شهدت أسواق الذهب العالمية عاما استثنائيا من الارتفاعات المتتالية والتقلبات الحادة، عكست حالة التوتر المتزايد في الاقتصاد العالمي، وتبدل مواقف المستثمرين بين الإقبال على الملاذات الآمنة وجني الأرباح.

ومع تصاعد المخاطر الجيوسياسية وتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة، وجد الذهب نفسه في بؤرة الاهتمام، مسجّلا مكاسب تاريخية ثم خسائر حادة، خصوصا للمضاربين من المستثمرين الصغار خلال فترة وجيزة.

وارتفعت أسعار الذهب فوق 50% هذا العام، لتصل إلى ذروة غير مسبوقة عند 4381 دولارا للأوقية يوم الاثنين 20 أكتوبر/تشرين الأول، بدعم من حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، ومراهنات خفض أسعار الفائدة، وعمليات الشراء المستدامة من جانب البنوك المركزية، وفقا لوكالة رويترز.

لكن الذهب عاد لينخفض بعد يومين فقط إلى أدنى مستوى في نحو أسبوعين، مع قيام المستثمرين بجني الأرباح، حيث هبط في المعاملات الفورية إلى نحو 4004 دولارات للأوقية، قبل أن يعاود الارتفاع مجددا ليصل إلى نطاق يتراوح بين 4044 دولارا و4144 دولارا للأوقية وقت كتابة هذه السطور.

وتبرز هنا الأسئلة الجوهرية:

كيف نقرأ سوق الذهب حاليا؟ وماذا علينا أن نفعل مع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية؟ والأهم: كيف يتعامل المستثمرون الصغار من الناس العاديين مع هذا السوق المتقلب؟ كيف نقرأ سوق الذهب حاليا ولماذا وصل  إلى هذه المستويات القياسية؟

يقول الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات بشركة فورتريس للاستثمار، مصطفى فهمي "ما نشهده اليوم من ارتفاعات قياسية في أسعار الذهب يُعد ردّ فعل طبيعيا للتوترات العالمية المتصاعدة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، مثل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أو ارتفاع مستويات الديون في الاقتصادات الكبرى كأميركا وبريطانيا والصين".

الذهب لم يعد استثمارا نخبويا بل صار جزءا من خيارات المستثمر الصغير (الفرنسية)

ويضيف فهمي للجزيرة نت أن تزامن هذه العوامل في وقت واحد خلق موجة غير مسبوقة من القلق في الأسواق، دفعت المستثمرين إلى البحث عن "ملاذات آمنة" تحفظ قيمة أموالهم.

إعلان

ويأتي الذهب في مقدمة هذه الأصول، إلى جانب أصول أخرى يُتوقع أن تشهد بدورها ارتفاعًا مع تفاقم المخاوف، إذ تؤكد التجارب أنه "كلما ازداد الخوف، زاد الإقبال على الأمان".

العامل الصيني

وتتقدم الصين بخُطا ثابتة لتصبح المحرك الرئيسي وراء الارتفاع القياسي لأسعار الذهب في عام 2025، بحسب ما يؤكده تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" وأحد أبرز المحللين في وول ستريت، وفقا لمنصة فورتشن.

وفي نشرته اليومية الشهيرة "ذا ديلي سبارك"، أوضح سلوك أن الدور الصيني في دعم سوق الذهب لم يعد مقتصرا على مشتريات البنوك المركزية فحسب، بل يمتد إلى إستراتيجيات "تداول المراجحة" (شراء عند سعر منخفض وبيع  عند سعر مرتفع)، وارتفاع الطلب من الأسر الصينية، وتعزز الميل نحو الاستثمار الآمن في ظل حالة الغموض الاقتصادي العالمي.

ويشير  تورستن سلوك إلى أن استمرار هذا التوجه قد يقود إلى تحول تاريخي، حيث ستصبح "حيازات البنوك المركزية من الذهب قريبا أكبر من احتياطياتها من الدولار الأميركي"، ما يعكس تحوّلا عميقا في النظام المالي العالمي.

ماذا علينا أن نفعل مع ارتفاع أسعار الذهب وانخفاضها؟

بعد الارتفاعات القياسية ووصول الذهب إلى ذروته عند 4381 دولارا، عاد لينخفض مجددًا إلى نحو 4004 دولارات للأوقية، قبل أن يعاود الارتفاع إلى نطاق 4045-4145 دولارا للأوقية وقت كتابة هذه السطور.

