الثورة نت:
2025-10-21@02:24:08 GMT

أمريكا تفقد السيطرة واليمن يرسم المعادلة الجديدة

تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT

 

في مقالة نشرها الباحث الأمريكي جيمس هولمز في مجلة The National Interest بتاريخ 13 أكتوبر 2025م تحت عنوان “بعد مرور 250 عامًا، تحتاج البحرية الأمريكية إلى إعادة تعلم عظيمة”,

يقر أحد أبرز خبراء الاستراتيجية البحرية في واشنطن بأن الولايات المتحدة فقدت مهاراتها التاريخية في الحرب البحرية، وأنها تعيش اليوم مرحلة “إعادة تعلم” مؤلمة تشبه تلك التي عاشها الهيبيون في ستينيات القرن الماضي عندما نسوا أبسط قواعد النظافة واضطروا لتعلمها من جديد بعد فوات الأوان.

المقال يقدم اعترافًا نادرًا بأن البحرية الأمريكية، بعد ثلاثة عقود من الاطمئنان والغرور منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، تكتشف اليوم أنها لم تعد تملك السيطرة المطلقة على البحر، بل تجد نفسها مضطرة للقتال كقوة أضعف أمام خصوم يملكون الإرادة والقدرة على التحدي.

حين أعلنت القيادة الأمريكية في وثيقة From the Sea” “عام 1992م أن عصر الحروب البحرية انتهى، كانت تفترض أن السيطرة الأمريكية على المحيطات باتت أبدية لكن ما حدث بعد ثلاثة عقود أثبت أن التاريخ لم ينتهِ، بل عاد بقوة – لكن بوجهٍ يمني هذه المرة.

في البحر الأحمر والبحر العربي واجهت واشنطن للمرة الأولى في تاريخها الحديث خصمًا غير تقليدي، لا يمتلك أسطولًا ضخمًا ولا قواعد عالمية، لكنه يمتلك معادلة الردع والإرادة.

اليمن، بقدرات محلية الصنع وبقيادة عسكرية عقائدية، حول البحر من ساحة أمريكية إلى منطقة محرمة على السفن الحليفة للعدو الصهيوني.

العمليات اليمنية في البحر الأحمر كشفت جوهر الأزمة الأمريكية التي تحدث عنها هولمز.

إن من ينسى أساسيات القتال البحري سيتعلمها بالطريقة الصعبة — وهذا ما حدث بالفعل.

ففي كل عملية يمنية ضد السفن المعادية، كانت البحرية الأمريكية تفاجأ بتكتيك غير تقليدي وبقدرات صاروخية وطائرات مسيّرة تتجاوز نطاق الدفاعات الأمريكية.

أصيبت المدمرات الأمريكية بحالة إرباك تكتيكي ومعنوي، حيث لم تتمكن من منع الضربات ولم تستطع حماية السفن التجارية، واضطرت واشنطن إلى تحويل مسارات الملاحة والاعتراف الضمني بفشلها.

الغماري… تجسيد “العقل العملياتي” اليمني

وهنا تبرز شخصية الشهيد الغماري كأحد الرموز التي جسدت هذا التحول الاستراتيجي في الميدان اليمني.

فالرجل لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان عقلًا عملياتيًا فذًّا ساهم في ترسيخ ثقافة التخطيط الذكي والمبادرة الفاعلة.

ينتمي إلى مدرسة لا تؤمن بالتنظير بقدر ما تصنع الواقع في الميدان، مدرسة السرعة والوعي والإقدام،

حيث كان الغماري يعمل بسرعة تفوق الفرط الصوتي، بل بسرعة ستة عشر ماخ من الإصرار والإيمان.

لقد مثّل الغماري نموذج القائد الميداني المفكر الذي جمع بين الجرأة والانضباط، بين العقيدة والتكتيك،

وكان جزءًا من العقل الجماعي الذي نقل اليمن من موقع الدفاع إلى موقع التأثير والردع.

