الجزيرة:
2025-08-14@07:15:17 GMT

أي مستقبل لملف السويداء السورية؟

تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT

أي مستقبل لملف السويداء السورية؟

دخل ملف السويداء جنوب سوريا مرحلة جديدة تتسم بتزايد الفجوة بين القوى المسيطرة على المحافظة والحكومة السورية، في امتداد لارتدادات المواجهات المسلحة التي استمرت نحو أسبوعين في يوليو/تموز الماضي.

ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية لمعالجة تداعيات التصعيد الميداني، مثل تسهيل مغادرة عشائر البدو من مناطق التماس مع الدروز في السويداء، والعمل على استدامة دخول المساعدات، وتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات، فإن هذه الخطوات لا يبدو أنها كفيلة بالتوصل إلى حل نهائي قريب لهذا الملف الشائك.

الحكومة السورية سهلت مغادرة عشائر البدو وتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات (سانا)تصعيد سياسي

في العاشر من أغسطس/آب الجاري، أصدر اثنان من أبرز مشايخ العقل في السويداء، يوسف جربوع وحمود الحناوي المعروفان سابقا بتأييدهما للحوار مع الحكومة السورية، بيانات هاجما فيها الحكومة واتهما قواتها بارتكاب انتهاكات وعمليات "تطهير العرقي" في المحافظة، كما وجها الشكر لرئيس المحكمة الدرزية في إسرائيل موفق طريف.

وبدا ذلك وكأنه اصطفاف مع موقف حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل للدروز في السويداء، الذي شارك في التاسع من الشهر الجاري بكلمة عن بعد ضمن مؤتمر نظمه تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بمحافظة الحسكة وصفه مؤيدو الحكومة السورية بأنه "مؤتمر لحشد الأقليات ضد الأكثرية والحكومة".

وفي كلمته، دعا الهجري لأن يكون الاجتماع بداية لمسار جديد في "بناء الوطن"، وهو ما اعتُبر إشارة لعدم الاعتراف بدور الحكومة السورية، خاصة مع ظهوره وإلى جانبه راية الطائفة الدرزية من دون وجود العلم السوري.

وسبقت هذه التطورات خطوة لافتة تمثلت في إعلان المجلس العسكري والمرجعية الدينية في السويداء، في السابع من أغسطس/آب، تشكيل "اللجنة القانونية العليا" التي أسست بدورها مكتبا تنفيذيا لإدارة شؤون الخدمات، وجهازا للأمن الداخلي.

إعلان

وفسر مراقبون هذه الخطوة بأنها محاولة لترسيخ استقلالية المحافظة عن دمشق، التي ردّت بإحالة القضاة المشاركين في اللجنة إلى التحقيق.

وقد دفعت تلك الخطوات التصعيدية باتجاه إعطاء الأزمة طابعا شعبيا ولم تعد محصورة بالحكومة، حيث لاقت رفضا واسعا في الأوساط السورية واعتبرت خطوة أولية باتجاه الانفصال خاصة مع إزالة العلم السوري من السويداء.

ومن جهة أخرى، فإن الهياكل التي أعلنت عنها اللجنة القانونية تضم شخصيات عملت في نظام الأسد، وعلى رأسهم العميد أجود نصر الذي تم تكليفه بمنصب مدير الأمن الداخلي، وشغل سابقا منصب رئيس فرع الأمن السياسي في عهد بشار الأسد.

تكريس التدخل الدولي في السويداء

تصدر حكمت الهجري الأصوات التي طالبت بتدويل ملف السويداء وتوفير الحماية الدولية، وهو موقف عبر عنه منذ وقت مبكر وقبل اندلاع المواجهات الدامية التي شهدتها السويداء منتصف يوليو/تموز الماضي بين قوات عشائرية وفصائل درزية محلية، وما تبعه من تدخل للقوات الحكومية.

الجديد في مسار الدعوة للتدويل تمثل في انضمام شيخَي العقل الآخرين، يوسف جربوع وحمود الحناوي، اللذين يتقاسمان المرجعية الدينية مع الهجري، إلى المطالبة بالتدخل الدولي.

