرة الجيش المصرى على حماية الملاحة عبره، فضلا عن السماح لمصر بالانضمام إلى عصبة الأمم.
وقد واجهت هذه الاتفاقية معارضة شديدة من جانب كثير من القوى والأحزاب السياسية، وفى مارس 1950 طالب النحاس الدخول فى مفاوضات جديدة مع بريطانيا لتعديل الاتفاقية، واستمرت تلك المفاوضات تسعة أشهر تخللها الكثير من التعنت البريطانى مادفع النحاس إلى وقف المفاوضات وإعلان إلغاء المعاهدة قائلاعبارته الخالدة:"من أجل مصر وقعتها، ومن أجل مصر أعلن اليوم إلغاءها".
• أزمات مالية خانقة مرت بها مصر ابتداء من سنة 1864 إلى سنة 1875 مع انخفاض أسعار القطن وعجز الميزانية، وديون فادحة تراكمت على مصر أدت إلى صدور مرسوم فى ابريل سنة 1876 فى بورصة الإسكندرية بتوقف مصر عن سداد ديونها ثلاثة أشهر مما تم اعتباره وقوفا على حافة إعلان الإفلاس، ثم أقفزمع قراءة وثائق مصر إلى سنة 1907 وأرى الميزانية الرسمية لمصر والتى تذكر أن إيرادات مصر بلغت 14 مليونا وسبعمائة ألف جنيه مصرى، وأن المصروفات تبلغ14مليونا ومائتى ألف جنيه، مما يدل على تعادل الإيرادات والمصروفات، ثم أقفز مع وثائق مصر إلى دستور 1923، وبعده خطاب العرش أمام البرلمان المصرى سنة 1924 وورد فى نص الخطاب أن الايرادات والمصروفات فى مصر متعادلة، وان الاحتياطى قدزاد زيادة عظيمة، فاندهشت لهذا الوطن العظيم الذى تتزايد فيه الأزمات الخانقة حتى يبدو للمراقب من بعيد أن هذه الأزمة هى القاضية وأن هذا الوطن قد وصل إلى حالة الموت والدمار، ثم يولد الوطن من جديد، وتنفك أزمته حتى ينتقل من حالة تشبه الإفلاس سنة 1876 إلى قفزة كبيرة تتعادل فيها الايرادات والمصروفات سنة 1907
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: مشارف العودة إلى الاتحاد الإفريقي
بعد أكثر من ثلاث سنوات من التجميد، يبدو أن السودان بات على مشارف العودة إلى الاتحاد الإفريقي، مدفوعًا بجملة من التحولات السياسية والدبلوماسية التي بدأت تثمر مواقف أكثر تفهمًا من قبل المجتمع القاري تجاه الأزمة السودانية. هذه العودة لا تنفصل عن سياقات إقليمية ودولية، كما أنها تعكس صراعًا محتدمًا بين مساعي تثبيت الدولة الوطنية و محاولات الالتفاف عليها. في هذا المقال نستعرض مؤشرات هذه العودة المحتملة، والسياقات التي تجعلها ضرورة لتسريع الانتقال.
خلال الأشهر الأخيرة بات السودان على وشك العودة إلى الاتحاد الإفريقي، بعد أكثر من ثلاث سنوات من تعليق عضويته إثر إجراءات 25 أكتوبر 2021. وتُقرأ هذه العودة المحتملة في سياق انعكاس لتحولات داخل المشهد السياسي السوداني، وتفاعل مختلف المؤشرات والمعطيات الإقليمية والدولية المحيطة.
في 19 مايو 2025، أقدم الرئيس البرهان على تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، في خطوة وُصفت في عدد من التصريحات الدولية بأنها إشارة إيجابية نحو استعادة المسار الدستوري. فقد رحّب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، بهذا التعيين واعتبره خطوة نحو حكومة قد تسهم في تهيئة البيئة السياسية للانتقال المدني الشامل، وفقًا لما ورد في بيان رسمي صادر عن المفوضية نُشر عبر وسائل إعلام دولية، منها وكالة “رويترز”.