وما نراه اليوم في البحر الأحمر ليس إلا امتدادًا لذلك الفكر العملياتي المقاوم الذي أسسه رجال أمثال الغماري،

حيث تتحول المعركة من صراع أدوات إلى صراع وعي وإرادة، ومن رد فعل إلى هندسة استراتيجية تصنع الموازين.

اليمن كمدرسة جديدة في “منع البحر”

أشار هولمز إلى أن على أمريكا أن “تتعلم كيف تكون القوة الأضعف” وأن تتقن “استراتيجية منع البحر” بدل “السيطرة عليه”.

لكن المفارقة أن هذا ما أتقنه اليمن عمليًا دون الحاجة إلى أساطيل ضخمة.

فبينما كانت أمريكا تنفق مئات المليارات على حاملات الطائرات، كان اليمن يطور معادلة ردع بحرية متكاملة تقوم على التحكم الجغرافي بمضيق باب المندب وخليج عدن،

والاعتماد على التقنيات الصاروخية والطائرات المسيرة الدقيقة،

والقيادة الميدانية المرنة القادرة على توظيف الجغرافيا في خدمة المعركة،

إضافة إلى التحالف المعنوي مع محور المقاومة الذي منح بعدًا استراتيجيًا إقليميًا للمعركة البحرية.

بهذا النموذج أصبح البحر الأحمر ميدان اختبار عالمي، وأثبت أن منع البحر ممكن حتى بأدوات محلية إذا توفرت الإرادة والعقيدة.

من البحر الأحمر تبدأ نهاية الغرور الأمريكي

المقال الأمريكي لم يكن مجرد تحليل نظري، بل اعتراف ضمني بأن واشنطن اليوم تخسر معركة البحر.

ما يجري في البحر الأحمر هو تطبيق حي لما يسميه هولمز “الثمن الباهظ لنسيان القواعد الأساسية”.

فالولايات المتحدة التي اعتادت أن تحكم المحيطات تجد نفسها اليوم تتعلم من اليمن كيف تدافع عن نفسها، وكيف تحسب خطواتها داخل بحر كان يومًا بحيرة أمريكية.

لقد فرض اليمن معادلة جديدة، قوامها السيادة والردع والإرادة، وجوهرها القتال دفاعًا عن المبدأ لا المصالح.

ومن بين رجاله الذين صنعوا هذا التحول، يبرز الشهيد الغماري كرمزٍ للعقل المقاوم الذي لا يهدأ، وللقائد الذي يسبق الزمن بخطوات من نور وإيمان.

من البحر الأحمر تبدأ نهاية الغرور الأمريكي،

ومن مدرسة الغماري تتخرج معادلات الردع الجديدة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الغماري .. قائد تحوّلات اليمن وبوصلة فلسطين


الغماري، الذي كان رأس الحربة في معارك التحرر والسيادة، لم يكن قائدًا عسكريًا في المنصب فقط، بل كان مشروعًا وطنيًا تجسّد في شخص رجل عرف كيف يصوغ الردع، ويعيد تشكيل العقيدة القتالية للقوات المسلحة اليمنية من الداخل.

لقد جاءت لحظة الاستشهاد بعد سنوات من البذل والتخطيط والمواجهة، ليتحول اسمه إلى عنوان لمسار شاق رسم خارطة تحوّلات استراتيجية جعلت من اليمن لاعبًا صعبًا في معادلات البحر الأحمر والممرات الدولية.

ومع الغماري، لم تكن القضية الفلسطينية قضية تضامن، بل كانت محور قرار عسكري وسياسي قائم. ما يجعل وداعه في ميادين النزال عهدًا جديدًا يخطه أحرار الأمة الإسلامية بمواصلة الطريق الذي رسمه.

وفي سياق ذلك يقول الخبير العسكري العميد عابد الثور:" إن استشهاد الغماري يمثل فقدانًا لقائدٍ كان يتخذ أصعب القرارات من قلب الميدان".

