بوابة الوفد:
2025-10-21@21:53:13 GMT

عودة «مدارس المشاغبين»

تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT

جيل بلا أخلاق.. ضحايا إهمال البيت والمدرسة والسوشيال ميديا وأفلام العنف
 

خبراء.. تعدى الطلاب على معلميهم أزمة قيم وتربية قبل أن تكون أزمة تعليم
 

عالم أزهرى: الاعتداء على المعلم جريمة وإثم عظيم
 

الدروس الخصوصية أضعفت هيبة المعلم.. وتفعيل دور الأخصائى الاجتماعى ضرورة حتمية
 

داخل أسوار المدرسة، التى كان يُفترض أن تكون منارة للعلم والتربية، تتبدل الأدوار وتختلط القيم، فقد غابت صورة المعلم الذى يقف شامخًا أمام طلابه ليغرس فيهم المعرفة والأخلاق، وأصبحنا أمام وقائع صادمة تقتحم الوجدان، طالب يرفع يده على معلمه، وآخر يوجه له السباب، وثالث يعتدى عليه بالضرب.

. فى مشهد يهز أركان المنظومة التعليمية بأكملها.
وبعد أن كانت حوادث العنف فى المدارس خلال الفترة الماضية موجهة نحو التلاميذ وبعضهم البعض، إلا أنها اتخذت منحنى جديدًا فى هذه المرة، حيث أصبحت موجهة من الطلاب إلى معلميهم وهو ما يوجب ضرورة مواجهتها فورًا قبل أن تتحول إلى كارثة تضرب العملية التعليمية فى مقتل 
وخلال الأسابيع المنصرمة من عمر العام الدراسى الجديد شهدت محافظة القليوبية واقعة خطيرة ارتكبها طالب يدعى إسلام بإحدى مدارس القناطر الخيرية بالقليوبية، حينما تعدى على معلمه أثناء الحصة وقام بتمزيق ملابسه أمام المدرسين والطلاب، وأمام مديرة المدرسة أيضًا، ثم جاء بعض أفراد أسرة الطالب بعد ذلك واقتحموا المدرسة واعتدوا لفظيًا على مديرة المدرسة ووكيلها بالسب. 
وعلى الفور أمر الوزير محمد عبداللطيف بتشكيل لجنة تحقيق فى الواقعة، والتى قررت فصل الطالب لمدة عام دراسى كامل، وتمت إحالة ولى أمره وأفراد أسرته إلى النيابة العامة بتهم اقتحام المدرسة والاعتداء على وكيلة ومديرة المدرسة بالسب والقذف.
هذه الواقعة لم تكن الأولى من نوعها ففى العام الماضى وأثناء امتحانات الثانوية العامة تعدت إحدى أولياء الأمور على معلمة كانت تقوم بدور المراقبة على لجنة نجلها لأنها لم تسمح للطالبات بالغش، فى مشهد يتكرر فى كل عام تقريبًا ما يؤكد انهيار هيبة المعلم أمام الطلاب وأولياء أمورهم. 
والخطير أن هذه الحوادث لم تعد مجرد استثناءات فردية، بل باتت مؤشرًا خطيرًا فى علاقة الطالب بمعلمه، وفى صورة المدرسة نفسها كحاضنة للقيم والتربية قبل التعليم.

