في مشهد يكرّس ازدواجية المعايير التي تمارسها الأمم المتحدة، جاء بيان متحدث أمينها العام لينكرَ أدلةً دامغةً على تورُّط موظفين أمميين في أعمال تجسسية خطيرة، وهو الموقف الذي استحق بجدارة وصف وزارة الخارجية اليمنية له بالبيان “غير المسؤول” والذي “يُفتقرُ إلى أدنى درجات المهنية والموضوعية”، مع تأكيدها على وجود “دلائل قاطعة لارتكاب بعض موظفي برنامج الأغذية العالمي ومنظمة اليونيسف لأعمال تجسس خطيرة أَدَّت إلى استهداف قيادات في الدولة، ممثلة برئيس حكومة التغيير والبناء وعدد من أعضاء الحكومة”.
هذه ليست اتّهامات عابرة، بل ثمرة عمل استخباري يمني دقيق يكشف النقاب عن حرب خفية تُشن تحت غطاء العمل الإنساني و”استغلال معاناة أبناء الشعب اليمني جراء العدوان والحصار القائم”، وتمثل جريمة مزدوجة باختراقها الأمن الوطني من خلال استهداف قيادات الدولة وسرقتها آمالَ الشعب من خلال تحويل المساعدات الإنسانية إلى أدَاة للمؤامرة.
السؤال الذي يفرض نفسه: من يحق له اليوم توجيه الاتّهام؟ منظمة تدّعي الحياد بينما تتحول بعض وكالاتها إلى “مِظلة لشرعنة الأعمال الجاسوسية لصالح دول وكيانات معادية للجمهورية اليمنية وتُهدّد أمنها القومي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وكيان العدوّ الإسرائيلي” أم حكومة تستمد شرعيتها من الشعب والمبادئ العليا التي تحملها، والحقائق التي تتكشف لها، وبها تدافع عن سيادة شعبها وأمنه القومي؟.
ولأن السيادة الوطنية خط أحمر، تفرض الوقائع اليوم ضرورة فورية لإعادة النظر الشاملة في كافة الاتّفاقيات المشبوهة مع هذه المنظمات التي ثبت زيف ادعائها بالحياد وموثوقيتها؛ فالشرعية لا تُعطى لمن يمس أمن أُمَّـة ويخون شعبها.
كما أن دعوة اليمن للأمم المتحدة إلى “الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والتوجّـه نحو تصحيح الاختلالات التي تُعاني منها المنظمة الأممية” ليست مُجَـرّد مطلب دبلوماسي، بل ضرورة وجودية لحماية سيادة اليمن وأمنه القومي.
ولا بد من التمييز بين تقديرنا العالي للعمل الإنساني للعديد من المنظمات الدولية الجادة التي تلتزم بولايَتها وأهدافها الإنسانية، وتعاملنا الحازم والصارم مع أي أعمال تجسسية أَو عدائية؛ فاليد ممدودة بالتعاون لكل من يحترم سيادة اليمن وقوانينه، واليد الأُخرى قابضة على السيف تجاه كُـلّ جاسوس أَو مخرب.
يحق لنا وبكل عزّة أن نرفع صوت الحق عاليًا، ونقول إن اليمن رأس حربة في معركة الصمود والتحدي، وأن حماية وطننا واجب مقدس، وأن شعبنا سطر بأمجاد تاريخه مثالًا في التضحية والشجاعة التي لن تنكسر مهما اشتدت المؤامرات.
لذا نجدد العهد مع قيادتنا الحكيمة، ونعلن بكل وضوح أن اليد التي تمتد للتعاون هي للمنظمات النزيهة التي تحترم القوانين، واليد الأُخرى ممسكة بالسيف مع كُـلّ من يثبت خيانته وخداعه؛ فلا حصانة للجواسيس، ولا مكان للخونة في أرض الشرف والكرامة.
إن صمود اليمن أمام أعتى التحالفات الدولية علّم أعداءنا أننا لا نقهر؛ فاتجهوا إلى أسلحة الاختراق الناعمة تحت غطاء العمل الإنساني، لكن يقظة أبناء اليمن وحكمة قيادتهم كانتا بالمرصاد، وكشفت الأدلة القاطعة هذه المؤامرة.
