اقتصاد الحمير.. لماذا تسيطر الصين على حمير أفريقيا؟
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
في الغالب، ارتبطت الصورة الذهنية التقليدية للحمير بوصفها مجرد حيوانات تستخدم لأغراض حمل الأثقال، لكن الواقع يظهر أن لهذه الحيوانات إسهامات اقتصادية واجتماعية خاصة في المجتمعات الريفية وشبه الحضرية حول العالم.
وفي كثير من هذه المناطق يشكل امتلاك الحمير وسيلة للتخلص من الفقر المدقع، إذ توفر مصدرا مباشرا أو مستداما للدخل.
وفي الوقت الحالي لم تعد الحمير مجرد أداة خدمية، بل أصبحت محورا لتجارة لها تأثير على مسار العلاقات بين الدول، وتعد العلاقة بين الصين وبعض الدول الأفريقية نموذجا لذلك التأثير والتداخل.
وتطرقت دراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات إلى هذا الموضوع الذي يدخل في نطاق المستجدات الاقتصادية وتأثيراتها على العلاقات بين الدول.
الدراسة التي أعدتها الباحثة رنا أحمد وحملت عنوان "اقتصاد الحمير.. تنامي الطلب الصيني على "الإيجياو" وأثره على أفريقيا"، ناقشت الطلب الصيني المتزايد على الحمير من أفريقيا، وتداعياته السلبية، والإجراءات التي اتخذتها تلك الدول في الحد من تصدير هذه الثروة الحيوانية التي لم تكن ذات أهمية في الماضي.
طلب متزايدأشارت الدراسة إلى أنه مؤخرا برزت تجارة جلد الحمير كأكبر تهديد للحمير والمجتمعات المعتمدة عليها، مدفوعة بالطلب المتزايد على المنتج الصيني "إيجياو"، وهو جيلاتين مشتق من جلد الحمير، ويُعد مكونا رئيسيا في الطب الصيني التقليدي.
وقد أدت زيادة الطلب عليه في الصين إلى تسريع وتيرة ذبح وتصدير أو تهريب الحمير من جميع أنحاء أفريقيا، على نحو يفرض ضغوطا غير مسبوقة على عدة اقتصادات في القارة.
ونبّهت الدراسة إلى أن ذبح الحمير لاستخلاص زيوتها وجلودها ليس وليد اليوم، بل يعود إلى آلاف السنين، حيث كانت المادة المستخلصة من جلود الحمير والمعروفة بـ"إيجياو" جزءا من الطب الصيني، والذي اكتسب سمعة جيدة بسبب نتائجه المرضية في علاج فقر الدم أو انخفاض عدد خلايا الدم أو مشكلات الإنجاب.
إعلانوقد أدت هذه الممارسات إلى انخفاض عدد الحمير في الصين من 12 مليون رأس في تسعينيات القرن الماضي إلى نحو 6.4 ملايين رأس في عام 2012، ثم إلى أقل من 3 ملايين عام 2023.
وقد زادت الصين إنتاجها من "إيجياو" بنسبة 160% منذ عام 2016، غير أن هذه الزيادة لم تكف لتلبية استهلاك السوق المحلية، مما دفع البلاد للاتجاه نحو أفريقيا بهدف سد الفجوة.
وقد أسفر ذلك عن توسع سوق "الإيجياو" في الصين من 3.2 مليارات دولار عام 2013 إلى نحو 7.8 مليارات دولار عام 2020.
تداعيات سلبيةمن الملاحظ أن العلاقات الصينية الأفريقية تجاوزت نطاق البنية التحتية أو الاستثمارات، لتمس بشكل مباشر الأنظمة البيئية وسبل عيش المجتمعات المحلية.
وتسبّب ذلك في الانخفاض السريع في أعداد الحمير، الأمر الذي أدّى إلى استياء المزارعين المحليين في تلك الدول، وفاقم من ارتفاع سرقة الحمير بنسب كبيرة.
وقد تسبّب ذلك أيضا في تداعيات عدة مثل انخفاض الدخل، وتراجع القدرة على توفير الغذاء ودفع الرسوم المدرسية للأطفال، فضلا عن انتقال المهام المنزلية التي كانت تعتمد على الحمير مثل جلب المياه إلى كاهل الأطفال.
وتُشير جمعية "بروك" (Brooke) الخيرية للحيوان إلى تحوّل ملموس في العديد من المجتمعات الريفية في دولة كينيا، فبعد أن كانت الحمير توفّر الوقت والجهد في مهام نقل البضائع والمياه، أصبحت هذه المهام تُلقى الآن على عاتق النساء والأطفال أنفسهم.
وفي الكاميرون، أكد مسح اجتماعي واقتصادي حديث شمل عدة مناطق في الدولة أن 91% من مالكي الحمير هم من صغار المزارعين الذكور الذين يعتمدون على هذه الحيوانات في أنظمة الزراعة المختلطة وتربية الماشية والوصول إلى الأسواق.
وفي مالي -التي تمتلك حاليًا نحو 1.19 مليون حمار، وهو ما وضعها بين أكبر 15 دولة من حيث امتلاك الحمير- أصبحت هناك صعوبة في نقل المياه والحطب والحبوب، وكذلك في ربط القرى النائية بالأسواق الأسبوعية التي يتعذر على المركبات الوصول إليها.
إجراءات مضادةوفي سبيل مواجهة تهديد نقص عدد الحمير، وتداعيات ذلك على المجتمعات الريفية التي تعتمد عليها في النقل والزراعة وجلب المياه، اتخذت عدة دول تدابير عديدة منها حظر الذبح ومنع التصدير للخارج.
