الألغام الحوثي في الحديدة.. جريمة حرب ممولة دوليًا باسم التعافي الإنساني
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
على مدى السنوات الماضية، تلقت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، دعمًا ماليًّا من جهات تابعة للأمم المتحدة ومن منظمات دولية عاملة في اليمن، تحت غطاء مشاريع من نوع "نزع الألغام" أو "التعامل مع المتفجّرات ومخلفات الحرب".
هذا الواقع يفتح أكثر من علامة استفهام، فحينما يُقدَّم الدعم المالي "لجهة تحت سيطرة الميليشيات الزراع الفعلي للألغام" فإن ذلك يشكل إشكالية أخلاقية وحقوقية كبرى: إذ كيف يمكن أن تُقدَّم المساعدات لنزع الألغام لمن هم سبب الكارثة التي سيعاني من اليمن لـ 30 عام قادمة.
في الأيام الماضية خرجت الميليشيات بمسرحية إعلامية لإعلان تدمير كميات من مخلفات الحرف في محافظة الحديدة، بينها "250 لغمًا مضاداً للآليات و50 لغمًا مضاداً للأفراد" في منطقة منظور بدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبحضور مسؤولي اللجنة. المشهد أظهر الدعم الخارجي الذي تتحصل عليه الميليشيات الحوثية تحت عنوان نزع الألغام وهو ما يضع مؤسسات دولية ودول مانحة أمام مسؤولية العبث في أموال المساعدات التي توجه بصورة خاطئة نحو الجهة المتورطة في زراعة الموت باليمن.
دعم الكارثة
تشير عدة تقارير إلى أن جماعة الحوثيين هي الطرف الأساسي في استخدام الألغام الأرضية والألغام المضادة للأفراد والمركبات، وكذلك العبوات المتفجّرة المتخلّفة عن الحرب، في اليمن. وكشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أن الألغام التي زرعتها الجماعة تسبّبت في مقتل 64 مدنياً وإصابة 83 آخرين في محافظة الحديدة خلال الفترة من 1 كانون الثاني حتى 30 أغسطس 2025، إضافة إلى تضرّر 68 مركبة. كما أورد تقرير صادر عن مشروع مسام لنزع الألغام في اليمن أنّه تم إحصاء أكثر من 9,584 مدنياً بين قتيل وجريح بسبب الألغام منذ عام 2014 حتى نهاية 2024.
وكذلك، تقول مراجعة دولية أن استخدام الحوثيين للألغام والعبوات والذخائر غير المنفجرة منتشر "على نطاق واسع" في القرى والمدارس والمياه، وأن الجماعة لم تسلّم خرائط لحقول الألغام كما يقتضي التزامها القانوني.
وبذلك، فإن الجماعة ليست مجرد طرف في الاستخدام، بل منشئ ومنفّذ لحقول الألغام، ما يجعلها مسؤولة عن أوسع عملية زرع ألغام تشهدها الأرض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بحسب توصيف إحدى الجهات الحقوقية.
وعلى مدى السنوات الماضية، تلقت جهات أممية وبرامج للتدخل في اليمن مبالغ دعم لبرامج نزع الألغام. أخرها في يوليو 2025، حيث كشف مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS) أن مشروعاً بالشراكة مع هولندا سيُوسّع أعمالها في مجال مسح وتطهير الألغام والذخائر المتفجّرة في المحافظات الجنوبية.
لكن من جهة ميدانية، تؤكد تقارير أن هذه الموارد – أو على الأقل بعضها – تنتهي إلى كيانات مرتبطة بالحوثيين أو تُوظّف بطرق تفتقر للشفافية، إذ توثّق الجهات الحقوقية أن الميليشيا تسخّر "حوادث" الألغام في مناطق سيطرتها – التي تُعلن عنها كجزء من أنشطة "مكافحة الألغام" – بينما في الواقع تستمر في زرع حقول ألغام لا خرائط لها ولا إشعارات تحذيرية.
ويرى مراقبون محليون أن استمرار التمويل باسم "مكافحة الألغام" في مناطق تحت سيطرة الحوثيين، دون تقديم خرائط أو معلومات شفافة عن حقول الألغام، أو دون التحقق من أن تلك الأموال لا تنفّذ من قبل الجماعة لزرع ألغام جديدة، يشكّل نوعاً من استمرار التمويل غير المباشر لطرف الزراعة وليس فقط الإزالة.
تزييف للحقيقة
تظهر معطيات ميدانية أن قيادات الحوثيين تسعى إلى الظفر بالدعم الدولي عبر الترويج لحوادث انفجار أو إزالة، وفي الوقت نفسه تبادر إلى عدم تسليم بيانات أو خرائط حقل الألغام التي زرعتها. وتتحاشا تسليم الخرائط كون ذلك يمثل اعترافًا ضمنيًا بمسؤوليتهم عن الزراعة، وهو ما تحاشاه الجماعة. كما إن إبقاء حقول الألغام يكسبهم مزايا عسكرية ورقعة ضغط في المفاوضات، ويُطيل زمن الخطر والعقاب على المدنيين.