فقد تضمنت بياناتهما الأخيرة دعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية للتقصي عن الانتهاكات التي شهدتها السويداء، إلى جانب مطالبة الدول الضامنة بالتدخل لضمان انسحاب القوات الحكومية من المحافظة، في إشارة إلى الأردن والولايات المتحدة، اللذين يرعيان مفاوضات مع إسرائيل لخفض التصعيد بينها وبين دمشق، ويبحثان مع الحكومة السورية مستقبل المحافظة.

ومنذ موجة التصعيد الأخيرة في السويداء، ترفض الجهة المسيطرة على المدينة المتمثلة بالمجلس العسكري وبعض المجموعات المحلية أي تعاون مع الحكومة السورية حتى في إدخال المساعدات الإنسانية، حيث وافقت هذه الجهات فقط على أن يتولى الهلال الأحمر السوري مرافقة قوافل المساعدات التي ترسلها الحكومة ومنظمات إنسانية، مع رفض دخول أي وفد وزاري إلى المدينة، كما نادت أصوات من السويداء يتقدمها الهجري بفتح معبر حدودي مع الأردن.

وقد فتح التصعيد العسكري والتوترات الأمنية الباب أمام تدخل إسرائيلي أوسع، حيث أرسلت تل أبيب عبر طائرات مروحية مساعدات إلى السويداء منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، بالإضافة إلى نقلها جرحى إلى المشافي الإسرائيلية.

كما أكدت تقارير صدرت عن وسائل إعلام سورية أن المروحيات الإسرائيلية حملت أيضا أسلحة لمقاتلي المجلس العسكري في السويداء، الأمر الذي يكرس البعد الخارجي في الأزمة، ويعقد من جهود حلها داخليا.

وأكد موقع أكسيوس بعيد اللقاء، الذي احتضنه الأردن في 12 أغسطس/آب الجاري، أن واشنطن تتوسط لدى دمشق من أجل الموافقة على فتح معبر إنساني بين إسرائيل والسويداء، وتعارض دمشق هذه الخطوة تحسبا من استخدام الممر لتهريب السلاح، ويعكس هذا التطور حالة تدويل ملف السويداء.

عوامل مؤثرة في مستقبل الأزمة

يرتبط مستقبل أزمة السويداء بجملة من العوامل الإقليمية والمحلية، في مقدمتها:

الموقف الإسرائيلي، ومدى استعداد تل أبيب لدعم المجلس العسكري وبعض المجموعات المحلية. إعلان

وكان هذا العامل من أبرز أسباب تفاقم الأزمة، حيث زوّدت إسرائيل المجلس العسكري ببعض إمدادات السلاح قبيل المواجهات مع القوات الحكومية وبعدها، وتدخلت عسكريا عبر قصف القوات السورية التي دخلت المدينة منتصف يوليو/تموز الماضي، مما دفع الأطراف المحلية إلى مزيد من التشدد في مواقفها.

ورغم هذا الانخراط المباشر، لا تبدو إسرائيل معنية بالشكل الإداري أو القانوني الذي ستؤول إليه أوضاع السويداء بقدر ما تسعى إلى استثمار المكوّن الدرزي لضمان عدم وصول الجيش السوري إلى مناطق قريبة من الجولان المحتل.

وقد نقلت تقارير عبرية أن تل أبيب طالبت، خلال مفاوضات مع دمشق في باكو وباريس، بإبقاء الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح.

كما تكشف متابعة مراكز الأبحاث الإسرائيلية، ومنها معهد "ألما" الاستخباراتي، أن لدى تل أبيب هواجس من عقيدة الجيش السوري الجديد، خصوصا مع وجود قيادات ذات خلفيات جهادية ضمن صفوفه.

أما الموقف الأميركي، فسيحدد ما إذا كانت واشنطن ستضغط على تل أبيب لوقف تدخلها في السويداء.

وقد شهد 12 أغسطس/آب الجاري اجتماعا ثلاثيا في الأردن حول الجنوب السوري، انتهى بتشكيل مجموعة سورية أردنية أميركية لدعم جهود وقف إطلاق النار في السويداء، على أن تواصل اجتماعاتها لصياغة تصورات للحل.

ويندرج الموقف الأردني أيضا ضمن العوامل المؤثرة على مصير الأزمة.

وذلك، لما لدى عمّان من قدرة على لعب دور الوساطة بين الحكومة السورية والسويداء، فمن ناحية يمتلك الأردن علاقات جيدة مع الحكومة السورية، بالإضافة إلى اتصالات قديمة من قبل سنوات مع قيادات دينية ومجتمعية في السويداء.

