شهدت أسعار الذهب العالمية موجة من التقلّبات اللافتة بعد ارتفاعات قياسية خلال العام الجاري تجاوزت 60%، أعقبها هبوط حاد في أكتوبر أثار تساؤلات المستثمرين حول مستقبل المعدن الأصفر: هل انتهى الصعود الطويل أم أن ما حدث مجرد استراحة في مسار صاعد مستمر؟

وفي استطلاع صحفي لـ"عمان" يقدم عمران بن حيدر اللواتي محلل مالي واقتصادي قراءة معّمقة لحركة الذهب عالميا، محددًا أبرز العوامل التي تدعم الأسعار على المدى المتوسط، ومبينًا كيف تحوّل المعدن النفيس إلى أداة تحوّط رئيسية في ظل التوترات الجيوسياسية والسياسات النقدية المتقلبة.

وقال عمران بن حيدر اللواتي محلل مالي واقتصادي: إن أسعار الذهب خلال العام والنصف الماضيين شهدت تحولا لافتا ، إذ كانت في مستويات تقل بنحو 50 % عن الأسعار الحالية ، وسط تردد كثير من المستثمرين في اقتنائه آنذاك ، رغم وضوح المؤشرات العالمية التي كانت تمهد لموجة صعود طويلة الأمد.

وأضاف اللواتي: إن الذهب ارتفع منذ بداية العام بنحو 60% قبل أن يتعرّض لهبوط حاد في 21 أكتوبر الجاري، متسائلًا: "هل انتهى الصعود؟ أم أن ما حدث مجرد تصحيح طبيعي في مسار متواصل؟

وأوضح اللواتي، أن أجندة ترامب والسياسات التي تشعل التضخم قبل تولّي دونالد ترامب ولايته الثانية، كانت إشارات حملته واضحة نحو سياسات حمائية تشمل تعريفات جمركية جديدة وضغوطًا على سلاسل التوريد العالمية ومشيرا إلى أن هذه السياسات بطبيعتها أسهمت في إشعال موجات تضخمية تقلص العوائد الحقيقية وتدفع المستثمرين نحو الأصول الملموسة مثل الذهب مما جعل الذهب أحد المستفيدين المبكرين من "أجندة ترامب" الاقتصادية التي تُعيد تسعير المخاطر التضخمية حول العالم.

من العقوبات إلى التحوّط

وأفاد اللواتي، أن العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا عام 2022 وتجمّدت مئات المليارات من احتياطاتها بالدولار واليورو، كان ذلك الإنذار الأوّل لعددٍ من الاقتصادات الكبرى أن الاعتماد الكلي على الأصول الدولارية لم يعد آمناً حيث كانت نقطة تحوّل في التفكير الاستراتيجي لدى البنوك المركزية، التي بدأت تزيد من مشترياتها للذهب كأصل لا يخضع للرقابة السياسية أو المالية لأي جهة.

ولفت اللواتي، أنه وفقا لتقارير مجلس الذهب العالمي ووكالة "رويترز" تجاوزت مشتريات البنوك المركزية 1,000 طن سنويا منذ عام 2022 ، وأشار تقرير "ماركت ووتش" إلى أن هذه “الشهية الشرائية للبنوك المركزية لا تُظهر أي بوادر تراجع"، وهو ما يعزّز دعم الذهب على المدى الطويل.

تزاحم المراكز

وتابع اللواتي قائلا: "مع بلوغ الذهب مستويات تاريخية قرب 4,380 دولارا للأونصة في منتصف أكتوبر، ظهرت ظاهرة معروفة في الأسواق تسمى "تزاحم المراكز" ، إذ دخل مضاربون كُثُر السوق باستخدام روافع مالية مرتفعة، مدفوعين بحالة من الخوف من فوات الفرصة " FOMO" بعد صعود متتال و كان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي عاملا مهما للتأثير على هذه الشريحة".

وأضاف: "رأينا مشاهد من آسيا و دول أخرى تُظهر طوابير الناس أمام متاجر الذهب، يشترون عند القمم لا بدافع التحليل، بل بسبب الحماس والعدوى النفسية للأسواق، ولطالما حذرنا في مثل هذه الموجات من أن الزحمة المفرطة عند القمم عادة ما تسبق التصحيح".