انهيار منظومة التربية
وإذا تأملنا فى جذور هذه الظاهرة سوف نجد أن انعدام الوازع الدينى وغياب التربية الأخلاقية هما السبب الأعمق فيما وصلنا إليه، فحين يُربى الطفل منذ نعومة أظافره على احترام الكبير، ويُغرس فى قلبه أن المعلم بمنزلة الأب وأن طاعته واجبة، يستحيل أن تمتد يده يومًا إليه بسوء، لكن حين تغيب هذه القيم من البيت والمدرسة، ويُترك الأبناء نهبًا لشاشات العنف وإعلام السخرية، تتلاشى خطوط الاحترام لدى الغالبية ويتحول المعلم من قدوة  إلى مجرد موظف يمكن التعدى عليه بلا رادع.
وتتحمل الأسرة العبء الأكبر فى تربية الأبناء على الدين والأخلاق، ويأتى دور المُعلم مباشرة بعدها فى المسئولية، فالمعلم ليس ناقلًا للمعلومات فقط، بل هو شريك أساسى فى بناء شخصية الطالب، وأى خلل فى هذا الدور ينعكس مباشرة على المجتمع، وللأسف فإن بعض المعلمين أسهموا فى تآكل هيبتهم بأيديهم، منهم من أهمل رسالته التربوية وركز فقط على الدروس الخصوصية، ومنهم من أساء بخلقه وتصرفاته أمام طلابه، ففقد احترامهم، ومنهم أيضًا من يعانى من اضطرابات نفسية جعلت تأثيره سلبيًا على الأجيال التى يدرّس لها، فالمعلم يبنى العقول لكن هؤلاء نماذج تُخرّج طلابًا غير أسوياء، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ولا يمكن أيضًا إغفال دور المدرسة نفسها فى هذه المنظومة، فالإدارة هى الجهة المسئولة عن فرض الانضباط ومتابعة سلوك الطلاب والمعلمين معًا، ووضع لوائح واضحة للتعامل مع أى تجاوز، وعندما تُهمل الإدارة دورها فى المتابعة والرقابة، أو تتعامل بتساهل مع السلوكيات الخاطئة، فإنها تترك الباب مفتوحًا أمام الفوضى، المدير والوكيل والمشرفون ليسوا مجرد موظفين إداريين، بل هم ركيزة النظام التربوى، وغيابهم عن المشهد يضاعف المشكلة ويترك المعلم وحده فى مواجهة جيل غير مهيأ للانضباط، وظيفة المعلم والإدارة، خاصة فى المراحل الأساسية، ليست مجرد مهنة بل رسالة أخلاقية ومسئولية خطيرة، لأنها مسئولة عن تشكيل العقول وغرس القيم فى نفوس أطفال ما زالوا فى عمر التكوين، فإذا أدرك كل معلم وإدارى أن الضمير والأخلاق يجب أن تسبق العلم والإدارة، وأن دورهما يتجاوز الشرح والحفظ ليصل إلى بناء الشخصية وضبط السلوك، عندها فقط يمكن أن تتحسن المنظومة التعليمية بأكملها، فالبيت يضع البذرة الأولى والأساسية، والمدرسة بركنيها «الإدارة والمعلم» ترعاها وتوجهها، وإذا تخلى الثلاثة عن مسئولياتهم، فإن النتيجة الحتمية ستكون أجيالًا تتعامل مع العنف كأمر طبيعى وتفقد احترامها لكل قيمة.

