جريدة الوطن:
2025-11-03@18:58:31 GMT

قصة قصيرة : ذاكرة من الخذلان

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

قصة قصيرة : ذاكرة من الخذلان

حين فتحت النافذة ونظرت إلى شجرة الشريش القابعة عند زاوية الجدار الشمالي لبيتهم، لمحت الجفاف الذي بدأ يغزوها بعد أن تساقطت معظم أوراقها، وظلت عارية إلا من بضع وريقات صفراء باهتة، وجدت نفسها تتماهى مع الشجرة الجافة، تبدو روحها أيضًا تعيش حالة من الذبول والانكسار، تشعر بضيق غريب يملأ جوانبها، رغم أنها راكمت على حياتها سنوات عدة من الصبر والتناسي، غير أنها اختارت اليوم لتظهر وتذكرها بكل التفاصيل التي قبعت في ذاكرتها لعدة سنوات عجاف من الألم والوجع.


تقف اليوم على مشارف الأربعين، يبدو الرقم مخيفًا وثقيلا، يشعرها بضآلتها ويذكرها بالسنون التي رحلت بلا عودة، ما زالت تحتفظ بتلك الأوراق التي رسمت عليها التشكيل العائلي الذي طالما تمنته، عائلة مكونة من أب وأم ومجموعة من الفتيات الصغيرات والصبيان يحيطون بهم، أرادت أن يشاركها قيس تفاصيل حياتها، أحبته بكل جوارحها، كانت تراه فارسها القادم لينتشلها من قاع بيتها الممزوج بكم كبير من الصراعات والصدامات التي لا تنتهي.
طوال خمس سنوات، كانت تنتظر خاتمه الذي سيزين بنصرها الأيسر، والعقد الذي سيعقد حياتهما بالسعادة، كل تفاصيل الخمس سنوات أصبحت باهتة في ذاكرتها فرحها سعادتها أحلامها، ولم يبق منها عميقًا راسخًا غير ذكرى الخطوبة التي لم تكتمل، والدموع التي تصاعدت من قلبها المكلوم لعينيها والذي استمر لمدة لا تتذكرها.
نظرت إلى أوراق الشريشة الصفراء التي بدأت تتساقط كما تساقطت لبنات قلبها في ذلك اليوم، ما زالت تذكر يوم زواجه، شعرت بغصة اتسعت بلا توقف، وحرارة تصاعدت من جوفها، أحست ببوادر حمى تجوس داخلها، في تلك الليلة لم تنم، غزتها مجموعة من الأفكار والصور، وبلل الدمع جوانب وسادتها.
برحيل شقيقاتها من بيت الأسرة كان قلبها يفقد دفقات من الأمن والفرح، وتنتابها حالة من الجمود تحاول مقاومتها بالانغماس في تأدية مجموعة من الأعمال المنزلية الروتينية.
الشرخ الكبير دفعها لمعايشة الحياة بروتين واحد لا تحيد عنه، لم تعد تفكر بتشكيل أسرة ولا بملامح فرحها الذي خططت له في سنواتها المنصرمة، واهتمت بكل تفصيل من تفاصيله، لم تعد تغريها الأفراح التي تقام، ولا الحفلات التي تعقد في نطاق الأسرة، بل لعلها أصبحت تميل لتقديم التعزية وتحاول جاهدة عدم تفويت أداء واجب عزاء من قريب أو من بعيد.
تذكرها هذه الشريشة بعمر السنوات التي تقع بين انتظارها ليوم خطوبتها ويومها هذا، ما زالت تفاصيل زراعتها ماثلة أمامها، تذكرها كأنها أمامها نبتة صغيرة بين يديها، وضعتها بكل حنان في الحفرة الصغيرة التي نبشتها، أغدقت عليها الكثير من الحب والحنان، لم تهملها إلا في يوم زواجه حين غزتها الحمى لأسبوع كامل.
