الاقتصاد.. لاستدامة البُعدين المالي والاجتماعي
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
د. يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
تحليلُ الأوضاع الاقتصادية الراهنة يُشير بوضوح إلى أنَّ سلطنة عُمان نجحت في تجاوز العديد من الأزمات المُركبة التي ألحقت أضرارًا سلبية بالاقتصاد الوطني خلال السنوات القليلة الماضية، وفي المُقابل سجّلت مؤشرات إيجابية على مستويات وأبعاد عديدة، ونخص بالذكر منها هنا أولًا: البُعد المالي؛ إذ إنَّ الارتفاع المضطرد في أسعار النفط وتبني سياسات رشيدة واتخاذ تدابير مالية حصيفة، أسهم في إحراز تقدم ملحوظ في اعتدال كفتي الميزانية العامة (الإنفاق والإيرادات)، وخفض الدين العام، والتنويع النسبي لمصادر الدخل، والتحسن اللافت في التصنيف الائتماني لعُمان.
وثانيًا: البُعد الثاني؛ وهو البُعد الاجتماعي؛ والذي تجلّى بوضوح مع إقرار منظومة الحماية الاجتماعية وصدور التشريعات المنظِّمة لها؛ الأمر الذي وضع عُمان في مراتب متقدمة على مسارات التنمية الاجتماعية، وساهم في تحقيق قفزات مؤثِّرة في إيجابيات البُعد الاجتماعي، بفضل الجهود الحثيثة لضمان الحياة الكريمة للمواطنين وتقديم منافع لمختلف الفئات العمرية بما فيهم كبار السن، والأطفال والأيتام والأرامل والأشخاص ذوي الإعاقة، والأسر ذات الدخل المحدودـ وغيرها؛ الأمر الذي يُؤكد مدى عناية واهتمام الحكومة بالأفراد والأُسر في مجتمعنا.
مراقبون كُثُر يرون أنَّ تحقيق نجاحات في البُعد الاقتصادي يبقى هو الضامن لاستدامة البُعديْن المالي والاجتماعي؛ فالاقتصاد القوي ينعكس مباشرةً على المالية العامة مُعززًا نسب الاستقرار فيها، ومن ثمَّ اتساع واستدامة مظلة الحماية الاجتماعية، والعكس صحيح؛ فمتى ما تحرك الاقتصاد بوتيرة جيدة، صعدت مؤشرات النمو والتوظيف والتصدير، وزادت تلقائيًا حصيلة الضرائب من أرباح الشركات التي تمثل قوة دافعة في المنظومة الاقتصادية، وانتعشت الآمال بمزيد من الفرص لتوسيع أعمالها، ودخول شركات جديدة إلى السوق.
وفي الجانب الاجتماعي؛ فإنَّ من شأن الاقتصاد القوي أن يكون قادرًا على توليد فرص عمل ذات دخول جيدة للشباب؛ ومن ثم تراجع الضغط على منظومة الحماية الاجتماعية، فكُلما زاد التوظيف وارتفعت الدخول، تعززت قوة هذه المنظومة باعتبارها منظومة طوارئ وحسب وليست حسابًا جاريًا. ولذلك، يظل تسارع وتحسين وتيرة الاقتصاد الرهانَ الضامنَ لاستدامة البُعدين المالي والاجتماعي، ويُستدل عليه من خلال المؤشرات الاقتصادية الكميّة والنوعيّة المعروفة. وفي هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى ضرورة عدم الارتكان إلى الظل الوفير الناتج عن الغيمة التقليدية لارتفاع أسعار النفط، والتي تؤثر مباشرةً على مختلف القطاعات النفطية وغير النفطية.
ولذلك، فإنَّ النظرة التحليلية لأداء الاقتصاد والتمعُن في قراءة مؤشرات مُهمة حول دخول شركات محلية إلى السوق، وتدفق استثمارات أجنبية إلى السلطنة، ومدى إبرام وتنفيذ الصفقات في المشاريع الكبيرة والضخمة في المدن الصناعية (التابعة لمدائن) والمنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم، والمنطقة الحرة في صحار، والمنطقة الحرة في صلالة، علاوة على حجم أرباح الشركات ورفدها للميزانية العامة للدولة، وتبيان قدرتها على توليد فرص عمل مجزية لأبناء وبنات عُمان، كل هذه دلائل ومؤشرات على مدى نجاح خطط تعميق البُعد الاقتصادي، ونضيف إليها وضعية القوة الشرائية للأفراد، وزيادة عدد السياح، ونمو حجم ونوعية الصادرات، لا سيما الصادرات غير النفطية، إضافة إلى زيادة المشاريع في الشق السفلي من الصناعة.
تلك النظرة التحليلة للواقع الاستشرافية للمستقبل، تمنحنا الفرصة لالتقاط الأنفاس، ودراسة الوضع الاقتصادي، ببُعديه: المالي والاجتماعي.