جذور عميقة 
وقالت الدكتورة نادية جمال، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن ظاهرة عنف الطلاب داخل المدارس وفقدانهم للاحترام تجاه المعلم لها جذورعميقة تبدأ من داخل الأسرة وتمتد إلى المدرسة والمجتمع ككل.
وأوضحت أن أهم الأسباب التى تدفع الطالب إلى السلوك العدوانى تتمثل فى فقدان الثقة بالنفس نتيجة تعرضه المستمر للإهانات وقلة الاحترام داخل بيته، حيث لا يُستمع لرأيه ولا يُعامل بتقدير، فينعكس ذلك على سلوكه داخل المدرسة، فيحاول لفت الأنظار بالعنف أو الصوت العالى.
وأضافت أن الطالب فى كثير من الأحيان لم يتعلم كيفية التعامل مع غضبه أو السيطرة على انفعالاته، كما يشعر أحيانًا بالتجاهل أو الظلم من معلمه، فيفتقد الإحساس بالتقدير والتميّز، هذا الشعور بالدونية مقارنة بزملائه قد يدفعه إلى التصرف بسلبية وعدوانية للفت الأنظار.
وأشارت إلى أن الحد من هذه الظاهرة يبدأ من داخل المنزل، حيث يتحمل الوالدان مسئولية تعليم الطفل قيمة احترام الآخرين وتقديرهم منذ الصغر، مع توضيح دور المعلم كقدوة فى حياة الطفل، ومتابعة سلوك الابن باستمرار داخل المدرسة والتدخل المبكر لعلاج أى انحراف أو سلوك عدوانى يظهر عليه.
وأكدت الخبيرة النفسية دور المدرسة وضرورة تفعيل دور الأخصائى الاجتماعى كما كان فى السابق، بحيث يتعامل مع الطلاب بطرق حديثة تراعى حالتهم النفسية وتدعم احتياجاتهم، كما دعت إلى زيادة الاهتمام بالأنشطة الثقافية والفنية والرياضية مثل كرة القدم والموسيقى والرسم والإذاعة المدرسية، حيث تسهم هذه الأنشطة فى تعزيز ثقة الطالب بنفسه، وتمنحه فرصًا لإبراز مواهبه والوقوف أمام زملائه بشكل مشرف، وهو ما يسهم فى تهذيب سلوكه وتقليل فرص لجوئه للعنف.
وعلى مستوى المجتمع، شددت الدكتورة نادية جمال على أهمية أن يسلا هم الإعلام فى تعزيز صورة المعلم وإبراز مكانته واحترامه، بالإضافة إلى ضرورة أن تقدم الأندية والمراكز الشبابية دورًا أكبر من مجرد النشاط الرياضى، بحيث تتضمن برامج للدعم النفسى والسلوكى، مثل الندوات والمحاضرات الموجهة لكل فئة عمرية، بهدف تقوية مهارات التواصل والتحكم فى الانفعالات وبناء الثقة بالنفس.
وأكدت أن إعادة هيبة المعلم تبدأ من شعور الطالب أن معلمه يمثل القدوة وأنه صاحب مكانة تستحق الاحترام، مشيرة إلى أن بعض المعلمين أنفسهم قد يواجهون مشكلات نفسية أو اجتماعية أو مادية تؤثر على تعاملهم مع الطلاب، ومن هنا تبرز الحاجة إلى تنظيم دورات تدريبية للمعلمين لفهم أنماط الشخصيات المختلفة وكيفية التعامل معها، مع ضرورة وجود قوانين واضحة تحمى المعلم من أى ضرر قد يلحق به داخل المدرسة.
كما أوصت بضرورة أن يعمل المعلم على تطوير معارفه بشكل دائم، وأن يفصل بين حياته الشخصية ومهنته التربوية، مدركًا أن دوره لا يقتصر على التعليم فقط بل يتعداه إلى دور الأب والقدوة الذى يمنح الطالب الأمان والدعم النفسى.
وأشارت إلى أهمية تحفيز الطلاب من خلال طرح الأسئلة والمسابقات وتقديم المكافآت أو حتى كلمات التشجيع، مؤكدة أن هذا يسهم بشكل كبير فى بناء علاقة احترام متبادل.
واختتمت حديثها بالتنويه إلى أن انتشار الدروس الخصوصية غير شكل العلاقة بين المعلم والطالب، لكن يبقى من الضرورى أن يحافظ المعلم على هيبته ومكانته حتى فى هذا الإطار، لأنه إذا انكسرت هيبة المعلم أمام طلابه فقد يفقد قدرته على القيام بدوره التربوى والتعليمى على حد سواء.
ناقوس خطر