ويبرز في هذا السياق مطلب فتح معبر مباشر بين الأردن والسويداء، حيث إن افتتاح المعبر سيسهم في تعزيز قدرات السويداء على الاستمرار في الاستقلالية عن دمشق وسيكون بطبيعة الحال مكسبا سياسيا مهما للجهات المسيطرة على السويداء في مواجهة الحكومة السورية.

ولا تتوفر حتى اللحظة مؤشرات على إمكانية موافقة عمان على هذا المطلب، في ظل تأكيدات على أنها تتعامل مع الجهات السيادية في سوريا.

أداء الحكومة السورية هو الآخر له انعكاسه على مصير أزمة السويداء.

فإظهار قدرتها على ضبط الأوضاع ومنع اندلاع موجات جديدة من التصعيد بين المكونات العشائرية والفصائل المحلية في السويداء، إضافة لقدرتها على تأمين الخدمات، ونجاحها في تعزيز التواصل مع الحراك السياسي والمجتمع الوطني سيساهم إلى حد كبير في تهدئة الأوساط الشعبية بالمحافظة، ويسحب ذرائع التدخل الخارجي وخاصة الإسرائيلي.

السيناريوهات المستقبلية المحتملة

في ظل الظروف والعوامل المحيطة والمؤثرة بأزمة السويداء، فيمكن القول إن مستقبل الأزمة سيسير وفق واحد من سيناريوهين:

السيناريو الأول

التوصل إلى حل قريب برعاية الوسطاء الدوليين، ويتضمن بقاء السويداء في إطار سوريا الموحدة، والعمل تدريجيا على إعادة الخدمات إلى المحافظة مع ربطها بالسلطة المركزية، على أن يتولى أبناء المحافظة إدارة شؤون هذه الخدمات، وخاصة من ناحية ضبط الأمن وعدم دخول عناصر من خارج المحافظة تجنبا لاحتكاكات جديدة، ليكون هذا الحل القريب من اللامركزية بمثابة بوابة لإعادة بناء الثقة مجددا.

ومما يعطي مؤشرات على إمكانية تحقق هذا السيناريو التأكيدات التي تضمنها البيان الثلاثي الأميركي الأردني السوري عقب لقاء عمان، والذي أكد على أن السويداء جزء من سوريا الموحدة، مع إشارات من المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك إلى التزام الحكومة السورية بزيادة تدفق المساعدات وتقديم الخدمات.

السيناريو الثاني

من المحتمل أن تتحول أزمة السويداء إلى مشكلة مزمنة مع بقاء الوضع على ما هو عليه من انتشار للقوات الحكومية في ريف المحافظة وبقاء المدينة تحت سيطرة المجلس العسكري، وضمان الحكومة السورية لمرور المساعدات لقطع الطريق على محاولات إسرائيل فتح ممرات مع السويداء بحجة تقديم المساعدات الإنسانية.

إعلان

ومن العوامل التي تدفع باتجاه هذا السيناريو التدخل الخارجي وخاصة الإسرائيلي الذي يساهم دوما في عرقلة التفاهمات بين الحكومة السورية والفعاليات في المحافظة.

ومن الممكن أن تعول الحكومة السورية هي الأخرى على عامل الزمن وحصول تغيرات في الحكومة الإسرائيلية مما يؤدي لاحقا إلى فك التعقيدات، بدلا من تقديم تنازلات تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها، أو توقيع اتفاقيات أمنية مجحفة مع إسرائيل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات مع الحکومة السوریة یولیو تموز الماضی المجلس العسکری فی السویداء أغسطس آب تل أبیب على أن

إقرأ أيضاً:

هل تلبي الموارد المتاحة خطط الحكومة السورية لتعافي الاقتصاد؟

وسط تحديات سياسية وأمنية ضاغطة، تحتاج الخطة التي رسمتها الحكومة السورية الجديدة للاقتصاد إلى موارد واستثمارات تقدر قيمتها الأولية، وفق حسابات المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبد الله الدردري، بنحو 36 مليار دولار.

