صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (14)
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
صورٌ ومشاهد من $غزة بعد إعلان #انتهاء_العدوان (14)
#الغزيون في حاجة إلى #الدعم_المادي لا الدعم النفسي
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
وضعت الحرب العدوانية الإسرائيلية نسبياً أوزارها، وتوقفت شكلياً صورها الوحشية، وغابت مشاهدها القاسية، وتغير شكلها الدموي وقصفها المدوي، وتراجعت حدة الغارات وغابت عن السماء الطائرات، وأخذت بعد إقرار خطة “ترامب” للسلام، ودخولها حيز التنفيذ، أشكالاً أخرى مختلفة أقل حدةً مما كانت، وأخف ضغطاً على السكان مما سادت، رغم الخروقات الإسرائيلية المتكررة، والغارات المحدودة المحددة الأهداف والغايات، إلا أن الظروف قد تغيرت، والأوضاع قد تبدلت.
واليوم التالي في قطاع غزة بعد تحريره وانسحاب جيش العدو منه، بدأت ترتسم معالمه، وتتشكل مظاهره لدى الجانب الشعبي الفلسطيني، والأساس فيه والثابت الذي يقوم عليه، هو العودة إلى الديار، والبقاء في البلاد، والإقامة فوق ركام البيوت المدمرة، واستعادة الحياة رغم الألم، واستئناف العيش رغم الجرح، والمباشرة في تنظيف الشوارع وفتح المساجد وإعمار الأسواق والمحال التجارية، وتسوية الجدران وبناء الخيام، واستعادة الحياة المفقودة، وبعث الحياة في الأمل الذي أرادوا خنقه وعملوا على وأده.
أمام هذه الوقائع المستجدة، وبدلاً من أن تخف المؤسسات الدولية والهيئات الإنسانية إلى مساعدة أهل قطاع غزة وتمكينهم من العودة إلى مناطقهم، واستعادة حياتهم فيها، وتسهيل إقامتهم فوق ركام بيوتهم المدمرة، وتقديم مختلف أشكال الدعم المادي لهم، وتوفير مستلزمات العيش البسيطة التي تمكنهم من مواصلة الحياة، إذ هم في حاجة إلى كل شيء، وتنقصهم كل حاجة، فهم يبحثون عن الطعام والشراب ومياه الشرب النقية ومياه الخدمة، ويحلمون في خيمةٍ غير بالية تسترهم وتؤويهم، ويحتاجون إلى الثياب الثقيلة التي تقيهم برد الشتاء القادم وزمهرير الطقس القارص.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة ويعانون منها، ارتفعت أصواتٌ دولية تنادي بالعمل على رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ومعالجة آثار الحرب النفسية عليهم، والاهتمام بأطفالهم الذين عاشوا الحرب وذاقوا ويلاتها، وتركت عليهم آثاراً نفسية لا تنسى، وحفرت في نفوسهم مآسي عميقة وجراحاً بليغة، قد تبقى عالقة فيهم وملاصقة لهم، وستنعكس يقيناً على مستقبلهم، وستؤثر على مسار حياتهم.
وطالبت بعض الدول الأوروبية بتخصيص ميزانياتٍ مالية كبيرة للاهتمام بالصحة النفسية للمواطنين الفلسطينيين، ومعالجة آثار فقدانهم لأحبابهم، إذ فقدوا الولد والأب والأم، والأخ والأخت والجار والقريب والحبيب، والبيت والمأوى والعمل والمدرسة والتعليم، فضلاً عن آلاف الجرحى والمصابين، وآلاف المعوقين والمتضررين وأصحاب العاهات المستديمة والإعاقات الدائمة، بعد فقد البعض لعيونهم، أو بتر أطرافهم، أو إصابتهم بأنواعٍ مختلفة من الشلل نتيجة تلف أجهزتهم العصبية وإصابتهم في أعمدتهم الفقرية ورؤوسهم حيث مراكز الحس والسيطرة.
غريبٌ أمر هذه الدول التي علا صوتها، وبان غضبها، وأظهرت حرصها وغيرتها على مستقبل الأجيال الفلسطينية، وبدت خائفة على نتائج الحرب النفسية عليهم، وتريد أن تخلصهم منها وتجنبهم آثارها، وتخشى أن يكبروا وتكبر معهم معاناتهم، وتصاحبهم آلامهم، وهي نفسها التي خصصت عشرات المليارات من الدولارات لدعم العدو الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، وفتحت لجيشه ثكناتها ومستودعاتها، وسخرت له مصانعها الحربية ومعامل ذخيرتها المدمرة، ولم تبخل عليه بشيءٍ من أسلحتها الفتاكة، وطائراته المقاتلة، وذخائره التي لا تزول آثارها مع الأيام أبداً، وبقيت حتى آخر أيام العدوان تمده وتزوده بما يحتاج إليه، رغم الاعتراضات الشعبية، والمظاهرات المناهضة للحرب والمنددة بالعدوان على قطاع غزة.
لا ننكر أبداً أن الفلسطينيين في قطاع غزة في حاجةٍ إلى الرعاية النفسية بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة عليهم، فقد أصابهم القرح والجرح والحزن والألم، نتيجة الفقد والقتل والخراب والدمار والتشرد والنزوح والتجويع والحصار والخوف والإذلال.
لكنهم جميعاً يحتسبون ما أصابهم عند الله سبحانه وتعالى، ويترحمون على شهدائهم، ويؤمنون بأن مقامهم عند الله عز وجل أعلى وأسمى، ويدعونه سبحانه وتعالى لأن يشفي الجرحى ويعافي المصابين، وأن يخفف من آلامهم وأن يعجل بشفائهم، وهم جميعاً يسرون عن بعضهم، ويخففون من آلام أنفسهم، إذ أنهم جميعاً قد ابتلوا وأصيبوا، ونالهم جميعاً جانبٌ من آثار الحرب والعدوان، لكنهم يشعرون بمعية الله معهم، وأنه لن يتركهم ولن يتخلى عنهم، وسيبقى إلى جانبهم، وهم يؤجرون على ما أصابهم، ويرتفع عند الله وبين الناس قدرهم.
الفلسطينيون ليسوا بحاجةٍ لغير الله عز وجل يسري عنهم ويخفف من آلامهم، فلن يعيد الدعم المعنوي شهداءهم، ولن يشفي جرحاهم، ولن يفرج من السجون والمعتقلات الإسرائيلية عن معتقليهم، ولن يجدي ربتهم على الظهور، وابتسامتهم في الوجوه، وتمسيدهم للرؤوس، ومداعبتهم للأطفال وتقديم الحلوى والسكاكر لهم، في نسيان الفلسطينيين لجريمتهم، ومسامحتهم على مشاركتهم في الحرب عليهم.
فإن صدقت هذه الدول التي تدعي غيرتها في مواقفها، وتريد أن تقدم العون والمساعدة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فلتضغط لوقف الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق القطاع المختلفة، ولتسير قوافل المساعدات الغذائية والطبية والوقود وغيره إلى القطاع، ولتطالب بفتح معبر رفح الحدودي مع مصر لضمان مرور وعبور الشاحنات إليه، وضمان خروج الجرحى والمصابين من القطاع إلى مستشفيات العالم، فحاجة الفلسطينيين اليوم في غزة ماسةً جداً إلى السكن والإقامة، وتوفير الطعام والشراب والدواء والعلاج ورعاية الجرحى والمصابين وضمان علاجهم، فما جدوى دعمهم نفسياً والسكين ما زالت تحز رقابهم، والجوع والفقر والحاجة يقرص بطونهم.
يتبع ……
بيروت في 8/11/2025
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: انتهاء العدوان الدعم المادي فی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
تناقض نفسها من غزة إلى اليمن:الأمم المتحدة تنخرط في الحرب «الإسرائيلية» على اليمن
خلال عشر سنوات اتسمت آلية المساعدات الأممية بالاضطراب والفساد والتواطؤ
تقرير / إبراهيم الوادعي
مالم يكن متوقعاً أن تصبح المنظمة الدولية المعنية بتحقيق السلام في العالم جزءا من الحرب المتوقعة على اليمن، وباكراً بدأت الأمم المتحدة بمد أسنة الرماح للجولة المرتقبة بين اليمن والكيان الإسرائيلي على خلفية الإسناد اليمني لغزة، وقبل أن تبدأ جولة القتال فعلياً ساعد موظفوها في اغتيال قيادات سياسية وعسكرية يمنية، وبالأمس أوقفت منظمات أممية مساعدات إنسانية حيوية وكبيرة تمس حياة ملايين اليمنيين لخلق مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على القيادة اليمنية..
نداءات الأمم المتحدة بفصل وتحييد العمل الإنساني في غزة عن المسار السياسي والعسكري ، لا تلقى أذناً صاغية من المنظمة نفسها قبل الآخرين في اليمن ، وذلك انفصام في شخصية الأمم المتحدة يظهر للمرة الأولى بوضوح، أو ربما لم يتنبه العالم إليه خلال عشر سنوات من الأداء الأممي المضطرب وغير المفهوم أحيانا في ظل العدوان السعودي الأمريكي 2015م – 2025م.
أبقت الأمم المتحدة في تعاملها مع اليمن على الوضع تحت الحرب إذ ووفقاً للقانون الدولي، التهدئة المتفق عليها في ال02 من ابريل 2022م، لم تنه الحرب رسمياً وفقاً للأطراف ووفقاً لقواعد القانون الدولي، بل مضت الحرب بأشكال أخرى اقتصادية وسياسية مارستها الرياض ضد صنعاء، كما أن استمرار الحصار الذي يلقي بكاهله على 80% من السكان في المناطق المحررة تحت سيطرة حكومة صنعاء يبقي تداعيات العدوان الذي بدأ في ال27 من مارس قائماً، بل وأكبر من قبل.
الأسبوع الماضي أعلنت منظمات أممية الصحة العالمية واليونيسف للطفولة واليونبس وقف أكبر مشروع مساعدات أممية للقطاع الصحي في اليمن ، يتولى هذا المشروع بقيمة تصل ل150 مليون دولار، إمداد ثلثي القطاع الصحي في المناطق المحررة إمداد مستشفيات ومراكز ووحدات صحية باحتياجاتها من الوقود والأكسجين ورواتب عدد كبير من العاملين الصحييين ، والتغذية العلاجية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وسوء التغذية الحاد.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية التي تولت إبلاغ حكومة صنعاء بالأمر فإن الإيقاف سيقتصر فقط على المناطق الشمالية البالغ حصتها من المشروع 90 مليون دولار تقريبا ، وسيتم من خلاله وقف الوقود والأكسجين والتغذية العلاجية للأطفال عن نحو ألفي مركز ووحدة صحية ، و72 مستشفى دفعة واحدة وبشكل مفاجئ ، بالإضافة إلى وقف رواتب مقدمه لنحو 10 الاف عامل وقد تم إيقافها بالفعل بعد أن كان مقرراً صرفها الأسبوع قبل الماضي.
وقف الدعم الأممي المقدم لهذا العدد من المستشفيات والمراكز الصحية دفعة واحدة وبشكل مفاجئ يعد كارثة بالنسبة لأي طرف ، وهو ما تعمدته الأمم المتحدة لدواع سياسية ، إذاً قالت الصحة العالمية في مذكرتها أن الإيقاف يأتي على خلفية التطورات الأمنية.
التطورات الأمنية كذبة اخترعتها الأمم المتحدة لمحاولة إنقاذ جواسيس الموساد ممن تورطوا في اغتيال الحكومة في صنعاء، وتورط موظفون فيها بتهريب أجهزة استخبارية للتنصت خارج موافقة الأمم المتحدة أو معرفة سلطات صنعاء، قبل أن يجري كشفها في الحملات الأمنية الأخيرة، بعد أن ظهر أن منظمات أممية تحولت إلى وكر لعملاء الموساد .
ومع أن المفترض أن تذهب الأمم المتحدة إلى ملاقاة صنعاء في استعراض الأدلة الفنية، ناهيك عن اعترافات المقبوض عليهم بالتورط في عمليات تجسس وعمليات أمنية، وتطهير مكاتبها ومنظماتها ممن يسيئون إلى العمل الأممي والإنساني، ذهبت إلى التموضع في محور الحرب على صنعاء.
تمحور الأمم المتحدة إلى جانب « إسرائيل « في الجولة المقبلة من المواجهة ومنذ الآن مستغرب، فالأخيرة لاقت من الإهانات « الإسرائيلية « الكثير في غزة وقتل من موظفيها الكثيرين ، وضربت بكل مناشداتها ومطالبها هناك عرض الحائط ، ناهيك عن الإهانات التي وجهتها « إسرائيل « للأمم المتحدة هنا في اليمن.
ففي ديسمبر 2024 قصفت الطائرات الإسرائيلية مطار صنعاء لحظة تواجد ممثل للأمين العام للأمم المتحدة ووفد أممي كان يختتم زيارة معلنة لصنعاء وأبلغ التحالف بموعد مغادرته ، ما أدى إلى صابة طيار أممي واستشهاد عاملين بالمطار ، وجرى إخلاء المسؤول والوفد الأممي تحت القصف ، ووفقا لمسؤول محلي تأخر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في صالة تشريفات المطار وإلا لكان بين الضحايا، حيث استهدف القصف بشكل مباشر جوار الطائرة الأممية..
وللمفارقة، فالقرار الأممي بتوجيه ضربة للقطاع الصحي يأتي بالتزامن مع إعلان العدو الإسرائيلي أن الحرب مع اليمن لم تنته – تصريحات لنتنياهو ووزير حربه كاتس – عن جولة تصعيد يحضر لها العدو الإسرائيلي ضد اليمن على خلفية مساندته لغزة ، وهو الفعل المتسق مع المبادئ الإنسانية والقانون الدولي وتخلت عنه دول العالم خوفاً من أمريكا ولكون إسرائيل خارج إطار المحاسبة فعلياً..
وبهذا القرار تكون الأمم المتحدة قد مضت في ذات الخط الإسرائيلي المتبع في غزة، وهو المس بالناس لتحقيق أهداف سياسية أياً كانت اخراج العملاء المقبوض عليهم في اغتيال الحكومة أو إجبار صنعاء على تغيير موقفها السياسي.
الانخراط الأممي في الجهود الغربية لتغيير موقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة وإيقاف المساندة للشعب الفلسطيني ، ليست قريبة ، بل بدأت مع تأكد الغرب أن صنعاء لن تعدل في موقفها وتوقف عمليات قصف العدو الإسرائيلي وإسناد غزة ..
في ابريل 2025م أعلن برنامج الأغذية العالمي إيقاف دعمه لعلاج حالات سوء التغذية متوسط الحدة في مناطق شمال اليمن الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء تحت مبرر نقص التمويل ، وفي سبتمبر 2025م اعلن وقف جميع عمليات الحيوية شمال اليمن ،سبق ذلك في فبراير 2025م وقف مشروع المساعدة للقطاع الصحي في محافظة صعدة ، والآن جرى إيقافه في مناطق شمال اليمن بكلها
فمع بداية عمليات الإسناد اليمني أوقف برنامج الغذاء العالمي جلَّ عملياته والمساعدات الغذائية التي كان يقدمها في اليمن، وخلال العام الأخير من حرب غزة أوقف منظمات أممية المساعدات الغذائية والصحية المقدمة لمحافظة صعدة ، وهي خطوة لم تكن بريئة في بعدها السياسي أو على صعيد إثارة النعرات المناطقية في الداخل اليمني، وإلقاء اللوم على طرف سياسي بعينه مع قطع الغذاء والمساعدة عن ملايين من السكان ، يقبعون تحت حصار مستمر منذ 2015م ، وتعاظمت تأثيرات مع كل عام يمر ونفاد المدخرات.
التعاطي الأممي في اليمن على مدى عشر سنوات لم يكن نظيفاً أو مشرفاً أقله، تكفي الإشارة إلى أن الأمم المتحدة التي كانت ضامناً لحل مشكلة العملة بين صنعاء و» حكومة المرتزقة « تنصلت على الإيفاء بالتزاماتها، ما أدى إلى استيلاء المرتزقة على مليارات من الأموال جرى طبعها في بداية العدوان السعودي الأمريكي في روسيا، وفي 2016 م أخرج الأمين العام السابق كوفي أنان السعودية من قائمة قاتلي الأطفال ، رغم توثيق منظمات وتقارير أممية مقتل مئات الأطفال اليمنيين آنذاك بالغارات السعودية ، والقائمة تمتد إلى الأغذية والأدوية المنتهية ، والابتعاد عن الاحتياجات الماسة لبلد تحت الحصار ، واستنزاف أموال المساعدات بشكل مهول ، والفساد الذي اعتراى آلية العمل الإنساني في اليمن خلال 10 سنوات ..
الانخراط الأممي في الحرب إلى جانب « إسرائيل « لن يكون بعيداً عن الأنظار والرصد ، فالبلد الذي كان مغموراً بالأمس، حين شنت أغنى الدول في العالم مالاً وتكنولوجيا عدواناً عليه، أصبح محور اهتمام العالم وسقطات الأمم المتحدة ستكون تحت الضوء ومفضوحة ..