مصر: ضجة بعد توافد أعداد غفيرة على مولد السيد البدوي..وعضو بالطرق الصوفية: أكبر تجمع بعد الحج
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أعاد مشهد الحشود الضخمة التي ملأت شوارع مدينة طنطا شمال القاهرة خلال الاحتفال بمولد السيد أحمد البدوي، الجدل من جديد حول مكانة "الأولياء" في الوجدان الشعبي المصري، بعد تداول واسع لمقاطع فيديو أظهرت مشاركة مئات الآلاف في المولد الذي يعد أحد أكبر الموالد الدينية في البلاد.
ويعد مولد السيد البدوي، الذي يقام سنويًا في محيط المسجد الأحمدي بوسط مدينة طنطا، من أبرز المناسبات الدينية والشعبية في مصر، إذ يشارك فيه زوار من مختلف المحافظات والدول المجاورة، في احتفالات تمتد لأيام وتشمل حلقات "الذكر والإنشاد الصوفي" وإقامة الخيام والموالد الشعبية، لكن حجم المشاركة هذا العام أثار تساؤلات وجدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الإعلاميين حول طبيعة هذه الممارسات، وحدودها بين الإيمان الشعبي والموروث الديني.
الإعلامي عمرو أديب تناول المشهد خلال برنامجه "الحكاية" عبر فضائية "إم بي سي مصر"، متسائلاً عن سر الإقبال غير المسبوق على المولد قائلاً: "ليه الناس كلها بتروح هذا المولد بالتحديد؟"، مشيرًا إلى بعض الممارسات التي وصفها بالغريبة مثل "التمسح بالضريح أو مخاطبة السيد البدوي وطلب الغوث منه".
في المقابل، كتب الإعلامي والرياضي أحمد شوبير، وهو من أبناء مدينة طنطا، في منشور عبر منصة "إكس" تويتر سابقاً، أكد فيه أن مشاركة الأعداد الكبيرة أمر معتاد منذ عقود، قائلاً: "ده العادي بتاع مولد السيد البدوي من زمان أوي، المولد أهم حدث في السنة لطنطا كلها، وكل المحلات بتعتمد عليه كمصدر رزق رئيسي"، مضيفًا أن المولد أصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية المدينة وتاريخها الاجتماعي والاقتصادي.
أما الكاتب خالد منتصر، فقدم رؤية مغايرة عبر حسابه على فيسبوك، منتقدًا ما وصفه بـ"الإيمان بالخرافات" حول كرامات السيد البدوي، وكتب: "ما يحدث في المولد من تشنجات وتنويمات مغناطيسية وتفقيرات يدل على أن العقل الجمعي المصري راح في الوبا" على حد وصفه، معتبرًا أن "الفكر الخرافي" يعوق أي تقدم علمي أو حضاري، وداعيًا إلى فصل الإيمان بالله عن الاعتقاد في الوسائط والكرامات، وختم قائلاً: "لن نتقدم ونصنع دواءنا وسلاحنا ونزرع غذاءنا بالسيد البدوي، ولكن بالسيد العلم".
في المقابل، تبنى الإعلامي أحمد سالم، موقفًا دفاعيًا عن المحتفلين، معتبرًا أن هذه المناسبات تمثل "جزءًا أصيلاً من التراث الشعبي المصري" لا يتعارض مع الدين طالما التزم بالضوابط العامة.
وقال سالم خلال برنامجه "كلمة أخيرة" على قناة "ON": "ما المانع من وجود فلكلور شعبي لدينا؟ لطالما كانت سنية المذهب وشيعية الهوى، وهذا نابع من حبها لآل البيت"، مضيفًا أن الاحتفال بالمولد يعبر عن مشاعر روحانية عميقة لا ينبغي محاكمتها بمنطق التشدد الديني.
وانتقد سالم، الأصوات التي وصفها بـ"حماة الفضيلة"، قائلاً إنهم يفرضون وصاية فكرية على المجتمع، بينما المطلوب هو "احترام التنوع الديني والثقافي، ما دام لا يمس حريات الآخرين".