وأكدت داليا الحزاوى، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر والخبيرة التربوية، أن حوادث العنف فى المدارس، على الرغم من كونها حوادث فردية فإنها تدق ناقوس الخطر وتتطلب اتخاذ إجراءات  حازمة  ضد العنف فى المدارس، والاهتمام بتفعيل لائحة الانضباط المدرسية بكل حزم بدون تهاون مع تغليظ العقوبات بها، بالإضافة إلى تفعيل الأنشطة المدرسية والرياضية لإخراج طاقات الطلاب وتعزيز القيم الأخلاقية، كما أن عودة الدور الفعال للأخصائى الاجتماعى لتعديل السلوكيات غير المنضبطة والتواصل مع الأسر لمعالجة الخلل أمر ضرورى، مشيرة إلى أهمية تركيب كاميرات فى المدارس لرصد أى تجاوزات والاهتمام بالإشراف  اليومى لضمان سلامة الطلاب فى المدرسة.  
واستكملت الحزاوى: لا بد من قيام  الأسرة بدورها فى متابعة أبنائها، حيث إن الانشغال بتوفير الجانب المادى فقط دون الاهتمام بالدور التربوى والرقابى والتوجيهى سبب فى سوء سلوكيات كثير من الأبناء.
وأشادت "الحزاوى" بالإجراءات السريعة التى اتخذتها وزارة التربية والتعليم للتعامل مع واقعة الاعتداء على معلم، مؤكدة أن هذه القرارات تعكس حرص الوزارة على صون مكانة المعلم وحماية العملية التعليمية، وهى أيضا درس وعبرة لكل طالب أو ولى أمر يفكر فى استخدام العنف فى التعامل قائلة «من أمن العقاب أساء الأدب». 
واختتمت "الحزاوى" حديثها مؤكدة ضرورة تبنى  وزارة التربية والتعليم خطة لعلاج ظاهرة العنف فى المدارس بالتعاون مع الأسرة والمؤسسات غير الحكومية والجامع والكنيسة لبناء جيل مسلح بالعلم والتربية.
إثم عظيم وجريمة
من جانبة أوضح الشيخ على المطيعى، أحد علماء الأزهر الشريف، أن الاعتداء على المعلم يُعد إثمًا عظيمًا وحرامًا شرعًا، وهو جريمة يعاقب عليها القانون فى الدنيا، ويحاسب الله مرتكبها يوم القيامة، فمكانة المعلم فى الإسلام رفيعة وعالية، ويكفى أنه بمنزلة الأب والأم، واحترامه واجب دينى وأخلاقى.
ورأى المطيعى أن ما يحدث من وقائع اعتداء على المعلمين يعكس تدهورًا فى الأخلاق والدين، وغياب الوازع الدينى لدى بعض الطلاب الذين انغمسوا فى الشهوات دون توجيه صحيح من الأسرة أو المسجد أو الكنيسة، ما يؤدى إلى مظاهر الانحلال الأخلاقى فى المجتمع من عنف ومخدرات وغيرها.
وشدد على أن غرس القيم يجب أن يبدأ من البيت أولًا؛ فإذا تربى الطفل على احترام الكبير انعكس ذلك على سلوكه مع معلميه وزملائه، ثم يأتى دور المدرسة والمناهج فى استكمال هذه التربية، خاصة أن الدين أوصى بتوقير الكبير ورحمة الصغير، وتعظيم مكانة المعلم.
وأضاف المطيعى أن الأزهر الشريف يقوم بدوره فى هذا المجال، حيث خُصصت خطبة الجمعة الأولى قبل بداية العام الدراسى للحديث عن قيمة العلم وغرس الأخلاق والاحترام فى نفوس الطلاب، وأكد ضرورة وجود قدوة حسنة داخل المجتمع، وأن تبدأ حملات التوعية من الأسرة، مرورًا بالمسجد والكنيسة، ثم المدرسة.
وأشار إلى أن استعادة هيبة المعلم لا يمكن أن تتحقق إلا بعودة الثقافة الدينية الصحيحة إلى الأسرة، إلى جانب التزام المعلم بدوره التربوى والتعليمى. 
وانتقد ظاهرة الدروس الخصوصية التى أضعفت مكانة المعلم، وجعلت بعض الطلاب يتعاملون معه كـ«مقدم خدمة» أو ندّ، وهو ما أفقد العلاقة التربوية احترامها وأثر سلبًا على صورة المعلم ودوره الأساسى فى التربية والتعليم.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: معلمة طالب والوزارة السوشيال ميديا الطلاب الدروس الخصوصیة هیبة المعلم إلى أن