بكت على حالها وحال الشريشة التي بدأ الاصفرار يعتريها، شعرت بالقرب منها، وأن هذا الاصفرار يعكس مشاركة وجدانية لحزنها الداخلي المستعر، تذكرت بأنها جمعت كل تلك الأوراق التي قضمت أجزاء كبيرة من عمرها وحياتها وحرقتها ذات يوم، توقعت بأن استعارها سيقلل من حجم النار المشتعلة بداخلها، غير أن تلك النار بشكل أو بآخر اتحدت مع نار صدرها، وأنتجت حممًا حارقة، كسرت قلبها وأسالت دموع عينيها بلا توقف.
ما زالت تذكر خطواتهم الصغيرة منذ الطفولة، البيت الذي ضم مراحل حياتهم: طفولتهم، مراهقتهم، وأحلامهم، تحفظ الشوارع التي ركضوا فيها، والأوراق التي رسموا عليها، تحفظ خط قيس عن ظهر غيب، كان يجمع لها حبات البيذام من مزرعة العم مصبح، لم يكن يخاف من عاملهم البنجالي الذي يهدده، كان يشعر بالغبطة وهو يرى حبات البيذام القانية بين يديها.
استطالت قامتهما معًا، وكبرا معًا تحت سقف بيت عائلي واحد، كانت تتمنى أن تتحول تلك الذكريات لقصص تُروى لأطفالهم في الليالي الشتوية الطويلة، فتمتد ضحكاتهم لتصل إلى كل زوايا البيت.
ما زالت تذكر الثياب التي ارتدتها في يوم الخطبة، كانت الفرحة الفضفاضة تحلق بها نحو سماوات عالية، عجزت عن النوم في تلك الليلة، كانت تنتظر الصباح بفارغ الصبر، تتحرك بخفة وخفقات قلبها تتسارع كلما اقترب المساء، كانت تعد الدقائق والثواني وتنتظر البشارة الكبيرة، غير أن تغير وجه والدها، والدموع في عين أختها، بدلا فرحتها إلى حالة من الاضطراب كسرت قلبها حين سمعت عبارات مشوشة عن خطبة لم تكتمل.
الضوضاء التي سكنت روحها أوجعتها، وسرى في داخلها دبيب حاد مؤلم، دفعها لحالة من الصمت انتهت بانفجار كبير خرج على هيئة دموع غزيرة لم تتوقف، وما زالت تزورها بين الفينة الأخرى.
تشابهت تفاصيل أيامها اللاحقة لم يزد وجعها ولم تقل حدته، غير أن زواج قيس حطم ما تبقى من شظايا روحها، وأصابها بحالة من الوهن جعلها تعيش أيامها بلا أمل.
نظرت إلى شجرة الشريش مرة أخرى، لاحظت جماعات كثيرة من النمل تخرج وتدخل من تشققات حادة وعميقة في جذعها، كما أصبحت الكثير من أغصانها خالية من الأوراق والحياة، رغم كميات الماء الكثيرة التي تدلقها عليها يومًيا، إلا أن التيبس والجفاف طال بقية الأغصان، شعرت بالحزن من أجلها، أحست بوجعها الذي ردمته تحت ظلها لسنوات طويلة ينهض كمارد ضخم مخيف يذكرها بالسنوات التي رحلت من حياتها، بقيس الذي نسي وعده ورحل ليشكل تكوينًا أسريًا جديدًا بعيدًا عن كل أحلامهم المشتركة، سنواتها العجاف التي تهرول بسرعة، شجرتها التي ترحل بهدوء، أحست بحرارة تسري في داخلها، سقطت دمعة كبيرة لم تحس بطعمها، تحركت نحو غرفتها، وكانت خطواتها ثقيلة غير منتظمة.

أمل المغيزوية
كاتبة عمانية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ما زالت غیر أن

إقرأ أيضاً:

جمعية البيت المصري في بولندا عن المتحف المصري الكبير: مصر ما زالت تصنع التاريخ وتبهر العالم

أكدت جمعية البيت المصري في بولندا فخرها واعتزازها بالإنجاز الحضاري الكبير الذي تستعد له مصر بافتتاح المتحف المصري الكبير يوم غدٍ الأول من نوفمبر 2025، معتبرةً هذا الحدث صفحة جديدة تُضاف إلى سجل أمجاد الحضارة المصرية التي لا تزال تبهر العالم بأصالتها وعراقتها.

وقالت الجمعية في بيان لها بهذه المناسبة: "منذ أربع سنوات، شهد العالم موكب المومياوات الملكية الذي أعاد للأذهان عظمة التاريخ المصري وروعة تنظيمه المهيب، واليوم تواصل مصر كتابة فصل جديد من حضارتها بافتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يعد من أكبر المتاحف الأثرية في العالم ومركزاً عالمياً للبحث والمعرفة في علم المصريات".

وأضاف البيان: "نشارك بكل فخر واعتزاز أبناء الوطن في الداخل والخارج فرحتهم بهذا الصرح الثقافي العظيم، الذي يجسد رؤية القيادة السياسية الحكيمة في صون التراث الإنساني وتعزيز مكانة مصر على خريطة الحضارة العالمية".

واختتمت جمعية البيت المصري في بولندا بيانها بتوجيه خالص التهاني إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري العظيم بهذه المناسبة التاريخية، مؤكدة أن مصر ستظل منارةً للحضارة ومصدر إلهام للعالم أجمع.

مصر على موعد مع التاريخ في افتتاح المتحف المصري الكبير:بدأت مصر تخطط لإنشاء أكبر متحف للآثار في العالم منذ أكثر من عشرين عامًا ويجمع بين عبق الماضي وروح الحاضر.وضع حجر الأساس للمتحف المصري الكبير عند سفح أهرامات الجيزة، في موقع فريد يجمع بين أعظم رموز التاريخ الإنساني في عام 2002مر المشروع بعدة مراحل من البناء والتصميم، شارك فيها مئات الخبراء والمهندسين من مصر والعالم، حتى تحول الحلم إلى حقيقة ملموسة على أرض الجيزة.واجه المشروع تحديات كثيرة، لكن الإرادة المصرية لم تتراجع لحظة واحدة وفي كل عام، كانت تقترب الخطوة أكثر من الافتتاح الكبير.يقف المتحف المصري الكبير جاهزًا ليستقبل زواره من كل أنحاء العالم، واجهة زجاجية ضخمة تطل على الأهرامات، وقاعات عرض مجهزة بأحدث تقنيات الإضاءة والحفظ والعرض المتحفي.أكثر من خمسين ألف قطعة أثرية تعرض داخل هذا الصرح، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون لأول مرة في التاريخ، داخل قاعة مصممة لتأخذ الزائر في رحلة إلى قلب مصر القديمة.من أهم مقتنيات توت عنخ آمون التي ستعرض في المتحف ( التابوت الذهبي- قناع الملك- كرسي العرش- والخنجر).يضم المتحف تمثال الملك رمسيس الثاني الذي استقر في موقعه المهيب داخل البهو العظيم.في الأول من نوفمبر، تفتتح مصر أبواب المتحف المصري الكبير للعالم أجمع، افتتاح يعد صفحة جديدة في تاريخ الحضارة، واحتفاء بجهود أجيال عملت على صون تراث لا مثيل له.المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى بل رسالة من مصر إلى العالم، بأن الحضارة التي بدأت هنا لا تزال تنبض بالحياة. 

مقالات مشابهة

  • بيت آل غبّان.. ذاكرة مدينة القصير التي قاومت الملح والسنين | عمره أربعة قرون ونصف
  • خبير : الحرب على غزة قلبت معادلات جيش العدو التي اعتاد عليها في حروبه السابقة
  • المومني: المرأة العربية كانت وما زالت حاضرة في قلب المشهد الإعلامي
  • عمره 20 عامًا فقط.. ما قصة الشاب الذي أسّس دولة ونصب نفسه رئيسًا عليها؟
  • ليلى علوي تبكي فخرًا في افتتاح المتحف الكبير: مصر ما زالت تعلم الإنسانية
  • المحضار يناقش سير تنفيذ المشاريع التي يشرف عليها مشروع الأشغال
  • طواقم الدفاع المدني تنتشل رفات 3 شهداء في حي الأمل بخانيونس
  • جمعية البيت المصري في بولندا عن المتحف المصري الكبير: مصر ما زالت تصنع التاريخ وتبهر العالم
  • جماهير الترجي التونسي تتضامن مع الفاشر.. السودان يا أمة الخذلان (شاهد)
  • شاهد بالصورة والفيديو.. جمهور الترجي التونسي يعلن تضامنه مع السودان بإطلاق “الشماريخ” ورفع “اللافتات” والهتافات من المدرجات: (السودان يا أمة  الخذلان)