(بروكسل).. قمة الوقت المناسب
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
(لا غنى لأوروبا عن مصر ولا لمصر عن أوروبا)، بحكم الروابط التاريخية والحضارية التى جمعت بينهما منذ سنوات مضت، وضرورات جديدة تفرض نفسها الآن.
هذا ما عكسته بوضوح القمة المصرية الأوروبية، التى عقدت الأربعاء الماضى فى بروكسل وما زالت أصداء نجاحها تملأ الآذان.
لكن لماذا عقدت القمة الآن؟ الإجابة ببساطة، لأنه جاء وقتها المناسب، بعد أن امتدت جسور الثقة والتعاون المشترك بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى، منذ تدشين الشراكة الاستراتيجية بينهما فى مارس 2024 وحان الآن وقت تفعيلها، فكانت زيارة الرئيس السيسى لمقر الاتحاد الأوروبى، والتى وصفها الإعلام هناك بأنها تحول استراتيجى للعلاقات المصرية الأوروبية، وأنها تعد الأولى من نوعها بين دولة إقليمية ومجموعة دول الاتحاد الأوروبى.
بدا ذلك واضحًا فى الترحيب الكبير بالرئيس السيسى من قادة أوروبا (21 زعيمًا)، واعترافهم بأنه صاحب الدور المؤثر فى وقف حرب غزة وإعادة الهدوء إلى المنطقة، الأمر الذى عكس الاحترام المتزايد للدور المصرى على المستوى الإقليمى والدولى من هنا جاءت توصيات القمة عاكسة لإدراك أوروبا بقوة الدور المصرى، ونجاح سياسة مصر الخارجية، ما دفع أوروبا للتعامل مع مصر على أنها قوة إقليمية صاعدة تسعى إلى علاقات الندية بعيدًا عن التبعية.
عزز ذلك الاعتقاد توافق الرؤى السياسية بين الجانبين حول القضايا الشائكة بالمنطقة، وتأكيدهما المشترك على حق الفلسطينيين فى أقامت دولتهم من خلال حل الدولتين، وأهمية اللجوء للحلول السياسية، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها ، ومن الناحية الاقتصادية فقد عززت القمة الاستثمارات الأوروبية فى مصر بحزمة من الدعم المالى، قدرها 7.4 مليار دولار فى شكل قروض ميسرة ومنح واستثمارات مباشرة. لإنعاش الاقتصاد المصرى، سيتم ضخ 4 مليارات منها فى مشروعات الربط الكهربائى والهيدروجين الأخضر والطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها من مشروعات البنية الاساسية كما جاء انضمام مصر رسميًا إلى برنامج (أفق أوروبا) قفزة كبيرة، على صعيد التعاون العلمى والفنى والبحثى بين الجانبين، ما سيتيح لمصر اجراء مشروعات بحثية فى مجالات مبتكرة بتمويل أوروبى.
إن أوجه الاتفاق بين مصر وأوروبا متعددة، فالاتحاد الأوروبى يمثل الكتلة العالمية الأقرب إلى مصر جغرافيًا وسياسيًا، كما تعتبر أوروبا مصر البوابة الرئيسية لعبور منتجاتها إلى مليار ونصف المليار مستهلك، فى إفريقيا والشرق الأوسط، وتبقى الهجرة غير الشرعية من مصر محل تقدير واحترام الجانب الأوروبى، حيث لم يخرج من مصر منذ مارس 2016 مركب واحد قاصد الشواطئ الأوروبية، فى الوقت الذى تستضيف فيه مصر أكثر من 10 ملايين ضيف ولا نقول لاجئًا، ولم تستخدمهم مصر كورقة ضغط سياسى على أوروبا كما فعلت بعض الدول المجاورة.
لذلك وغيره الكثير الذى يضيق المجال لذكره، لأن للعلاقة بين مصر وأوروبا وجوه كثيرة، كشفت عنها قمة بروكسل فى الوقت المناسب.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ا غنى لأوروبا
إقرأ أيضاً:
هل تعود أنقرة إلى الطاولة الأوروبية عبر العضوية التدريجية؟
أنقرة- تتحرك بروكسل نحو مقاربة جديدة في ملف توسيع الاتحاد الأوروبي عبر مقترح يمنح الدول المرشحة عضوية تدريجية تُكتسب على مراحل، تبدأ بمشاركة محدودة دون حقوق تصويت أو نقض كاملة، وفق ما أوردته وكالة الأناضول.
ويهدف هذا الطرح إلى تجاوز الفيتو المجري الذي يعطل انضمام أوكرانيا وتركيا وغيرهم من الدول، في تحول يوصف بأنه إعادة صياغة لفلسفة التوسع الأوروبي من مبدأ "العضوية الكاملة أو "لا عضوية" إلى نموذج أكثر مرونة يقوم على الاندماج المرحلي داخل المنظومة الأوروبية.
تتجه بروكسل نحو تبني صيغة "عضوية على درجتين" كحل لتجاوز مأزق توسيع الاتحاد الأوروبي، بحيث تنضم الدول المرشحة في المرحلة الأولى بصفة عضو جزئي دون حق التصويت أو استخدام الفيتو، على أن تُمنح العضوية الكاملة تدريجيا بعد استيفاء الشروط السياسية والاقتصادية المطلوبة.
تجاوز الفيتوويهدف هذا النموذج إلى دمج المرشحين في مؤسسات الاتحاد وبرامجه منذ المراحل الأولى، مع المضي في الوقت ذاته نحو إصلاح آلية صنع القرار الأوروبي، من خلال اعتماد التصويت بالأغلبية المؤهلة بدلا من الإجماع، خصوصا في قضايا السياسة الخارجية والتوسعة، بما يقلل من قدرة أي دولة منفردة على تعطيل القرارات باستخدام حق النقض (الفيتو).
وتحظى المبادرة بدعم من دول شمال وشرق أوروبا والنمسا والسويد، التي ترى في توسيع الاتحاد أولوية إستراتيجية في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة، إذ أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا إحياء قناعة بضرورة تسريع انضمام دول الجوار الشرقي لضمان أمن القارة واستقرارها.
لكن مسار التوسع يصطدم بمعارضة متكررة من بعض العواصم، أبرزها بودابست، حيث استخدم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الفيتو مرارا لتعطيل انضمام كييف بدعوى أنها "غير مستعدة بعد"، بينما تخشى دول أخرى من منافسة اقتصادية جديدة أو تهديد لمصالحها الأمنية.
إعلانوفي مواجهة هذه العقبات، تُطرح العضوية المرحلية كحل عملي دون الحاجة إلى تعديل معاهدات الاتحاد، إذ يتطلب أي تعديل دستوري موافقة جماعية ويواجه اعتراضات من دول كفرنسا وهولندا والمجر. لذلك يقترح النهج الجديد أن يتنازل الأعضاء الجدد مؤقتا عن حق النقض إلى حين تنفيذ إصلاحات مؤسسية أوسع، بدلا من المساس بحقوق الدول القائمة.
في السياق، قال أنطون هوفرايتر رئيس لجنة الشؤون الأوروبية في البرلمان الألماني إن "على الأعضاء الجدد التنازل مؤقتا عن الفيتو إلى أن تُستكمل الإصلاحات اللازمة"، مؤكدا أن "نظام الانضمام دون حقوق تصويت كاملة سيُبقي الاتحاد قادرا على العمل حتى في حال توسعه". وأضاف أن دول غرب البلقان رحبت بالمقترح واعتبرته "خطة بناءة وقابلة للتطبيق لدمجها في المنظومة الأوروبية تدريجيا".
ورغم أن النقاش الدائر داخل الاتحاد يتركز حاليا على أوكرانيا ودول الجوار الشرقي، فإن تركيا تبقى أكثر الدول تأثرا بالتحول الجديد في سياسة التوسع الأوروبية. فأنقرة، التي مُنحت صفة المرشح الرسمي عام 1999 وبدأت مفاوضات العضوية في 2005، لا تزال توصف بـ"المرشح الأبدي" بعد أن جمد مسارها فعليا منذ أكثر من عقد، بسبب خلافات سياسية وملفات تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية.
