وسط القصف المتواصل الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة منذ يوم السبت الماضي، تتدفق أعداد كبيرة من الجرحى على مدار الساعة عبر سيارات إسعاف أو مركبات خاصة، حيث يسارع مسعفون لإدخال المصابين لمستشفيات تعاني نقصا حادا في المواد الطبية مع تحذيرات أطباء عاملين في القطاع من تداعيات تدهور القطاع الصحي وأن تتحول مراكز تلقي العلاج لـ "مقابر جماعية".

 

فاضت مستشفيات غزة بالجرحى، إذ لم تعد الأسرّة تستوعب الأعداد التي تصلها، ما اضطر بعض المصابين إلى افتراش أرض الممرات والغرف منتظرين دورهم لتخفيف آلامهم، منهم من يحالفهم الحظ بتلقي العلاج، والخضوع إلى عمليات جراحية، من دون تأمين سرير لهم للمبيت لاستكمال رحلة تعافيهم، ومنهم من يفارقون الحياة قبل أن يتسنى لطبيب الكشف عليهم، بحسب ما يؤكده مدير عام مجمّع الشفاء الطبي، وهو المجمّع الأكبر في القطاع، الدكتور محمد أبو سليمة، لموقع "الحرة". 

"الوضع خرج عن السيطرة"، بحسب أبو سلمية "فالسعة السريرية للمجمّع تصل إلى 500 سرير، لكن يوجد الآن ما يقارب من الألف جريح ومريض، أي بمعدل الضعف، وقد امتلأت أقسام العناية المركزة بشكل كامل ". 

الوضع ليس أفضل حالا في مستشفى غزة الأوروبي، فعند وصول المصابين إليه "يقوم أطباء بفرزهم بحسب خطورة إصابتهم، ليبدأ علاج الحالات المهددة بالموت،" وعلى رأسها بحسب مديره الدكتور يوسف العقاد "إصابات الرأس فالأوعية الدموية أي النزيف، ثم البطن والحوض وأخيراً العظم" فالأولوية كما يقول "لإنقاذ حياة الجرحى".

وكذلك أكد أبو سلمية أنه "بدأت المفاضلة بين جريح وجريح حيث تعطى الأولوية للحالات الحرجة". 

في اليوم الأول للحرب وصل إلى مستشفى غزة الأوروبي "303 مصابين، منهم من تم علاجهم على الأرض، وبعضهم نزف حتى الموت قبل أن يصل دوره للدخول إلى غرفة العمليات".

لكن الآن كما يشير العقاد "نخرّج المصابين في اليوم التالي من خضوعهم لعملية جراحية كي نفسح المجال أمام جرحى آخرين لتلقي العلاج"، لافتاً إلى ارتفاع عدد قاصدي المستشفى "بعد القصف الإسرائيلي العنيف على محافظتي خان يونس ورفح، مع العلم أن أكثر من 60 في المئة من الإصابات والقتلى الذين وصلوا كانوا من النساء والأطفال". 

وشنت إسرائيل غارات على قطاع غزة وأعلنت فرض حصار عليها عقب الهجوم الأكثر دموية على المدنيين في تاريخ الدولة العبرية والذي نفذته حركة حماس يوم السبت الماضي.

وأسفر الهجوم الذي شنته حماس واستهدف مدنيين بالإضافة إلى مقرات عسكرية عن مقتل المئات واختطاف العشرات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية العامة إن عدد القتلى الإسرائيليين جراء هجوم حماس المصنفة إرهابية ارتفع إلى أكثر من 1300 شخص.

كما أسفر الرد الإسرائيلي الذي استهدف مناطق واسعة من غزة عن مقتل المئات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

وأكدت وزارة الصحة في غزة، السبت، أن 2200 فلسطينيا لقوا حتفهم في ضربات جوية إسرائيلية على القطاع المحاصر، منذ يوم السبت الماضي.

ولا يتوقف الأمر على الأعداد الكبيرة للجرحى وما يشكلونه من ضغط على الكوادر الطبية في غزة، بل يتعدى ذلك إلى نقص حاد في كافة المستلزمات الطبية والأدوية، منها أدوية التخدير.

