٦١ عاماً على ثورة أكتوبر الحركة السياسية السودانية والنظام العالمي الجديد
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
ياسر عرمان
مثلت ثورة أكتوبر ١٩٦٤ محطة مهمة من محطات الثورة السودانية وهي ذات صلة بموجات التحرر العالمي والبحث والكدح الإنساني من أجل العدالة الاجتماعية والحرية الفردية والرفاهية الجماعية والديمقراطية والمساواة، شكلت ثورة أكتوبر ١٩٦٤ تمسك الجماهير السودانية بروح عصرها التحرري، كما أنتجت ثورة أكتوبر إبداعاً في مختلف حقول الثقافة والفكر لا تزال بصمته ساحرة.
حرب ١٥ أبريل هي قضية السودان الأولى والسلام العادل هو خيارنا الوحيد نحو المستقبل، لكن قضية الحرب والسلام نفسها ذات جذر وارتباط بالتحولات والصراعات الجيوسياسية التي تجتاح العالم أجمع حتى أضحى النظام العالمي الحالي والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعبر عنه بما فيها أكثرها شمولاً كالأمم المتحدة التي أصبحت قصورُ مشيدة وآبار معطلة بالكاد تؤدي بعض واجباتها، وأضحت خاوية على عروشها لا تستطيع أن تنتج إرادة سياسية دولية واحدة لإنهاء معاناة البشر في مختلف أرجاء الكرة الأرضية.
السودان يتقاطع مع أحزمة جيوسياسية ذات أبعاد إقليمية ودولية بالغة التأثير، وعلى رأسها البحر الأحمر والقرن الأفريقي والساحل، وهي ذات أبعاد متصلة بحزام الشرق الأوسط الحيوي، والسودان له روابط جغرافية وتاريخية تعج بالتقاطعات الحضارية وحركات المقاومة والهامش والصراعات المتعلقة بنهب الموارد، إن ما يدور داخل السودان من حرب ضروس يتأثر ويتقاطع مع كل الحقائق السابقة.
النظام العالمي الحالي الذي أرسته الحرب العالمية الثانية على وشك النفاد وإكمال دورته، وإن عالماً جديداً يتشكل. انهيار المعسكر الاشتراكي أدى إلى سيطرة النموذج الرأسمالي الغربي على مدى العقود الماضية، ولكن من الواضح أن النظام العالمي يمر بمرحلة تحولات عميقة وسط دعاوى متصاعدة لبناء تعددية قطبية جديدة، ويشهد عالمنا بروز مراكز نفوذ جديدة وقديمة على رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند والاتحاد الأوربي وتجمع البركس، وبلدان الغرب نفسها تمر بتحولات كبيرة اقتصادية وسياسية، وتشهد صعود واسع للشعبوية واليمين المتطرف في البلدان الأكثر تطوراً، من الواضح أن هنالك مرحلة غرامشية تُشي بموت النظام القديم وعدم ولادة النظام الجديد، وتشهد التوحش والانفلات في مرحلة الانتقال.
الحركة الديموقراطية في السودان تجد نفسها متقاطعة مع قضايا الحرب الداخلية والتطورات العالمية، وقد تيبست أهم تياراتها التي تحتاج إلى التجديد واجتراح مسارات جديدة والنظرة النقدية لممارساتها ورؤيتها، كل ذلك يأتي في ظل تطورات عالمية متسارعة، وفي ظل حرب عملت على تشتيت المجتمع، وضربت النسيج الاجتماعي، ودمرت البنية التحتية، وأصبحت الدولة ومؤسساتها في مهب الريح؛ مما يطرح أعباء غير مسبوقة على الحركة السياسية الديمقراطية، كما أن حرب ١٥ أبريل نفسها وانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ كان الهدف منها القضاء على ثورة ديسمبر والانتقال المدني الديمقراطي.