خلال حملات الدعاية التي تنفذها الميليشيات تُبرز وسائل إعلامها حوادث انفجار المدنيين على أنها من مخلفات ما يسمونه"العدوان السعودي – الأمريكي" أو "القنابل العنقودية"، في محاولة منها لتغذّية خطاب المظلومية ويوظّف معاناة المدنيين لأهداف سياسية ومالية خاصة بهم.
وتندرج عملية تدمير مخلفات وألغام قبل أيام في منطقة منظر بالحديدة بحضور مسؤولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في إطار الترويج الإعلامي الهادف إلى الحصول على دعم إضافي. كما يُنظر إلى الحملة الإعلامية والاجتماعية كجزء من "تزييف الحقيقة" أو التعتيم على الدور الحقيقي للجماعة في زراعة الألغام، بينما تُستخدم لتسويق دعم خارجي تحت عنوان إنساني.
في المقابل، يواجه المركز الوطني للتعامل مع الألغام الحكومي صعوبات كبيرة في إنجاز مهامه الميدانية، إذ يفتقر إلى التمويل الكافي، والأدوات التقنية، والدعم اللوجستي، في وقت تشهد فيه البلاد زراعة مكثّفة لألغام من قبل الميليشيا. وأدى تقليص دعم البرنامج الأممي المتعلق بالألغام بسبب النقص في التمويل الدولي إلى تراجع وانخفاض في تأمين المناطق الملغومة حيث أدّى ذلك إلى توقف أكثر من 60 فريق مسح وتطهير عن العمل. فالجهات الوطنية الشرعية التي تحاول معالجة الكارثة تحارب بمستوى أدوات بسيط، بينما الجهة التي أنشأت هذا الحقل (الميليشيا) تستفيد من التمويل الدولي باسم إزالته.
المصدر: نيوزيمن
إقرأ أيضاً:
استهداف الحوثي للطواقم الطبية في الضالع.. جريمة بحق للإنسانية
في مشهدٍ إنسانيٍّ مفجع، امتزجت صرخات الجرحى بأصوات الانفجارات حين استهدفت مسيّرة تابعة لميليشيا الحوثي الإيرانية سيارتي إسعاف في منطقة الفاخر شمال محافظة الضالع، أثناء قيامهما بمهام إنسانية لإنقاذ ونقل الجرحى من المدنيين.
الهجوم أسفر عن استشهاد المسعف الشاب أحمد محسن حيمد الجبيلي (25 عامًا) من أبناء مديرية جحاف، وإصابة ثمانية آخرين من أفراد الطواقم الطبية بجروح خطيرة، في جريمة وُصفت بأنها "طعنة غادرة في قلب الإنسانية".
وأكدت وزارة حقوق الإنسان في بيان رسمي أن هذا الاعتداء يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع التي تحظر استهداف سيارات الإسعاف والعاملين في المجال الطبي تحت أي ظرف.
وأوضحت الوزارة أن ما جرى في الفاخر ليس حادثًا عرضيًا، بل جزء من نهج حوثي ممنهج في استهداف المدنيين والمنشآت الإنسانية، مشيرة إلى أن استمرار هذه الانتهاكات "يعبّر عن استخفاف مطلق بالقيم الإنسانية ومواثيق حقوق الإنسان الدولية".
وحملت الوزارة ميليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن الجريمة، داعية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمبعوث الأممي إلى "إدانة هذا الفعل الإجرامي بشكل فوري"، والتحرك العاجل لوقف الاعتداءات المتكررة ضد العاملين في المجال الطبي والإغاثي، وضمان محاسبة المسؤولين عنها.
من جانبه أدان المجلس الانتقالي الجنوبي على لسان متحدثه الرسمي أنور التميمي الجريمة "البشعة" التي ارتكبتها الميليشيا الإرهابية المدعومة من إيران، مؤكدًا أن استهداف سيارتي الإسعاف في منطقة الفاخر يكشف استمرار النهج الإرهابي الممنهج ضد المدنيين والمنشآت الإنسانية في الجنوب.
وقال التميمي في بيان للمجلس إن "هذه الجريمة تمثل تحديًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربع التي تجرم استهداف الطواقم الطبية والمركبات الإنسانية في مناطق النزاع"، مشيرًا إلى أن "هذا الاعتداء يأتي ضمن سلسلة طويلة من الجرائم الحوثية التي طالت مناطق مأهولة بالسكان في الضالع ولحج وشبوة وعدد من المحافظات الجنوبية، وراح ضحيتها عشرات المدنيين الأبرياء، بينهم نساء وأطفال".
وأضاف البيان أن "الصمت الدولي المقلق إزاء هذه الانتهاكات المتكررة يشجع الميليشيا على التمادي في جرائمها"، داعيًا الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية إلى إدانة واضحة وصريحة لهذا العمل الإرهابي، والتحرك الجاد لوقف الانتهاكات الحوثية ومحاسبة مرتكبيها.
واختُتمت بيانات الإدانة بدعوات إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتوفير حماية عاجلة للعاملين في القطاع الصحي والإغاثي في مناطق النزاع، وضمان عدم استهدافهم مجددًا، مؤكدين أن السكوت على جرائم الحوثيين يكرّس مناخ الإفلات من العقاب ويقوّض فرص السلام العادل.