شهد البحر الأحمر منذ أواخر عام 2023 تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات البحرية التي تنفذها جماعة الحوثي، باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة وألغام بحرية وزوارق مفخخة. وقد أسفرت هذه الهجمات عن إغراق سفن تجارية وانسحاب كبرى شركات الملاحة من المسار البحري عبر مضيق باب المندب، مما تسبب في تهديد حقيقي للأمن البحري العالمي.

 

أمام هذا التصعيد، أعلنت أوروبا في فبراير 2024 عن إطلاق "مهمة أسبيدس" بقيادة فرنسية، لحماية خطوط الملاحة في البحر الأحمر. لكن المهمة اتسمت بضعف الإمكانيات وعجز واضح عن تغطية المسار الممتد من خليج عدن إلى قناة السويس. ومع مرور الوقت، ظهر فشل المهمة في تحقيق الردع، خاصة بعد أن تمكن الحوثيون من إغراق السفينة "TUTOR" في 12 يونيو 2024، وتبعها إغراق سفينة "RUBYMAR"، في هجمات شكلت نقطة تحول في مسار الصراع البحري (رويترز، يونيو 2024).

 

وبينما كانت أوروبا عاجزة عن الرد، أعلنت الولايات المتحدة في ديسمبر 2023 عن تشكيل تحالف بحري جديد باسم "حارس الازدهار" بمشاركة أكثر من 20 دولة، لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. لكن هذا التحالف ركز على الحماية الدفاعية دون مهاجمة مصادر الخطر الحوثية، ولم يسجل نجاحات نوعية، ما جعله أقرب إلى مظلة مراقبة منه إلى تحالف فاعل (القيادة المركزية الأمريكية، مايو 2024).

 

وفي هذا السياق، دخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الخط، مستغلًا تصاعد التهديدات البحرية في البحر الأحمر ضمن أجندته الانتخابية. ففي خطاب في يونيو 2024، صرّح ترامب بأنه لو كان في الحكم لردّ بقوة على الحوثيين، وأنه سيستخدم أزمة الملاحة كورقة ضغط على الصين في ملف التعرفات الجمركية، خاصة أن إغلاق البحر الأحمر يعيق وصول البضائع الصينية إلى أوروبا عبر قناة السويس (بلومبيرغ، يونيو 2024).

 

وفيما تستعرض القوى الكبرى حضورها في البحر الأحمر، تواصل إيران تعزيز الحوثيين بالسلاح والتقنيات العسكرية. ففي مايو 2024، أعلنت قوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عن ضبط شحنة أسلحة متطورة كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر سواحل الحديدة، شملت أجهزة اتصال عسكرية وأنظمة توجيه للطائرات المسيّرة والصواريخ. تؤكد هذه العملية استمرار التهديد الحوثي المدعوم إيرانيًا عبر خطوط تهريب بحرية نشطة (الإعلام العسكري، مايو 2024).

 

وبالنظر إلى تجارب الماضي، تكشف المقارنة بين الوضع الحالي وأزمة القرصنة الصومالية في خليج عدن بين 2008 و2013 عن مفارقة مؤلمة. حينها، نجحت عمليات دولية منسقة مثل "أتلانتا" الأوروبية وعمليات الناتو في تقويض القراصنة الصوماليين عبر تدخلات مباشرة واستخدام المراقبة الجوية والرد السريع. أما اليوم، فرغم أن الحوثيين يمتلكون قدرات أكبر ودعمًا خارجيًا، يبدو الرد الدولي أضعف وأقل فاعلية (مجلس الأمن، 2013).

 

نتيجة لذلك، أعلنت شركات مثل "Maersk" و"MSC" عن تحويل مساراتها من البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو مسار أطول وأكثر كلفة. تسبب ذلك في زيادة كلفة النقل البحري بنسبة تصل إلى 30%، ما انعكس على أسعار الوقود والبضائع في الأسواق العالمية (Lloyd’s List، يونيو 2024).