التعددية القطبية تخدم الحركة السياسية الديمقراطية وبلادنا في قضايا كالسيادة والموارد والوحدة، ومن جانب آخر، فإن الثورة السودانية تقف إلى جانب التعددية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة بلا تمييز كأعمدة رئيسية في مشروعها الوطني، وتكمن مصلحتها في بناء نظام ديمقراطي في ظل التعددية القطبية لا يدعم التوجهات الشمولية، ويستفيد من التعددية القطبية في تحسين شروط بناء نظام ديمقراطي يحافظ على سيادة الدولة ومواردها لمصلحة الشعب والتعاون الإقليمي والدولي القائم على توازن المصالح، والذي يدعم التنمية الشاملة لبلدان الجنوب في ظل نظام عالمي متوازن.
يقف تيار الإسلام السياسي وهو أحد التيارات المهمة في السودان ضد بناء مشروع وطني يسع الجميع، على الرغم من أن الإسلام السياسي يرفع شعارات لامعة ضد دول الاستكبار والإمبريالية، ويبدو كأنه يناضل من أجل التعددية القطبية، لكن في الوقت نفسه يتبنى مشروع داخلياً قائم على القمع ونهب الموارد ومعاداة النساء والتنوع وتركيز السلطة في أيدي طبقة سياسية فاسدة لا تقبل المحاسبة والشفافية، وعملت على تدمير الريف وتوسيع دائرة الفقر التي تجلب الحروب في ظل نظام مستبد يعتمد سياسات اقتصادية متوحشة، ويرتكب الجرائم والانتهاكات إلى حد الإبادة الجماعية، ويستند إلى قاعدة اجتماعية ضيقة لا تستديم سلطتها إلا بالقمع؛ مما يؤدي إلى تكريس القمع الداخلي والتبعية الخارجية، ويضعه في مفارقة مع دعواه للنظام العالمي الجديد.
إن المتغيرات العميقة حولنا والمستجدات الإقليمية والدولية تتداخل مع المتغيرات الداخلية، وتؤثر في مشروع السلام القادم وإمكانية استدامة السلام والتنمية والديمقراطية، وعلى المستوى العالمي، فإن قضايا حل النزاعات والسلام تشهد توجهات جديدة تنظر إلى السلام على أساس المصالح الضيقة والصفقات أكثر من قضايا التغيير الشامل وبناء المجتمعات الديمقراطية الجديدة، والعملية السياسية لإنهاء الحرب الحالية تحصر الحلول في طريقين أحدهما يقوم على قسمة السلطة ونهب الموارد والتبعية وعدم معالجة جذور الأزمة والطريق الآخر يسند ظهره على حائط الثورة السودانية والمشاركة الجماهيرية وهو مشروع ديمقراطي مدني يرفض الاستبداد.
أخيرا بعد مرور ٦١ عاماً على ثورة أكتوبر المجيدة ومرور قرن على ثورة ١٩٢٤، فإن قوى الثورة السودانية تحتاج إلى إعادة تعريف المشروع الوطني السوداني سيما بعد أحداث عظام، تكفي أي منها لضرورة إعادة النظر وإعادة تعريف المشروع الوطني من جديد، وأهم تلك الأحداث انفصال جنوب السودان والإبادة والتطهير الإثني الذي صحب حروب الريف حتى تمخض عن حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ التي حملت في أحشائها جذور كل الحروب الماضية.
من الواضح أن قضايانا الداخلية ذات صلة ونسب بالمخاض الذي يشهده عالمنا الكبير الذي يتجه نحو تعددية قطبية ونظام عالمي جديد.
في إعادة تعريفنا للمشروع الوطني لا بد لنا من طرح قضية (الاتحاد السوداني) بين دولتي السودان كبداية لمشروع للتكامل الإقليمي يشمل جوارنا الأفريقي والعربي في وقت يتجه فيه العالم الجديد نحو التكتلات الكبرى.
الوسومياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ياسر عرمان الثورة السودانیة التعددیة القطبیة النظام العالمی حرب ١٥ أبریل ثورة أکتوبر على ثورة
إقرأ أيضاً:
مداخل العملية السياسية والتحول الديمقراطي في السودان
مداخل العملية السياسية والتحول الديمقراطي في السودان
محمد الأمين عبد النبي
أكدت حرب الخامس عشر من أبريل، بوحشيتها وتداعياتها ومآلاتها، أن المطلب الديمقراطي هو المدخل الأساس لتحقيق الاستقرار السياسي في السودان. كما بيّنت أن عسكرة الدولة والاستبداد هما الطامة الكبرى التي حاقت بالشعب، وأوردت البلاد موارد الهلاك، إذ وضعت الحرب مصير ومستقبل السودان على المحك.
وعلى الرغم من الجهد السياسي والإعلامي الهائل في تمجيد العسكرة ورفع شعار “المجد للبندقية”، وتبادل المنافع مع النظام المباد، ومحاولات النيل من التجارب الديمقراطية وتجريم القوى المدنية الرافضة للحرب، ظلّت قناعة الشعب السوداني راسخة بأن لا بديل للديمقراطية إلا الديمقراطية نفسها، فلا عودة إلى الوراء. إذن إن خيار الشعب الذي دفع ثمنه غالياً هو نظام الحكم الذي يستجيب لشعارات ثورته في الحرية والسلام والعدالة، تلك الثورة التي أحدثت تغييراً في تركيبة السلطة وبنيتها الأساسية، وخلقت وعياً سياسياً ومعرفياً جديداً حول سؤال: كيف يُحكم السودان؟وكانت مفردة “الديمقراطية” هي المسيطرة على الحراك السلمي، ما فتح باباً واسعاً أمام البحث في الأسئلة الصارمة حول ماهية الديمقراطية المنشودة: هل أصبح السودان مهيأً فعلاً لحكم ديمقراطي ناضج؟ هل توفرت الشروط المواتية للتحول الديمقراطي؟ وهل هناك ثقافة ديمقراطية كافية، أم أن التخلف البنيوي ما زال يتحكم في الواقع؟.
وللأسف، فإن الإجابات على هذه الأسئلة اتسمت بالكثير من التسطيح والأوهام، وقد استخدمها البعض شعاراً للوصول إلى الحكم دون استحقاق ثوري أو انتخابي.
لقد وضع بيان الرباعية (الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر، والإمارات) إطاراً مناسباً لوقف الحرب وتحقيق السلام واستعادة التحول المدني الديمقراطي في السودان، غير أن هذا المسار محفوف بالمخاطر في ظل واقع معقّد للغاية، حيث يسعى دعاة العسكرة لتأجير خطة الرباعية لصالح التشبث بالسلطة، في الوقت ذاته يترصّد دعاة استمرار الحرب كل فرصة للسلام لإجهاضها، ويكمن التحدي الأكبر في غياب تصوّر سياسي جامع وموحّد للقوى المدنية الرافضة للحرب للإجابة عن سؤالين جوهريين: الأول، كيف نصمّم عملية سياسية ذات مصداقية ومملوكة للسودانيين؟ والثاني، كيف يدار انتقال سلس يمهّد الطريق نحو تحول ديمقراطي حقيقي قائم على تفويض شعبي يعيد السلطة إلى السودانيين؟. الناظر إلى المخاطر الثلاثة والإجابة على السؤالين، يتوصل إلى حقيقة أن الطريق نحو الديمقراطية ما يزال وعراً ومعقداً، ويحتاج إلى جهد معرفي وثقافي ونضال وطني للوصول إلى تصميم جيد للعملية السياسية، وإلى صيغة نظام ديمقراطي يُنهي الحروب ويحقق القبول الاجتماعي والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، ويخلق بيئة ثقافية صديقة للديمقراطية ورافضة للشمولية.
ما إن لأح في الآفق حديث عن عملية سياسية حتى تكشّفت نوايا احتكار تصميم العملية السياسية أو إغراقها أو إجهاضها، وبدأت خطابات الابتزاز والتخوين والتجريم، وحشد اللافتات والواجهات لتكبير “الكوم” والتأثير على سير العملية السياسية، مع تجاهل الدور السياسي المطلوب والزخم الإعلامي الداعم لوقف الحرب، والضغط على المتحاربين بغية الوصول إلى هدنة إنسانية ووقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، وتوصيل المساعدات، وحماية المدنيين، وتجاوز معضلة الترتيبات الأمنية، وهي عمليات ضرورية سابقة للعملية السياسية، تحتاج إلى التعجل والإسراع وتهيئة المناخ وروافع بناء الثقة وترسيخ الحل السياسي.