اليوم، ونحن نواجه هذه التحديات، ندرك أن معركة السيادة لا تقل أهميّة عن معركة الميدان. ندعم القيادة في قراراتها الحكيمة، ونطالبها بالمضي قدمًا في تطهير أراضينا من كُـلّ أشكال الاختراق. ونقول للعالم أجمع: إن الأمن القومي والمصلحة الوطنية العليا “تعلو على ما دونها من المصالح”.
فليسمع الجميع: اليمن حر أبي، لن يكون ساحةً لأجنداتكم الخبيثة، ولا حصانة للجواسيس والمخربين.
حمى الله اليمن وأهله من كُـلّ مكروه.
واللعنة على كُـلّ جاسوس وخائن
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تحذر من توسيع دائرة الحرب في السودان
جنيف.لاهاي."وكالات":
قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي إن تقدم قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان قد يؤدي إلى نزوح جماعي آخر عبر الحدود.
واستولت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في دارفور في أواخر أكتوبر، في أحد أكبر المكاسب التي حققتها في الحرب المستمرة منذ عامين ونصف العام مع الجيش السوداني. وواصلت تقدمها هذا الشهر باتجاه الشرق في منطقة كردفان وسيطرت على أكبر حقل نفطي في البلاد.
وذكر جراندي أن معظم من تقول الأمم المتحدة إنهم نزحوا بسبب أعمال العنف الأخيرة في كردفان، والذين يقدر عددهم بنحو 40 ألف شخص، نزحوا داخليا، لكن هذا الوضع قد يتغير إذا امتد العنف إلى مدينة كبيرة مثل الأبيض.
وأضاف جراندي في مقابلة من بورتسودان في وقت متأخر من أمس الاثنين "إذا امتدت إليها الحرب.. فأنا متأكد من أننا سنشهد المزيد من النزوح".
وأضاف "علينا أن نبقى في حالة تأهب شديد في الدول المجاورة، تحسبا لحدوث ذلك".
* ملايين المشردين
وشردت الحرب بالفعل ما يقرب من 12 مليون شخص، منهم 4.3 مليون فروا عبر الحدود إلى تشاد وجنوب السودان ودول أخرى، في أكبر أزمة نزوح في العالم، لكن البعض عادوا إلى العاصمة الخرطوم بعدما سيطر الجيش السوداني عليها.
وقال جراندي، الذي التقى ناجين فروا من وقائع قتل جماعي في الفاشر، إن العاملين في المجال الإنساني يفتقرون إلى الموارد اللازمة لمساعدة الفارين الذين تعرض الكثير منهم للاغتصاب أو السرقة أو فقد ذويهم بسبب العنف.
وأشار إلى خطة الاستجابة في السودان، التي لم يمول إلا ثلثها لأسباب من بينها خفض المانحين الغربيين للتمويل، قائلا "استجابتنا للكارثة ضعيفة للغاية.. بالكاد نقوم بالحد الأدنى من الاستجابة".
وأضاف أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تفتقر إلى الموارد اللازمة لنقل اللاجئين السودانيين من منطقة غير مستقرة على حدود تشاد.
* عائلات عصف بها الصراع
وشكلت النساء والأطفال معظم من قطعوا مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام من الفاشر وكردفان إلى مخيم الدبة السوداني على النيل في شمال الخرطوم بعدما تعرض أزواجهن وأبناؤهن للقتل أو التجنيد على الطريق.
ونقل جراندي، الذي زار المخيم الأسبوع الماضي، عن بعض الأمهات قولهن إنهن كن يجعلن أبنائهن يتنكرون في صورة فتيات لحمايتهم من الخطف على يد المقاتلين.
وأضاف "حتى الفرار صعب لأن الميليشيات توقف الناس باستمرار".
وبدأ جراندي مسيرته المهنية لدى المفوضية في الخرطوم في ثمانينيات القرن الماضي عندما كان السودان مأوى للاجئين من دول أفريقية أخرى بسبب الحروب. وهذه هي آخر جولة له كرئيس للمفوضية قبل انتهاء ولايته هذا الشهر. ولم يتم تحديد خليفة له حتى الآن من بين أكثر من 12 مرشحا.