ويقول العقاد: "هناك نقص حاد في هذه الأدوية، لكن لا يمكننا إجراء أي عملية من دونها"، في حين أكد أبو سلمية أن "أدوية التخدير بدأت تنفد وكذلك المستهلكات الطبية للعمليات، لذلك بعض العمليات نجريها من دون تخدير".

حتى خضوع المصاب إلى عملية جراحية ونجاحها لا يعني نجاته، مع توقف أجهزة التعقيم في بعض المستشفيات، بسبب ارتفاع نسبة ملوحة المياه الارتوازية التي تستخدم لذلك، نتيجة انقطاع مياه الشفة، الصالحة للشرب.

ويؤكد مدير مستشفى غزة الأوروبي أن "عدم التعقيم سيؤدي حتماً إلى إصابة المرضى بالتهابات وبالتالي الموت، لذلك نحاول قدر المستطاع الاستعانة بمستشفيات أخرى للتعقيم أو شراء المياه الصالحة وهي عملية معقدة جدا"، وهو ما أكده أبو سلمية بالقول: "هناك أزمة تعقيم كبيرة في المستشفى". 

وعن تأمين وحدات الدم للمصابين يجيب العقاد "لا نقص لدينا، تعلن المستشفيات دائماً عن حملات تبرع، عدد كبير من الأشخاص يلبّون النداء، لكن المشكلة أن مستشفى غزة الأوروبي بعيد عن مركز المدينة، من هنا قد يجد البعض صعوبة في الوصول في ظل الوضع الحالي، كما أن منهم من يخشى القدوم أثناء تعرض المنطقة للقصف". 

ويشدد أبو سلمية على أن "الوضع مأساوي، بعض المستشفيات غير الحكومية وبعض المؤسسات تقدّم لنا تبرعات، لكنها لا تغطي حتى الحد الأدنى مما نحتاجه، فقبل الحرب كنا نعاني من نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية فكيف الآن؟". 

وحذّرت وزارة الصحة في غزة من أن نقص المستلزمات الطبية والأدوية سيؤدي إلى وضع "كارثي"، لا سيما "بعد أن شددت إسرائيل حصارها على قطاع غزة"، لافتة إلى أن "ثماني مستشفيات لا تكفي للتعامل مع كل الحالات في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة، رغم إعلانها حالة الطوارئ واستدعائها كل الطواقم الطبية للعمل". 

وتعاني المستشفيات في غزة من شح المياه وقرب انقطاع التيار الكهربائي، حيث تستند حاليا على المولدات التي تحتاج إلى الوقود لتشغيلها.

ويقول العقاد: "ستفند الكميات المتبقية من المحروقات، وبالتالي ستنقطع الكهرباء وهذا سيؤدي إلى توقف آلات الغازات الطبية (بينها الأوكسجين)، ما يعني أن جميع المرضى في العناية المركزة سيموتون خلال دقيقة". 

كذلك الحال كما يقول العقاد، في أقسام حضانة الأطفال، "فعلى سبيل المثال لدينا في المستشفى قسم حضانة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الأسبوعين، وقسم عناية مركزة للأطفال الذين يتجاوزون الأربعة أسابيع من العمر، هؤلاء سيفارقون الحياة نتيجة توقف عمل أجهزة دعم الحياة".  

كما أنه لا يمكن إجراء عمليات من دون أجهزة الأوكسجين، ويقول العقاد: "نحن أمام خطر انهيار المنظومة الصحية خلال الساعات أو الأيام القليلة القادمة، إذا استمر الوضع على حاله". 

كلام العقاد يؤكده أبو سلمية بالقول "انقطاع التيار الكهربائي يعني خروج المستشفيات عن الخدمة وتحوّلها إلى مقابر جماعية، بعد الحكم على المصابين في العناية المركزة والأقسام الحرجة وأقسام غسيل الكلى والحضانات بالموت". 

ولفتت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي إلى أن "المستشفيات في غزة تتحول إلى مشارح بسبب توقف الأجهزة الطبية جراء انقطاع الكهرباء". 

وتلقت هذه المستشفيات ضربة موجعة مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الإثنين الماضي، فرض حصار كامل على القطاع، شمل الماء والكهرباء والوقود. 

وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت، الخميس، من أن النظام الصحي في غزة "بلغ نقطة الانهيار"، مؤكدة توثيق 34 هجوما على مرافق الرعاية الصحية في القطاع منذ يوم السبت الماضي، وفق ما ذكرته عبر موقعها. 

وقالت المنظمة إن "الوقت ينفد لمنع وقوع كارثة إنسانية إذا لم يتم تسليم الوقود والإمدادات الصحية والإنسانية المنقذة للحياة بشكل عاجل إلى قطاع غزة وسط الحصار الكامل".

وفي الوقت الذي تحتاج فيه مستشفيات غزة إلى كل طواقمها الطبية، يواجه أفراد هذه الطواقم صعوبة في الوصول لاسيما المقيمين منهم في أماكن بعيدة عن مراكز عملهم، حيث هناك خطورة بحسب العقاد على حياتهم من القصف.

ويوضح "منهم من لا يتمكن من الوصول ومنهم من يمكث في المستشفى ليومين أو ثلاثة أيام أو حتى لا يغادره، ما ينعكس سلباً على أدائهم، والجمعة قتل ثلاثة من أهم طواقمنا الطبية نتيجة تعرّض منازلهم للقصف". 

ومن المشاكل التي تواجهها مستشفيات قطاع غزة، لجوء آلاف السكان إليها للاحتماء من القصف، ما يشكل إرباكا وضغطا إضافيين على الأطباء والممرضين. 

ويقول العقاد: "هم يعتقدون خطأ أن المستشفيات مكان آمن رغم أن البعض منها لم يستثن من القصف، كمستشفيات الدرة وشهداء الأقصى والعودة ومستشفى العيون الدولي وغيرها من المستشفيات التي خرجت عن الخدمة بعد تعرضها للقصف إما مباشرة أو جزئيا أو في محيطها". 

وقود ينفد وأسر تكافح للنجاة.. كيف يواجه أهل غزة "ثنائية القصف والحصار"؟على مدار الأيام الماضية شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية متواصلة على قطاع غزة، ردا على هجمات حركة حماس ضد بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، بجانب فرض حصار كامل تم فيه قطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء عن القطاع المحاصر بالفعل منذ سنوات طويلة.

وذكرت الأمم المتحدة أن عشرات آلاف الفلسطينيين نزحوا، الجمعة، من مدينة غزة في اتجاه جنوب القطاع، بعد أن طلب الجيش الإسرائيلي من المدنيين المغادرة في اتجاه الجنوب "لحماية أنفسهم"، ما يرجح حصول عملية برية واسعة.

وتضمنت أوامر الإخلاء الإسرائيلية 22 مستشفى في القطاع، وهذا وضع الأطباء والعاملين في قطاع المجال الصحي أمام "خيار مؤلم"، وفق ما ذكرته منظمة الصحة العالمية.  

وطالبت المنظمة، السبت، من إسرائيل سحب أوامر الإجلاء على الفور للمستشفيات في شمال غزة، بعد أن دعا الجيش الإسرائيلي المدنيين إلى التحرك جنوبا وإخلاء المستشفيات.

ودعت المنظمة إلى حماية المنشآت الصحية والعاملين في قطاع الصحة والمرضى والمدنيين.

وقالت المنظمة إنها بصفتها وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن الصحة العامة، "تدين بشدة أوامر إسرائيل المتكررة بإخلاء 22 مستشفى تعالج أكثر من ألفي مريض في شمال غزة".

وأضاف "سيؤدي الإجلاء القسري للمرضى والعاملين الصحيين إلى تفاقم الكارثة الإنسانية وكارثة الصحة العامة الحالية".

وأوضحت المنظمة في بيان "يواجه مديرو المستشفيات والعاملون الصحيون الآن خيارا مؤلما: التخلي عن المرضى المصابين بأمراض خطيرة وسط حملة القصف، أو تعريض حياتهم للخطر أثناء بقائهم في الموقع لعلاج المرضى، أو تعريض حياة مرضاهم للخطر أثناء محاولة نقلهم إلى مرافق لا تملك القدرة على استقبالهم".