أما العملية السياسية، فإن نجاحها أو فشلها يعتمد بدرجة كبيرة على تصميمها، وتستحق وقتاً كافياً وتأملاً في شكلها ومضمونها، ووضع محفزات للتعاون والحوار المنتج، وإدارة التوقعات، وتعبئة الرأي العام لقبول نتائجها والتزام أطرافها بما يتم التوافق عليه، لأن فشل العملية السياسية يعني عودة الحرب وضياع فرصة السلام. كما أن تصميم العملية السياسية، إلى حدٍّ كبير، شأنٌ سوداني، ولا ينبغي أن يُترك لغير السودانيين، فهو يختلف عن ترتيبات الهدنة ووقف الحرب والعدائيات والمساعدات الإنسانية التي تحتاج بالفعل إلى مجهود إقليمي ودولي يوفر فرص الوصول إلى اتفاقيات وضمانات لتنفيذها.
لكن، بالضرورة، يجب قبل الجلوس إلى مائدة العملية السياسية الاتفاق على أهدافها، وجدول أعمالها، وترتيباتها الإجرائية، وتحديد أطرافها وفق معايير واضحة للتمثيل والشمول والشفافية، والاتفاق على طريقة اتخاذ القرار، واختيار مجموعة من الخبراء في التخصصات المختلفة لوضع مسودات حول القضايا الجوهرية لتسهيل الوصول إلى اتفاق، ووضع ضوابط للعملية حتى لا تُستغل لصالح أي طرف، وإنشاء آلية وطنية أو دولية أو مختلطة للوساطة والتسهيل، وتحديد آلية ضمان مشاركة المجتمع المدني والنقابات والمجموعات الشبابية والنسوية والأهلية والدينية في العملية، ووضع إستراتيجية إعلامية قبل وأثناء وبعد العملية السياسية، وتعزيز الثقة بين الأطراف عبر لقاءات ثنائية، والتعبير عن القواسم المشتركة، ومحاصرة خطاب الكراهية والتراشق الإعلامي، وتعبئة الرأي العام وتهيئته لدعم عملية التحول الديمقراطي. كل هذه المسائل تُبحث في اجتماع تحضيري يضم كل القوى الرافضة لاستمرار الحرب، يتم الإعداد له عبر عملية تشاورية واسعة.
من البديهي أن التفكير في مداخل جديدة ونموذج تحول (Paradigm Shift) يتطلب نقد التجارب السابقة، ومقارنتها بتجارب انتقال مماثلة حول العالم، وصولاً إلى مقاربة أو نموذج ديمقراطي مبني على تشخيص سليم للواقع لا على تصوّره المتخيّل. نموذجٌ يخاطب جذور الأزمة بكل أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية، وقادرٌ على بناء مؤسسات ديمقراطية راسخة، وخلق حوار نقدي حول قضايا الهوية وطبيعة الدولة ونظام الحكم وصناعة الدستور والمشاركة الشعبية في القرار الوطني.
نموذجٌ ديمقراطي يؤسس لعقد اجتماعي جديد، ويحافظ على السلم الأهلي بالاعتراف بالتنوع الثقافي والتعددية السياسية، ويعمل على فضّ النزاعات الإثنية والفكرية والثقافية التي أشعلتها النظم العسكرية والاستبدادية الأحادية. كما يقدم مشروعاً وطنياً وجودياً يُخرج البلاد من دوامة الحروب، ويعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس العدالة والمواطنة. إنه نموذج للإصلاح السياسي والمؤسسي والأمني والعسكري الشامل، يضع حداً للهيمنة التاريخية والامتيازات الإثنية والثقافية والسياسية، ويضمن سلطة الشعب وسيادته وشرعية تمثيل مكوناته في تقرير مصيره ومستقبله.