وقد جاء هذا التطور في سياق دبلوماسي حافل بالتحركات السودانية الهادفة إلى إعادة بناء جسور الثقة مع الاتحاد الإفريقي، وهو ما برز بوضوح الأسبوع الماضي من خلال المشاركة الرسمية للسودان في فعالية “يوم إفريقيا” بمقر الاتحاد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقد ضمّت المشاركة جناحًا ثقافيًا سودانيًا لافتًا، وكانت الأولى منذ قرار التجميد في أكتوبر 2021، وحظيت باهتمام واضح من قيادات إفريقية، أبرزهم رئيس مفوضية الاتحاد ووزير الخارجية الإثيوبي، كما أكدت تغطيات إعلامية لشبكة “BBC Africa”.
كذلك تبنّت قمة إحياء السلم والأمن لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة، والتي انعقدت في مدينة عنتيبي الأوغندية مؤخرًا، بندًا خاصًا تحت عنوان “التضامن مع السودان” في بيانها الختامي. وجاء في البيان دعم لخارطة طريق الحكومة السودانية، وتأكيد على سيادة السودان ورفض الحلول المفروضة من الخارج، وهي صيغة تحمل إدانة مبطنة لأي تدخلات إقليمية مباشرة، خاصة تلك التي تمارسها بعض الدول في دعم الميليشيا .
وقد نقلت وسائل إعلام رسمية، مثل “الشرق”، تصريحات من الوفد السوداني المشارك برئاسة مالك عقار، اتهم فيها دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وطالبها بوقف الدعم الذي تقدّمه.
لكن التحول الأبرز في العلاقة مع المنظمة تمثل في زيارة وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى بورتسودان في أكتوبر 2024 ، برئاسة السفير محمد جاد، سفير مصر لدى الاتحاد. وقد اعتُبرت هذه الزيارة، وفق مراقبين، أبرز محطة في مسار تطبيع العلاقات بين السودان والمنظمة القارية. وتأتي أهمية هذه الزيارة من كونها الأولى منذ اندلاع الحرب، وكونها أيضًا مثّلت اعترافًا ضمنيًا من الاتحاد بضرورة مراجعة مواقفه السابقة تجاه السودان، خاصة بعد أن عبّر الرئيس البرهان عن موقف حازم من توصيف الاتحاد لما جرى في أكتوبر 2021، معتبرًا أن السودان يواجه استعمارًا بالوكالة عبر ميليشيا متمردة مدعومة إقليميًا.
وفي هذا اللقاء، أشار البرهان إلى أن جزءً من البلاد “يقبع تحت احتلال ميليشيا متمردة مدعومة بمرتزقة أجانب”، وهو توصيف وجد طريقه إلى النقاشات الداخلية للمجلس، بحسب تسريبات صحيفة Jeune Afrique في تغطيتها بتاريخ 26 مايو 2025.
وأشار السفير محمد جاد حينها، في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام دولية، من بينها قناة “الحدث”، إلى أن الوفد لمس خلال زيارته تفاهُمًا واسعًا لضرورة استعادة السودان لعضويته، باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا لدعم جهود السلام وفتح قنوات التعاون، مؤكدًا أن الزيارة تؤسس لـ”خارطة طريق جديدة” لعودة السودان إلى المنظومة الإفريقية.
وتتزامن هذه التحولات مع استمرار انتهاكات جسيمة ترتكبها ميليشيا الدعم السريع، بحسب ما أكدته منظمات حقوقية ودولية، أبرزها “هيومن رايتس ووتش”، التي وثّقت في تقارير حديثة ارتكاب هذه القوات جرائم حرب في ولايات دارفور وكردفان. وآخر الإدانات صدرت أمس من الخارجية الأمريكية، نتيجة قصف الميليشيا منشأة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في دارفور، كما سبق أن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائدها محمد حمدان دقلو، وسبع من شركاته التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها.
هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن استعادة السودان لمقعده في الاتحاد الإفريقي ستكون تتويجًا لتحول سياسي ودبلوماسي كبير، ونجاحًا حقيقيًا للاتحاد الإفريقي في مغادرة موقع “المراقب السلبي” والتحول إلى شريك حقيقي في استعادة الأمن والسلام في السودان. عليه، فإن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد طبيعة العلاقة بين السودان والاتحاد الإفريقي. وحال تحقق ذلك، ستكون الخرطوم قد قطعت شوطًا مهمًا نحو استعادة موقعها كدولة محورية في القارة الإفريقية.
إبراهيم شقلاوي
الأحد 1 يونيو 2025م. Shglawi55@gmail.com
إنضم لقناة النيلين على واتساب