معضلة التوسععلى الصعيد الرسمي، ترحب أنقرة بأي مبادرة تعيد إحياء ملف انضمامها إلى الاتحاد، لكنها في المقابل تتحفظ على أي صيغ بديلة تنتقص من هدفها الإستراتيجي بالانضمام الكامل. وقد شدد المسؤولون الأتراك مرارا على أن العضوية الكاملة تبقى خيارا إستراتيجيا ثابتا في سياسات البلاد الأوروبية.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أكد أن "المصالح المشتركة بين تركيا والاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن تُرتهن لمخططات عقيمة يطرحها بعض الأعضاء"، في إشارة إلى الدعوات الأوروبية لإقامة شراكة خاصة مع أنقرة بديلا عن العضوية الكاملة، وهو طرح تبنته فرنسا سابقا.
في المقابل، يربط الاتحاد أي تقدم في الملف التركي بالتزام أنقرة بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي المجالات التي شهدت -حسب تقارير المفوضية الأوروبية– تراجعا ملحوظا في الأعوام الأخيرة.
ويرى المحلل السياسي مراد تورال أن فكرة "العضوية التدريجية" تبدو من حيث المبدأ قابلة للتطبيق، لكنها تواجه تعقيدات سياسية ومؤسسية عميقة داخل الاتحاد الأوروبي. وأوضح للجزيرة نت أن الاتحاد يجد نفسه أمام معضلة مزدوجة، فمن جهة لا يرغب في إغلاق الباب أمام الدول المرشحة في لحظة جيوسياسية حساسة، ومن جهة أخرى يتخوف من توسيع عضويته قبل إصلاح آلية اتخاذ القرار التي باتت تعاني الشلل بفعل قاعدة الإجماع.
ويعتقد تورال أن نجاح النموذج المقترح مرهون بقدرته على تحقيق توازن بين الواقعية السياسية والطموح الإستراتيجي، بحيث يتيح للدول المرشحة الاندماج التدريجي اقتصاديا وسياسيا من دون أن يكرس طبقية داخل الاتحاد.
وأضاف أن البيئة السياسية الراهنة تمنح الفكرة زخما إضافيا في ظل رغبة أوروبية متزايدة لإحياء مشروع التوسع بعد سنوات من الجمود، خصوصا مع تصاعد التهديدات الأمنية، لكنه أشار في المقابل إلى أن التحفظات الفرنسية والمجرية والهولندية قد تجعل تطبيق الخطة في المدى القريب صعبا من دون تسويات داخلية عميقة.
إعلان حذر تركيمن جانبه، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن أنقرة قد تنظر إلى المقترح بوصفه فرصة جديدة لإحياء مسار انضمامها الأوروبي المجمد منذ أكثر من عقد، بعدما تراجع زخم فكرة العضوية الكاملة داخل الاتحاد.
وأوضح للجزيرة نت أن الحكومة التركية ستسعى إلى استثمار أي نافذة سياسية يمكن أن تعيدها إلى طاولة الحوار مع بروكسل، خصوصا في الملفات ذات الطابع العملي مثل التجارة والطاقة وتحديث الاتحاد الجمركي وتسهيل منح التأشيرات، باعتبارها قنوات تعاون واقعية تحقق مكاسب اقتصادية وسياسية ملموسة للطرفين.
لكن سراج أوغلو أشار في الوقت ذاته إلى أن أنقرة تتعامل مع فكرة المرحلية بحذر وريبة، إذ تدرك أن هذا النموذج قد يتحول إلى عضوية منقوصة أو وضع دائم من الانتظار السياسي يُبقيها شريكا للاتحاد دون أن تصبح عضوا كاملا فيه، مما يعني تفريغ فكرة الانضمام من مضمونها.
وختم بالقول إن الحكومة التركية ستعتمد مقاربة براغماتية ومرنة تقوم على الاستفادة من فرص الاندماج المرحلي دون التنازل عن الهدف النهائي، مؤكدا أن أنقرة ستتعامل مع الفكرة كأداة لإعادة الارتباط بالاتحاد الأوروبي لا كبديل دائم عن العضوية الكاملة.