من جهة أخرى أصدرت المحكمة الجنائية الدولية اليوم حكما بالسجن 20 عاما على قائد سابق في ميليشيا الجنجويد السودانية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الأهلية التي شهدها إقليم دارفور في غرب البلاد قبل عقدين.
ففي أكتوبر، دانت المحكمة علي محمد علي عبد الرحمن (76 عاما) المعروف باسمه الحركي علي كوشيب، بارتكاب جرائم متعددة خلال الحرب في دارفور بين العامين 2003 و2004، ومن بينها الاغتصاب والقتل والتعذيب.
وبينما كانت القاضية جوانا كورنر تنطق الحكم عليه، ظل الرجل صامتا ولم يبدِ أي انفعال.
وخلُصت المحكمة إلى أنّ عبد الرحمن كان مسؤولا كبيرا في ميليشيا الجنجويد السودانية وشارك "بشكل نشط" في ارتكاب جرائم.
وفر عبد الرحمن إلى جمهورية إفريقيا الوسطى في 2020 عند تأليف حكومة سودانية جديدة أكدت نيتها التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
وسلم عبد الرحمن نفسه طوعا في العام 2020 مؤكدا انه أقدم على هذه الخطوة لأنه كان "يائسا" ويخشى أن تقتله الحكومة السودانية.
- "قاتل بفأس" -
وروت كورنر تفاصيل مروعة عن عمليات اغتصاب جماعية وانتهاكات وقتل جماعي ساهم في ارتكابها.
وقالت "كانت أيام التعذيب تبدأ مع شروق الشمس.. والدماء تتدفّق في الشوارع.. لم تكن هناك مساعدة طبية ولا علاج ولا شفقة".
وأضافت أنّ عبد الرحمن سار شخصيا على رؤوس رجال ونساء وأطفال جرحى.
وفي نوفمبر، طلب المدعي العام جوليان نيكولس الحكم بالسجن المؤبد على عبد الرحمن. وقال أمام القضاة إنّ "قاتلا يقتل ضحاياه بالفأس يقف حرفيا أمامكم"، واصفا الروايات عن الجرائم المرتكبة "كأنها كابوس".
ونفى عبد الرحمن أن يكون قائدا سابقا في ميليشيا الجنجويد العربية، التي أنشأها الرئيس السابق عمر البشير في العام 2003 لسحق تمرّد مجموعات غير عربية في دارفور، حيث ارتكبت فظائع خلّفت حوالى 300 ألف قتيل وحوالى 2,5 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
وكان تسليم نفسه أحد العوامل المخفّفة لعقوبته، إضافة إلى سنّه وحسن سلوكه أثناء احتجازه الذي ستحتسب مدته ضمن العقوبة.
وأضافت كورنر أنّ "المحكمة كانت ستصدر حكما أقسى لولا الظروف المخفّفة المذكورة أعلاه".
وفي بداية نوفمبر، حذر مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية من أنّ الجرائم المرتكبة في مدينة الفاشر في غرب السودان، قد تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ولدى نطقها بالحكم، قالت كورنر إنّ المحكمة تأمل في أن يشكّل ذلك ضمانا كـ"عقاب ورادع" في آن واحد.
وأضافت أنّ "الرادع مناسب بشكل خاص في هذه القضية، بالنظر إلى الوضع الحالي في السودان".
من جانبهم، أعرب محامو الضحايا عن أملهم في أن تكون مدة الحكم كافية بحيث لا يتمكن عبد الرحمن من العودة أبدا إلى السودان.
ويمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تفرض عقوبة السجن المؤبد ولكنها لم تفعل ذلك قط.
وقالت المدعية العامة في المحكمة مندياي نيانغ في مقابلة مع وكالة فرانس برس، إنّ الحكم على عبد الرحمن "رمزي جدا". وأضافت "هذه إشارة لضحايا السودان، وأيضا لأولئك الذين يرتكبون جرائم، مفادها أنّ العدالة قد تكون بطيئة ولكنها تصل إليكم في نهاية المطاف".