وفي سياق متصل، أعلنت محافظة الغربية عن تنفيذ خطة موسعة لرفع المخلفات والإشغالات التي خلفتها الاحتفالات، فور انتهاء فعاليات الليلة الكبيرة، وأوضح المحافظ أن الحملات شملت محيط المسجد الأحمدي والشوارع المؤدية إليه، وجرى رفع القمامة المتراكمة وتنظيف المنطقة بالمياه المخلوطة بالكلور والصابون، بالتعاون مع مديرية الصحة وهيئة النظافة، حفاظاً على المظهر الجمالي للمدينة بعد مغادرة الزوار.
وأكد عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الدكتور محمد محمود أبو هاشم، أن الاحتفال بالأولياء وإحياء ذكراهم "أمر طيب ومحبب شرعًا"، لما فيه من استحضار لسير الصالحين والعلماء، وتذكير الناس بعباداتهم وسلوكهم في خدمة الدين والوطن.
وقال أبو هاشم، في تصريحات خاصة لشبكة CNN بالعربية، إن الموالد تعد وسيلة لإحياء سيرة أولياء الله الصالحين الذين "جاهدوا وساعدوا الناس، ومن بينهم السيد أحمد البدوي الذي وقف في صفوف المجاهدين خلال الحملة الفرنسية على مصر"، مشيرًا إلى أن الاحتفال بهم "ليس غلوًا ولا شركًا، بل تعبير عن محبة الصالحين الذين نفع الله بهم العباد والبلاد".
واستشهد بآية قرآنية تؤكد مكانة أولياء الله وتقول الآية: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون"، مشيرًا إلى أن القرآن والسنة يدعوان إلى توقير أولياء الله ومودتهم، واستدل بحديث قدسي يقول: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب".
وأضاف أن الموالد تمثل في جوهرها "مواسم للخير"، يجتمع فيها الناس على إطعام الطعام وإفشاء السلام ومجالس العلم والذكر، كما تشهد رواجًا اقتصاديًا واجتماعيًا واسعًا في المدن التي تحتضنها، مؤكدًا أن مولد السيد البدوي بمدينة طنطا يعد من أكبر تلك الموالد، إذ يشارك فيه هذا العام ما لا يقل عن مليوني زائر.
وأوضح أن المنطقة المعروفة باسم "الملاءة" تشهد إقامة السرداقات والخيام الخاصة بمولد السيد البدوي، في أجواء وصفها بأنها "تجمع بين العبادة والروحانية والاحتفال الشعبي"، مضيفًا أن كثيرًا من الزوار الأجانب يحرصون على توثيق المشهد الذي وصفه بأنه "أكبر تجمع إسلامي بعد موسم الحج"، لما يعكسه من تنوع روحي وإنساني فريد.
وردا على الانتقادات التي تُوجه سنويًا إلى هذه الاحتفالات، قال أبو هاشم، إن "الجدل ليس جديدًا"، مشيرًا إلى أن الخلاف بين بعض علماء المذاهب حول جواز الاحتفال بالأولياء أو بالمولد النبوي "خلاف فقهي لا يمس جوهر العقيدة".
وأوضح أن المولد هذا العام شهد مشاركة كبار العلماء، من بينهم المفتي الأسبق الدكتور علي جمعة، ووزير الأوقاف، وعدد من علماء الأزهر الشريف ومشايخ الطرق الصوفية، مؤكدًا أن الهجوم المتكرر على الموالد من بعض الأشخاص "سعي للشهرة أكثر من كونه نقدًا علميًا"، مضيفًا: "كلما زاد الهجوم زاد الناس حبًا وتقربًا للاحتفال، لأنه جزء من وجدان المصريين الديني والثقافي".
وفيما يتعلق ببعض الممارسات الفردية التي توصف بأنها غير منضبطة شرعًا، شدد أبو هاشم، على أن "التصرفات الشخصية لا تعبر عن روح المولد"، موضحًا أن مشايخ الطرق الصوفية يتدخلون فورًا لتصحيح أي تجاوزات، وأن الطابع العام للاحتفالات "منضبط ومبني على الوازع الديني"، مشيرًا إلى أنه رغم الحشود المليونية "لا تسجل حوادث إجرامية كالسرقة أو التحرش"، في إشارة إلى الطابع السلمي والروحاني للتجمع.
