لجريدة عمان:
2025-10-26@20:42:38 GMT

تصريح أولمرت وخطأ الأسد!

تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT

الحالة السورية أعادتني إلى تصريح أدلى به إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل الأسبق لقناة «روسيا اليوم» بتاريخ 4 مايو 2021، قال فيه: «إنّ الخطأ الذي ارتكبه الرئيس الأسد هو أنه لم يعقد اتفاق سلام مع إسرائيل».. فهل عادت أحداث الربيع العربي بالخير على الدول العربية، أم دمرتها لصالح الكيان الإسرائيلي، تمهيدًا للشرق الأوسط الكبير المزعوم؟

منذ أن انطلق ما عُرف بالربيع العربي، انقسم الناس إلى قسمين متباينين في الرؤية وفي تقييم الموقف.

قسمٌ رأى في تلك الأحداث فرصة تاريخية لتغيير الوجوه الحاكمة التي جثمت على صدور الناس عقودًا، دون أن يفكر في النتائج من فوضى وانهيار الدول، ولسانُ حاله يقول: لن يكون هناك أسوأ مما كان، وكأنّ تبديل الأشخاص بآخرين يبرِّر الثمن المدفوع وهو تدمير الأوطان، وهنا أنا لا ألوم ضحايا تلك الأنظمة، فظروفُهم أجبرتهم على اتخاذ موقف كهذا؛ وهناك قسمٌ آخر، نظر إلى ذلك الربيع بأنه ليس إلا مؤامرة من المؤامرات الخارجية لتفكيك الدول القوية، حيث كانت النتائج كارثية بكلِّ المقاييس، ولم تكن تلك الثورات سوى باب من أبواب الفوضى، إذ لأول مرة نرى ونسمع عن ثورات تقاد من قبل مجهولين يمثلون أجندات خارجية، مستغلين ظروف الناس المعيشية وكبت الحريات لتحقيق أغراضهم. وأنا شخصيًّا من الفئة الثانية ـ وإن كان ذلك لن يفيد القارئ في شيء ـ، وكثيرًا ما دار نقاشٌ حول موقفي مع بعض الأصدقاء، وإيماني أنه لن يستطيع أحدٌ من العراقيين أو الليبيين أو السوريين ـ في لحظات صدق مع النفس ـ أن يدّعي أنه من أطاح بنظام الحكم في تلك البلدان.

وإذا كانت التحقيقات في عالم الجريمة تسأل سؤالًا بديهيًّا في البداية: من المستفيد؟ فإنّ السؤال نفسه يُطرح في أحداث الربيع العربي. وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نحدد، هل عادت تلك الأحداث بالخير على الدول العربية، أم أنها دمرتها لصالح الكيان الإسرائيلي، تمهيدًا للشرق الأوسط الكبير المزعوم؟! الملاحظ أنّ كثيرًا من الشعوب تبكي أوضاعها الحالية، وتتمنى لو عاد بها الزمن إلى ما قبل عام 2011.

