المشهد الانتخابى وهندسة القوائم! «٢»
تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT
مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات رسميًا عن الجدول الزمنى لانتخابات مجلس النواب، انطلق ماراثون أهم معركة سياسية فى وقت شديد الصعوبة يعانى فيه الشعب من أزمة اقتصادية طاحنة لاختيار ممثلين عن الشعب ليس لهم علاقة بدوائرهم، ويكون الستار قد فُتح رسميًا أمام ما يفترض أنه أهم معركة سياسية فى البلاد... تأتى هذه الانتخابات فى وقت هو الأصعب اقتصاديًا على المواطن المصرى منذ سنوات طويلة، ويختلف تماماً عن الانتخابات البرلمانية السابقة، فالغلاء ينهش جيوب الناس، الأسعار ترتفع بشكل يومى، الجنيه يفقد قيمته، والقدرة الشرائية تتآكل بلا رحمة، الأسر تعانى من ضغوط معيشية خانقة، والهم اليومى أصبح تأمين الطعام والدواء، لا التفكير فى البرامج الانتخابية ولا الشعارات السياسية، فكيف يمكن الحديث عن «ماراثون انتخابى» فى بلد يعيش أزمته الاقتصادية بكل تفاصيلها؟، وكيف يُطلب من المواطن أن يتفاعل سياسيًا وهو لا يستطيع أصلا أن يوازن بين دخله وإنفاقه؟
فى الشارع والأسواق، يتحدث الناس عن سعر السكر والزيت والخبز، لا عن المرشحين ولا عن البرلمان القادم، وفى البيوت، لا حديث عن السياسة، بل عن الفواتير التى تتضاعف، والأجور التى لم تعد تكفى حتى منتصف الشهر، تتحدث عن واقع مرير فى الوقت الذى نسمع فيه عن أرقام بملايين كثمن صورة فى قائمة محسومة مقدماً، لقد أصبحت الانتخابات بالنسبة لكثيرين حدثًا بعيدًا عن الواقع المعيشى، وكأنها تُقام فى عالم موازٍ لا علاقة له بما يجرى فى الشارع، وبينما يُنفق البعض الملايين على الدعاية الانتخابية، هناك ملايين من المواطنين لا يجدون ثمن احتياجاتهم اليومية، إنها مفارقة قاسية تكشف عمق الفجوة بين السياسة والناس.
لقد تحوّل البرلمان، فى نظر الشارع، إلى مؤسسة بعيدة عن نبض الناس، تكرر الخطاب الرسمى وتنسى من أرسلها، بينما لا يجد المواطن من يرفع صوته داخل المجلس دفاعًا عن لقمة عيشه أو عن حقه فى حياة كريمة.
الانتخابات اليوم تبدو وكأنها سباق على المقاعد لا على خدمة الناس، أموال تُنفق بسخاء على الدعاية، ولافتات تملأ الشوارع، بينما هناك من لا يجد ثمن وجبة لأطفاله، أين العدالة فى مشهد كهذا؟ كيف يتحدث البعض عن «تمثيل الشعب» وهم لا يعرفون حجم وجعه الحقيقى؟..الشعب يريد من يسمع صوته، لا من يستخدمه. يريد من يعيش مشكلاته، لا من يطل عليه من برج عاجى ثم يختفى أربع سنوات فى صمت مريب، والمأساة الكبرى أن الناس فقدت الإيمان بالعملية السياسية ذاتها، كثيرون باتوا يرون الانتخابات مجرد «مشهد شكلى»، لا يغير فى واقعهم شيئًا. فهل يمكن أن تقوم ديمقراطية حقيقية فى غياب الثقة؟ وإذا كانت الانتخابات تُجرى فقط لتجميل الصورة أمام الخارج، فلن تُصلح ما فى الداخل، الديمقراطية ليست لافتات ولا بيانات رسمية، بل احترام لإرادة الناس وتمثيل حقيقى لهم، لا صفقات ولا ولاء، الانتخابات الحقيقية تبدأ من الناس، لا من فوقهم، تبدأ حين يشعر المواطن أن صوته يصنع فرقًا، وأن النائب الذى ينتخبه سيحمله همّه لا استعراضاته، أما إذا استمرت الأمور على ما هى عليه، فسيظل البرلمان بلا روح، والديمقراطية بلا معنى، والناس بلا أمل، فلا أثر لحراك انتخابى حقيقى، ولا تفاعل شعبى يُشبه ما يُفترض أنه «أهم استحقاق سياسى» فى البلاد، الصمت يخيّم على الدوائر، والناس تمضى فى همومها اليومية، بينما اللافتات تتحدث عن معركة