وأكد محمد أبو هاشم، أن حب المصريين لأل البيت هو الدافع الأصيل وراء الاحتفال بالأولياء، موضحًا أن هذا الحب لا يرتبط بطقوس مذهبية، بل "ينبع من تقدير الشعب المصري لمكانتهم الدينية والعلمية"، قائلاً: "نحن نعرف قدر آل البيت، ونختلف عن الشيعة في بعض الطقوس التي تخالف مذهب أهل السنة والجماعة".
وأشار إلى أن مسجد السيد البدوي في طنطا يضم مقتنيات نادرة ذات قيمة دينية وتاريخية، منها بعض الشعيرات المنسوبة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى جانب مسبحة السيد البدوي التي تحتوي على ألف حبة، وعمامته وملابسه التي خضعت لعمليات ترميم نفذتها وزارة الآثار مؤخرًا.
وقال إبراهيم رضا، أحد علماء الأزهر الشريف، إن كل المؤمنين المتقين هم أولياء لله تعالى، مشيرًا إلى أن الاحتفاء بالصالحين وزيارة أضرحتهم عادة مصرية قديمة ترسخت في وجدان الناس بدعم من الطرق الصوفية التي حرصت على تكريم أهل التقوى والورع.
وأكد رضا، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن الاحتفال الحقيقي بالأولياء لا يكون بالمظاهر أو التجمعات العشوائية، بل بالاقتداء بسيرتهم في العلم والذكر ونشر الفضيلة، موضحًا أن بعض الممارسات الخاطئة التي تصاحب الاحتفالات، لا تمت إلى روح الشريعة الإسلامية بصلة، وأنها تشوه الصورة السامية للطرق الصوفية التي تقوم على الاعتدال والالتزام بما ورد عن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
وشدد على أن بعض الممارسات مثل التمسح بالأضرحة أو المبالغة في تقديس الأولياء تعد من مظاهر الغلو والشطط، مؤكدًا أن الاختلاف بين التيارين الصوفي والسلفي في مصر حول قضية الموالد يجب أن يدار بالحكمة والعلم، وأن الأزهر الشريف يجب أن يتولى قيادة الحركة الصوفية وتنقيتها من الممارسات الدخيلة، لأنه لا توجد حركة صوفية سليمة إلا إذا كان على رأسها عالم أزهري راسخ في العلم والدين، على حد قوله.
وأشار الدكتور رضا، إلى أن الزحام الكبير في الاحتفالات هذا العام يعود إلى توقف الموالد لعدة سنوات بسبب جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية، وهو ما جعل كثيرًا من المواطنين في الريف والقرى "متعطشين للفرح الجماعي"، معتبرًا أن الاحتفالات الشعبية في مصر تحمل بعدًا اجتماعيًا وثقافيًا أكثر منه دينيًا، وتعكس طبيعة الشعب المصري المحب للتسامح والتآلف.
ويعود السيد أحمد البدوي، وفق ما ورد في فتوى دار الإفتاء المصرية، إلى أصول مغربية من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ولد في مدينة فاس عام 596 هجرية قبل أن يستقر في طنطا حيث توفي عام 675 هجرية.
وذكرت الفتوى أن السيد البدوي "من أقطاب الأولياء وسلطان العارفين"، وأن شهرته الواسعة وكراماته جعلت من طنطا مركزًا روحيًا وعلميًا منذ استقراره فيها، حتى أصبح جامعها الأحمدي يوصف بأنه "شقيق الجامع الأزهر"، بحسب ما نقلته المصادر التاريخية عن الإمام الشعراني والحافظ ابن حجر العسقلاني.