المُعطيات تُخبرنا أن عجلة الاقتصاد في عُمان تتحرك للأمام بالفعل، إلّا أنها ما زالت بطيئة، كما إن معدل ربحية الشركات ودخول الأفراد والطلب الاستثماري والاستهلاكي والخارجي تظل متواضعة، بينما تتزايد الحاجة المُلِّحة لمزيد من التدخلات وإجراءات التحفيز الاقتصادي، إذ إنَّ الكثير مما نشهده من جهود- وإن كانت مقدّرة- ليست سوى مواصلة لسياسات قديمة بمُسميات جديدة.
ولضمان نمو الاقتصاد في عُمان- كغيرها من الدول- لا بُدَّ من التعامل مع الأبجديات الضرورية والتي بدونها سنظل نتحدث ونُخطط ويظل الاقتصاد أسير أنبوب النفط أو خط الغاز، مع تحسينات هنا وهناك لن تحقق التحول المنشود في تركيبة الاقتصاد؛ ليكون قادرًا على توليد فرص العمل، وتوفير العملة الصعبة، كنتيجة لتوسيع القاعدة الإنتاجية وزيادة التصدير.
ومن وجهة نظري، علينا في المرحلة المقبلة- وترجمة لأهداف رؤية "عُمان 2040"- تَجنُّب الوقوع في أخطاء تقليدية بالتركيز المفرط على الحكومة بأجهزتها وشركاتها المختلفة لقيادة التحولات المنشودة في الجوانب المختلفة، وإغفال الدور الأهم والمفصلي لشركات القطاع الخاص في تشغيل قاطرات الإنتاج وتوليد فرص العمل واستجلاب العملة الصعبة ورفد الميزانية بالإيرادات الضريبية. وهذه الجهود المطلوبة تحتاج عناصر مُحددة بدونها لن نستطيع التقدم، وقد تناولناها بإسهاب في كتاباتنا السابقةـ لكن نشير في هذا السياق إلى إحدى المسلمات والأبجديات الاقتصادية، والتي تقول إنه لا يمكن لأي نشاط اقتصادي أن يبدأ دون توفير رأس المال بالتكلفة والاشتراطات المناسبة، والواقع يُشير إلى أنَّ هذا غير متوفر!
كما إنه لا يمكن لأي نشاط اقتصادي أن يزدهر دون عمالة ماهرة ومبتكِرَة تعمل دون قيود والتزام بنسب تعمين مُعينة، أضف إلى ذلك أن الاقتصاد لا يتحرك في منأى عن قوة شرائية حقيقية، وتزاحم الأقدام في الأسواق المحلية. وفي الاقتصادات صغيرة الحجم لا بُد من وجود منظومة تساعد رجال الأعمال على الوصول إلى الأسواق العالمية ببرامج مساندة حقيقية وليست صورية، بهدف نشر ثقافة التصدير وإطلاق برامج دعم لتكاليف التسويق والشحن والتأمين.
ونختم بالقول، إنَّ عُمان تمتلك الموارد والجاهزية والفرص ومكامن القوة الكافية لنقلها لمكانة اقتصادية مستدامة، لكن لن يتأتّى الأمر بالتردُّد المفرط الذي يُهدر الفرص؛ فالديناميكية في تغيير الأدوات والتوجُّهات في الاقتصاد العالمي والإقليمي، تدفعنا نحو مراجعة الأداء وترسيخ مكانة المنظومات والكيانات الاقتصادية المحلية، وتنفيذ الرؤى والخطط الخمسية من أجل إقرار التدخلات المطلوبة بعد إطلاق عملية مُراجعة فاحصة؛ خاصة وأن قطار الاقتصاد العالمي ينطلقُ في توجهاته الجديدة، في حين أن الانشغال بالعمليات اليومية يُفقدنا القدرة على توجيه بوصلة الاقتصاد الجديد والمضي مع توجهاته المعاصرة، ولن يستطيع الاقتصاد العماني- كغيره من الاقتصادات- الانطلاق إلى آفاق أرحب واكتشاف مُحيطات أعمق في الاقتصاد العالمي، إلّا بعد أن يتحلى ربابنته بالشجاعة المطلوبة للإبحار بعيدًا عن مناطق المياه الساكنة المتمثلة في الأدوات والسياسات التقليدية السائدة، والانطلاق نحو شطآن جديدة تنبض بالديناميكية والحيوية الاقتصادية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في أسبوع واحد فقط: إيران تدفع الاحتلال نحو الانهيار المالي والنزوح
#سواليف
كشفت صحيفتا “كالكاليست” و”غلوبس” الاقتصاديتان في تقريرين متزامنين حجم #الأضرار غير المسبوق الذي خلّفته #الحرب المباشرة بين #إيران و #الاحتلال_الإسرائيلي على الجبهة الداخلية، والتداعيات المالية الهائلة التي تهدد استقرار #الاقتصاد في ظل تصاعد #العمليات_العسكرية وتوسّع الاستهداف الصاروخي.
ووفق ما أوردته “كالكاليست”، تلقت “هيئة التعويضات” التابعة لسلطة الضرائب لدى الاحتلال أكثر من 30,700 مطالبة تعويض منذ اندلاع الحرب مع إيران، في رقم وصفته الصحيفة بالصادم بالنظر إلى قصر مدة المواجهة.