وتابعت المنظمة أنه "بأغلبية ساحقة، اختار مقدمو الرعاية البقاء والوفاء بقسمهم كمهنيين صحيين، بدلا من المخاطرة بنقل مرضاهم المصابين بأمراض خطيرة أثناء عمليات الإجلاء" مشيرة إلى أنه "لا ينبغي أبدا أن يضطر العاملون الصحيون إلى اتخاذ مثل هذه الخيارات المستحيلة".

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: یوم السبت الماضی على قطاع غزة فی القطاع منهم من فی غزة

إقرأ أيضاً:

تكليف أطباء الأسنان خارج الخدمة

خريجو 2023 ما زالوا فى الانتظار والغموض يحيط بمصير دفعتى 2024 و2025 لجنة التكليف بالوزارة خلقت الأزمة.. ونقيب أطباء الأسنان بالقاهرة: «لم يصدر قرار بعد» 
الخريجون وأولياء أمورهم يتساءلون عن المصير

 

يتصدر ملف تكليف أطباء الأسنان المشهد الإعلامى والمهنى، خاصة بعد الأخبار المتداولة عن إلغاء التكليف من العام الماضى، ويتزامن هذا مع تأخير تكليف خريجى 2023 حتى الآن، فى حين ما زال مصير خريجى 2024 و2025 مجهولاً، ومع تصاعد الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعى وبعض البرامج التليفزيونية، ارتفعت حالة الغموض بين الخريجين الذين ينتظرون بدء مسارهم المهنى وفق القانون، دون أن تصدر وزارة الصحة أو النقابة أى بيانات رسمية واضحة تؤكد أو تنفى هذه الأنباء.
ويعتبر هذا الملف من أبرز الملفات الحساسة فى القطاع الصحى، إذ يرتبط مباشرة بمستقبل الخريجين وقدرتهم على الالتحاق بالعمل داخل المستشفيات الحكومية، أو المشاركة فى منظومة التأمين الصحى الشامل التى بدأت العمل فى عدد من المحافظات، ومع انتظار الخريجين لإعلان التكليف، ارتفعت حالة القلق والتوتر بين الطلاب، الذين يجدون أنفسهم أمام مرحلة حاسمة من حياتهم المهنية بلا تحديد رسمى لمصيرهم الوظيفى، ما يضعهم أمام خيارات صعبة تشمل البحث عن تدريب خاص، العمل المؤقت فى عيادات خاصة، أو التفكير فى السفر للخارج لضمان استكمال مسارهم المهنى.
وليس الطلاب وحدهم من يتأثر بهذه الحالة بل أولياء الأمور أيضاً يشعرون بالقلق، إذ يتابعون من كثب مستقبل أبنائهم بعد سنوات طويلة من الدراسة والجهد، ويتساءلون عن تأثير التأخير أو الغموض فى التكليف على خطط حياتهم واستقرارهم المالى والاجتماعى، ويجمع أولياء الأمور على أن انتظار قرار رسمى ومحدد أصبح أمراً ملحاً، لحماية مستقبل أبنائهم وضمان انطلاقتهم المهنية بطريقة منظمة وقانونية.
من جانبهم، عبر عدد من خريجى دفعة 2023 عن استيائهم من الغموض الذى يحيط بملف التكليف. وتقول مريم: كنا متوقعين أن يبدأ التكليف بعد الامتياز مباشرة، لكن كل ما نسمعه الآن مجرد شائعات مش عارفين نخطط لمستقبلنا، بعض زملائى بدأوا يفكرون فى السفر للخارج أو البحث عن تدريب خاص.

ويضيف زميلها أحمد: ده إحنا تعبنا 5 سنين دراسة وجهد، وفجأة نسمع الكلام ده.
وتقول والدة أحد الخريجين: ابنى خلص دراسته وعارف إن بعد الامتياز فيه تكليف، وفجأة يسمع أخبار عن إلغاء التكليف، ده مضايقنا جداً. كل خطط حياتنا اتأثرت، ومش عارفين نعمل إيه.

ويضيف والد خريج آخر: الخريجون ينتظرون تكليفهم علشان يبدأوا حياتهم العملية، وإلغاء أو تأجيل التكليف هيدخلهم فى حالة بطالة، وممكن يضطروا للسفر للخارج ده مش حل منطقى.

 قانون لا يمكن إلغاؤه

أكد د. وليد حسن، نقيب أطباء الأسنان بالقاهرة، فى تصريحات خاصة لـ«الوفد»، أن ما يتم تداوله عبر بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل حول إلغاء تكليف دفعات طب الأسنان هو «معلومة غير صحيحة تماماً»، موضحاً أن التكليف قانون، ولا يمكن إلغاؤه إلا من خلال مجلس النواب وبإصدار قانون جديد واضح ومعلن رسمياً.
وقال:لا يوجد أى قرار رسمى من وزارة الصحة أو المتحدث الرسمى يفيد بإلغاء التكليف. ولم يصدر بيان واحد بهذا المعنى، ولم تخرج ورقة واحدة موقعة تشير إلى ذلك. فكيف يقال إنه تم إلغاء التكليف؟
وشدد نقيب أطباء الأسنان على أن تداول مثل هذه الشائعات يثير الغضب بين الخريجين، وقد يدفعهم للانفعال دون وجود مستند واحد يؤكد صحتها، متابعاً: «احنا ناس بنشتغل بالقانون.. والقانون لا يلغى إلا بقانون، وليس بتصريحات فى برامج أو كلام يقال على السوشيال ميديا».
وأوضح د. وليد حسن أن الحديث عن إلغاء التكليف لطب الأسنان وحده هو أمر غير منطقى، قائلاً: «هل يعقل إلغاء تكليف أطباء الأسنان وترك تكليف العلاج الطبيعى والصيادلة والأطباء البشريين كما هو؟ التكليف منظومة كاملة وليس قراراً انتقائياً».
وأشار إلى أنه بحكم عمله السابق كرئيس للإدارة المركزية لقطاع الأسنان، فهو على دراية كاملة بخطوات حركة التكليف وآليات إصدارها، مؤكداً أن أى تأخير أو لغط لا يعنى الإلغاء، بل قد يكون مرتبطاً بإجراءات داخلية أو مراجعات.
وأضاف: نحن لن نتخلى عن حق أبنائنا، لكن فى الوقت نفسه أدعوهم ألا يظلوا فى حالة انتظار دون تطوير أنفسهم. وعلى الخريج أن يبحث عن بدائل مؤقتة، يشتغل فى عيادة أو يتدرب، لكن هذا لا يعنى إطلاقاً أن التكليف انتهى أو ألغى.

وعلق نقيب أطباء الأسنان بالقاهرةعلى ما يقال فى بعض البرامج التليفزيونية قائلاً: فيه قنوات كتير بتتكلم، بس الكلام لازم يكون من خلال الورق. الإعلام المهنى لا يعتمد على الشائعات. وبعض القنوات للأسف بتاخد مداخلات وحديث بدون تأكد، وفيه منصات بتستغل غضب الناس.
وختم تصريحه قائلاً: أبواب النقابة مفتوحة لأى خريج عنده استفسار أو يريد التحقق من معلومة نحن نمثل الدولة ونحافظ على حقوق أبنائنا، لكن لا نصدر بيانات غير دقيقة. أول ما يصدر أى قرار رسمى، سنعلنه فوراً.
دعوى قضائية 
وكان أطباء الأسنان من خرجى عام 2023 قد أقاموا دعوى قضائية ضد وزير الصحة لامتناعه عن إصدار قرار تكليفهم، بعدما أعلنت اللجنة العليا للتكليف بوزارة الصحة توصياتها بان التكليف سيكون على حسب الاحتياج الفعلى، وتدخلت النقابة العامة لأطباء مصر، وانضمت للدعاوى القضائية المقامة من الأطباء ضد وزارة الصحة للدفاع عن حقوق أعضائها فى التكليف أسوة بمن سبقوهم من الأطباء خلال السنوات الماضية.
وقال عمرو عبدالسلام المحامى والممثل القانونى لأطباء الأسنان 2023 فى عريضة الدعوى أن خريجى دفعة عام 2023 والبالغ عددهم ما يقرب من 12 ألف طبيب تم حرمانهم من التكليف للعمل بوزارة الصحة استناداً للتوصيات الصادرة من اللجنة العليا للتكليف بالوزارة من أن تكليف جميع الفئات المخاطبة بالقانون رقم 29 لسنة 1974 فى شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الاسنان وهيئات التمريض والفنيين الصحيين والفئات الفنية المساعدة سيكون طبقاً للاحتياجات الواردة من الجهات المذكورة بالقانون اعتباراً من حركة تكليف عام 2025 وذلك بالمخالفة لأحكام القانون والقرارات الوزارية.
وأضاف المحامى فى عريضته أن عدم صدور قرار بتكليف أطباء الأسنان 2023 سيكون له تداعيات من أهمها زيادة معدل البطالة بين خريجى كليات طب الأسنان ما سيؤدى للإضرار بمصلحتهم القانونية، فضلاً عن أن قانون التكليف رقم 29 لسنة 1974 فى شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الاسنان وهيئات التمريض والفنيين الصحيين والفئات الفنية المساعدة لم ينص على أن يكون التكليف حسب الاحتياج.
   مستقبل مهنة