تأتي سوريا حاليًّا وسط هذا الجدل، بعد أن تغيّر نظامُها بطريقة أشبه بالأفلام؛ فهناك من رأى فيما حدث امتدادًا طبيعيًّا لحراك الشعوب، وهناك من اعتبره مؤامرة كونية شارك فيها العرب وتركيا والغرب لتدمير الدولة السورية، التي وقفت مع المقاومة وبقيت إلى آخر لحظة قلعة من قلاع الصمود. وبالتأكيد فإنّ كلا الطرفين ينطلق من خلفية معينة، ولكني أرى أنّ التفريق بن النظرتين واجب؛ فهناك نظرة ضيّقة لا ترى إلا ما حصل أمام الأعين، فيما النظرة الأوسع شمولًا ترى اللوحة بشمولها ومن زواياها المختلفة؛ فالحالة السورية أعادتني إلى تصريح أدلى به إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل الأسبق لقناة «روسيا اليوم» بتاريخ 4 مايو 2021، قال فيه إنّ الخطأ الذي ارتكبه الرئيس الأسد هو أنه لم يعقد اتفاق سلام مع إسرائيل عام 2008، وأنه لو وقّع الاتفاق لجنّب نفسه ما أسماه الحرب الأهلية في سوريا. وعدّد مزايا الاتفاق بأنه كان سيفيد الأسد وإسرائيل، وستكون سوريا بموجبها مرتبطة دبلوماسيًّا مع تل أبيب، «وبدون أدنى شك فإنّ السلام يستتبع فتح الحدود وعلاقات تجارية وتبادل سفارات». وذكر أنّ الرئيس بوش أخبره أنّ «الأسد إذا أراد أن تنفتح عليه الولايات المتحدة وأوروبا، فعليه أن يبدأ الطريق من القدس». في الواقع فإنّ تصريح إيهود أولمرت عن بشار الأسد يكتسب أهمية خاصة، لأنه يطرح سؤالًا عميقًا: هل كان بإمكان الرئيس السوري أن يتفادى هذا المصير، لو اختار طريقًا آخر، وهو السلام مع الكيان الإسرائيلي مثلًا؟ في ظني أنه لو عقد اتفاقية مع إسرائيل وظهر عبر الشاشات مصافحًا مع ابتسامات بلهاء، كان سيبقى رئيسًا لسوريا مدى الحياة، حتى لو أباد الشعب السوري كله، فحكايةُ قتل الشعب السوري بالكيماوي والبراميل المتفجرة كانت لن تُذكر أساسًا، كما أنّ حكاية الديكتاتورية والديمقراطية هي من ألاعيب الغرب الذي دعم الديكتاتوريات في جهات الأرض الأربع، طالما ذلك يصب في مصلحته.

في الشأن السوري، لا يمكن أن نتغافل تصريح الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق الذي أعلن للتلفزيون القطري بتاريخ 27 أكتوبر 2017، أنه تمّ تكليف الدوحة بالإمساك بالملف السوري، و«إننا تهاوشنا على الفريسة (سوريا) التي ضاعت منا أثناء تهاوشنا عليها». وبصراحته المعهودة اعترف ابن جاسم بتورّط بعض دول الخليج (أسماها بالاسم) في الملف السوري، بالتنسيق مع واشنطن وأنقرة، وصلت إلى حدِّ دعم مقاتلين من جبهة النصرة. هذا غير ذكره للمبالغ المدفوعة لإسقاط النظام السوري وصلت إلى 200 مليار دولار تقريبًا، وذلك حتى عام 2013.

قد نتفهم موقف المعارضين السوريين في الداخل، الذين رفعوا شعار إسقاط النظام باعتباره قمعيًّا ودكتاتوريًّا، ولكن بالنسبة للدول الأخرى التي تدخلت في الشأن السوري، هل كان يهمُّها حرية الشعب السوري؟! وماذا فعلت لهذا الشعب الآن وهو يعاني؟! ثم السؤال الأهم: هل هذه الدول أساسًا دول ديمقراطية؟!

وإذن؛ فقد اختار الأسد طريقًا لم يجنِ منه سوى العزلة العربية قبل غيرها، ممّا أدى إلى دمار سوريا. وهنا علينا دائمًا أن نفرّق بين إسقاط حاكم وبين تدمير وطن، فما وقع في سوريا سبق أن حدث للعراق، وهو تدمير الدولة بكلّ مؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية. والمفارقة أنّ التشابه بين الحالتين السورية والعراقية يكاد يتطابق.

هل كان الرئيس بشار محقًا في رفضه السلام مع إسرائيل؟! إذا كانت هناك أخطاء توصف بأنها «حميدة»، فإنّ ما اعتبره أولمرت خطأ الأسد، فهو من الأخطاء الحميدة.

كان يمكن له أن يقبل بـ«السلام المزعوم»، ويبقى رئيسًا لسوريا مدى الحياة ويورث الحكم لعائلته، لكن كان عليه أن يتنازل عن السيادة وعن الجولان وعن المقاومة، ولنا مثلٌ في دول اختارت السلام مع إسرائيل، فحافظت على استقرار نسبي، لكنه استقرار قد ينفجر في أيِّ لحظة، فهو استقرار ظاهري فقط، والدولة أصبحت منزوعة الكرامة والسيادة، بسبب تلك الاتفاقيات المقيِّدة، ولم ترض الشعوب عن ذلك وإنما رضخت بسبب الخوف والقمع فقط. في المقابل، ظلّ النظام السوري يراهن على خطاب المقاومة، وعلى تحالفه الوثيق مع إيران وحزب الله، معتبرًا أنّ أيَّ تقارب مع إسرائيل خيانة لمبادئه، حتى لو كان ذلك على حساب بقاء الدولة نفسها. والأيام تثبت وستثبت صحة ذلك الموقف.