وأشارت إلى أن نحو 5,000 مطالبة تم تقديمها خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية فقط، ما يعكس وتيرة التصعيد وحدة الدمار في الداخل. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الغالبية العظمى من المطالبات تتعلق بأضرار في المباني والمنازل، يليها أضرار لحقت بالمركبات، ثم #خسائر في محتويات المنازل والممتلكات الأخرى.
مقالات ذات صلةولا تشمل هذه الأرقام الأضرار التي نجمت عن قصف مبنى في بئر السبع صباح اليوم نفسه، ما يجعل عدد المطالبات مرشحًا للارتفاع خلال الساعات القادمة.
في السياق ذاته، أعلنت حكومة الاحتلال عن إجلاء أكثر من 8,200 مستوطن من منازلهم، بينهم 3,000 خلال يوم واحد فقط، إما نتيجة تضرر مساكنهم بشكل مباشر أو بموجب أوامر إخلاء بسبب الخطر المحدق. وقررت تمديد فترة الإقامة في الفنادق للمستوطنين النازحين من أسبوع إلى 14 يومًا، في خطوة طارئة لمواجهة الأوضاع المتفاقمة.
وتحت ضغط الأعداد المتزايدة، فعّلت سلطة الضرائب نظام “المسار السريع” لتقديم مطالبات الأضرار التي لا تتجاوز قيمتها 30 ألف شيكل، بحيث يمكن تقديم الطلبات عبر الإنترنت من دون الحاجة إلى تقييم ميداني فوري.
ووفقًا للآلية الجديدة، يُصرف التعويض خلال أسبوع واحد من التقديم، بشرط تقديم الفاتورة خلال شهر. وللمرة الأولى، شمل هذا النظام الشركات التجارية أيضًا، ما يعكس إدراك سلطات الاحتلال لحجم الخسائر التي لحقت بالقطاع الاقتصادي.
الصحيفة قارنت هذه الأرقام بما تم تسجيله خلال العدوان على غزة، مشيرة إلى أن هيئة التعويضات تلقت خلال عام وثمانية أشهر من الحرب على القطاع حوالي 75,000 مطالبة. أما في أسبوع واحد فقط من الحرب مع إيران، فتم تسجيل أكثر من 40% من هذا الرقم، وهو ما وصفته بأنه مؤشر على عمق الضربة التي تعرضت لها الجبهة الداخلية.
من جانبها، حذرت صحيفة “غلوبس” من أن خزانة الاحتلال تقترب من الاستنزاف الكامل بفعل الإنفاق العسكري المتسارع، إذ تُقدّر التكاليف اليومية للحرب بأكثر من مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 300 مليون دولار.
وكشفت أن وزارة مالية الاحتلال تقدمت بطلب إلى لجنة المالية في الكنيست لنقل 3 مليارات شيكل من بند “النفقات الطارئة للدفاع”، وتقدمت بطلب آخر لزيادة ميزانية وزارة الحرب بـ700 مليون شيكل إضافية يتم تمويلها عبر اقتطاعات من وزارات مدنية، في ظل غياب خطة طويلة الأمد لتغطية نفقات الحرب.
وتقول الصحيفة إن حكومة الاحتلال كانت قد خصصت مسبقًا 10 مليارات شيكل للاحتياطيات الدفاعية، لكنها استُهلكت في وقت سابق لتغطية تكاليف تجنيد 450 ألف جندي احتياط خلال الحرب على غزة، قبل حتى اندلاع القتال مع إيران. وتشير التقديرات إلى أن وزارة الحرب أنفقت حتى الآن أكثر بـ20 مليار شيكل من ميزانيتها الأصلية.
في ظل هذه الأرقام، تستعد حكومة الاحتلال لإعادة فتح الموازنة العامة ورفع سقف الإنفاق، وهي عملية تشريعية معقدة تُشبه إقرار موازنة جديدة كليًا. وحتى يتم ذلك، تعتمد وزارة المالية على التحويلات الداخلية لتأمين تمويل مؤقت وتوفير فترة تنفس قصيرة، في انتظار خطة تمويل موسعة.
المحللون يرون أن استمرار التصعيد العسكري سيُجبر الاحتلال على التوجه نحو الاقتراض الداخلي والخارجي، وفرض ضرائب جديدة، إلى جانب تقليص كبير في موازنات التعليم والصحة والبنية التحتية، ما يهدد باندلاع أزمة اجتماعية واقتصادية داخلية قد تكون أكثر كلفة من الحرب ذاتها.
واعتبرت “كالكاليست” أن العدد الهائل من المطالبات خلال الأسبوع الأول من الحرب مع إيران يكشف هشاشة الاستعدادات لدى الاحتلال لمواجهة تصعيد بهذا الحجم، بينما رأت “غلوبس” أن وزارة المالية باتت تدير أزمة تمويل بلا غطاء فعلي، وأن القرارات الاقتصادية المقبلة ستكون في جوهرها سياسية.