إقرأ أيضاً:

حين يدخل الذكاء الاصطناعي باب المدرسة.. من يبقى في الداخل؟!

 

 

 

مؤيد الزعبي

تخيل للحظة، عزيزي القارئ، كيف ستكون مدارسنا وفصولنا الدراسية وحتى معلمينا في المستقبل؟، قد تتخيل طلابًا بلا مدارس، في زمن قد تتحول فيه المدرسة إلى نظام واقع افتراضي يمكنك التجول داخله من خلال نظارتك الذكية، وربما ترى طلابًا يجلسون أمام شاشات تفاعلية تقدم لهم الدروس بأسلوب مبتكر، أو يتلقى الطلاب شروحات من روبوت ذكي ومساعده الآلي اللذين يعرفان بدقة نقاط قوة كل طالب وضعفه، ويقدمان الدرس وفقًا لتلك المعطيات، لكن السؤال الأبرز هنا: أين سيكون دور المعلم؟ وكيف سيحجز مكانه في هذا العالم الجديد؟، وهل سنخسر التجربة الإنسانية التعليمية التي تُشكلنا؟ أم أن قوة التفاعل ودقته ستجعلان من التجربة التعليمية أكثر جودة وكفاءة؟؛ هذا ما أود أن أطرحه عليك، عزيزي القارئ، من خلال هذا المقال.

ها نحن نعيش عصراً لم يعد فيه الذكاء الاصطناعي خيالاً علمياً، بل واقعاً يهز أركان كل مهنة تقريباً، وقد نلاحظ أن هناك شيئاً غريباً يحيرنا فعلاً؛ بينما العالم يتسارع خارج جدران المدارس، ما زلنا داخل تلك الجدران نرى المناهج ذاتها، والأساليب ذاتها، بل والأسئلة والمشاكل والتحديات ذاتها؛ ولماذا تصر مؤسساتنا التعليمية أن تدير ظهرها لهذه الثورة التقنية التي ستجتاحهم يوماً؟ ولماذا تصر على تحضير أبنائنا لعالم لم يعد موجوداً؟ عالم بات يختصر كل ما تعلمناه خلال تاريخنا البشري بأكمله بكبسة زر، عالم سيحتكر كل ما سنتعلمه في المستقبل داخل خوارزمياته وتطبيقاته.

 

إن ما أكتبه اليوم من خلال هذه السطور ليست مجرد مقالة بل هي صرخة استفهام يجب أن نجد لها الإجابات سريعاً، فنحن على أعتاب انقراض دور المعلم التقليدي، فمن جانب ستحل مكانه الروبوتات والبرمجيات ومن جانب آخر سيعيد الذكاء الاصطناعي للمعلم قدسيته ومكانته الحقيقية كمرشد وموجه، بعد أن يحرره من عبء المعلومات والحفظ والشرح والتلقين، ففي المستقبل سيكون أمام المعلمين خيارين لا ثالث لهما إما أن يتطوروا ليواكبوا هذا العالم الجديد، فيتحولوا من ناقلي معرفة إلى صُنّاع وعي، ومن مفسّرين للنصوص إلى ملهِمين للعقول، أو أن يتراجع دورهم شيئًا فشيئًا حتى يصبح وجودهم جزءا من الماضي، فالذكاء الاصطناعي سيفرز من يستحق البقاء في المنظومة التعليمية القادمة، تلك المنظومة التي لن تحتاج إلى من يُحفظ أو يُلقّن، بل إلى من يوجّه ويزرع في الطلاب القدرة على التفكير النقدي والإبداعي، ويعلّمهم كيف يسألون الأسئلة الصحيحة قبل أن يبحثوا عن الإجابات، ولذلك لا تسألني عمّا إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحلّ مكان المعلم، بل عن أي نوعٍ من المعلمين سيظل قادرًا على البقاء في زمنٍ يتغير فيه كل شيء بسرعة تفوق الخيال.

 

أما مناهجنا فلماذا هي متخلفة عن ركب الحضارة، بينما تفتح أمامنا التكنولوجيا أبوابًا من المعرفة لم نكن نحلم بها؟، وأنا أعتقد أن المشكلة ليست في نقص الأدوات، بل في طريقة التفكير التي ما زالت تحصر التعليم داخل غلاف كتاب، بدلاً من أن تجعله تجربة حية تتفاعل مع الطالب، لهذا يجب أن تتحول المناهج من مجرد صفحات جامدة إلى منصات رقمية تفاعلية، تتيح للطلاب التعلم عبر المحاكاة والتجريب والاكتشاف الذاتي، لا عبر الحفظ والتلقين، واليوم بين أيدينا أدوات تجعل الطالب يغوص في أعماق المحيط أو يسافر لسطح المريخ بضغطة زر، وأن يفهم المعادلات المعقدة من خلال تجربة افتراضية تشرحها له بوضوح يفوق أي درس تقليدي، لذلك يجب أن تُصمم المناهج لتكون بيئة تحفّز الفضول، وتمنح الطالب حرية التفاعل مع المعرفة بدلاً من استهلاكها بشكل سلبي.