ويضيف: " الغماري يقود تحولًا نوعيًا في بنية القوات المسلحة، محوّلًا إياها من مؤسسة دفاعية تقليدية إلى قوة ردع فاعلة تفرض معادلات جديدة على ساحات الاشتباك"، لافتا إلى أن قرارات الغماري تُصنَع في ظروف ضاغطة وصعبة، وأن حضوره المباشر في الخطوط الأمامية يجعله قائدًا ميدانيًا يستفيد منه الضباط والجنود في التخطيط والتنفيذ.

ويؤكد أن تأثير الغماري تجاوز حدود اليمن، فصارت قدرات القوات المسلحة تحت إشرافه تُثير اهتمامًا عسكريًا وإقليميًا، بل واعترافًا ضمن أوساط عسكرية دولية.

إن شهادات العسكريين الذين واكبوا الغماري تكشف حجم التغيير الذي أحدثه، لا فقط في غرف العمليات، بل في فلسفة العمل العسكري ذاته.

فقد تمكن من إعادة تعريف مفهوم الجبهة، فحوّلها من خطوط تماس إلى مناطق تأثير ومن خلال حضوره المباشر، دمج القائد بالقرار، فصار القرار نابعًا من المعركة نفسها، لا من خلف المكاتب.

ووفقاً لهذا يقول رئيس الدائرة السياسية لحزب العدالة الوطنية الدكتور فرحان هاشم: " تمركز القائد الغماري في الجبهة ليس مجرد تفصيل شخصي، بل نموذج قيادة ميدانية مغايرة شكّلت مدرسة ستتواصل بعد استشهاده".

ويضيف:" الغماري لم يكتفِ بقيادة معارك وطنية، بل جعل من دعم فلسطين جزءًا مركزياً من الاستراتيجية العسكرية، ويؤكد أن الغماري يقود تطوير منظومات قادرة على الوصول إلى العمق الصهيوني وضرب رموز الهيمنة الأمريكية في البحر والبر.

ويشير إلى أن صواريخ ومسيرات اليمن باتت تُقلق العدو وتفرض وقائع جديدة على الخريطة الأمنية الإقليمية، مشددا على أن الحشود الشعبية كانت استفتاءً يعكس وفاقًا بين قرار المؤسسة الوطنية ووجدان الشارع تجاه خيار الدعم والمواجهة.
من يقرأ سيرة الغماري يكتشف بوضوح أن فلسطين لم تكن عنده مجرد وجهة شعاراتية وإنما جزءًا من جدول المهام العملياتي والعقيدة العسكرية خطط الردع التي ساهم في صياغتها، سواء ضد العدوان السعودي الأمريكي أو ضد الاحتلال الإسرائيلي، تنطلق من مبدأ التكامل مع محور المقاومة. لقد نقل الغماري اليمن من خانة المؤازرة إلى مربع التأثير، وجعل من كل ضربة تُطلق من صنعاء ترجمة عملية لوحدة المصير مع فلسطين.

وتجلّى ذلك في ردود الفعل الصهيونية التي اعتبرت الغماري "جزءًا من التهديد المباشر"، وليس داعمًا من الخارج.

وحول هذه الجزئية يوضح الخبير في شؤون العدو الإسرائيلي عادل شديد أن إعلان الاستشهاد شكّل حدثًا إعلاميًا وأمنيًا في آنٍ واحد لدى ما يسمى بتل أبيب.

وفي حديثه يؤكد شديد أن اللافت هو عدم تمكن الاستخبارات العبرية من تأكيد مصير الغماري على الفور، ما يعكس متانة وتعقيد منظومة أنصار الله الاستخبارية والعملياتية.

ويشير شديد إلى أن التأخر في تأكيد الاستشهاد وغياب يقين حول التوقيت والمكان أظهر فشلًا استخباراتيًا من منظار العدو، وبيّن أن قدرات الردع اليمنية صارت تشكل تحديًا استخباراتيًا وتقنيًا لدى خصوم المنطقة.

الدم اليمني يلتقي بالدم الفلسطيني: وحدة المصير والهوية

إن الغماري لم يكن فقط صانعًا لقرار الردع، بل جزءًا من بنية أمنية محصنة أفشلت اختراقات متكررة، حيث استطاع أن يعمل في الظل بقدر ما واجه في العلن، محققًا معادلة نادرة: قائد بارز في الساحة لكنه محاط بغلاف أمني معقد.