من ناحية أخرى قال الدكتور أشرف رضوان، طبيب الأسنان والمدير السابق لمركز رعاية طفل العباسية، إن قرار إلغاء التكليف لدفعات خريجى طب الأسنان يرتبط بشكل مباشر بمستقبل المهنة، وجودة الأطباء الجدد، وعدالة توزيع الفرص.
وأوضح أن القضية لا يمكن اختزالها فى قرار إدارى فقط، بل يجب النظر إليها من زاوية المنظومة ككل، وما إذا كانت تحقق الإنصاف ولا تؤثر على الخريجين الذين التحقوا أساساً بالكلية بفرض أن «التكليف» خطوة لازمة بعد التخرج.
وتساءل الدكتور أشرف رضوان: هل يحقق النظام الجديد العدالة دون الإضرار بمستقبل الخريجين؟ وهل يعتبر إلغاء التكليف تخلياً من الدولة عن مسئوليتها فى تدريب وتأهيل أطباء الأسنان؟
ويقول: «لا يمكن إغفال آثار القرار على جودة الطبيب على المدى المتوسط والطويل، فالتدريب الإلزامى كان جزءاً من بناء مهارة الطبيب، وغيابه قد يدفع الخريج لتحمل تكلفة التدريب والعيادات بنفسه، وهذا ينعكس اقتصادياً على الخدمة وعلى المرضى».
وأضاف: أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل لها جذور واضحة وهى التضخم الكبير فى أعداد كليات طب الأسنان، سواء الحكومية أو الخاصة، إذ شهدت مصر خلال السنوات الماضية طفرة غير طبيعية فى عدد الكليات، ما أدى إلى تخريج أعداد تفوق قدرة الدولة على استيعابها. ويقول: «كنت أدير مركزاً من مراكز الأسنان، وكان يصلنى شهرياً ما لا يقل عن 25 طبيب امتياز للتدريب، وغالبيتهم من الجامعات الخاصة، وهذا التضخم كان مؤشراً واضحاً أن الأزمة قادمة».
وتابع قائلاً: أن غياب التنسيق بين وزارة الصحة ونقابة الأسنان ومجلس النواب أسهم فى تفاقم الصورة، موضحاً: «لو كان هناك تنسيق حقيقى بين الجهات الثلاث ما وصلنا إلى هذه المرحلة. فالمجلس الأعلى للجامعات مسئول بشكل كامل عن أعداد المقبولين وفتح الكليات، والضوابط لم تكن كافية لاستيعاب الزيادة غير الطبيعية».
وأكد رضوان أن قرار الإلغاء يحمل جانباً من الصواب والخطأ فى الوقت ذاته: ويتمثل الصواب فى أن ميزانية الدولة لا تستوعب الأعداد المتزايدة، ولا يمكن تحميل المنظومة الطبية فوق طاقتها. أما الخطأ فيتمثل فى تطبيقه بأثر رجعى على خريجين التحقوا بالكليات بناءً على نظام واضح، وبالتالى «لا ذنب لهم فى الأزمة الحالية»، وكان من المفترض تطبيق القرار على الدفعات القادمة فقط.
ويرى الدكتور أشرف رضوان أن الحل الأمثل كان يمكن أن يكون هدنة مرحلية تمتد لخمس سنوات، يتم خلالها تخفيض الأعداد ومعالجة جذور الأزمة تدريجياً، بدلاً من التطبيق المفاجئ الذى وضع الخريجين أمام واقع جديد لم يستعدوا له. قائلا: «الناس دى ما لهاش ذنب. الخريج كان عامل حسابه إن التكليف جزء من مسار طبيعى. إلغاء التكليف فجأة يخلق بطالة مهنية، وقد يدفع الكثيرين للهجرة بحثاً عن تدريب أو مستقبل وظيفى أفضل».