 

في ظل هذا المشهد، يبقى البحر الأحمر منطقة استراتيجية مفتوحة على مزيد من التصعيد ما لم يُعاد تشكيل تحالف بحري قوي، لا يكتفي بالمراقبة، بل يتجه إلى فرض قواعد اشتباك واضحة، وتفكيك منصات الهجوم الحوثية على الشواطئ اليمنية.

 

وخلال فترة قصيرة أغرق الحوثيين سفينتين تجاريتين هما ماجيك سيز و انتيرنيتي سي وفقدان وقتل بعض افراد طاقم الأخيرة، رغم توقف القصف الأمريكي على مليشيات الحوثي بوساطة سلطنة عمان.

 

وكان ضبط شحنة الأسلحة الأخيرة من قبل القوات الوطنية بقيادة العميد طارق صالح يعكس وجود قدرات يمنية ميدانية واعدة، لكنها بحاجة إلى دعم سياسي وعسكري واستخباراتي دولي، في مواجهة تهديد يتجاوز اليمن والمنطقة إلى الأمن البحري العالمي واستمرارً لنهج الحرس الثوري الإيراني بإرسال كميات 

ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة لجماعة الحوثي المصنفة كجماعة إرهابيةأجنبية من قبل الكثير و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و مجلس الدفاع الوطني الاعلى للجمهوريه اليمنية.

 

الخلاصة أن ضعف الرد الأوروبي، تردد الموقف الأميركي، وغياب التحرك العربي الجماعي، منح الحوثيين وإيران فرصة لإعادة رسم المشهد الاستراتيجي في البحر الأحمر، وتحويله من ممر تجاري إلى ساحة اختبار لأدوات الردع الإقليمي والدولي.

---

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

إحياء الموروث البحري بإبداع عصري

لكبيرة التونسي (أبوظبي)
نجح الإماراتي راشد محمد المرزوقي في نقل عشقه للبحر وهواية صيد الأسماك، إلى أسرته الصغيرة المكوّنة من زوجته وابنه وابنتيه سارة وسناء، وبفضل هذا الشغف، نشأ الأبناء على حب الصيد وتعلم الحِرَف التراثية البحرية، إلى أن شاركوا في بطولات مهمة مثل «صيد الكنعد». وتواصل الأسرة الحفاظ على الموروث البحري من خلال المشاركة في مختلف المحافل والمهرجانات والمعارض بمنتجات صحية، تشمل المالح والمخللات، بطريقة إبداعية مستدامة تهدف إلى حفظ هذا الإرث ونقله للأجيال المقبلة.

هواية
وتروي شيماء العطار (الأم) بدايات هذه الرحلة، وتقول: نشأت علاقة أبنائي بالبحر في وقت مبكر، إذا كان والدهم يصطحبهم معه في رحلات الصيد، ونمت هذه الهواية في دواخلهم، لدرجة أن أغلب ألعاب ابنتيها سارة وسناء كانت عبارة عن صنارات صغيرة، يرافقن بها والدهما ويشاركانه الصيد.
وتابعت: الأسرة تعلقت بالبحر وبصيد الأسماك، وتعلم الأبناء الصبر والتأني، واكتسبوا مهارات عدة، حتى أصبحنا اليوم نشارك في بطولات الظفرة لصيد الكنعد، كما شاركت أنا والابنتان في المسابقة الخاصة بالنساء، حيث تعلمن العمل ضمن فريق واحد، وتجاوزن التحديات، حتى أصبحن نحصد المراكز الأولى في هذه المسابقات، ومنها المركز الأول عام 2022 في بطولة الظفرة الكبرى لصيد الكنعد.
وأوضحت العطار أن سارة وسناء تعتبران من أصغر المشاركات في بطولات صيد السمك، ولا تقتصر مشاركتهما على البطولات فحسب، بل تحضران المزادات الخاصة بالسمك منذ صغرهما، وتصيدان السمك وتبيعانه في سوق السمك بميناء أبوظبي.

