الثورة نت:
2025-07-27@00:35:21 GMT

غزة تموت واقفة.. والإنسانية تنهزم

تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT

 

 

في غزة لا تُسمع الانفجارات فقط، بل أنين المعدة الفارغة.
في غزة لا تُحسب الضربات الجوية، فقط، بل عدد الأيام التي قضاها طفل بلا طعام.
في غزة ثمة موت ناعم، صامت، لا تراه الكاميرات، ولكنه ينهش الأرواح والأجساد معاً.
هنا، لا نتحدث عن قنبلة تسقط فتمحو بيتاً، بل عن حليب لا يصل، عن رغيف يُمنع، عن شريان حياة يُقطع عمداً، وعن ضمير عالمي يعرف، ويصمت.


طفل يموت لأن ثدي أمه جفّ، وامرأة تسقط في منتصف حملها لهزال جسدها وانعدام الدواء، ورجل ينهار على باب فرن مغلق بعدما بلع صبره ولم يجد كسرة.
إنه الجوع… أبشع وجوه القتل.
2.1 مليون إنسان في غزة يعيشون اليوم تحت حصار غذائي كامل.
69 % من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، و470 ألفاً – أي ربع عدد السكان تقريباً – يعيشون في المرحلة الخامسة من المجاعة، وهي الدرجة القصوى قبل الهلاك.
هذا كلّه بحسب تقارير مشتركة من برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
هذا ليس كل شيء.
منظمة الصحة العالمية أكدت أن 57 طفلاً ماتوا بالفعل بسبب سوء التغذية منذ بدء الحصار الكامل في آذار 2025. والأسوأ لم يأتِ بعد، إذ يُتوقع أن 71 ألف طفل دون الخامسة سيحتاجون إلى علاج عاجل من الجوع في الأسابيع المقبلة، و17 ألف أم بين حامل ومرضع مهددات بفقدان حياتهنّ أو حياة أطفالهنّ إن لم يتوافر الغذاء.
وفي تقارير «الأونروا»، طفل من كل عشرة أطفال يخضع للفحص، يُكتشف أنه يعاني من سوء تغذية حاد. و«سوء التغذية» هو «الاسم العلمي» للجوع، اسم يزيل عن ضمائرنا ثقل الكلمة، وأثرها، ولكنه لا يزيل ألم الأطفال الجوعى، ولا ألم الآباء العاجزين.
هي مجاعة… مجاعة موثّقة، أرقام رسمية، جثث صغيرة تُحمل على الأكتاف، ورغم ذلك، لا أحد يتحرّك. لماذا؟ لأن هذا الموت يحدث في غزة.
كل هذا ليس عرضاً جانبياً للحرب، بل هو صلبها، هذه ليست «أخطاء في التنفيذ»، بل أدوات متعمّدة لفرض الجوع كسلاح عسكري
في العواصم البعيدة، تُعقد مؤتمرات صحافية دفاعاً عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وتُصاغ بيانات تقول إن الوضع الإنساني «مقلق»، بينما تمنع شاحنات الغذاء من العبور.
أن يموت الطفل لأن أمّه لا تجد ما تُطعم، أو لأن «العالم الحر» مشغول بتفسير حقّ «إسرائيل» في الحياة، بينما تُسلب الحياة من تحت جلد الفلسطيني… هذه وصمة، هذا موت لكل شيء، لكل روح، لكل معنى.
الازدواجية الأخلاقية باتت وقحة. الحياة تُمنح حسب الجغرافيا، والحق في الغذاء ليس حقاً إن كنت فلسطينياً، وحين يُقتل الطفل جوعاً، لا تُرفع لافتات «أنا فلان» في مدن العالم، بل يُدفن بصمت، كأن حياته لا تعني أحداً.
هذا الجوع ليس قضاءً ولا قَدَراً، ولا هو إحدى نتائج الحرب، بل هو سياسة ممنهجة، قرار سياسي متعمّد اتُّخذ وينُفّذ بدم بارد:
إغلاق المعابر بشكل تام منذ 2 آذار 2025، ومن قبلها حصار خانق منذ تشرين الأول 2023.
تعطيل عمل «الأونروا» والمنظمات الإنسانية، بتجفيف التمويل ومضايقة الطواقم.
سرقة القوافل الإغاثية، كما حصل حين نُهبت 98 شاحنة من أصل 109 في تشرين الثاني الماضي قرب معبر «كرم شالوم».
قصف مباشر لشاحنات المساعدات، واعتقال من يحاول إدخالها.
إطلاق نار على الناس في طوابير الغذاء، حيث قُتل نحو 875 فلسطينياً خلال الأسابيع الماضية أثناء انتظارهم لمساعدة إنسانية، بعضهم قُتل رمياً بالرصاص، وبعضهم دهساً، وبعضهم دهساً ثم قنصاً.
كل هذا ليس عرضاً جانبياً للحرب، بل هو صلبها، هذه ليست «أخطاء في التنفيذ»، بل أدوات متعمّدة لفرض الجوع كسلاح عسكري.
نحن نقف أمام محكمة لم تُعقد بعد، ولكن التاريخ سيفتح أبوابها، واليوم، تقف الإنسانية في قفص الاتهام، وكل صامت عن هذا الجحيم، هو شريك فيه.
كل طفل يذبل هناك، يُسقط ورقة من إنسانيتنا. فهل تبقّى من تلك الأوراق ما يكفي لسترنا؟ هل نبقى نعتبر أنفسنا «أخلاقيين» ونحن نرى شعباً يُجَوَّع عمداً، ثم نواصل حياتنا كأن شيئاً لم يكن؟ هل نسامح أنفسنا لأننا نشارك تغريدة، أو نغضب في سرّنا، بينما الموت يأخذ شكلاً إدارياً منظماً، ويُدار كملف أمني لا إنساني؟
هذا المقال ليس دعوة للشفقة، ولا حتى للتضامن العاطفي… إنه اتهام. اتهام لكل نظام صمت، ولكل مؤسسة تواطأت، ولكل شخص رضي أن يُقتل شعب بالجوع باسم الأمن. اتهام لنا جميعاً… القاعد منا والقائم، المجاهد والمتخاذل… حتى تمتلأ بطون الأطفال في غزة، كلنا متهمون… أو نموت دونهم.
ففي غزة، لا يُدفَن الموتى فقط، بل يُدفَن معنى العالم، وكرامته، وإنسانيته.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

رئيسة المكسيك تندد بأزمة الغذاء في قطاع غزة

استنكرت رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم، اليوم الجمعة، الأزمة الإنسانية في غزة بسبب نقص الغذاء في القطاع الفلسطيني جراء منع دخول المساعدات الإنسانية إليه.
وقالت شينباوم، في مؤتمر صحافي "بطبيعة الحال، نحن ندين ما يحدث الآن، والمكسيك تسعى بالأقوال والأفعال لبناء السلام".
وكانت منظمات إغاثة وأخرى تابعة للأمم المتحدة حذّرت من ارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد في قطاع غزة الذي منعت إسرائيل إدخال المساعدات إليه في مارس. وقد خُفّف هذا القرار على نحو طفيف بعد شهرين.

أخبار ذات صلة قوى أوروبية تدعو إلى "إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة فورا" غوتيريش: عدم التعاطف مع غزة انعدام للإنسانية المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • ذوو الهمم ينثرون قصصهم الإبداعية الفنية والإنسانية بنحن نلهم
  • غزة تموت جوعا.. اعتراف إسرائيلي بإتلاف 1000 شاحنة مساعدات
  • أطفال غزة الرضع أبرز ضحايا التجويع الإسرائيلي في غزة
  • رئيسة المكسيك تندد بأزمة الغذاء في قطاع غزة
  • 116 وفاة في غزة نتيجة المجاعة ونقص الغذاء والمساعدات الإنسانية
  • حزب السادات: مصر تتحرك من منطلق مسؤوليتها التاريخية والإنسانية تجاه غزة
  • أطباء غزة يعجزون عن معالجة المرضى بسبب الجوع
  • غزة تموت جوعًا لأغراض سياسية .. إسرائيل تستخدم سلاح الحصار وسط غياب العدالة الدولية
  • كندا تدين استهداف موظفي الأمم المتحدة وتدعو لمحاربة الجوع في غزة