فقد خلّف الصراع الذي امتد نحو 14 عاما أضرارا بالغة شملت معظم قطاعات الإنتاج، كما أخرج موارد مهمة من سلطة الدولة، كان من المفترض أن يدعم مردودها قطار التعافي الراهن، ويقلص زمن وصوله إلى التنمية المستدامة كمحطة أخيرة.

"تعرض كل شيء للدمار"، هكذا يختصر وزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار المشهد عن قرب. وفي السياق أيضا، تسجل لائحة الخسائر انكماش إجمالي الناتج المحلي بشكل تراكمي إلى أكثر من 50%، وانخفاض نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في عام 2024 إلى 830 دولارا (وهو أقل بكثير من الحد الدولي للبلدان المنخفضة الدخل) وفق تصنيف البنك الدولي.

لكن في المقابل، يرجح خبراء في الاقتصاد أن تؤدي الإجراءات الإصلاحية التي باشرت بها الحكومة منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، وشملت سياسات الاقتصاد الكلي والمالية العامة، والسياسات النقدية، مع تركيزها على الحوكمة الرشيدة للمال العام وسلامة الإدارة المالية والإدارة النقدية، إلى تعزيز خطوات التعافي، والتأسيس لاقتصاد منفتح يرسم خارطة جديدة للنمو والمساواة والرخاء.

ويتوقع البنك الدولي بهذا الصدد أن يتخلص الاقتصاد السوري من انكماشه، ويستعيد تطوره الإيجابي هذا العام، حيث تعكس المؤشرات إمكانية نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1% بعد انكماشه بنسبة 1.5% في عام 2024.

وكان وزير المالية السوري محمد يسر برنية قد أعرب عن تفاؤله "بأن اقتصاد البلاد سيحقق قريبا نموا أعلى وسيستأنف مسار التنمية المستدامة" رغم التحديات الهائلة التي تواجهها سوريا على مختلف الصعد.

إعلان

ولفت في تصريحات صحفية إلى أن الحكومة تعمل على إعادة تأهيل البنية التحتية، بدءا من شبكات الكهرباء والمياه، وصولا إلى الطرق والمؤسسات العامة، بالتوازي مع إصلاح النظام القضائي وتحديث الإطار التشريعي للاستثمار.

جانب من الدمار الهائل في مدينة حلب شمالي سوريا جراء قصف لقوات الأسد (الفرنسية)الإرث الصادم إنسانيا

خلال فترة الصراع التي استمرت 14 عاما، شهدت القطاعات الإنتاجية والخدمية تدهورا أدى إلى تحولات عميقة في حياة السوريين، كان أكثرها تأثيرا تراجع نمط الحياة، حيث هبط مؤشر التنمية البشرية -الذي يقيس التنمية بناء على الصحة والتعليم ومستوى الدخل- بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من 0.661 عام 2010 إلى 0.557 حاليا.

وبينما يعيش ربع السكان في فقر مدقع، وفق بيانات مسح برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية للأسر عام 2022، يستهلك 24% أيضا (5.7 ملايين فرد) أقل من خط الفقر الدولي للبلدان المنخفضة الدخل البالغ 2.15 دولارا للفرد يوميا، كما يعيش 67% تحت خط الفقر للشريحة الدنيا للدخل المتوسط البالغ 3.65 دولارات للفرد يوميا.

وكشف تحليل الإضاءة الليلية، لصور أقمار اصطناعية التقطها مشروع بلاك ماربل التابع للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية لأجزاء من سوريا، تراجع النشاط الاقتصادي إلى سلبي للغاية، وانكماشه في جميع المحافظات، بعد أن ضعفت الحركة المتبادلة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024 وهو الأمر الذي أدى إلى خلل في الروابط الاقتصادية بين المدن، وتسبب بصدمات مؤثرة.

بدائل الاستدانة من الخارج

ينظر الخبير الاقتصادي أحمد سيريس إلى التركة التي خلفها نظام الأسد على أنها تحدّ حقيقي تفوق مواجهته إمكانات الحكومة الراهنة. ويرى أن رغبة الحكومة في عدم الاقتراض من المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، للتغلب على ما يواجهها من مصاعب مالية دفعها إلى التركيز على الموارد الرئيسية، والاستثمارات الخارجية.