إن العنوان الأبرز لهذا النموذج هو “الديمقراطية التوافقية” كنموذج بديل عن الديمقراطية المعيارية التي لم تحقق الاستقرار السياسي، ولم تعالج الأزمة المزمنة التي يعانيها السودان، البلد المتعدد والمتنوع اجتماعياً وثقافياً. فميزة الديمقراطية التوافقية أنها لا تكتفي بالأغلبية معياراً وحيداً للحكم، بل تضيف إليه معياراً آخر هو التوافق، الذي يتضمن إشراك جميع مكونات المجتمع في إدارة الدولة بما يضمن لكل طرف حقوقه وخصوصياته، وبذلك تمثل رؤية متطورة نابعة من جوهر الديمقراطية.
لا شك أن التجارب الديمقراطية السابقة في السودان شابتها عثرات أساسية سمحت بتقويضها المستمر بالانقلابات العسكرية، لذا فإن أقلمة الديمقراطية تعدّ ضرورة لترسيخها وتطورها، في ظل هشاشة مؤسسات الدولة والمجتمع، وتحقيقاً لأعلى درجات التماسك الوطني تمهيداً لانتقال سلس وآمن نحو الديمقراطية.
إنّ المسؤولية التاريخية تقتضي التفكير في مداخل توافقية جديدة، من شأنها إعادة تماسك ووحدة السودان من جديد بعد أن قطعت الحرب أوصاله. مداخل قوامها فترة انتقالية توافقية قصيرة الأجل، ثم فترة انتقالية كاملة بتفويض شعبي عبر نظام التمثيل النسبي، بغية إعادة السلطة إلى الشعب لاختيار رئيس الدولة وتشكيل حكومة مهمتها استكمال عملية السلام الشامل والتحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية.
تُطبَّق الديمقراطية التوافقية غالباً في ظل مجتمع غير متجانس ثقافياً ومتصارع اجتماعياً، تسوده حالة من انعدام الثقة بين مكوناته. لذلك تُعرَّف أحياناً بأنها “استراتيجية لإدارة النزاعات من خلال التعاون والوفاق بين النخب المختلفة، بدلاً من التنافس واتخاذ القرارات بالأغلبية”، وهي آلية سلمية لتداول السلطة في مجتمع متعدد يواجه خطر الانقسام بسبب تطرف مكوناته الاجتماعية وانعدام الثقة المتبادلة بينها. وتستند الديمقراطية التوافقية إلى عدة خصائص أساسية، كونها آلية سلمية لتداول السلطة في مجتمع متنوع ومتصارع، وتشجع المشاركة السياسية على مستوى المكونات وعلى المستوى الشعبي العام، وتخضع السلطة للمساءلة والمحاسبة من قبل الناخبين، وتحقق الاستقرار السياسي من خلال تخفيف التوتر بين المكونات الاجتماعية وإعادة بناء الثقة فيما بينها وصولاً إلى رضاها بالنظام السياسي القائم. وتقوم الديمقراطية التوافقية على أربعة مرتكزات: حكومة ائتلافية لتحالف واسع، ونظام تمثيل نسبي، وحق الفيتو المتبادل، والإدارة الذاتية للشؤون الخاصة بكل جماعة أو إقليم.
طُبّقت الديمقراطية التوافقية في عدة دول مع مراعاة الخصوصيات الاجتماعية والسياسية، واستطاعت معالجة الانقسامات الإثنية والطائفية والأيديولوجية في كل من النمسا وبلجيكا وإيطاليا ولبنان وسويسرا وإيرلندا الشمالية وهولندا وماليزيا وغيرها. ويمكن أن تمثل نموذجاً ناجحاً في سودان ما بعد الحرب إذا تم إبعاد الجيش من الحكم والسياسة والاقتصاد، وأجهضت مغامرات قوى الثورة المضادة الارهابية، وتم الوفاء باستحقاقاتها التحول الديمقراطي، وأهمها الإصلاح السياسي والحزبي، وتشكيل حركات اجتماعية قوية، وخلق قيادات جديدة، وبناء مجتمع مدني حيوي يغرس قيم حقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية في المجتمع، مع فاعلية أجهزة الإعلام التي تعبّر عن هموم الناس.
الوسومالإمرات التحول الديمقراطي في السودان السعودية الولايات المتحدة الأمريكية بيان الرباعية محمد الأمين عبدالنبي مداخل العملية السياسية مصر