ووصف رضوان أداء نقابة أطباء الأسنان بأنه سلبى للغاية، مؤكداً أنه لم يصدر عنها أى تحرك تفاوضى مؤثر: قائلاً: «النقابة ما عملتش حاجة. حتى تصريح واحد واضح ما شفناهوش. لو مش قادرين يحلوا أزمة بسيطة زى أزمة بنك، هيحلوا أزمة تكليف؟».
وأشار الدكتور أشرف إلى مفارقة كبرى وهى أن الدولة تعانى بالفعل من عجز فى عدد الأطباء، ورغم ذلك تم إلغاء التكليف. وأوضح أن سوء التوزيع أحد أسباب هذا التناقض: مستطرداً: «أماكن كتير بيتوزع فيها 8 أو 9 دكاترة مع بعض، وكل واحد بيجى يوم بس، ومفيش سكن أو إقامة، فالموضوع مش منظم. الطبيب اللى من القاهرة مثلاً يتكلف مصاريف مضاعفة لو بعد عن محل سكنه».
وعن تجربته الشخصية فى الإدارة، أوضح أنه فكر «خارج الصندوق» للوصول لنموذج ناجح فى توفير خدمات طبية دون تحميل الدولة أعباء مالية، قائلاً: «أنا قدرت أوفر أربع وحدات أسنان كاملة بتبرعات، وده ما حصلش فى تاريخ وزارة الصحة. بعدها زودت الخدمات بعيادات علاج طبيعى، ووحدات تركيبات ثابتة ومتحركة، وكانت غير موجودة بالأساس فى المركز». وأضاف: «السر كان فى إشراك المجتمع المدنى، رجال الأعمال، البنوك، والأحزاب. لما شرحت لهم أننى مش قادر أوفر خدمات كافية بسبب الميزانية، الناس تفهمت وساعدتنى». ويرى أن هذا الأسلوب يمكن أن يكون بديلاً عادلاً للتكليف إذا جرى تعميمه وتنظيمه، فمشاركة المجتمع المدنى هى الحل الأمثل للخروج من الأزمة. وعلى الأقل توفر تدريباً حقيقياً دون تحميل الدولة ما لا تطيقه. 
واختتم الدكتور أشرف رضوان حديثه قائلاً: إن إصلاح الوضع الحالى يتطلب تدخلاً تشريعياً وتنظيمياً يحدد أعداد القبول بكليات طب الأسنان، ويعيد توزيع الأطباء بشكل عادل، ويضمن تدريباً إلزامياً، مؤكداً أن ترك الأمور بلا بديل واضح سيقود إلى سيناريوهات صعبة تشمل البطالة المهنية، انخفاض مستوى الكفاءة، وموجة هجرة جديدة بين شباب الأطباء.

 

مقالات مشابهة

  • الصحة تنظم لقاءً تشاوريًا مع المستشفيات والمراكز الطبية التشخيصية
  • الإغاثة الطبية بغزة: القطاع يحتاج لانفراجة حقيقية في الإعمار
  • الوضع تحت السيطرة.. وزير الصحة يوجه رسالة للمواطنين بعد ارتفاع نسبة الإصابة بالإنفلونزا 30%
  • الإغاثة الطبية في غزة تحذر: الأزمة الإنسانية تتفاقم
  • الإغاثة الطبية بغزة: الوضع الإنساني في القطاع صعب للغاية بسبب السيول
  • الصحة العالمية: وفاة 1092 مريضا بغزة نتيجة تأخر الإجلاء الطبي
  • الصحة العالمية: نقص الإمدادات الطبية وخدمات الرعاية الصحية في غزة مستمرة
  • تكليف أطباء الأسنان خارج الخدمة
  • في السرايا... إطلاق خطة تجهيز المستشفيات الحكومية
  • تلوث الهواء يدفع بـ170 ألف إيراني إلى المستشفيات خلال أسبوع.. تعرف إلى الأسباب