فشل العدو في تحديد لحظة ومكان استشهاده دليل دامغ على أن أنصار الله لم تُطور فقط من أدواتها القتالية، بل أيضًا من هندسة العمل الاستخباراتي، وهو ما يمثل خطرًا حقيقيًا على عقيدة السيطرة الأمنية الصهيونية في المنطقة.

وبحسب النائب التونسي السابق زهير مخلوف فأن الحشود المليونية في مختلف الساحات اليمنية ليست وداعًا لقائد فحسب، بل تجديدًا لميثاق تاريخي بين اليمن وفلسطين".

ويقول:" إن دماء الغماري امتزجت بالدم الفلسطيني وبدماء محور المقاومة، ما يجعل من استشهاده حدثًا يُقرأ في سياق الوحدة الحميمة بين القضيّتين".

ويشدّد مخلوف على أن اليمن قدم قادته وطرّز ساحة المقاومة بما يستدعي اعترافًا بصنعاء كرافد حقيقي في دعم القضية، وأن خطاب الوفاء الشعبي يؤكّد استمرارية النهج مهما تكالبت الضغوط.

ما عبّرت عنه الساحات اليمنية في جمعة الأمس لم يكن مجرد مشاركة شعبية واسعة، بل كان تعبيرًا عن شعور جمعي بأن الغماري لم يُقتل وحده، بل امتزجت روحه مع جراحات غزة والضفة. وقد أعاد مخلوف تأكيد أن هذا الاشتباك الروحي والسياسي والعسكري بين اليمن وفلسطين، يعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط وفق منطق المقاومة الشعبية، لا وفق مقاييس أنظمة التطبيع.

إن استشهاد الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري لا يُقرأ فقط كحدث عسكري، بل كرواية استراتيجية عن صعود اليمن في معادلة الردع الإقليمي.

لقد شكّل هذا القائد نموذجًا متكاملًا للجندي المخطط والميداني في آن، كما أنه ساهم في إعادة تعريف العلاقة بين القيادة السياسية والعسكرية، وبين القرار الوطني والقضية الفلسطينية.

بدم الغماري، تتكرّس قناعة جديدة في الوعي الشعبي والرسمي بأن اليمن لم يعد طرفًا خارجيًا في قضايا الأمة، بل لاعبًا مركزيًا في ساحة التحرر العربي والإسلامي. وبينما تنعى القيادة هذا القائد الكبير، فإنّ التحدي القادم يتمثل في استمرار الخط الذي رسمه، وتحصين مشروعه من الداخل، وتحويل استشهاده إلى لحظة دفع للأمام، لا توقف للزخم.

ويبقى الغماري روحًا مقاتلة ووعيًا استراتيجيًا، ورمزًا لمعادلة: أن يكون القادة في المقدمة، وأن تكون فلسطين هي البوصلة، وأن تكون اليمن حاضر الأمة ووجدانها.

 

المسيرة

مقالات مشابهة

  • الشهيد الغماري.. القائد الذي ترجم الإيمان سلاحًا والنصر وعدًا وواقعًا
  • السيطرة علي حريق داخل محل في مصر الجديدة 
  • السيطرة على حريق محل فى مصر الجديدة دون إصابات
  • مقتل صياد كولومبي.. وبيترو يتهم أمريكا بانتهاك السيادة البحرية لبلاده
  • الواجهة البحرية في جيزان.. جمال الطبيعة ترسمه الجبال وأمواج البحر
  • الغماري .. قائد تحوّلات اليمن وبوصلة فلسطين
  • “الغماري” الفريق الركن الذي وفى
  • قائد القوة البحرية الإيرانية: هدف العدو هو حذفنا من الممرات التجارية
  • التجارة البحرية البريطانية تكشف مُلابسات استهداف ناقلة للنفط قرابة سواحل اليمن