 

تحدثنا عن المدارس والمعلم والمناهج والآن يجب أن نتحدث عن الطالب نفسه ذلك الكائن الذي يُفترض أن يكون محور العملية بأكملها، وما الذي يعنيه أن يكون طالباً في زمن الذكاء الاصطناعي؟ وبصراحة لم يعد الطالب مجرد متلقٍ عاجز ينتظر أن تُلقَنَهُ المعلومة من معلم أو كتاب، فبكل بساطة لديه اليوم الكثير من الأدوات التعليمية ولم تعد المدرسة بالنسبة له هي المصدر الوحيد للمعرفة، بل بات هناك الكثير من المصادر، لكن هذا التحول يحمل معه تحدياً وجودياً حقيقياً، صحيح أنه يمكن للطالب الآن أن يحل مسائل رياضية معقدة بكبسة زر وأن يحصل على إجابات جاهزة لأصعب الأسئلة، فإن السؤال الأهم الذي يجب أن نواجهه معاً هو: هل نحن نربي جيلاً من "المستخدمين" السلبيين للتقنية، جيلاً لا يريد أن يتعلم فلا حاجة للتعلم والمعلومات على أرصفة الطرقات.

من هنا يصبح واجبنا ليس فقط توفير الأدوات للطالب، بل وتوعيته بشكل صريح وواضح بطبيعة المعركة التي يدخلها، يجب أن نجلس مع أبنائنا وطلابنا ونقول لهم: هذه التقنية ليست سحراً، وليست بديلاً عن عقولكم، إنما هي قطار سريع ينقلكم إلى أبواب المعرفة، وأنتم من يجب أن يدخل ليبني ويبدع، ويجب أن نفهمهم أن قيمة الإنسان لم تعد في حفظه للمعلومات، بل في أسئلته الجريئة، وفي نقده البناء، وفي ربطه للأفكار بطرق إبداعية لا تستطيع حتى الخوارزميات توقعها.

المستقبل لا يحتاج إلى طلاب يحفظون الإجابات ولا لمعلمون يلقنون الدروس ولا لمدارس مجهزة بأحدث التقنيات، فالمستقبل ليس لمن يجيد استخدام "شات جي بي تي"، بل لمن يستطيع أن يسأله السؤال الصحيح الذي يقود إلى اكتشاف جديد، نحن بحاجة لجيل يصنع الأسئلة، لهذا على مؤسساتنا التعلمية أن تتأمل مستقبل التعليم، ليس كمتفرجين أو مستخدمين للتقنية بل كفاعلين في صناعة جيل سيختلف عنا في كل شيء حتى في طرق تعلمه وأنماط تفكيره ومسؤوليتهم إعدادهم لهذا الدور ولهذا المكان.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • جولة مفاجئة من وزير التعليم بـ 9 مدارس بسوهاج .. ورسالة حاسمة
  • حين يدخل الذكاء الاصطناعي باب المدرسة.. من يبقى في الداخل؟!
  • الملاكم فضل يضرب فيه| ننشر أقوال الطالب وابن عمته ضحيتي حادث دهس الشيخ زايد
  • مشاجرة دموية داخل مدرسة بالمعصرة.. ومطالب بتدخل التعليم لوقف إهمال الإشراف
  • خناقة طلاب تتحول لشروع في قتل.. ماذا حدث داخل كومباوند بالشيخ زايد.. القصة الكاملة
  • مدير تعليم البحيرة يتفقد عددا من مدارس المحمودية
  • بعد حادث دهس.. أول رد من مدرسة خناقة طلاب الشيخ زايد
  • مدير تعليم البحيرة يتفقد مدارس إدارة مركز كفر الدوار التعليمية
  • إنتشار مرض الجدري داخل مدرسة ابتدائية بمركز الباجور بالمنوفية