الخوف في الأسواق العالمية هو الوقود الذي يشعل بريق الذهب (الفرنسية)

ويقول المحللون إن الانخفاض الأخير هو تصحيح صحي بعد ارتفاع ممتد. وقال بريان لان، المدير الإداري لشركة غولد سيلفر سنترال، في تصريحات لتلفزيون "سي إن بي سي 18": "لقد شهدنا تصحيحا طبيعيا بعد الارتفاع الأخير، ولا يزال هناك بعض الضغط السلبي، وعلى المدى الطويل نظل متفائلين، ولكن يجب على المستثمرين توخي الحذر على المدى القصير".

وفي السياق ذاته، أوضح مدير الاستثمار في شركة الأهلي للوساطة المالية وليد الفقهاء، في تصريحه للجزيرة نت، أن "الذهب شهد مؤخرا مضاربات قوية من قبل البنوك المركزية والمستثمرين الكبار، ما أدى إلى تذبذبات حادة في الأسعار وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 350 دولارا انخفاضا في يوم واحد".

وأضاف الفقهاء: "إن السوق أصبح يتسم بنطاق تداول واسع للغاية بين أعلى وأدنى سعر قد يتجاوز 200 إلى 300 دولار يوميا"، لافتا إلى أن تحرك الذهب بمقدار 100 دولار في اليوم بات أمرا طبيعيا.

لذلك، ينصح  فقهاء المستثمرين "بتجنب المضاربات قصيرة الأجل والتحلي بالحذر عند التعامل مع السوق في هذه المرحلة الحساسة".

وأشار إلى أن الاستثمار طويل الأجل في الذهب ما زال يحتفظ بجاذبيته، إذ لا تزال العوامل الداعمة لارتفاع الأسعار قائمة، مثل ضعف الدولار، وتصاعد التوترات التجارية، واستمرار مشتريات البنوك المركزية، مؤكدا أن هذه العوامل مجتمعة تشكل أرضية قوية لاستمرار الاتجاه الصعودي للذهب على المدى البعيد.

كيف يجب أن يتعامل المستثمرون الصغار مع الذهب؟

مع موجة الارتفاعات القياسية الأخيرة في أسعار الذهب، ازداد إقبال الأفراد العاديين والمستثمرين الصغار على شراء المعدن النفيس أملًا في تحقيق أرباح سريعة. بل إن بعضهم يغامر بالاستدانة أو الحصول على قروض بنكية لتمويل عمليات الشراء طمعا في الاستفادة من الصعود المتواصل للأسعار.

إعلان

بيد أن قلة الخبرة والمعرفة بأساسيات السوق كثيرا ما تقود هؤلاء إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة تنتهي بخسارة مدخراتهم، وتراكم الديون عليهم بدل تحقيق المكاسب المنشودة.

شراء الذهب بالاقتراض مجازفة قد تحول الربح المتوقع إلى ديون ثقيلة (رويترز)

ورغم أن الذهب يُعد من الملاذات الآمنة، فإنه لا يخلو من المخاطر، فهو كغيره من الاستثمارات عرضة للتقلبات الحادة في الأسعار، وقد يتكبد المستثمر خسائر بطرق متعددة، سواء بشراء الذهب في ذروة الأسعار أو ببيعه في لحظات الهلع.

لذلك، فإن فهم طبيعة هذا الاستثمار وإدراك نتائجه المحتملة يشكل الخطوة الأولى نحو إدارة المخاطر بذكاء، وتجنب الوقوع في فخ التسرع والمضاربة غير المحسوبة، وفقا للكاتبة الاقتصادية كاثرين بروك في مقالة لها بمنصة "ياهو فاينانس".

هل تفكر بشراء الذهب؟

يشدد خبراء الذهب على ضرورة أن يدرك المستثمرون المحتملون طبيعة المخاطر المرتبطة بالاستثمار في المعدن النفيس، سواء كانت ناجمة عن تقلبات الأسعار أو المضاربات المفرطة أو حتى تكلفة الفرصة البديلة ومخاطر الاحتيال في الأسواق غير المنظمة، ففهم هذه الجوانب يمثل الأساس لأي قرار استثماري رشيد.