غير أن وجود قسم مهم من هذه الموارد تحت سيطرة قوى مناهضة للحكم الجديد، وتهالك قطاع التعدين، بحسب حديث سيريس للجزيرة نت، أفقد البلاد إيرادات كان من الممكن لها لو استثمرت إلى جانب استثمارات وطنية وأجنبية أخرى، كالتي جرى الإعلان عنها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أن تضيف إلى خزينة الدولة موارد تساعد الحكومة على تغطية جانب من فاتورة التعافي.

هل تسد الموارد المتاحة احتياجات التعافي؟

تشكل الموارد الطبيعية والزراعية، برأي الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، مصدرا مهما على صعيد الدخل الوطني. ويرى أن سوريا تمتلك موارد يمكن أن تشكل قاعدة للنهوض الاقتصادي إذا أُعيد استثمارها بشكل فعال.

لكن استثمارها على النحو الأمثل -وفق رأيه- يواجه مصاعب عديدة، منها:

معظم حقول النفط الحيوية، لا سيما في دير الزور والحسكة، والتي تنتج نحو 50 ألف برميل يوميا، ما زالت تقع خارج سيطرة الحكومة، في حين تنتج الآبار بمناطق الحكومة نحو 15 ألف برميل. يغطي إنتاج الغاز المستثمر نحو 30% من الاحتياج المحلي، الذي يبلغ وفق تقديرات رسمية نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا، في حين تبلغ الاحتياطات نحو 8.5 تريليونات قدم مكعب. تبلغ العائدات السنوية من تصدير الفوسفات الخام نحو 400 مليون دولار، في حين تشير التقديرات إلى أن تصنيع الفوسفات محليا يمكن أن يرفع العائدات إلى أكثر من ملياري دولار سنويا. إعلان

أما بخصوص الموارد الزراعية، يضيف الباحث، فقد انخفض إسهام القطاع الزراعي الذي يشمل إنتاجه "القمح، والقطن، والذرة، والزيتون، والحمضيات" في الناتج المحلي الإجمالي من 28% عام 2010 إلى 10% في الوقت الراهن، نتيجة الجفاف ونقص التمويل ودمار البنية التحتية.

ويؤكد قوشجي أن الكميات المتاحة من الموارد الاقتصادية، رغم تنوعها ووفرتها النسبية، لا تكفي لتلبية الاحتياجات الوطنية الأساسية. فعلى سبيل المثال، يبلغ إجمالي إنتاج النفط السوري يوميا قرابة 65-70 ألف برميل، في حين يُقدّر الاحتياج الوطني بنحو 90 ألف برميل يوميا، وذلك يعني وجود فجوة تراوح بين 20-30 ألف برميل يوميا.

أما قطاع الغاز، فلا يغطي الإنتاج فيه سوى أقل من ثلث الاحتياج المحلي السنوي المقدر بنحو 5 مليارات متر مكعب، مما يشكل ضغطا مستمرا على قطاع الطاقة يمس استقرار أغلب الخدمات الحيوية.

ولفت قوشجي إلى وجود محدودية واضحة في العوائد الحالية من الفوسفات والموارد الزراعية تعود ليس فقط إلى ضعف الإنتاج، بل أيضا إلى محدودية الاستثمار، وخروج مساحات واسعة من الموارد عن السيطرة الحكومية، إضافة إلى تدهور البنية التحتية الصناعية والزراعية.

ماذا عن عوائد الاستثمار؟

تقف قطر والسعودية وتركيا في مقدمة الدول التي دعمت الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأسد، إذ قدمت مساعدات واستثمارات ضخمة في قطاعات حيوية، كقطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والاتصالات، والخدمات الرقمية، والمواصلات.

وتقدر مصادر صحفية محلية حجم الاستثمارات والمساعدات العربية والدولية بنحو 30 مليار دولار، أبرزها:

