من كان يظنّ أنّ النوم فوق سطوح منازلنا في الصبا، تحت صفحة السماء المُعبّأة بالنجوم والكواكب -قبل مجيء الكهرباء- سيغدو ترفًا نقطعُ مئات الكيلومترات لبلوغه؟ من كان يظن أنّ أعيننا المُجردة التي ألّفتْ في أرق لياليها القصص عن علاقات النجوم بأشكالها، سيغدو أبسط أمانيها أن تحظى بسماءٍ غير مُخترقةٍ بضوءٍ مُصطنع!
وكم يعني لإنسان اليوم أن يبلغ مكانًا تحفّه سكينة آسرة، حيث يمكن لرفّة جناح طير أو ارتعاشة غصن أن تدخل حيز الانتباه المُشتت؟
في الحقيقة.
فبينما يجدُ بعضُ الناس متعتهم في قضاء لياليهم في فنادق تحملُ علامة سبع نجمات، ثمّةَ آخرون يجدون في الاستلقاء تحت صفحة السماء ترفًا أشد ثراء وغنى، في مراقبةِ ما يربو على ألفي نجمةٍ بالعين المجرّدة.
لقد طالت يد الإنسان ومدنيّته الزائفة كلَّ شيء، حتى بتنا بحاجةٍ إلى محميّات سماوية! وصرنا نقطعُ ساعاتٍ طويلةً بحثًا عن مكانٍ لم يُصبه الإنسان بخللٍ في صميم إيقاعه. ويا للمفاجأة، شاركتنا هذه التجربة الفريدة فتياتٌ من جنسياتٍ مختلفة، جئن من بلدانٍ بعيدة لينلن نصيبًا من هذا الصفاء النادر.
في تلك الليلة دار الحديث العذب عن علاقة العُمانيين بالنجوم، تلك العلاقة القديمة التي تجذرت في رئة أسفارهم في الصحراء والبحار؛ فكانت طريقهم المُضيء في العتمة وبوصلتهم الآمنة قبل أن تُولد الخرائط. يرفعون رؤوسهم عاليًا فتدلهم على مواسم الزراعة ومواعيد التقويم والعبادات. فطلوع الثريا يُبشّرهم ببداية موسم الزراعة، وظهور سهيل يحملُ دلالة كافية على انتهاء القيظ.
الجسد القديم المُستلقي على ظهره، خلق من السماء مسرحًا أو شاشة سينما لا محدودة لتصوراته، حاك خلالها العديد من القصص الشعبية، واستوحى بعضها من ثقافات البشرية التي تشاركه الرقعة السماوية ذاتها.
هنالك حين أغلقنا هواتفنا، وتمسكنا بطمأنينة عميقة، شاهدنا في الظلمة الحالكة، الملكة «كاسيوبيا» الجميلة الجالسة على كرسي مائل، المغرورة حد التبجح والتي أغضبت «نبتون» منها، فأرسلت إلى سواحل مملكتها وحشًا بحريًا هائلًا يُدعى «القيطس» ليعاقبها، فلم تجد وزوجها الملك خلاصًا منه إلا بتقديم ابنتهما الجميلة «أندروميدا» قربانًا، فرُبطت الابنة إلى صخرة، إلا أنّ المحارب واجه «القيطس» الشرس، وانتصر عليه.. لقد شاهدنا الملحمة الضارية بوضوح لافت.
أما «نعش» الذي قُتل، فقد كان له سبع بنات جميلات تجمعن حول جثة والدهن، وأقسمن ألا يدفنّها حتى يأخذن بثأره. فطاردن القاتل وقتلنه، وحملن جثته إلى السماء، حيث تحوّلن إلى نجوم، وصرن يُعرفن باسم بنات نعش. فلكيًا، تُشكل بنات نعش ما يعرف بـ «الدب الأصغر»، وتتألف من سبعة نجوم، يُقال إن الأربعة منها تمثلُ النعش، بينما تمثل الثلاثة الأخرى البنات. ويُقال إنّهن يحملن جثة والدهن في السماء، ويُلاحقن نجم «سهيل» القاتل، فيظهر سعيهن المستمر للانتقام في مشهد أبدي.
شيءٌ ما مسّ هشاشتنا، عندما أدركنا أنّ الشلال المُتسربل من الضوء النجمي ليس مجرد التماع آني، بل شعاعٌ قطع رحلته الطويلة ليصلنا، وربما نبع من نجوم لم تعد موجودة أصلا، عن أجرام ماتت منذ زمن بعيد!
في أمكنة كهذه واجه الإنسان القديم ضآلته الحادة بروي القصص، لا سيما في تلك الحياة الأقل صخبا والأكثر بُطئا، بينما نحنُ في هروب لاهث للقبض على شيء ما بقي على فطرته الأصيلة، ولم تخدشه أوهام التمدن!