التصحيح الطبيعي لا يعني الانهيار

وأوضح، أن الذهب شهد هبوطا حادا تجاوز 5% في يومٍ واحد وهو أكبر تراجع يومي منذ سنوات لكن لم يكن انهيارا، بل تصحيحا طبيعيا بعد ارتفاع سريع ومضاربي ، وخلال يومين فقط، ارتد الذهب بنحو 2 إلى 3%، مما يؤكد أن العوامل الجوهرية مثل الخوف من التضخم، والسياسات النقدية، ومشتريات البنوك المركزية و الظروف الجيوسياسية و عدم الاستقرار ما زالت عوامل داعمة للأسعار على المدى المتوسط.

وأشار اللواتي إلى أن المقارنة بين صعود الذهب الحالي وما حدث عام 2011، عندما بلغ الذهب آنذاك قممًا قرب 1,900 دولار للأونصة ثم هبط لسنوات لاحقة، ولم يكسر قمة 2011 إلا في عام 2020، لكن السياق اليوم مختلف تمامًا، فحينها لم تكن مشتريات البنوك المركزية عند هذه المستويات القياسية، إضافة إلى أن التضخم العالمي والثقة في العملات الورقية تختلف اليوم، فضلًا عن التوسّع المالي والديون السيادية وتراجع العائد الحقيقي على السندات الأمريكية، ما يجعل الذهب خيارًا أكثر جاذبية لحفظ القيمة.

الذهب في المحافظ الاستثمارية

ونوه اللواتي إلى أن الذهب يظل أداة تحوط أساسية ضمن المحافظ الاستثمارية ، وينصح أن يشكل ما بين 5 إلى 10% من إجمالي الأصول على أن تتم عمليات الشراء بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة لتقليل أثر التقلبات قصيرة الأجل.

وذكر اللواتي أن "اتش إس بي سي" تتوقع بقاء الذهب فوق مستوى 4000 دولار للأونصة خلال 2025 فيما ترجح "جي بي مورجان" أن يبلغ متوسط السعر 5055 دولارا في الربع الأخير من 2026، وقد يصل إلى 6000 دولار في حال استمرار توجهات التحوط لدى الصناديق السيادية مع تأكيده أن هذه التقديرات تبقى رهينة لمسار الفائدة الأمريكية واستقرار النظام المالي العالمي.

وأنهى اللواتي قراءته بقوله : "الذهب ليس أصلا خاليا من التقلب، لكنه يحافظ على قيمة النقود عبر الزمن، ومع تصاعد التوترات، وتراجع الثقة في العملات الورقية، واستمرار الطلب، فإن الذهب يبقى رغم تصحيحات قصيرة الأجل اتجاها طويل المدى نحو التحوط والاحتياط".

ويوجه اللواتي نصيحته للأفراد بالوعي والتدرج في اتخاذ القرار حيث أن كل موجة صعود يعقبها تصحيح ، لكن القيمة الحقيقية تبقى في المدى البعيد ومنوها إلى أن هذه القراءة لأغراض التحليل والمعلومة، وليس توصية استثمارية، و الأسعار متقلبة والتوقعات قابلة للتغيير، والأداء السابق لا يضمن الأداء المستقبلي.

سوق الذهب المحلي

من جهة أخرى، أكد عدد من تجار الذهب في السوق المحلي أن الارتفاع القياسي في أسعار الذهب عالميا، الذي تجاوز حاجز 4200 دولار للأونصة، انعكس بشكل مباشر على حركة الشراء في سلطنة عُمان، حيث شهد السوق تراجعا نسبيا في الطلب، خاصة مع اقتراب موسم الزواج، إذ اضطر كثير من المقبلين على الشراء إلى تقليل وزن المقتنيات الذهبية أو إعادة تدوير الذهب القديم للاستفادة من الأسعار الحالية.

وأوضح أحمد بن سعيد السليماني صاحب محلات مجوهرات نزوى الحديثه: إن السوق المحلي يتأثر بصورة مباشرة بتقلبات الأسعار العالمية، نظرا لاستقرار الريال العُماني المرتبط بالدولار الأمريكي، مشيرًا إلى أن هذا الترابط يجعل السوق في حالة تفاعل فوري مع أي تغيّرات في الأسواق الدولية أو تحولات اقتصادية كبرى، سواء كانت ناتجة عن قرارات الفائدة أو تطورات جيوسياسية.