تفاعل إيجابي
بدورها أشارت سناء (13 عاما) إلى أنها تعشق البحر وتمارس الصيد، وورثت هذا الشغف عن والدها «النوخدة راشد»، موضحة أنها لطالما تلقت التشجيع والتحفيز منه، وبدأت في سن مبكرة إلى جانب أختها سارة ممارسة الصيد وبيع السمك وحضور مزادات السمك، مما جعلها تكتسب خبرة واسعة في هذا المجال. وبحكم حبها لموروث البحر، فكرت في صون جانب من هذا الإرث وإيصاله للعالمية، عن طريق «مخلل النيسر» وما يرافقه من مخللات أخرى، مثل «مخلل الليمون»، مشيرة إلى أن الفكرة جاءت من احتكاكها اليومي بأجواء البحر وتواجدها بسوق السمك لمساعدة والدها.
وأوضحت سناء أن شغفها بهذا المجال جعلها تخوض عالم صناعة المواد الغذائية المرتبطة بالبحر بشكل مستدام، وحققت تميزاً، حيث قدمت منتجاً جديداً من السمك المجفف، بشكل عصري وجذاب، لينافس الوجبات الحديثة التي يتعلق بها الأطفال والشباب، وهو ما يأتي في مصلحة استدامة هذه الأكلة التقليدية الشهيرة، لتظل محتفظة بحضورها على موائد الأسر الإماراتية.

أخبار ذات صلة توثيق التراث بالفن التشكيلي «ثقافة وسياحة أبوظبي» تعلن عن شركاء مؤتمر تيرا العالمي للعمارة الترابية

صناعة التغذية
وعن شغفها بالبحر، لفتت سارة (14 عاماً) إلى أنها نشأت في بيئة بحرية، ومارست صيد الأسماك في عمر الـ5 سنوات، وكانت تساعد والدها في بيع الأسماك في سوق السمك في ميناء أبوظبي، وتعلمت تجارة الأسماك وصناعة المالح، وتجفيف السمك وتمليحه بالتعاون مع شقيقتها سناء، ومن هنا جاءت فكرة الحفاظ على موروث الآباء والأجداد، عبر الانخراط في صناعة التغذية المرتبطة بالأسماك وما يرتبط بها من منتجات مثل المخللات ومالح الكنعد والبياح بزيت الزيتون وملح البحر.

موروث أصيل
تواصل الشقيقتان الإماراتيتان سارة وسناء تطوير مهارتهما بهدف صون حرف الأجداد البحرية واستدامتها، وتصنعان معاً منتجات مبتكرة وعصرية صحية مثل «مخلل النيسر». وتتطلع كل منهما إلى نقل هذا المنتج إلى العالمية ليرافق طلاب الجامعات والمسافرين خارج الدولة، كمنتج إماراتي أصيل يحمل نكهة البحر وروح التراث.

مقالات مشابهة

  • ترامب يقترب من صفقة تجارية كبرى مع الاتحاد الأوروبي
  • ترامب: فرصة جيدة لتوقيع اتفاق تجري مع الاتحاد الأوروبي
  • ترامب: فرص الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ضعيفة رغم رغبة بروكسل الشديدة
  • جورجيا تستضيف مناورات الناتو بمشاركة 2000 جندي وسط توتر مع الاتحاد الأوروبي
  • ترامب يصل إسكتلندا لإجراء محادثات بشأن اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي
  • ترامب يعلّق على اتفاق تجاري محتمل مع الاتحاد الأوروبي
  • اتفاق ستوكهولم.. خطأ الغرب الذي عزز قوة الحوثيين وأفشل الردع في البحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • إحياء الموروث البحري بإبداع عصري
  • ملوّحًا بتقديم مساعدات وتأشيرات.. الاتحاد الأوروبي يؤكد استعداده للتعاون مع المشير حفتر لمواجهة الهجرة
  • ترامب يفرض شرطاً مقابل خفض الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي