قائدٌ صاغ معادلةَ الردع بالشهادة
تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT
في يوم التشييع المهيب، الذي تتوشّح فيه السماء بكساء الحزن والفخر، نزفّ إلى الأُمَّــة، وإلى ساحات العزّة والكرامة، الشهيد القائد اللواء الركن محمد عبدالكريم الغماري- رئيس هيئة الأركان، الذي ارتقى شهيدًا بِقصفٍ صهيونيٍّ غادر على أرض اليمن الأبية.
ليس مُجَـرّد اسم يُضاف إلى سجل الخالدين، بل هو أيقونة العزم والقائد الذي صاغَ معادلةَ الردعِ بالشهادة على طريق القدس، ليُبرهن أن الدم الزكيّ هو أصلب أنواع القوة وأشدّها فتكًا بصلف الغُزاة.
لقد كان الشهيد الغماري مهندس الانتصارات وليث الساحات، وذاك الجبل الشامخ الذي تقهقر أمامه تحالف “الحزم والعزم” وما يُسمى بـ “حارس الازدهار وقد أدرك بوعيه الثاقب أنّ الردع لا يكون إلا بالندية والتضحية، فكان صانع الردع الذي وضع موازين القوة أمام الكيان الصهيوني، جاعلًا من مطار صنعاء بمطار بن غوريون، وميناء الحديدة بميناء حيفا وأم الرشراش.
إنه القائد الذي نذر نفسه لقضية أمّته، فجعل من البحر الأحمر “خطًا أحمر” على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، مُعلنًا سيادة الإرادَة الحرة على الجغرافيا، حيثُ إن الشهيد الغماري لم يكن مُجَـرّد قائد عسكري، بل كان سلطان المحيطات والبحار وقاهر قوى الاستكبار، الذي أعاد البوصلة إلى اتّجاهها الصحيح، مُتحديًا جبروت القوى العظمى بصلابة الموقف اليمني المبدئي.
ولم يكن الشهيد الغماري قائدًا وحسب، بل روح لامس الأحرار، بصدق نياته وإخلاص قلبه ونبل أخلاقه، حتى صار أبًا وروحًا لكل مجاهد.
إنّ رحيل القائد الغماري ليس مُجَـرّد استشهاد، بل هو تجسيدٌ ناصعٌ للموقف الإيماني والعروبي الأصيل” الذي يرفض الخنوع والمساومة وقد دُفع ثمن دمه الزكيّ كاملًا لقراره التاريخي بمساندة المقاومة في غزّة، ولإعلانه اليَمنَ خطَّ إسنادٍ أول للقضية الفلسطينية وكان الشهيد الغماري هو المُترجِمَ الفعليّ لمُعادلةِ الوَحدة في المِحن، حينما جعل من اليمن، رغم جراحه وأوجاعه، سيفًا مسلطًا في وجه الكيان الصهيوني، نُصرةً لإخوته المظلومين.
لقد استهدفه العدوّ الصهيوني الغادر؛ لأَنَّه أدرك فيه القائد الذي يُحوّل الكلمات إلى صواريخ، وَالرجل الذي يَربط الساحة اليمنية بساحة القدس برباط العقيدة والإباء وإنّ دماءه الطاهرة التي سالت، هي شاهد إدانة أزليّ على وحشية المعتدي، وَبصيرةٌ متّقدة تزيدُ شعبنا وأمّتنا يقينًا بصدق المعركة ووَحدة المصير.
نحن اليوم، وإذ نودّع جسدًا طاهرًا، فَــإنَّنا نستقبل ميلاد عهد جديد من العزيمة والتضحية ونعاهد الشهيد القائد الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري، وكلّ شهداء الأُمَّــة، أنّ دماءهم لن تذهب هدرًا، بل ستُصبح مَناطَ قوةٍ تُعزّز الجبهات وتُرسّخ الإصرار على مواصلة الإسناد، ولن يثنينا هذا العدوان الغاشم عن الوفاء لعهد الإباء، حتى ينكسر الغُزاة ويهنأ الأقصى.
وإنّ النصر قادمٌ لا محالة، بوحدة الساحات وتضحية القادة الأبرار.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الشهيد الغُمَاري.. قائدُ التوازن في زمن الاختلال
يمانيون| بقلم: عبدالقوي السباعي
بزغ اسمُ القائد الجهادي الكبير محمد عبدالكريم الغُمَاري، من ضوءٍ ودمٍ وموقف؛ فكان عنوانًا للثبات ومرادفًا للعقيدة الجهادية الصُلبة، وقائدًا للتوازن في زمن الاختلال، ورمزًا تحرريًّا في زمن الاحتلال؛ مضى ثابت الخطى، عميق الرؤية، عظيم البأس، لا يلين أو يكل أو يمل، وكما عاش مجاهدًا، رحل شهيدًا.