ولا بد أن نذكر أنّ سوريا خاضت حروبًا مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل منذ عام 1948، وحافظت على موقف عدائي ثابت تجاه الدولة العبرية، خاصة في ظلّ حكم حزب البعث الذي تبنى خطابًا قوميًّا رافضًا لأيِّ شكل من أشكال التطبيع. ورغم أنّ هناك محاولات خجولة جرت في بعض الفترات، مثل مفاوضات غير مباشرة عبر تركيا عام 2008، إلا أنّ النظام السوري لم يذهب بعيدًا في هذا المسار، وظلّ يراهن على تحالفاته الإقليمية وعلى خطاب المقاومة الذي شكّل جزءًا من شرعيته الداخلية والخارجية، ولم يكتفِ الرئيس بشار برفض التطبيع، بل اختار تعزيز تحالفاته الإقليمية، خاصة مع إيران، التي وفرت له دعمًا عسكريًا واقتصاديًا. هذا الخيار عزّز من عزلة سوريا خاصة من قبل الدول العربية التي سُمِّيت بـ«محور الاعتدال»، وجعلها - أي سوريا - أكثر ارتباطًا بمحور المقاومة، لكنه أيضًا أغلق الباب أمام أيِّ تسوية سياسية محتملة مع الغرب أو إسرائيل.

أعتقدُ أنّ تصريح أولمرت حول ما اعتبرَه خطأ الرئيس الأسد يلخِّص ما جرى في سوريا ولسوريا منذ عام 2011، إذ كان المطلوب الاستسلام والانضمام إلى القافلة، إلا أنّ سوريا ظلت صعبة وتمسكت بالثوابت التي تؤمن بها، حتى بدأت الحرب الكونية عليها. وإذا كانت الأوضاع والظروف قد تغيّرت الآن في الأرض لصالح الكيان وضد المقاومة، فليس معنى ذلك أنّ سوريا كانت على خطأ، لأننا نعيش الآن «الزمن الخائب». ولا ينبغي لمن يقرأ مقالي هذا أن يعتقد ـ خطأ ـ أنه مجرد دفاع عن شخص أو نظام، فهناك أخطاء كبيرة ارتُكبت في الداخل، وهذه حقيقة، وهي تُرتكب في كلِّ الأوطان العربية، وإن اختلفت الأساليب. وفي نهاية المطاف، يحق لنا أن نسأل ونتساءل: هل ستتحقق رغبة أولمرت وتنضم سوريا إلى القافلة؟! والسؤالُ يجرّنا إلى سؤال آخر: كيف سيكون مستقبل سوريا الآن؟! 

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن السياسي الإقليمي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مع إسرائیل رئیس ا

إقرأ أيضاً:

اشتباكات بين الجيش السوري و”قسد” شرقي دير الزور

اشتباكات بين الجيش السوري و”قسد” شرقي دير الزور

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: إسرائيل حددت "القوات الدولية التي لا تقبلها" في غزة
  • نتنياهو: إسرائيل ستحدد القوات الدولية التي لا نقبل بوجودها
  • اشتباكات بين الجيش السوري و”قسد” شرقي دير الزور
  • الشهادة التي تهدد بقلب كل شيء رأسا على عقب في إسرائيل
  • سوريا.. اعتقال (أبو الفدا) المتهم بقمع متظاهرين سلميين بحقبة الأسد
  • ممر داوود وأطماع إسرائيل في سوريا
  •   وزير الخارجية الأميركي: على إسرائيل الموافقة على الدول التي ستشارك بقوة الاستقرار الدولية
  • سوريا.. إسرائيل تضبط مخبأ أسلحة كبير يعود للنطام السابق
  • عاجل | وزير الخارجية الأميركي: قوة الأمن الدولية بشأن غزة يجب أن تتكون من الدول التي تشعر إسرائيل بارتياح تجاهها