وأشار السليماني إلى أن تراجع أسعار الذهب المسجل يوم الثلاثاء الماضي يعد تصحيحا طبيعيا بعد موجة صعود قوية تجاوزت فيها الأونصة حاجز 4200 دولار، موضحا أن هذا الهبوط جاء نتيجة عمليات جني الأرباح من المستثمرين إلى جانب تحسن مؤقت في الدولار الأمريكي وعوائد السندات، مما قلل من الإقبال على الذهب كملاذ آمن.

وبيّن السليماني أن هذا التراجع فنيٌّ مؤقت، ما لم تتغير العوامل الجوهرية المؤثرة في السوق، مثل التوترات الجيوسياسية أو السياسات النقدية العالمية، مؤكِّدًا أن الاتجاه العام ما يزال صعوديًّا على المدى المتوسط طالما استمرت هذه العوامل الداعمة.

وفيما يتعلق بتفاوت أسعار المصنعية بين محلات الذهب في السوق المحلي، أشار السليماني إلى أنها تعود لاختلاف جودة التصنيع والدقة الفنية وتقنيات العمل المستخدمة، مشيرا إلى أن القطع ذات التفاصيل الدقيقة أو التصاميم الحديثة تكون عادة أعلى تكلفة من غيرها بسبب المهارة والدقة المطلوبة في تنفيذها.

وقدّم السليماني مجموعة من النصائح للمستهلكين والمستثمرين في سوق الذهب، داعيا إلى التريث والمتابعة الدقيقة للأسعار قبل اتخاذ قرار الشراء أو البيع ، فبالنسبة للمتداولات والمستثمرات، نصح بمتابعة حركة الأسعار باستمرار، وشراء سبائك عيار 24 مع الحصول على شهادة ضمان معتمدة، وتجنب الشراء في أوقات الذروة، مؤكدا أن فترات الانخفاض تشكل فرصا أفضل للدخول في السوق.

وأما المقبلات على الزواج، فقد دعا إلى اختيار ذهب عيار 18 أو 21 لتقليل التكلفة، ومقارنة الأسعار بين المحلات المختلفة قبل الشراء، مع التركيز على جمال التصميم وجودته وليس الوزن فقط ، ولمن يرغب في استبدال الذهب، شدّد السليماني على أهمية القيام بذلك عندما تكون الأسعار منخفضة، والاحتفاظ بالفواتير الأصلية، والتعامل مع محلات موثوقة وشفافة في عرض السعر والوزن.

وأكد السليماني أن الذهب سيبقى خيارا استثماريا مفضلا لدى الأفراد والمستثمرين، لما يتميز به من قدرة على الاحتفاظ بالقيمة في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة، لافتا إلى أن التقلبات الراهنة تمثل جزءا طبيعيا من دورة السوق.

من ناحيته قال عبدالرحمن بن عبدالحميد الصائغ صاحب محلات أولاد آدم للمجوهرات: إنه في ظل ارتفاع أسعار الذهب عالميا ووصول الأونصة إلى مستويات تاريخية تجاوزت 4200 دولار، يواحه السوق المحلي تحديات ملموسة، خصوصا مع اقتراب موسم الزواج الذي يشهد عادة نشاطا كبيرا في شراء المجوهرات الذهبية.

ولفت عبدالرحمن الصائغ إلى أن بعض المقبلات على الزواج يحاولن التكيف مع الأسعار المرتفعة عبر تقليل وزن القطع المشتراة أو اعتبار الذهب استثمارا طويل الأمد، بينما يلجأ آخرون إلى بيع الذهب القديم أو تحويله إلى قطع جديدة للاستفادة من ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن حركة السوق لم تتوقف، حيث استمر العملاء في ارتياد المحلات بحثا عن فرص استثمارية أو مجوهرات مناسبة للموازنة المالية المتاحة لديهم.

وحول تغير حجم الإقبال على شراء الذهب مقارنة بالسنوات السابقة، بيّن الصائغ أن كمية الوزن المشتراة بدأت تتقلص خلال العامين الماضيين، نتيجة محدودية الميزانية لشراء الذهب على سبيل المثال، كان بمقدور شخص شراء 175 جراما بمبلغ 5000 ريال قبل عامين، بينما يمكنه اليوم شراء 100 جرام فقط بنفس المبلغ، ما يمثل فرقًا يصل إلى 70 جراما يؤثر بشكل مباشر على أرباح محلات الذهب، التي تعتمد غالبا على الوزن وليس على المبلغ النقدي.