يحذر داريل فليتشر، المدير الإداري للسلع في "بانوكبيرن كابيتال ماركتس"، من أن الشراء عند ارتفاع الأسعار على أمل جني أرباح سريعة يُعد إستراتيجية محفوفة بالمخاطر، مشيرا إلى أن السوق قد يشهد تصحيحات مفاجئة تؤدي إلى خسائر فادحة للمستثمرين الصغار الذين يندفعون وراء موجات الصعود دون تخطيط مسبق أو دراسة دقيقة للاتجاهات، وفقا للمصدر السابق. يؤكد أليكس تسيبايِف، الرئيس التنفيذي للإستراتيجية في مجموعة "بي2 برايم"، أن التعامل مع الذهب يجب أن يكون بعقلية التوازن لا الطمع، موضحا أن "الذهب لا ينبغي النظر إليه كمصدر لتحقيق عوائد ضخمة، بل كأداة استقرار داخل محفظة استثمارية متنوعة".

ويضيف أن "التوقعات الواقعية، والنظرة طويلة الأجل، والتوزيع السليم للأصول هي العوامل التي تحد من مخاطر التسعير وتحافظ على قيمة الاستثمار بمرور الوقت".

الفارق بين الذهب كملاذ والذهب كمغامرة هو في نية المستثمر لا في السعر (رويترز)نصائح للمستثمرين الصغار

ينصح المحلل الاقتصادي مصطفى فهمي المستثمرين الصغار بأنه:

عندما تتوافر لديهم أموال فائضة بعد الوفاء بجميع الالتزامات الشهرية الأساسية، يمكنهم التوجه إلى الاستثمار التدريجي والبسيط في الذهب أو غيره من الأصول الآمنة، لكن بشرط أن يكون الاستثمار بعد الاستقرار المالي حتى لا يشكل عبئا أو ضغطا ماديا. من المهم تجنب التسرع والمتابعة اليومية للأسعار، لأن الذهب يتأثر بعوامل اقتصادية وجيوسياسية معقدة لا يمكن للمستثمر الصغير الإحاطة بها جميعا. إذا كان الهدف هو حفظ قيمة المال على المدى الطويل، فعلى المستثمر أن يتحلى بالصبر وألا يشعر بالقلق في حال اشترى بسعر معين وانخفض الذهب بعد ذلك؛ فالغرض من الاستثمار ليس الربح السريع بل الحفاظ على القوة الشرائية للأموال. لا ينصح أبدا بالمضاربة في الذهب، لأنها في الغالب تؤدي إلى الخسارة، بينما النجاح الحقيقي في هذا السوق يتحقق من خلال الاستثمار الهادئ طويل الأجل". الذهب "ارتفع من نحو 1200 دولار للأونصة عام 2017 إلى أكثر من 4 آلاف دولار في عام 2025، أي بنسبة تقارب 250% خلال 8 سنوات، وبمسار تدريجي دون ضجيج أو تقلبات مدمرة. لذلك فإن المستثمر الصغير، بحكم محدودية رأس ماله، يحتاج إلى التدرج والتوازن في قراراته، وأن يتجنب الاقتراض أو الانخراط في المضاربات قصيرة الأجل التي تنتهي عادة بالخسارة. فكل استثمار ناجح يحتاج إلى الوقت والصبر والانضباط، بينما المضاربة لا تجلب سوى التوتر والمخاطر المالية غير المحسوبة".

من جهته، قال مدير الاستثمار في شركة أفينتيكوم لإدارة رأس المال طلال السمهوري للجزيرة نت:

إعلان إن طبيعة النصيحة الاستثمارية تختلف باختلاف نوع المستثمر؛ فالمضارب قصير الأجل الذي يسعى لتحقيق أرباح سريعة يختلف تماما عن المستثمر الذي يهدف إلى الادخار وحماية أمواله من التضخم وتراجع قيمة الدولار. بالنسبة للفئة الثانية، أي من يسعون إلى حفظ الثروة لا مضاعفتها سريعا، فإن الذهب يمكن شراؤه في أي وقت وبأي سعر، لأن التجربة التاريخية أثبتت أن الذهب لم يُخيب آمال من احتفظ به على المدى الطويل؛ فكل من امتلكه بصبر واستثمار هادئ، خرج في النهاية مستفيدا ومحافظا على قيمة أمواله". ونختم..

يبقى الاستثمار رحلة تحتاج إلى صبر وحكمة وتدرج، لا إلى اندفاع أو مجازفة، فالمستثمر الصغير الذي يدير أمواله بعقلانية، ويتعامل مع الذهب كوسيلة لحفظ القيمة لا للمضاربة السريعة، هو الأقدر على تحقيق الاستقرار المالي على المدى الطويل.

