هل استسلم البرهان للهزيمة؟ أم أنها عبثية انتظار «انتصار» لن يأتي؟

حسن عبد الرضي

كم مرةٍ سنشهد مشاهد استعراضية لقيادات تترنّح بين زيارةٍ ولقطةٍ إعلامية؟ يبدو وكأن وقف الحرب وإحلال السلام ليسا مطلبًا لإنقاذ البشر وإنهاء الجراح، بل مُجرد رفرفةٍ على هامش وهمٍ اسمه “الانتصار”. عدم استجابة الفريق أول عبد الفتاح البرهان للهدنة لم يعد مجرد تقصيرٍ سياسي أو تكتيكًا عسكريًا — إنه استسلامٌ لصورة انتصار لا وجود لها إلا في خيالٍ ألبسَه الفشل حلّةً لطيفة.

زيارات البرهان لمعسكرات نازحي الفاشر في الدبة والعفاض، والتي يبدو أنه ستعقبها زيارات لمعسكرات نازحين من مدنٍ أخرى كالأبيض وبابانوسة وكوستي، هل هي تعزية أم استعراض؟ هل هي اعتراف بالمسؤولية أم مسعى لكسب صور توظف لاحقًا في خطابات؟ عندما يتحول القائد إلى «حُلمٌ واهم» يتنقّل بين الخيام وكاميرات البث المباشر، يبرز سؤال واحد: هل هذه زيارات إنسانية حقيقية أم مسرحيات تُخاطب الكاميرات وتُخدّر الضمير؟

أما عبارة «ربنا ينصر جيشنا» — تلك العبارة التي تحولت من دعاء إلى شعارٍ معقم — فقد صارت درعًا ضد المساءلة. تُردد الألسن هذه الكلمات وكأنها تبيح كل شيء: تبيح القتل، تبيح النهب، تبيح تدمير الأحلام. «أي جيش؟» سؤال بسيط لكنه مفتاح لعلبة كاملة من الأسئلة: هل هو جيش لم يُحقق نصرًا على عدو خارجي يوماً؟ أم هو جيش نسج انتصاراته على جلود مواطنين؟ جيش أكل الحرية باسم النظام، واضطهد الطلاب والعمال والنساء باسم الأمن — هل نطلب من السماء أن تنصر من يقتل شعبه؟

تكرار هذه العبارة يضفي غطاءً أخلاقيًا على الخيانة. إنها تبرير لفظي لعنفٍ لا يقوم على مشروعٍ وطني بل على مصالح شخصية وزبائنية حولت المؤسسة العسكرية إلى مزرعة فساد. هل نصدق أن السماء ستؤيد من ينشر الجوع ويغتال الكرامة؟ الله لا ينصر الظالمين. الطاعة العمياء ليست مبررًا لغسل أيادي القتلة.

النصر الحقيقي ليس لحظة إطلاق رصاصة أو كلمة مهيبة على شاشات مُرتّبة. النصر هو عقلٌ يرفض تأليه العنف، وقلبٌ يحترم كرامة الإنسان قبل أي شعار. النصر أن يعود الجيش إلى ثكناته خاضعًا للقانون والدستور، لا جماعة فوق الشعب. أن يصبح الحارس حارسًا لا جزارًا، أن يكون دفاعًا لا أداة ابتزاز.

أدعو مَن يرفعون الأيادي مرددين «ربنا ينصر جيشنا» أن يكفّوا عن تأليه السلاح، وأن يبدّلوا الدعاء بما ينقذ الشعب والضمير: «ربنا ينصر وطننا» — «ربنا يرحم أطفالنا» — «ربنا يقطع يد من حول المؤسسة إلى أداة قتل ونهب». هل سألتم أنفسكم لماذا تتأخر إجابة دعائكم الفارغ؟ ألم يقل الحق: «ادعوني أستجب لكم»؟ فلتعلموا أنكم لا تدعون بصدق، بل تتسترون بالنفاق.

وعلى البرهان ومن في موقعه أن يسألوا: هل ستخلدنا صور الزيارات أمام خيام النازحين أم القرارات الشجاعة التي تنهي القتل وتفرض الهدنة؟ التردد والمماطلة أمام فرص وقف الدماء ليست تكتيكًا؛ إنها توقيع على شهادة وفاة للشرعية والمصداقية.

حين نكفّ عن تأليه البندقية ونؤمن بقدسية الإنسان، عندها فقط نستعيد أمل وجود جيشٍ يُنصر بالحق، لا جيشٍ يُهزم بالعار.

وحتى ذلك الحين تبقى عبارة «ربنا ينصر جيشنا» ليست دعاءً بل وصمة تبييض جريمة. ووقوفنا ضد هذا التبييض هو الهدية الوحيدة الممكنة لضحايا هذا العبث.

الوسومالأبيض الجيش الدبة السلاح السودان العفاض الفاشر بابنوسة حسن عبد الرضي الشيخ عبد الفتاح البرهان كوستي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأبيض الجيش الدبة السلاح السودان الفاشر بابنوسة عبد الفتاح البرهان كوستي ربنا ینصر

إقرأ أيضاً:

تعلن محكمة غرب أمانة العاصمة أنها رفضت طل جميل إسماعيل

تعلن محكمة غرب أمانة العاصمة أنها رفضت طل جميل إسماعيل

مقالات مشابهة

  • تعلن محكمة غرب أمانة العاصمة أنها رفضت طل جميل إسماعيل
  • البرهان يذرف الدموع
  • مجموعة عالمية تعلن تدشين فندق عائم جديد بين الأقصر وأسوان.. ونواب: الاتجاه نحو أنماط جديدة بقطاع السياحة يأتي فى ضوء توجيهات الدولة
  • موعد ومكان عزاء والد الفنان محمد رمضان
  • مفاوضات عبثية
  • “الشعبية”: العدوان الصهيوني على لبنان يأتي بدعم أمريكي مباشر
  • بعد انتظار طويل.. جوجل تتجاوز العقبة الكبرى في صفقتها مع Wiz
  • البرهان: الشعب السوداني لن يُهزم ولن يستسلم
  • عاجل | البرهان: عازمون على دحر المليشيا المتمردة وتأمين حدود الدولة السودانية