وأما عن توقعات أسعار الذهب في المستقبل، فأشار الصائغ إلى أن الخبراء العالميين لديهم توقعات متباينة، حيث يرى بعضهم أن سعر الذهب قد يصل إلى 10 آلاف دولار للأونصة بحلول 2032، بينما يتوقع آخرون أن يرتفع إلى 5000 دولار بحلول 2026 مشيرا إلى أن هذه التوقعات جاءت نتيجة التذبذب المستمر في السوق العالمي وعدم استقرار الأوضاع الجيوسياسية في الفترة

الحالية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البنوک المرکزیة دولار للأونصة السوق المحلی أسعار الذهب إلى أن هذه على المدى الذهب فی فی السوق ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

البامية بـ 70 جنيهًا في أسواق المنيا

شهدت أسعار بيع الخضروات والفواكه بأسواق وشوادر ومحلات محافظة المنيا، اليوم السبت، شبه إستقرار نسبي منذ تحريك أسعار المواد البترولية الأسبوع الماضي، وجاءت أسعار البيع في الأسواق البامية، 70 جنيهًا للكيلو.

 

وجاءت أسعار بيع الطماطم، من  15 – 20 جنيهًا، الفاصوليا من 35 – 40 جنيهًا للكيلو، والفلفل الرومي البلدي: 22 – 25 جنيهًا للكيلو، والكوسة من 20 – 25 جنيهًا للكيلو، والثوم البلدي من 55 لــ 65 جنيهًا للكيلو، والبطاطس من 15 – 20 جنيهًا للكيلو، والقلقاس 20 – 22 جنيهًا للكيلو الواحد .

 

أسعار بيع الفواكه في أسواق المنيا

وشهدت أسواق ومحلات بيع وشوادر الفواكة بمحافظة المنيا، شبه استقرار في أسعار البيع والتي شملت: الجوافة 40 جنيهًا للكيلو، والمانجو: 60 – 120 جنيهًا للكيلو حسب النوع، التفاح 80 – 100 جنيهًا  للكيلو، وجاءت أسعار بيع الرمان 35 – 45 جنيهًا للكيلو، والبرتقال 25 – 35 جنيهًا، والكاكا: 40 – 60 جنيهًا للكيلو، والقشطة 120 – 130 جنيهًا للكيلو، والجوافة  من 20 لــ 25 جنيهًا للكيلو، في حين جاءت أسعار بيع التين البرشومي من 25 لـ 30 جنيهًا للكيلو، والموز من 25 إلى 30 جنيهًا/كجم .

 

توازن في الأسواق وتوافر السلع الأساسية

تعكس حركة الأسعار الحالية حالة من الاستقرار النسبي في السوق المصرية، مدعومة بتوافر السلع في المنافذ الحكومية والخاصة، وجهود مستمرة من الدولة لضبط الأسعار وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وتؤكد مؤشرات السوق المصري استمرار استقرار أسعار السلع الغذائية بوجه عام، في ظل جهود الحكومة لضبط الأسواق وتوفير المنتجات بأسعار تنافسية داخل المنافذ التموينية، مما يسهم في دعم القدرة الشرائية للمواطنين وتحقيق توازن الأسعار في مختلف المحافظات .

مقالات مشابهة

  • غرفة القاهرة تشارك في اجتماع المحافظ لبحث سبل الحفاظ علي إستقرار السوق
  • آي صاغة: 200 جنيه تراجعا في أسعار الذهب خلال أسبوع
  • حالة كبيرة من الارتباك.. اختفاء سبائك الذهب من الأسواق ومد فترات التسليم إلى شهر
  • برلماني: تذبذب أسعار الذهب انعكاس لعدم التوازن في الأسواق العالمية
  • متى يتوقف جنون الذهب؟.. نواب البرلمان يكشفون أسباب التذبذب
  • انخفاض أسعار الذهب يجذب صائدي الصفقات في الأسواق العالمية
  • كيف تحصن مدخراتك من تقلبات الأسواق في الأزمات المالية؟
  • عدن: ارتفاع أسعار المواد الغذائية وسط دعوات لضبط الأسواق
  • البامية بـ 70 جنيهًا في أسواق المنيا