والأهم أن تكون القرارات مدروسة، والاستثمارات واقعية، والأهداف واضحة؛ فهكذا تُبنى الثروة بصبر وثبات، لا بالمغامرة والرغبة في الربح السريع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات على المدى الطویل البنوک المرکزیة أسعار الذهب الذهب ی إلى أن

إقرأ أيضاً:

كابوس الفوائد البنكية يقض مضاجع المواطنين

 

 

 

◄ مطالبات بتحقيق التوازن بين السياسات المصرفية والإنعاش الاقتصادي

◄ ضرورة إلزام البنوك بخفض الفائدة لتجاوز حالة الانكماش وضعف القوة الشرائية

 

◄ المجرفية: الفوائد البنكية المرتفعة تؤثر سلبًا على الاقتصاد والمجتمع

◄ العبري: نريد سياسة مصرفية تراعي الواقع وتوازن بين الربح والمسؤولية

◄ عمر بن حميد: التوجه نحو خفض الفوائد تدريجيًا يُعيد الحيوية إلى السوق ويشجع المؤسسات على التوسع

◄ الشيباني: بعض الشركات قد تنسحب من السوق بسبب الفوائد المرتفعة

◄ الشكيلي: يجب تنويع أدوات التمويل وتشجيع الاستثمار في قطاعات القيمة المحلية المضافة

◄ الغافرية: استمرار الفوائد المرتفعة لفترات طويلة يضع الاقتصاد أمام تحديات حقيقية

◄ السعيدية تروي قصة تعثّر مشروعها بسبب القروض الباهظة وتراكم المديونيات

 

 الرؤية- ناصر العبري

يطالب عدد من المواطنين ورجال الأعمال وأصحاب المشاريع بضرورة مراجعة نسب الفوائد البنكية التي يرونها باتت حملًا ثقيلًا على كاهل المواطنين وعبئًا على الكثير من الشركات وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وأكدوا- في تصريحات لـ"الرؤية"- أن أسعار الفائدة البنكية المرتفعة على القروض تؤثر بشكل سلبي على المجتمع مع عدم قدرة البعض على الوفاء بسداد القروض في ظل الأوضاع الاقتصادية الانكماشية، كما تؤثر على القطاع الاقتصادي مع تعثُّر الشركات أو انسحابها من السوق.

وتقول ميمونة بنت عبدالله بن سليمان المجرفية، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان بالظاهرة ورئيسة لجنة صاحبات الأعمال، إن القروض بشكل عام تشكل عاملًا مساعدًا لنمو الاستثمار والنقد في الأسواق وزيادة القوة الشرائية، إلّا أن الفوائد البنكية المرتفعة يؤثر بشكل كبير على الأفراد والشركات؛ حيث تتركز قروض الأفراد على شراء سيارة أو بناء منزل، ولذلك تؤثر الفوائد البنكية المرتفعة سلبًا على قدرة الأفراد على السداد، وزيادة أعداد المتعثرين في السداد.


 

وأضافت أن تأثير الفوائد البنكية المرتفعة على الشركات يتمثل في بطء نمو الشركات التي تعتمد على القروض لتمويل مشاريعها بسبب دفع فوائد أكثر، مما يقلل من أرباحها  بسبب التكلفة المرتفعة، وتقل رغبة الشركات في التوسع أو الاستثمار في مشاريع جديدة، إلى جانب تهالك المعدات بسبب عدم القدرة على صيانتها، إذ يؤدي هذا الأمر إلى خسائر مالية كبيرة مما يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية للبلد، حيث إن الفوائد البنكية ترهق كاهل الفرد وكاهل الشركات مما ينتج عنه غلق الكثير من المشاريع بسبب قلة المبيعات بسبب عدم القدرة على السداد، مبينة: "من خلال عملي بالغرفة لاحظت الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قد أغلقت مشاريعها بسبب المديونيات وعدم القدرة على سداد القروض البنكية رغم قيام الغرفة من خلال اللجان التوعوية بمحاولة الإبقاء على هذه المؤسسات قيد العمل، وقد بذلنا جهودا كبيرة لتوعية المجتمع والشركات بضرورة إعادة جدولة القروض بما يتناسب ودخل الفرد حتى لا تتعثر تلك المؤسسات، ولذلك نطالب البنك المركزي بحث البنوك التجارية على تخفيض نسبة الفائدة على القروض وعدم احتساب الفائدة المركبة على القرض وعلى الأقساط المؤجلة".