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة «نزوى»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السماء تشتعل فوق كاريبي فنزويلا : قاذفات “بي-1” تعيد شبح غزو العراق
24 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: يسود القلق في أوساط المراقبين من أن يعيد دونالد ترامب مشهد الغزو الأميركي للعراق ولكن هذه المرة على سواحل فنزويلا، وسط تصاعد الحشود العسكرية الأميركية غير المسبوقة في البحر الكاريبي.
وتتصاعد المخاوف من أن يتحول “عرض القوة” بالقاذفات والسفن إلى تحرك فعلي يستهدف الإطاحة بنظام نيكولاس مادورو تحت ذريعة “محاربة الإرهاب والمخدرات”.
ويستعيد المتابعون صور عام 2003 حين بدأت الحرب بذريعة مشابهة، لتصبح لاحقاً غزواً كاملاً بدّل ملامح الشرق الأوسط.
ويخشى كثيرون أن تكون فنزويلا اليوم بوابة اختبار جديدة لطموحات واشنطن في رسم خرائط النفوذ من جديد.
واصل الجيش الأميركي حشد قوة كبيرة بشكل غير معتاد في البحر الكاريبي قبالة فنزويلا، وأرسل قاذفات “بي-1” الأسرع من الصوت إلى هناك تزامنت مع توجيه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو “لا لحرب جنونية، من فضلكم”.
وأرسل الجيش الأميركي قاذفتين ثقيلتين أسرع من الصوت إلى سواحل الكاريبي، وذلك بعد نحو أسبوع من قيام مجموعة أخرى من القاذفات الأميركية برحلة مماثلة كجزء من مناورة تدريبية لمحاكاة هجوم.
ووفقا لبيانات تتبّع الرحلات الجوية، انطلقت قاذفتان من طراز “بي 1 لانسر” من قاعدة دايس الجوية في تكساس وحلقتا عبر البحر الكاريبي وصولا إلى ساحل فنزويلا.
وأكد مسؤول أميركي -طلب عدم الكشف عن هويته- إجراء رحلة تدريبية لهذه القاذفات في البحر الكاريبي، وهي قاذفات تستطيع حمل قنابل أكثر من أي طائرة أخرى في ترسانة الولايات المتحدة.
وشهدت المنطقة الأسبوع الماضي رحلة مماثلة لقاذفات “بي 52 ستراتوفورتريس” الأبطأ، وانضمت إلى القاذفات مقاتلات شبح من طراز “إف-35 بي” تابعة لسلاح مشاة البحرية ويوجد سرب منها حاليا في بورتوريكو، في إطار ما اعتبرته وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون) “عرضا هجوميا بالقاذفات”.
وتضم القوة الأميركية في منطقة البحر الكاريبي 8 سفن حربية وطائرات دورية بحرية من طراز “بي 8” وطائرات مسيرة وسربا من مقاتلات “إف-35″، كما تم تأكيد وجود غواصة تعمل في المياه قبالة سواحل أميركا الجنوبية.
تدريبات وحشد
وفي غضون ذلك، أعلنت وزارة خارجية ترينيداد وتوباغو أن سفينة حربية أميركية ستزور ترينيداد وتوباغو لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة بالقرب من سواحل فنزويلا.
وسترسو المدمرة “يو إس إس غرايفلي” -التي تحمل صواريخ موجهة- في ميناء بورت أوف سبين في الفترة من 26 إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث ستُجري فرقة من مشاة البحرية الأميركية تدريبات مشتركة مع قوات من ترينيداد وتوباغو.
وحشد الجيش الأميركي قوة كبيرة بشكل غير معتاد في البحر الكاريبي والمياه قبالة فنزويلا، مما أثار تكهنات بأن الرئيس دونالد ترامب قد يحاول الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي تتهمه إدارة ترامب بالإرهاب المرتبط بالمخدرات في الولايات المتحدة.
ومما زاد هذه التكهنات أن الجيش الأميركي يشن منذ أوائل سبتمبر/أيلول الماضي ضربات قاتلة على سفن في المياه قبالة فنزويلا يقول ترامب إنها تتاجر بالمخدرات.
وبموازاة الحشد الأميركي وجّه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أمس نداء باللغة الإنجليزية إلى الولايات المتحدة قال فيه “لا لحرب مجنونة، أرجوكم”.
وقال مادورو خلال اجتماع مع نقابات تدين له بالولاء “نعم للسلام، نعم للسلام إلى الأبد، سلام إلى الأبد، لا لحرب مجنونة، أرجوكم”.
وجاء تعليق مادورو بعد إعلان ترامب أنه سمح لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بتنفيذ عمليات سرية في فنزويلا، مع ارتفاع وتيرة الحملة العسكرية الأميركية ضد تجار المخدرات المزعومين في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادي.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts