عام على قانون الإعلام الجديد: ماذا تغيّر؟
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
الاثنين الماضي الذي وافق العاشر من نوفمبر مر عام كامل على صدور قانون الإعلام الجديد ونشره في الجريدة الرسمية. عند صدوره بدا وكأن الباب فتح على مصراعيه لمرحلة جديدة في تاريخ الإعلام في عُمان؛ مرحلة تقوم على قدر أكبر من الوضوح القانوني والمرونة الإجرائية بما يسمح بولادة مبادرات إعلامية جديدة بالفعل، سواء في الصحافة المكتوبة أو الإعلام الرقمي أو الإذاعات ومحطات التلفزيون الخاصة.
بعد هذا التاريخ بعشرة أشهر تقريبًا، وتحديدًا في الحادي عشر من سبتمبر من العام الحالي؛ نُشرت اللائحة التنفيذية للقانون في الجريدة الرسمية، ليكتمل بها الإطار التشريعي الذي طال انتظاره، وتقدّم التفاصيل العملية التي تحوّل القانون إلى إجراءات عملية قابلة للتطبيق.
التفاؤل بالقانون الجديد ولائحته التنفيذية بدا واضحًا ومؤكدًا توجه الدولة نحو تحديث بنيتها الإعلامية.
ما الذي حدث فعليًا بعد ذلك؟ مرت الشهور التالية دون أن نشهد ولادة صحيفة يومية جديدة، أو منصة رقمية مهنية تحمل نموذج عمل مختلفًا، أو إذاعة، أو محطة تلفزيون عامة، أو خاصة تقدم صوتًا جديدًا في المشهد الإعلامي.
على مدار العام منذ صدور القانون ظلت الساحة الإعلامية كما هي بأسمائها ووجوهها وإيقاعاتها. وهنا يبدأ السؤال المركزي: إذا كانت العوائق القانونية قد أزيلت فعلًا، وإذا كانت الإجراءات قد صارت أكثر وضوحًا وانفتاحًا فلماذا لم يدخل لاعبون جدد إلى الساحة الإعلامية؟
بالعودة إلى نص القانون ولائحته التنفيذية يتضح أن التشريع الجديد جاء ليؤكد توجه الدولة نحو فتح المجال واسعًا أمام جميع أبنائها للمشاركة في التنمية الإعلامية. المادة الثالثة -على سبيل المثال- أكدت كفالة حرية الإعلام بما يشمل حرية الرأي والتعبير باستخدام وسائل الإعلام، وحق الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين في ممارسة الأنشطة الإعلامية، والحصول على المعلومات وتداولها بطريقة مشروعة، وحظر الرقابة على ممارسة الأنشطة الإعلامية بالإضافة إلى الحق في الاستفادة من وسائل الإعلام، وتلقي الرسالة المعرفية والإعلامية».
ولتبسيط وتنظيم عملية منح التراخيص الخاصة بإنشاء وسائل الإعلام والمنصات الرقمية الإعلامية، والبطاقات المهنية للصحفيين والإعلاميين؛ وضع القانون ضوابط مقبولة لمزاولة الأنشطة الإعلامية في المادة التاسعة، وألزم من يرغب في مزاولة الأنشطة الإعلامية (صحيفة، أو قناة تليفزيونية أو إذاعية، أو كالة أنباء، أو دار نشر، أو شركة دعاية وإعلان، أو خدمات واستشارات إعلامية، أو مواقع وحسابات إخبارية وإعادة بث أي نشاط إعلامي داخل الدولة) الحصول على ترخيص بذلك من وزارة الإعلام وفق شروط ميسّرة تضمنتها اللائحة التنفيذية التي تضمنت ملحقًا بالرسوم والضمانات المالية التي لا تتجاوز معا ستة آلاف ريال بالنسبة للصحيفة الورقية ووكالة الأنباء، وخمسة عشر ألفا للقناة السمعية أو المرئية، ومبالغ أقل كثيرًا للوسائل الأخرى.
وهي أرقام ليست كبيرة، ولا تتجاوز قدرات المستثمرين المحليين أو رواد العمل الإعلامي المستقل. وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن القانون واللائحة أزاحا عقبة طالما وقفت أمام تأسيس وسائل إعلام جديدة، ووفرا بيئة مشجعة، وإجراءات محددة لتحقيق التعددية الإعلامية.