ويشير الكاتب محمد بن زاهر العبري إلى أن نسب الفوائد البنكية المرتفعة قد يتحول إلى وسيلة لاستنزاف الأفراد والشركات، موضحا: "المواطن الذي يسعى لبناء بيت أو إقامة مشروع صغير، يجد نفسه رهينة الأعباء البنكية، بينما تتراجع الشركات أمام موجة من التكاليف التي تُطفئ جذوة الاستثمار، ولذلك فإن الفائدة حين ترتفع بلا توازن فإنها تُصيب شريان الاقتصاد بالجمود، وتحوّل الإبداع إلى مغامرة غير محسوبة، ولذلك نريد سياسة مصرفية تراعي الواقع وتوازن بين الربح والمسؤولية.


 

ويرى أن وصول نسب بعض الفوائد البنكية إلى 7% يثير القلق لما له من تأثير مباشر على الأفراد والشركات، خاصة في بيئة اقتصادية تسعى جاهدة لتعزيز النمو ودعم القطاع الخاص.

وفي السياق، يؤكد رجل الأعمال عمر بن حميد بن سالم العبري، أن الفائدة البنكية وإن كانت أداة تمويل مشروعة لتنظيم حركة الإقراض والادخار، إلا أن المغالاة في رفعها تُحدث أثرًا سلبيًا واضحًا على دورة الاقتصاد، فالأفراد يجدون أنفسهم أمام أعباء مالية مرهقة، تتآكل معها قدرتهم الشرائية، ويُثقل كاهلهم بالديون والالتزامات الشهرية المتزايدة، مضيفا: "أما الشركات، خصوصًا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فتواجه تحديًا كبيرًا في الحصول على التمويل اللازم لتوسيع أنشطتها أو تنفيذ مشروعات جديدة، مما يؤدي إلى تباطؤ في النشاط التجاري، وانكماش في حركة الاستثمار الداخلي".


 

ويتابع قائلا: "مثل هذه النسب المرتفعة من الفوائد تُضعف الثقة في بيئة التمويل، وتحدّ من إقبال المستثمرين، لأنها تجعل كلفة رأس المال مرتفعة مقارنة بالعائد المتوقع، كما أن انعكاسها الاجتماعي لا يقل خطورة، إذ يسهم في زيادة الضغط المعيشي، ويؤدي إلى تراجع قدرة الأفراد على الادخار أو الاستثمار في المستقبل، ولذلك من الضروري أن تكون هناك مراجعة دقيقة للسياسات التمويلية والمصرفية، تراعي فيها البنوك مبدأ التوازن بين مصالحها التجارية ومسؤوليتها الوطنية تجاه المجتمع والاقتصاد، كما إن التوجه نحو خفض الفوائد تدريجيًا، مع توفير حوافز تمويلية ميسّرة، سيعيد الحيوية إلى السوق، ويُشجّع المؤسسات على التوسع، ويمنح الأفراد ثقة أكبر في التعامل مع النظام المصرفي".

ويلفت العبري إلى أن التنمية المتوازنة لا يمكن أن تزدهر في بيئة مثقلة بالأعباء التمويلية، بل تحتاج إلى نظام مالي مرن يوازن بين استقرار البنوك وازدهار المجتمع.

ويذكر الإعلامي إبراهيم بن علي الشيباني أن الفوائد المرتفعة يزيد من تكلفة التمويل التشغيلي والاستثماري ويؤدي إلى تراجع في معدلات النمو والتوسع، وقد يدفع بعض المشاريع إلى تأجيل خططها أو الانسحاب من السوق مما ينعكس سلبًا على فرص العمل والتنمية الاقتصادية، كما أن استمرار الفوائد عند هذه المستويات العالية قد يُبطئ من وتيرة الاستثمار المحلي والأجنبي ويجعل السيولة تتجه نحو الإيداع البنكي بدلًا من المشاريع الإنتاجية، وهو ما يضعف الدورة الاقتصادية على المدى البعيد.


 

ويشدد الشيباني على ضرورة إيجاد حلالة من التوازن بين سياسات البنوك التجارية وأهداف الاستقرار الاقتصادي من خلال مراجعة دورية لأسعار الفائدة وربطها بواقع السوق وقدرة الأفراد والشركات على السداد بما يحقق العدالة ويحافظ على نمو الاقتصاد الوطني بشكل مستدام.