لا يشعر بها أحد، وغياب كامل للنشاط الميدانى، ففى السابق، كانت فترة الانتخابات تشهد حراكًا واضحًا فى الشوارع والقرى والمراكز، وندوات ومؤتمرات ولقاءات بين المرشحين وأهالى دوائرهم. أما اليوم، فالمشهد باهت إلى حدّ الملل، نواب ومرشحون غائبون عن دوائرهم، لا يُرَون بين الناس، وكأن التواصل مع المواطن بات أمرًا غير ضرورى. وكأن النتيجة قد حُسمت سلفًا، والمنافسة لا تتعدى كونها إجراءً شكليًا لإكمال الصورة، اللامبالاة الشعبية هذه المرة ليست كسلاً، بل نتيجة مباشرة لفقدان الثقة. المواطن العادى لم يعد يرى فى الانتخابات وسيلة للتغيير، بل مجرد مشهد يتكرر كل دورة دون أن يتغير شىء فى واقعه، فما الذى يدفعه للاهتمام بمرشحين لا يعرفهم، أو بخطابات ووعود سمع مثلها من قبل ولم يتحقق منها شىء؟، الناس مشغولة بلقمة العيش، بفاتورة الكهرباء، بارتفاع الأسعار، بأزمات المواصلات، بمدارس لا تتسع لأبنائهم، ومياه لا تصل بانتظام. وسط كل ذلك، يأتى الحديث عن الانتخابات كترف سياسى بعيد عن الواقع، إنها مفارقة قاسية تكشف عمق الفجوة بين السياسة والناس، انتخابات تُقام فى زمن لا يحتمل الشعارات، بل يحتاج إلى حلول حقيقية، وإلى ممثلين يعرفون أن صوت الشعب اليوم ليس ورقة فى صندوق، بل صرخة وجع تبحث عمن يسمعها.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات ه مجلس النواب الشعب من أزمة الجنيه يفقد
إقرأ أيضاً:
اعترافات تؤكد تجارة بطاقات الناخبين: العراق يواجه أزمة نزاهة غير مسبوقة
23 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: في ظل اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية، تتصاعد الفضائح السياسية التي تهدد نزاهة العملية الديمقراطية.
و تكشف تقارير مثيرة للقلق عن انتشار ظاهرة بيع وشراء بطاقات الناخبين في مناطق متفرقة من العراق، حيث تتحول الأصوات إلى سلعة في سوق سوداء مزدهرة. في الموصل،
و تتراوح أسعار بطاقات الناخبين بين 50 و150 ألف دينار، في صفقات مشبوهة تكشف عن عمق الفساد الانتخابي.
وهذه العمليات، التي أكدتها شبكة شمس لمراقبة الانتخابات، تمتد من جنوب العراق إلى وسطه، مما ينذر بتلاعب واسع النطاق قد يشوه إرادة الشعب.
صراع النفوذ في نينوى
وفي قلب الموصل، تشتعل معركة سياسية محمومة. اتهامات النائبة فيان دخيل بتداول بطاقات الناخبين أثارت جدلاً واسعاً، حيث يرى البعض أن تصريحاتها محاولة كردية لخلط الأوراق وتعزيز النفوذ في المدينة على حساب القوائم الشيعية.
هذا الصراع العرقي-السياسي يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى مشهد انتخابي متأزم، حيث تتصارع الأطراف على كسب أصوات الناخبين بأي ثمن.
و أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عبر رئيس فريقها الإعلامي عماد جميل، عن اعتقال أكثر من 40 شخصاً متورطاً في هذه التجارة غير المشروعة. لكن هذه الخطوة، رغم أهميتها، تبدو متأخرة أمام تفشي الظاهرة. المفوضية تؤكد أن التصويت ببطاقة شخص آخر مستحيل، لكن السؤال يبقى: هل ستتمكن الإجراءات الأمنية من وقف هذا النزيف الديمقراطي؟
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يواجه العراق اختباراً مصيرياً. تجارة الأصوات ليست مجرد انتهاك قانوني، بل ضربة موجعة لثقة المواطن في العملية الديمقراطية. إذا لم تتخذ إجراءات صارمة، فقد تتحول الانتخابات إلى مسرح للفساد بدلاً من تعبير عن إرادة الشعب.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts