عربي21:
2025-11-09@06:01:18 GMT

موجة التمرد العالمي.. غزة كرمز للظلم

تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT

ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المرءُ يُدرِكُهُ *** تجري الرِّيَاحُ بَمَا لا تَشْتَهِي السُّفُنُ -المتنبي.
في عام 1936، طرح عالم الاجتماع روبرت ك. ميرتون قانون النتائج غير المقصودة، الذي يؤكد أن الأفعال البشرية - مهما كانت تستند إلى تخطيط محكم وأهداف واضحة - غالبًا ما تُفضي إلى تبعات غير متوقعة، قد تتعارض أحيانًا مع الهدف الأصلي نفسه.



يكشف رصد الأحداث العالمية عن حالة اضطراب متصاعدة؛ حيث تشهد شوارع أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية حركات احتجاجية واسعة. وحتى في الولايات المتحدة، معقل الديمقراطية الغربية، تتدفق الجماهير معبرة عن سخطها. يبدو العالم في خضم موجة عالمية من الاحتجاجات والحراك الشعبي.

ففي برلين وروما وباريس، تتصاعد المظاهرات احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية المتردية والاستقطاب السياسي، في مشهد يُذكّر بالثورات العربية التي انطلقت شرارتها من تونس قبل أن تجتاح المنطقة. وفي أوروبا، كانت باريس نقطة الانطلاق؛ حيث اندلعت احتجاجات واسعة رفضًا لإصلاح نظام التقاعد وتفاقم أزمة المعيشة، ونجحت أحزاب المعارضة في إسقاط الحكومة عبر رفض الموازنة العامة. أما ألمانيا، المحرك الصناعي الأوروبي الأبرز، فشهدت احتجاجات عنيفة ضد سياسات الهجرة وارتفاع الأسعار، لا سيما في قطاع الطاقة نتيجة تداعيات الأزمة الأوكرانية. وفي إيطاليا، تواجه رئيسة الوزراء ميلوني انتقادات لاذعة بسبب أدائها الاقتصادي وتصاعد معدلات البطالة وأزمة الهجرة.

وفي ألبانيا، اشتعلت الاحتجاجات إثر إعلان الحكومة تعيين وزير رقمي لمكافحة الفساد، وهو قرار اعتبره المواطنون غير جدي ولا يعالج القضايا الجوهرية كالبطالة المتفشية.

لم تسلم بلغاريا من موجة الاحتجاجات؛ حيث خرجت الجماهير رفضًا لسوء الإدارة الحكومية وتفشي الفساد. وفي اليابان، التي ظلت لعقود رمزًا للاستقرار، قدّم رئيس الوزراء فوميو كيشيدا استقالته بعد فضائح وتراجع اقتصادي، لتخلفه ساناي تاكايشي، أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ البلاد، ذات التوجهات اليمينية الشعبوية. وفي نيبال، مسقط رأس بوذا والمعروفة بهدوء شعبها وصبره، انهارت الحكومة جراء احتجاجات عكست إحباطًا متزايدًا من نخب منفصلة تمامًا عن واقع المواطنين.

وفي كينيا، أشعلت الضرائب المستحدثة وارتفاع تكاليف المعيشة مظاهرات واسعة النطاق. وتكرر المشهد في نيجيريا، أكبر اقتصادات القارة الأفريقية؛ حيث اندلعت احتجاجات مماثلة وسط قناعة راسخة بأن النخب تستأثر بمكاسب القرارات الحكومية بينما يتحمل المواطنون العاديون أعباءها. أما في مدغشقر، فاستمرت الاحتجاجات المثيرة للجدل حول مشروعيتها. وفي أمريكا الجنوبية، تعيش الأرجنتين اضطرابات شاملة رفضًا لسياسات التقشف الاقتصادي، فيما تتصاعد في البرازيل الاحتجاجات ضد الإصلاحات الحكومية وتنامي الفوارق الاجتماعية.

يسعى علماء الاجتماع والسياسة لتفسير هذه الظاهرة، وقد تبين أن جيل «زد» - المولود تقريبًا بين عامي 1997 و2012 - يقود هذه الموجة الاحتجاجية. يُعد هذا الجيل الأول رقميًا في تاريخ البشرية، وقد أثبت قدرة فائقة على تنظيم الاحتجاجات خلال ساعات معدودة عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة المشفرة، متخطيًا الأساليب التقليدية. وخلافًا للأجيال السابقة، يفتقر هذا الجيل إلى الصبر على الإصلاحات التدريجية، ويتحرك بسرعة لمواجهة ما يعتبره ظلمًا وفسادًا.

يرى الباحثون أن هذه الاحتجاجات المتزامنة عبر مختلف دول العالم ليست عشوائية، بل تعكس تآكلًا عميقًا في الثقة بالحكومات، وتُنذر بتهديد شرعية الديمقراطية كآلية للتغيير. وبينما قد تنجح الأنظمة السلطوية مؤقتًا في قمع الاحتجاجات، فإنها ستواجه انفجارات أعنف لاحقًا. كما أن القوى الكبرى معرضة لخسارة استقرار حلفائها، مما يهدد الاستقرار التجاري والأمني على المستوى العالمي.

من وجهة نظري، لا يمكن عزل موجة الاحتجاجات العالمية المتصاعدة عن الأحداث المأساوية في غزة، التي أسهمت - رغم عدم التصريح بذلك علنًا - في إيقاظ وعي عالمي جديد بالظلم، وخلقت حالة احتجاجية تتجاوز حدود القضية الفلسطينية. ويمكن تفسير هذا التأثير، الذي بات جليًا في العديد من الحركات الاحتجاجية حول العالم، من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

أولًا، منذ اندلاع الحرب في غزة، شاهد الملايين كيف تُنتهك القوانين الدولية، وكيف تُبرر الجرائم وتُشوّه المعايير الإنسانية. شكّل هذا المشهد صدمة أيقظت الشعوب، وخاصة الشباب، على تناقض خطابات حكوماتهم حول الحرية والعدالة. فلم يعد الظلم مقتصرًا على فلسطين، بل أدركوا امتداده في بلدانهم بأشكال متعددة.

ثانيًا، مثّلت الاحتجاجات التضامنية تجربة وعي جماعي، حيث نزل ملايين الشباب إلى الشوارع للمرة الأولى، واكتشفوا قوتهم الجماعية، وتعلموا آليات التنظيم ومواجهة الإعلام والسياسيين. كانت غزة الشرارة الأولى في سلسلة احتجاجات متتالية انتقلت من قضية لأخرى ومن بلد لآخر.

ثالثًا، بدأ التضامن مع فلسطين كموقف عاطفي وأخلاقي، لكنه تحوّل اليوم - بعد مشاهدة المجازر - إلى إدراك عميق بأن القضية الفلسطينية تكشف عن بنية الظلم العالمي، من تحالف رأس المال والسلطة، إلى احتقار الفئات المهمشة، وقمع الأصوات الحرة، والنظرة الدونية تجاه شعوب كثيرة. من هنا، تطوّر الدفاع عن غزة إلى وعي سياسي عالمي يدرك ترابط الظلم من غزة إلى باريس، ونيروبي، وبوينس آيرس.

لقد أحدث طوفان الأقصى تحولًا جذريًّا في موازين العالم، ونحن نشهد تجلياته أمامنا. وأكاد أجزم أن أي علم أو مؤسسة بحثية عاجزة حاليًا عن استيعاب النتائج الكاملة لهذا الحدث، أو إدراك عمق التحوّل الذي أحدثه.

الدستور الأردنية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة غزة الاحتلال العدوان الراي العالمي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

سوق العملات المشفرة الهابطة تبدد مكاسب 2025 بالكامل تقريباً

لم يستغرق الأمر سوى شهر واحد تقريباً حتى تمحو العملات المشفرة معظم المكاسب التي حققتها منذ بداية العام في قيمتها السوقية.

بلغت القيمة السوقية الإجمالية لجميع العملات المشفرة في ذروتها التي بلغتها في السادس من أكتوبر، مستوى قياسياً يناهز 4.4 تريليون دولار، ولكن بعد تراجعها بنسبة 20% منذ ذلك الحين بات يفصلها 2.5% فقط لتتخلى عن المكاسب التي حققتها منذ بداية العام، وفقاً لبيانات موقع "كوين غيكو" (CoinGecko).

وبدأت موجة الهبوط بعد التصفية المفاجئة لمراكز قائمة على الديون بقيمة تقارب 19 مليار دولار بعد أيام قليلة من تسجيل الذروة، ما بدّد الثقة في السوق، فيما لا يظهر المتعاملون مؤشرات على المراهنة على انتعاش قريب.

جاء هذا الأداء صادماً؛ إذ لم يتوقعه كثيرون في عام اتسم بتقارب أوثق بين الأصول الرقمية من جهة، والهيئات التنظيمية والمصارف العالمية والمؤسسات الاستثمارية من جهة أخرى.
أشعل دونالد ترمب، من خلال مساعيه لترسيخ مكانة الولايات المتحدة كمركز عالمي للعملات المشفرة، موجة نشاط واسعة رفعت سعر "بتكوين" بنسبة وصلت إلى 35%. غير أن هذا الزخم تبدّد سريعاً، إذ تراجعت القيمة السوقية للأصول الرقمية إلى مستويات أدنى مما كانت عليه عند توليه المنصب.

هبطت "بتكوين" بنسبة 8% منذ بداية الأسبوع، لتتجه نحو أسوأ أداء أسبوعي لها منذ مارس، بعدما هوت دون متوسطها المتحرك لـ200 يوم، وهو مستوى دعم رئيسي ظل صامداً منذ السوق الهابطة في عام 2022. وتُتداول العملة عند نحو 101 ألف دولار صباح الجمعة في لندن.

رغم اتساع موجة البيع الأخيرة، فإن الخسائر الأشد تركزت في العملات البديلة، وهي الرموز الأصغر والأكثر تقلباً، التي سجلت أداءً ضعيفاً هذا العام.

طباعة شارك سوق العملات المشفرة لعملات المشفرة العملات ترمب بتكوين

مقالات مشابهة

  • سوق العملات المشفرة الهابطة تبدد مكاسب 2025 بالكامل تقريباً
  • الخلية الأمنية: لمكافحة التمرد أم لترهيب المدنيين .. من يدفع الثمن؟
  • موجة ضباب تضرب جنوب البصرة غدا والمرور تحذّر
  • طلاب الكلاكلة القلعة ينظمون وقفة تضامنية مع أهل الفاشر ضد انتهاكات المليشيا المتمردة
  • الجوع يجبر عائلات في عدن على بيع أثاث منازلها
  • فلكي يحذر من موجة صقيع
  • انتخابات تنزانيا تحت ضغط الانتقادات ودعوات الإصلاح
  • رفض شعبي وسياسي واسع لتحريض تشكيل عسكري إخواني ضد الاحتجاجات بتعز
  • الصدر يوجه بإيقاف الاحتجاجات المناهضة للانتخابات في العراق