بدوره، يقول سامح  بن سالم الشكيلي: "تكمن تداعيات الفوائد البنكية المرتفعة في تأثيراتها الإيجابية لدى المودعين، الذين سيحصلون على عائد أعلى من ودائعهم، والعامل الإيجابي هنا هو التشجيع على الادخار، وضبط معدلات التضخم، لكن المغالاة في رفعها تنعكس سلبًا على الأفراد والشركات، فالفرد المقترض هو كالغريق الذي ينتظر النجاة، حيث يصبح القسط البنكي لديه كبير، مما يقلل من قدرته على الادخار، ويصبح المقترض غير قادر على تحمل الأعباء وخصوصًا إذا ارتفعت الفائدة فجأة أو كان الربط بالقرض متغيرًا أو متنامي، فسيكون عبء الخدمات أعلى، وهو ما يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية ويؤخر قرارات الاستثمار والاستهلاك، ويؤثر بالتالي في حركة السوق المحلية في الحقيقة، وباتت الفوائد البنكية المرتفعة على الأفراد كالمشنقة البطيئة التي تخنق أصحابها رويدًا رويدًا، فلا يشعرون بوقعها إلّا حين تنعكس على تفاصيل حياتهم اليومية وسلوكهم الاجتماعي؛ إذ تتسلل آثارها إلى صميم الأسرة العُمانية فتربك إدارتها وتخل بتوازنها، فينعكس الخلل على المجتمع بأسره".

ويبيّن: "نتيجة لصعوبة توصل الفرد إلى بدائل تمويلية ميسرة، لتسيير شؤونه الاجتماعية من بناء منزل أو شراء سيارة أو مواصلة التعليم وغيرها من أهداف الاقتراض أو التمويل، يجد أن البنوك هي الطريق الأسرع للتمويل، وبالتالي ليس من المنطق أن تسعى البنوك إلى توازن بين أسعار النقد العالمية والفوائد المحلية دون أن تضع في اعتبارها حجم الضرر الاجتماعي الذي تخلفه سياساتها، والفوائد البنكية المرتفعة إلى مستويات تقترب من 7 في المائة يؤثر على السوق العُماني إذ ترتفع تكلفة الاقتراض، فتتراجع السيولة وتضيق هوامش الأرباح، خصوصًا لدى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على التمويل البنكي في إدارة عملياتها اليومية أو في التوسع الإنتاجي، كما يؤدي ارتفاع كلفة التمويل إلى إحجام بعض المستثمرين عن إطلاق مشاريع جديدة، أو تأجيل خطط النمو، وهو ما ينعكس مباشرة على معدلات التشغيل وحركة السوق، وفي المقابل تجد الشركات الكبرى ذات الملاءة المالية الأفضل فرصة أكبر للمناورة، إلا أن الأثر العام يظل متجسدًا في تباطؤ النشاط الاقتصادي وانكماش الاستثمارات، ما يستدعي سياسات توازن بين متطلبات الاستقرار المالي وديناميكية النمو الاقتصادي المستدام، ومن هنا تبرز أهمية تبني سياسات مصرفية مرنة تتيح تنويع أدوات التمويل وتشجيع الاستثمار في قطاعات القيمة المضافة، ومع تعزيز الابتكار المالي وتوسيع نطاق القروض التنموية مخفضة التكلفة، بما يبقي الدورة الاقتصادية نشطة ويحافظ على استقرار السوق وثقة المستثمرين".

ومن وجهة نظر أماني الغافرية صاحبة مشروع "سحايب"، فإن الفوائد البنكية المرتفعة له من انعكاسات مباشرة على حياة الأفراد ونشاط الشركات، فعندما ترتفع الفوائد تتغير موازين السوق وتظهر آثارها سريعًا في مستويات المعيشة وحركة الاستثمار، فعلى مستوى الأفراد فإن الفائدة المرتفعة تعني زيادة كلفة القروض الشخصية والعقارية والتجارية، فكل نقطة مئوية إضافية في سعر الفائدة تترجم إلى زيادة في القسط الشهري الذي يتحمله المقترض، ومع ارتفاع الأقساط تتقلص القدرة الشرائية للمواطن ويبدأ بتقليص نفقاته لتغطية التزاماته البنكية، مما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق العام في السوق، وهذا الانخفاض ينعكس بدوره على الطلب على السلع والخدمات، فتتباطأ حركة السوق ويضعف النشاط التجاري بشكل عام، أما بالنسبة للشركات، فإن الفوائد البنكية المرتفعة تزيد من كلفة التمويل ويحد من خطط التوسع والاستثمار، خصوصًا تلك التي تعتمد على القروض في تشغيل مشاريعها أو تمويل توسعاتها، ومع زيادة كلفة الديون القائمة، تتآكل الأرباح وتنكمش هوامش الربح التشغيلية، كما أن تراجع إنفاق الأفراد يؤدي إلى انخفاض المبيعات، الأمر الذي يضطر معه بعض أصحاب الأعمال إلى تقليص العمالة أو خفض الإنتاج لتقليل الخسائر".