من المهم الإشارة إلى أن قانون الإعلام العُماني لم يضع الإعلام تحت السيطرة الحكومية الكاملة، ووضع ضمانات مهنية حقيقية للصحفيين. المادة (40) -على سبيل المثال- تقر حق الصحفي في الحصول على المعلومات، والمادتان (19) و(20) من اللائحة التنفيذية تؤكدان مبدأ التدرج في التعامل مع الأخطاء والمخالفات الإعلامية، والغاية هي تصحيح مسار الممارسة الصحفية، لا معاقبة الصحفيين. ولعل هذا يؤكد أن البيئة التشريعية الجديدة للإعلام في عمان لا تسعى إلى التضييق على وسائل الإعلام، ولكن إلى تنظيم المجال الإعلامي بما يسمح له بالنمو في بيئة مسؤولة.
الغريب أنه رغم التسهيلات التي وفرها القانون الجديد ولائحته التنفيذية لم يظهر بعد مستثمرون إعلاميون جدد. وهذا ما يقودنا إلى الانتقال من نطاق القيود القانونية التي لم تعد قائمة إلى نطاق أوسع يتمثل في الجدوى الاقتصادية لصناعة الإعلام في عُمان. لقد كانت وسائل الإعلام التقليدية تعتمد طوال تاريخها على الإعلانات بوصفها مصدر الدخل الأساسي. وقد انهار هذا النموذج فعليًا في السنوات الأخيرة بعد انتقال الإعلان العالمي إلى المنصات الرقمية الكبرى مثل «جوجل» و«ميتا» و«يوتيوب» التي لا تكتفي بالاستحواذ على الحصة الإعلانية الأكبر، وتقدّم للمعلن جمهورًا واسعًا قابلًا للقياس، وهو ما لا تقدمه الصحيفة أو المحطة الإذاعية أو التلفزيونية الوطنية. والجديد أن المعلن المحلي أصبح يفضّل المنصات الرقمية الأجنبية على المؤسسات الإعلامية الوطنية، وهو ما يجعل إنشاء صحيفة جديدة أو إذاعة خاصة مشروعًا عالي المخاطرة من الناحية الاقتصادية.
نعلم جيدًا أن تفضيلات الجمهور واختياراته الاتصالية والإعلامية تغيرت بشكل كبير. لم يعد القارئ ينتظر الصحيفة أو النشرة الإخبارية ليعرف الأخبار بعد أن أصبحت الأخبار تصل إليه في التو واللحظة عبر هاتفه. في ظل ذلك أصبحت المؤسسات الإعلامية الكبيرة لا تكتفي بنقل الأخبار، وتهتم أكثر بتفسيرها، وتحليلها، وربطها بسياقها الأوسع. ويتطلب هذا التحول مهارات، ووقتا، وموارد مالية كبيرة، ويحتاج قبل ذلك إلى سياسة تحريرية واضحة تتجاوز الرغبة في «اللحاق بالحدث» وتحقيق «السبق الصحفي» إلى القدرة على صناعة الوعي والإدراك.
وقد ضاعفت المنافسة الإقليمية أزمة الصحافة بشكل واضح؛ إذ تمتلك وسائل الإعلام في بعض الدول العربية قدرات مالية وبشرية وإنتاجية ضخمة تجعل من الصعب على أي مؤسسة إعلامية محلية ناشئة أن تنافسها في الشكل، أو الإيقاع، أو التأثير. ويستخدم الجمهور العماني الآن منصات عالمية للحصول على الأخبار، مثل «الجزيرة» وغيرها، وهي منصات لديها غرف أخبار متخصصة، وصحفيون محترفون، وأقسام تحليل، وقدرة على إنتاج محتوى مرئي عالي الجودة.
ويحصل على الترفيه من منصات عالمية وعربية أخرى متخصصة مثل «نتفلكس» و«شاهد» و«واتش إت». أمام هذا المشهد فإن أي مؤسسة إعلامية محلية جديدة عليها أن تجيب عن سؤال واحد هو: ما القيمة الإعلامية التي سأضيفها ولا يستطيع غيري تقديمها؟ الإجابة الأكثر واقعية هي أن تركز المؤسسات الإعلامية الوطنية الجديدة على إنتاج المحتوى المحلي عالي الجودة والمتصل بالمجتمع، وهذا يحتاج إلى استثمار طويل المدى، وليس مبادرات قصيرة المدي.
وقد اتضح بعد عام من صدور قانون الإعلام الجديد أن الإطار التشريعي الجديد قادر على تحقيق التعددية الإعلامية التي تشبع حاجات الناس، وتلبي تطلعاتهم وتسلحهم لمواجهة التدفق الإعلامي والمعلوماتي القادم من الخارج، وتحقق الأمن الإعلامي والسيادة الإعلامية للدولة.
إن الخروج من مأزق تراجع الإعلام الوطني لا يكون بإلقاء كل اللوم على الإطار القانوني الذي تغير بالفعل، والبحث في العوامل الأخرى التي تعيق الانطلاقة الإعلامية الكمية والنوعية، وعلى رأسها تشجيع المبادرات الإعلامية التي تجعل الجمهور يشعر بالحاجة لها، والتي ترى فيها الشركات أو المؤسسات قيمة تبرر الشراكة أو الاستثمار أو الإعلان فيها.
الإعلام الذي يريد البقاء اليوم هو الإعلام الذي يعرف دوره في المجتمع، ويعتمد على صحافة البيانات، والتحليل المعمق، والبحث، والاستقصاء، ورواية القصص الوطنية بلغة تناسب الناس وتلائم طموحهم.
في تقديري أن القانون الذي يحق لنا أن نحتفل بمرور عام على صدوره كان خطوة للأمام، واللائحة التنفيذية كانت خطوة مكمّلة، لكن الخطوة الحقيقية لم تبدأ بعد، وأعني بها خطوة الاختيار الاستراتيجي بالاستثمار في إعلام ينتج المعرفة، وقادر على الإضافة.
هذه الخطوة لا تحتاج إلى قوانين جديدة بعد أن اكتمل الإطار القانوني، لكنها تحتاج إلى إرادة تستهدف بناء إعلام تعددي كفء له معنى ودور ومكان في حياة الناس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأنشطة الإعلامیة قانون الإعلام وسائل الإعلام
إقرأ أيضاً:
فصائل المقاومة تدين إقرار قانون الإعدام بحق الأسرى وتؤكد أنه جريمة حرب جديدة
القدس المحتلة - صفا
أدانت فصائل المقاومة الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، تصديق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على قانون يقر عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين.
وقالت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إن تمرير مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، بعد وصمهم بـ"الإرهاب" في المحاكم الفاشية في الكيان الغاصب، إلزامياً، بالقراءة الأولى في الكنيست أمس، هو تصعيد إجرامي خطير ضمن سلسلة الإبادة والتطهير الممنهج الذي يمارسه الكيان بحق شعبنا الفلسطيني وفوق أرضه.
وأوضحت الحركة في بيان وصل وكالة "صفا"، أن هذا القانون يكشف جوهر هذا الكيان القائم على العنصرية والبطش والتنكيل، ويثبت أن جميع أجهزته، بما في ذلك الكنيست والنظام القضائي، هي أدوات إجرامية تستخدم للتنكيل بشعبنا.
وأضافت "في الوقت الذي تقوم فيه أجهزة الكيان الأمنية وجيش الاحتلال والمستوطنين بقتل أبناء شعبنا بلا مساءلة ولا محاكمة، يحاول الاحتلال من خلال السعي لتمرير هذا القانون فرض نظام قانوني مزدوج في الضفة، يدين الفلسطينيين ويمنح الحصانة الكاملة للمستوطنين والمحتلين".
وأشادت ببيانات ومواقف المؤسسات والحكومات التي أدانت هذا السلوك الإجرامي الجديد، مطالبة باتخاذ خطوات جدية للجم هذا الإجرام المتمادي، وملاحقة وزراء حكومة الكيان وأعضاء الكنيست الذين صوتوا لصالح تشريع هذه الجريمة أمام المحاكم الدولية بتهم التشجيع على ارتكاب جرائم حرب.
وأكدت أن أسرى شعبنا في سجون الاحتلال هم أمانة في أعناق أبناء شعبنا، ولن تدخر قوى المقاومة جهداً ولا وسيلة لإطلاق سراحهم، ونهيب بأبناء شعبنا تصعيد كل أشكال مقاومة هذا الكيان الذي يتكشف تدنيه الأخلاقي وطبيعته اللاإنسانية يوماً بعد يوم.