وأشارت الفتوى، إلى أن محبة المصريين للسيد البدوي امتدت عبر القرون، وأن الاحتفال بمولده "ليس بدعة" بل مظهر من مظاهر التعبير عن التقدير لأولياء الله الصالحين، في إطارٍ من الضوابط الدينية والآداب العامة.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الأزهر الحكومة المصرية مولد السید البدوی بعض الممارسات مشیر ا إلى أن أولیاء الله أن الاحتفال مدینة طنطا هذا العام أبو هاشم مضیف ا
إقرأ أيضاً:
محافظ الغربية: حملات مكثفة لإعادة الانضباط بمحيط المسجد الأحمدي بعد انتهاء مولد السيد البدوي
تفقد اللواء أشرف الجندي محافظ الغربية، اليوم الجمعة، أعمال النظافة ورفع الإشغالات بمحيط المسجد الأحمدي والشوارع المحيطة به، لمتابعة ما تم تنفيذه من حملات مكبرة عقب انتهاء الاحتفالات بالمولد الأحمدي مساء أمس الخميس، والتي شهدت توافد مئات الآلاف من الزائرين من مختلف محافظات الجمهورية، إضافة إلى وفود عربية وإسلامية حرصت على المشاركة في هذا الحدث الديني الكبير.
وأكد المحافظ أن الأجهزة التنفيذية بحي أول طنطا نفذت على مدار الساعات الماضية خطة مكثفة لإعادة الانضباط والنظام بمحيط المسجد، شملت رفع المخلفات وتطهير الشوارع، وإزالة الإشغالات والخيام والعربات المتحركة التي تم استخدامها خلال فترة الاحتفالات، مشيرًا إلى أنه تم الدفع بسيارات جمع القمامة واللوادر وعمال النظافة، إلى جانب تنفيذ أعمال الغسيل والرش والتطهير بالمياه المخلوطة بالكلور والصابون بمشاركة فرق الصحة والطب البيطري، حفاظًا على المظهر الجمالي والبيئي للمنطقة.
وأشاد اللواء أشرف الجندي بجهود حي أول طنطا والعاملين في قطاع النظافة والإشغالات، لما أبدوه من التزام وجهد متواصل طوال أيام المولد، مؤكدًا أن ما تحقق من إنجازات ميدانية يعكس روح المسؤولية والتفاني في العمل، ويؤكد حرص الأجهزة التنفيذية على الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
وشدد المحافظ على ضرورة استمرار الحملات اليومية لرفع الإشغالات وإزالة أي تعديات على حرم الطريق العام، للحفاظ على الانضباط والمظهر الحضاري الذي يليق بمدينة طنطا، واتخاذ الإجراءات القانونية الحازمة ضد أي مخالفات، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية التي تضع راحة المواطن في مقدمة أولوياتها.
وفي ختام جولته، وجّه محافظ الغربية الشكر إلى القيادات الأمنية والتنفيذية والخدمية على جهودهم الكبيرة في تنظيم وتأمين فعاليات المولد الأحمدي، مشيدًا بالتعاون والتنسيق الكامل بين مختلف الجهات الذي أسهم في خروج الاحتفالات بصورة مشرفة تليق بمكانة محافظة الغربية وبالمقام الجليل للسيد أحمد البدوي الذي يجسد وسطية الإسلام وسماحته.
وكان قد أدى اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، يرافقه اللواء تامر السمري مساعد وزير الداخلية لمنطقة وسط الدلتا، واللواء أسامة نصر مدير أمن الغربية، صلاة الجمعة برحاب المسجد الأحمدي بمدينة طنطا، وسط حضور أبناء المحافظة والقيادات التنفيذية والأمنية، في أجواء روحانية غلبت عليها السكينة بعد أيام حافلة شهدتها المدينة خلال الاحتفال بمولد العارف بالله سيدي أحمد البدوي.
وعقب أداء الصلاة، حرص محافظ الغربية على الحديث مع عدد من المواطنين الذين التفوا حوله داخل ساحة المسجد، مستمعًا إلى مطالبهم ومشكلاتهم العامة، مؤكداً أن تواجده الميداني يأتي في إطار سياسة الباب المفتوح والتواصل المباشر مع الأهالي، وأن المحافظة تعمل بكل أجهزتها لتحقيق الصالح العام وتلبية احتياجات المواطنين على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن رضا المواطن هو الهدف الذي تسعى إليه كافة جهود الدولة.