تمويل قطر لمشروع توريد الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى سوريا عبر الأراضي التركية، بمعدل نحو 3.4 ملايين متر مكعب يوميا في المرحلة الأولى. مشروع بناء 4 محطات طاقة تعمل بالغاز إلى جانب محطة للطاقة الشمسية، بكلفة 7 مليارات دولار، يعود لشركة UCC Holding القطرية. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإعادة بناء البنية التحتية، وإطلاق شبكة حماية اجتماعية، ودعم الشركات الناشئة الرقمية، بقيمة 1.3 مليار دولار. حصول شركة الشحن الفرنسية CMA CGM على امتياز إدارة ميناء اللاذقية بقيمة 260 مليون دولار، تتحصل الدولة على 60% من إيرادات التشغيل. تنفذ شركة موانئ دبي العالمية مشروع تطوير محطة متعددة الوظائف في ميناء طرطوس وإدارتها وتشغيلها بقيمة 800 مليون دولار. 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال سعودي (6.4 مليارات دولار) تعود لشركات سعودية. توقيع مذكرات تفاهم استثمارية مع عدد من الشركات الدولية، تتضمن 12 مشروعا إستراتيجيا بقيمة إجمالية تصل إلى 14 مليار دولار. تخصيص 6.5 مليارات دولار لإعادة الإعمار، تعهد بها المانحون في مؤتمر بروكسل بنسخة 2025.

ويذهب الخبير الاقتصادي سيريس إلى أن الزخم الذي يشهده قطاع الاستثمار الأجنبي، بحسب المعطيات الحالية، تجاوز الفجوة التي أحدثها الصراع على صعيد الاستثمار الأجنبي، بتراجع نسبته في الناتج المحلي الإجمالي من 2.8% في عام 2008 إلى نقطة الصفر خلال عامي 2022 و2023. وأكد ضرورة أن يشهد السوريون نتائج ملموسة على الأرض، تعزز خطط الحكومة للتعافي، وتنهض بواقع الحياة العامة.

لا بيانات نهائية

يعتمد الإنفاق الحكومي في مجمله على الوعاء الضريبي. وعلى الرغم من انخفاض الإيرادات غير الضريبية، التي كانت تشكل غالبية إيرادات المالية العامة، في مرحلة ما قبل الحرب، فإن موازنة عام 2025 سجلت تحسنا بطيئا في إجمالي الإيرادات (ضرائب، ورسوم، وصادرات) إذ بلغ حجمها نحو 52.6 تريليون ليرة سورية (4 مليارات دولار).

أما سجل الإنفاق فسجل نحو 37 تريليون ليرة سورية (2.8 مليار دولار). وتغطي الإيرادات الضريبية (بما فيها الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم) نحو 79% من الإنفاق الحكومي، مما يعني أن إجمالي الإيرادات الضريبية يقدر بنحو 29,2 تريليون ليرة (2.2 مليار دولار تقريبا).

إعلان

وتعكف الحكومة على إعداد ميزانية تكميلية للعام المالي الجاري إلى جانب موازنة جديدة لعام 2026. تركز فيهما -بحسب تصريح وزير المالية محمد يسر برنية على هامش مشاركته في اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية التي انعقدت في الجزائر في مايو/أيار الماضي- على تعزيز الخدمات الأساسية.

ورغم عدم إفصاحه عن الأرقام المحددة للموازنة المرتقبة بسبب "عدم توافر البيانات بشكل نهائي" على حد قوله، فإن المؤشرات تظهر توجها جديدا نحو إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي بما يواكب متطلبات الإصلاح، واعتماد الإيرادات الضريبية، كمورد ثابت خلال المرحلة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • “المرصد السوري”: وثقنا إعدام 429 شخصاً ميدانياً في أحداث السويداء
  • هل تلبي الموارد المتاحة خطط الحكومة السورية لتعافي الاقتصاد؟
  • الشيباني: ملتزمون بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في السويداء وغيرها، والدولة السورية هي التي تضمن حماية جميع مواطنيها وعلينا تغليب لغة الحكمة لتجاوز هذه المحنة
  • الشيباني: السويداء جزء أصيل من سوريا وأبناؤها جزء من النسيج الاجتماعي للشعب السوري، ولا نقبل إقصاءهم أو تهميشهم، وما حدث كان مفتعلاً من إسرائيل لبث الفتنة الطائفية في المنطقة
  • الوزير الشيباني يؤكد التزام الحكومة السورية بحماية جميع المكونات في السويداء
  • وزير الخارجية السوري يشكر الملك وولي العهد على استضافة نقاشات حول مستقبل سوريا
  • واشنطن: الحكومة السورية تعهدت بمحاسبة مرتكبي جرائم السويداء
  • الداخلية السورية تعلق على فيديو "الإعدام" في مستشفى السويداء
  • عملية إعدام للجيش السوري في مستشفى السويداء!