كان هادئًا كالإيمان، صارمًا كالقَسَم، يعرف متى يتكلّم ومتى يصمت، ومتى يحوّل الصمت إلى صاعقةٍ تحرق الأعداء؛ فصاغ في وجدان المجاهدين قناعةً بأنَّ العدوّ يُواجه بالصبر واليقين أنّ النصر وعدٌ إلهيّ لا ينكسر أمام العواصف والمؤامرات، وفي كل ظهورٍ له، كان يحملُ لُغةً تُنبت من بين الحروف عزيمةً لا تُقهر، ودائمًا ما يقول: لن نساوم في قضايا الأمة، ولن نترك فلسطين وحدَها، ولو واجهنا الدنيا بأسرها.
القائد الغُمَاري كان بحق مدرسة قيادة كاملة أرسّت لفكرٍ عسكريٍ قرآنيٍ يجمع بين هندسة المعركة الحديثة وإيمان العقيدة الأصيلة، ومن خنادق صعدة إلى جبهات الداخل والساحل، ومن خطوط البحر الأحمر إلى فضاء الردع الباليستي والفرط صوتي، كانت بصماته تلّج في كل تفصيلٍ عسكريٍ يمنيٍ يُرعب العدوّ ويُلهم الحليف.
ومن بين جدران القيادة، كان القائد الغُمَاري العقل المدبّر لعمليات الردع اليمني، ومهندس التوازنات الجديدة في أعالي البحار؛ فغيّر قواعد الاشتباك وجعل من اليمن لاعبًا استراتيجيًّا لا يمكن تجاوزه، رؤاهُ كانت صواريخ ومسيرات، كلماته حديد ونار، رسائله بيانات وعي وإيمان وسيادة، وكان يعرف أنَّ السلاح حين يحمل البوصلة القرآنية يصبح أداة تحريرٍ ونصر.
كان أحد الذين نسجوا خيوط التنسيق الدقيق بين العقل والسلاح، بين السياسة والجهاد، بين التكتيك والإيمان، بين التكنيك والعتاد الحربي والثقة بمعية الله، وحين كان يتحدث عن العدوّ الإسرائيلي، كان يراه خصمًا قريبًا وهدفًا يسيرًا، لا تعنيه المسافات ولا تعجزه حدود الجغرافيا ما دامت على طريق القدس والأقصى والمسرى، مؤمنًا بأنَّ اليمن هي من ستصنع “وعد الأخرة”.
حين استُهدف القائد الغُمَاري، ظن العدوّ الجبان أنّهُ سيطوى صفحته، غير أنَّ الشهيد قد أنشأ آلاف النسخ من المجاهدين، تحمل دمه ومنهاجه، وتخلّد في الوعي الجمعي للمجاهدين كرمزٍ للقيادة المسؤولة، التي تسبق الصفوف، وتحتضن الميدان، وتُدير العاصفة بعينٍ يقظةٍ وضميرٍ حيّ؛ فكان -رضوان الله عليه- بحق عنوانًا للثقة بين القيادة الثورية والميدان.
لقد خاض القائد الغُمَاري معاركه بروح القائد القرآني الذي يرى في الشهادة استمرارًا للحياة، وعبورًا إلى النصر الأبدي؛ فرحل مبتسمًا كما يليق بالقادة الذين يوسّدون الأرض بجباههم ليُزهر منها مليون مجاهد مقاتل مُقبل غير مُدبر، بعد أنَّ ترك فينا منهجًا لا يموت: أنّ تكون القوّة بقدر الموقف، والموقف بقدر الإيمان.
رحل القائد الغُمَاري بجسده، غير أنَّ روحه الطاهرة ستظل تحكي للأجيال عن أسطورة انبثقت من تراب اليمن لتقول: هكذا يُكتب الخلود للأبطال، وهكذا يُفهم الجهاد، وهكذا تكون النصرة والإسناد، وهكذا تُصنع المعادلات وتأتي التضحيات؛ حين يكون الدم أصدق من كل اللغات.
في وداع القائد الغُمَاري، بكاه السلاح، بكته الثكنات والمتارس، كما بكى عليه الجنود في كل الثغور، ورفرف اسمه في سماء اليمن كقسمٍ جديدٍ على مواصلة الطريق وذات المنهج؛ إذ لم يرحل ليُطوى اسمه في سجلّ الشهداء؛ بل ليفتح صفحةً جديدةً في سجل المجد اليماني الخالد، كتب عليها بدمه الزاكي: القدس وجهتنا، واليمن بُوصلتنا، والنصر وعد الله الذي لا يتخلف.