 

وتضيف: "استمرار الفوائد المرتفعة لفترات طويلة يضع الاقتصاد أمام تحديات حقيقية، فقد يؤدي ذلك إلى ركود اقتصادي يصعب تجاوزه بسهولة، فالأفراد يحدّون من إنفاقهم، والشركات تتردد في الاستثمار، والنتيجة تباطؤ في النمو العام، ولذلك فإن التوازن في السياسات النقدية أمر ضروري لتجنب هذه الآثار، وضمان بيئة اقتصادية مستقرة تحفّز على الإنتاج والإنفاق في آن واحد، ونناشد البنك المركزي بالتدخل لخفض الفوائد لكي تستمر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة".

وفي السياق، تحكي رائدة الأعمال جواهر بنت سيف بن عامر السعيدية، صاحبة مشروع "مشغل خياطة"، قصتها مع القروض قائلة: "تعرض مشروعي لتأثيرات كبيرة نتيجة تأخر صرف دفعات القرض المقدم من برنامج (جاهزية) لقد حصلت على القرض، إلا أنه لم يكن كافيًا لتغطية التكاليف الفعلية لتشغيل المشروع، وقد أدى التأخير في صرف الدفعات إلى تراكم المديونيات، بما فيها الإيجارات، والفواتير، ومستحقات الموردين، إضافة إلى خسائر مالية كبيرة لحقت بعدة فروع وإغلاقها، كما تسبب عدم الالتزام بخطة صرف الدفعات في استهلاك فترة السماح المحددة للقرض، دون أن أتمكن من تشغيل المشروع بالشكل المطلوب، وواجه المشروع عدة تحديات أخرى، أبرزها: ارتفاع مصاريف التشغيل (رواتب، إيجارات، خدمات الكهرباء والماء)، وانخفاض القوة الشرائية وعدم القدرة على تغطية التكاليف التشغيلية، و تكاليف صيانة المعدات، وزيادة أسعار المواد الخام، مما أثر على التسعير وقبول الزبائن، إلى جانب انقطاعات في الكهرباء ونقص حاد في الأيدي العاملة، ونظرًا لما سبق، لم أتمكن من إطلاق المشروع رسميًا بالشكل المخطط له، وأصبح من الصعب الاستمرار دون حلول عاجلة، ناهيكم عن الفوائد المترتبة من قبل البنك والأضرار التي لحقت بي وعدم مراعاة البنك للعميل، بالعكس قاموا بتقديم شكوى ضدي عدت مرات بسبب تأخر بعض الدفعات والذي كان سببه الرئيسي هو البنك لعدم صرف المبالغ بوقت أسرع، لقد استغرق الأمر عاما لتجهيز المتطلبات ودراسة الأوراق، استغرق الأمر عاما فزادت الفوائد والخسائر".


 

مقالات مشابهة

  • تقلبات الأسعار العالمية تربك الأسواق وتدفع المستهلكين إلى الحذر
  • تراجع أسعار الذهب في مصر: تحليل الأسباب والتوقعات المستقبلية
  • آي صاغة: 200 جنيه تراجعا في أسعار الذهب خلال أسبوع
  • متى يتوقف جنون الذهب؟.. نواب البرلمان يكشفون أسباب التذبذب
  • أسعار الذهب في السوق المحلية اليوم الأحد
  • كابوس الفوائد البنكية يقض مضاجع المواطنين
  • مفاجاة في أسعار الذهب بالسعودية اليوم السبت
  • لماذا خفضت الحكومة أسعار توريد بنجر السكر؟.. وكيف يؤثر على المزارعين؟
  • أسعار الذهب في محلات الصاغة اليوم الجمعة