من جهتها، قالت لجان المقاومة في فلسطين، إن تصديق الكنيست الإسرائيلي على قانون يقر عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، جريمة حرب إسرائيلية جديدة تعبر عن العقلية الإجرامية والنزعة الانتقامية الصهيونية، وانعكاس للفاشية وتشريع لمجزرة صهيونية بحق أسرانا في السجون.
وأضافت "القانون الإسرائيلي العنصري بإعدام الأسرى الفلسطينيين يدوس على اتفاقية جنيف الثالثة والتي تلزم الموقعين عليها بما فيها الكيان الإسرائيلي بمعاملة أسرى الحرب بإنسانية تامة، ويحظر أي فعل يسبب الموت أو يهدد الصحة".
وأشارت اللجان إلى أن هذا القانون سيحول الأسرى الفلسطينيين إلى أهداف للإعدام الفوري، في انتهاك واضح وصارخ للقانون الدولي والإنساني.
ودعت المنظمات الدولية والأممية كافة لإطلاق حملة قانونية لإدانة هذا التشريع الإجرامي الانتقامي، وتشكيل لجان دولية لزيارة السجون الذين يعانون تحت وطأة المجرمين الصهاينة المتوحشين.
كما دعت اللجان، شعوب الأمة وكل أحرار العالم إلى ثورة شعبية وتحرك فاعل وعاجل من أجل وقف جرائمه البشعة التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي ووزارءه المتطرفين بحق أسرانا الأبطال والشعب الفلسطيني بأسره.
بدورها، أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن مصادقة الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على مشروع قانون يهدف إلى إعدام أسرى فلسطينيين، تُمثّل جريمة حرب مكتملة الأركان، وتُجسّد الطبيعة الفاشية والعنصرية لهذا الكيان الذي يواصل انحداره نحو مزيد من تشريع القتل، وإضفاء الصبغة القانونية على سياسات الإعدام الممنهج.
وقالت الجبهة، إن محاولة تمرير هذا القانون تُشكّل ضوءاً أخضر رسمياً لتوسيع ما يُمارس فعلياً داخل السجون من قتلٍ بطيء عبر التعذيب والإهمال الطبي والحرمان من العلاج.
وتابعت "فمن دون هذا القانون، استُشهِد عشرات الأسرى على مدى السنوات الماضية بقراراتٍ غير مُعلَنة تصدر عن منظومة أمنية يقودها مجرما الحرب بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير".
وأشارت إلى أن تمرير هذا القانون يؤكد مجدداً وجود سياسة إسرائيلية ممنهجة تنبع من عقلية إجرامية وعنصرية ترى في الفلسطيني هدفاً مباحاً، وقد تكشّفت خلال الأشهر الماضية من خلال جرائم التعذيب والتنكيل في معتقل سيدي تيمان، إلى جانب ما جرى الكشف عنه داخل السجن السري المعروف باسم "راكيفيت"، حيث يُحتجز المعتقلون في ظروف لا تليق بالبشر، في عزلة تامة، بلا شمس، وبلا غذاء كافٍ، وبلا قدرة على التواصل مع ذويهم.
ولفتت إلى أن مشروع القانون يبيّن توجهاً نحو تحويل المحاكم العسكرية الصهيونية إلى منظومة قتل مُشرعَنة تُضفي الشرعية على العنصرية والجرائم بحق الأسرى.
وحملت الجبهة المجتمع الدولي مسؤولية واضحة عن استمرار هذه الجرائم، إذ أن صمته وتخاذله يجعلان منه شريكاً فيها، خصوصاً أن الأسرى الفلسطينيين يتعرضون للقتل والتعذيب بشكلٍ متواصل، سواء جرى إقرار القانون أو لم يُقرّ.
ودعت المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والقوى الحيّة في العالم إلى التحرّك العاجل لوقف هذه التشريعات الفاشية، ومحاسبة المسؤولين عنها، وإجبار الاحتلال على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وبحقوق الأسرى وفق اتفاقيات جنيف، والعمل على تدويل قضية الأسرى واعتبارهم مقاتلين من أجل الحرية.