ففي تنزانيا، اتخذ قرار بحظر ذبح الحمير حتى يصل عددها إلى 10 ملايين رأس، وقد جاء ذلك بعد انخفاض أعدادها من حوالي 1.5 مليون رأس في عام 2016 إلى 595 ألفًا في عام 2018.
وفي كينيا، ورغم رفع المحكمة العليا الحظر المفروض على ذبح الحمير في 2021، فإنه لم يتم استئناف ذبحها بعد أن جمّدت وزارة الزراعة إصدار تراخيص المسالخ استجابة لشكاوى المجتمعات المالكة لهذه الحيوانات.
وفي النيجر، أصدرت وزارات الزراعة والمالية والداخلية والتجارة قرارا مشتركا في سبتمبر/أيلول 2016 يحظر تصدير الحمير وذبحها محليا، ومع ذلك، لم يتم الالتزام بالقرار، وتحول معظم النشاط التجاري إلى الخفاء.
ويشار إلى أن النيجر كانت المصدر الرئيسي للحمير الحية في غرب أفريقيا عام 2016، وسجلت الأرقام الرسمية تصدير 80 ألف رأس خلال الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني 2016 حتى سبتمبر/أيلول 2016، وذلك بزيادة من 270 ألف رأس عن عام 2015.
إعلانومع ارتفاع الطلب من المسالخ النيجرية والمشترين الصينيين للجلود، تضاعفت الأسعار 3 مرات، حيث ارتفعت من حوالي 35-40 دولارًا إلى 120-145 دولارًا للرأس.
وحديثًا، قام المكتب الدولي للثروة الحيوانية التابع للاتحاد الأفريقي -بالتعاون مع الائتلاف الدولي لحمير العمل الذي يضم كلاً من "بروك"، وجمعية الحمار، وجمعية حماية الحيوانات في الخارج ورعاية خيول العالم- بتنظيم "مؤتمر الحمار 2025″، وذلك لمتابعة قرارات رؤساء دول الاتحاد الأفريقي المتعلقة بوقف الذبح للحفاظ على هذه الحيوانات.
وفي ظل تزايد الانتقادات الدولية لدور الصين في استغلال الحمير، طرحت بكين رواية مضادة تهدف إلى إعادة صياغة الخطاب والتأكيد على الأبعاد التنموية لشراكتها مع أفريقيا، وأدخلت التروسيكل الصيني (مركبة صغيرة بثلاث عجلات) الذي عمل على حل مشكلات التجار المحليين ومكنهم من التغلب على التحديات التي كانت مرتبطة بالنقل المعتمد على الحمير.
وانطلاقا من المعطيات السابقة، يمكن القول إن تجارة الإيجياو تُظهِر الخلل الموجود في موازين القوة في العلاقات الصينية الأفريقية، مما يفتح المجال أمام تساؤلات أعمق حول مفهوم السيادة البيئية والاجتماعية، ويستوجب عدم مناقشتها كملف نقدي لفهم التحديات البنيوية التي تواجه دول الجنوب العالمي في مساعيها لتحقيق تنمية مستدامة وعادلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات دراسات هذه الحیوانات
إقرأ أيضاً:
روسيا أكبر اقتصاد في العالم بأدنى معدل بطالة
قال مراسل قناة القاهرة الإخبارية في موسكو، حسين مشيك، إن روسيا تمكنت من تحقيق انخفاض ملحوظ في معدل البطالة رغم الضغوط الاقتصادية والعقوبات الغربية المفروضة عليها، موضحاً أن النسبة الحالية تقترب من 2.2%، وهي من بين الأدنى عالمياً.
وأضاف مشيك، خلال رسالة له على الهواء، أن هذا الانخفاض في البطالة لا يُعدّ مؤشراً إيجابياً فقط من الناحية الظاهرية، بل يعكس أيضاً حجم المرونة التي أبدتها الحكومة الروسية في مواجهة العقوبات، من خلال تطبيق سياسات اقتصادية فعّالة، ودعمها المستمر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الروسي.
وأكد أن موسكو عمدت خلال السنوات الماضية إلى تمويل هذه الشركات وتوفير حوافز مالية لها لضمان استمرار عملها وتجنب تسريح العمال، وهو ما ساهم في الحفاظ على مستويات التشغيل، كما أن خبراء الاقتصاد في موسكو يعتبرون هذه الإجراءات من أنجح السياسات الحكومية خلال الفترة الأخيرة، إذ مكّنت روسيا من امتصاص جزء كبير من آثار العقوبات الغربية التي استهدفت مختلف قطاعاتها الاقتصادية.
نجاح موسكو النسبي في إدارة أزمتها الاقتصاديةكما أوضح مراسل القاهرة الإخبارية، أن انخفاض معدل البطالة في روسيا يأتي في وقت ترتفع فيه النسب في العديد من الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، ما يعكس نجاح موسكو النسبي في إدارة أزمتها الاقتصادية.
وأكد مشيك في الوقت ذاته أن هذا الانخفاض في معدل البطالة لا يخلو من التحديات، إذ قد يترتب عليه بعض الآثار السلبية على المدى المتوسط، خصوصاً في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي الذي يحتاج إلى مزيد من المرونة في سوق العمل. كما أشار إلى أن استمرار الدعم الحكومي المكثف قد يشكّل عبئاً على الموازنة العامة في حال لم تترافق هذه الإجراءات مع خطط إنتاجية طويلة الأمد.
وأضاف أن التحدي الحقيقي أمام الحكومة الروسية في المرحلة المقبلة يتمثل في تحقيق توازن بين الحفاظ على معدلات التشغيل المرتفعة، وتقليص حجم الإنفاق الحكومي، بما يضمن استدامة التعافي الاقتصادي في مواجهة العقوبات الغربية المستمرة.