مبدأ الصدمة من منظور اقتصادي !!
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
إن التعبير الأدق الذي يصف نظاماً ما يُسقط الحدود بين الحكومات الكبرى والأعمال الكبرى ليس الليبرالية أو الرأسمالية، بل المؤسساتية. ومن المميزات الرئيسة التي تتصف بها المؤسساتية التحويلات الضخمة للثروات من القطاع العام إلى يد القطاع الخاص. وهي عملية تترافق غالباً مع ازدياد هائل للدين واتساع كبير ومتزايد للهوّة بين أصحاب الثراء الفاحش وضحايا الفقر المدقع.
كان ميلتون فريدمان المرشد الكبير لحركة الرأسمالية غير المقيدة والرجل الذي يعود إليه الفضل في وضع نظام الاقتصاد العالمي المعاصر السريع العجلة.
وقد تمثل مفهوم فريدمان للإصلاح الجذري في وجوب استغناء الحكومة عن انفاق جزء من بلايين الدولارات المخصصة لإعادة الإعمار على ترميم أنظمة التعليم الرسمي القائمة وتحسينها والاستعاضة عنه بتقديم قسائم نقدية كافلة للمواطنين، يقومون بإنفاقها في مدارس خاصة تمولها الدولة وتتوخى إدارة العديد منها الربح.
وقد كتب فريدمان في هذا السياق: من الحيوي أن يكون هذا التغيير إصلاحاً دائماً وليس مجرد سد مؤقت للهوة.
وهكذا عمل فريدمان وأتباعه على مدى أكثر من ثلاثة عقود على تعزيز تلك الاستراتيجية عن طريق انتظار وقوع أزمة كبيرة يُعمد في أعقابها إلى بيع أجزاء صغيرة من الولاية (نيو أورلينز) للاعبين من القطاع الخاص، بينما يكون المواطنون لا يزالون في حالة من الذهول إزاء الصدمة ويُسارع بعدها إلى جعل تلك الإصلاحات دائمة.
وقد أفصح فريدمان في إحدى كتاباته بلاغة عن جوهر الخطة التكتيكية الشافية والمريبة للرأسمالية المعاصرة، وهو ما يمكن أن يطلق عليه مبدأ الصدمة.
وقد قال فريدمان في هذا الإطار: وحدها الأزمة، سواء أكانت الواقعة أم المنظورة، هي التي تُحدث التغيير الحقيقي. فعند حدوث الأزمة تكون الإجراءات المتخذة منوطة بالأفكار السائدة.
ولذا , قام فريدمان وأتباعه على مدى ثلاثة عقود باستغلال منهجي للحظات الصدمة في بلدان عدة من أبرزها: أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث برزت فرصة أمام الأيديولوجيا والتي نشأت في الجامعات الأمريكية وتعززت في مؤسسات واشنطن، لأن تعود إلى موطنها.
واغتنمت إدارة بوش على نحو فوري، الهلع الذي زرعه الهجوم في النفوس، ليس فقط لشن حرب على الإرهاب، بل لضمان أن تكون هذه الحرب مغامرة هدفها تحقيق أرباح شبه كاملة وصناعة حديثة الولادة تبث الحياة من جديد في الاقتصاد الأمريكي المضطرب.
وقد برز اقتصاد جديد واضح المعالم في خضم تجارة الأسلحة وجنود القطاع الخاص وإعادة الإعمار الهادفة إلى تحقيق الأرباح وصناعة الأمن القومي الأمريكي كنتيجة لنمط معالجة الصدمة الذي انتهجته إدارة بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر.
صُمِّم هذا الاقتصاد الجديد في عهد بوش لكنه بات اليوم موجوداً بمعزل عن إدارة أي رئيس قد يأتي وهو سيبقى راسخاً إلى حين تُرصد الأيديولوجيا السيادية التي تدعمه وتُعزل وتُقاوم.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email protected]
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
انطلاق أعمال النسخة الخامسة من مؤتمر ومعرض إعادة التدوير والاستدامة 2025
انطلقت اليوم فعاليات النسخة الخامسة من مؤتمر ومعرض إعادة التدوير والاستدامة، الذي تنظمه وزارة البلدية تحت شعار "نحو ثروة مستدامة"، ويستمر على مدى يومين، بحضور عدد من أصحاب السعادة الوزراء، ومشاركة واسعة من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وشركات القطاع الخاص، والمصانع المحلية والعديد من الجهات والشركات العالمية، إضافة إلى نخبة من الخبراء.
وأكد سعادة السيد عبدالله بن حمد بن عبدالله العطية وزير البلدية، أن المؤتمر يمثل منصة وطنية ودولية رائدة لتبادل التجارب والخبرات، ويجسد التزام الوزارة بترجمة رؤية قطر الوطنية 2030 إلى مشاريع واقعية تعزز الاقتصاد الدائري، وتدعم جودة الحياة من خلال منظومة متكاملة لإدارة النفايات.
وأشار سعادته في الكلمة التي افتتح بها مؤتمر ومعرض إعادة التدوير والاستدامة، إلى أبرز إنجازات الوزارة خلال العام 2024، من بينها تحويل أكثر من 835 ألف طن من النفايات بمحطات الترحيل، نتج عنها أكثر من 40 ألف ميغاواط/ساعة من الطاقة، و27 ألف طن من السماد العضوي، و277 ألف طن من المواد القابلة لإعادة التدوير، إلى جانب تخصيص 51 قطعة أرض نوعية بمنطقة العفجة، وطرح 30 فرصة استثمارية، وتزويد القطاع الخاص بأكثر من 28 ألف طن من المواد المفروزة مجانا دعما للاقتصاد الدائري.
كما لفت إلى إطلاق مبادرات نوعية ضمن برنامج "صفر نفايات"، شملت إنشاء مطمر هندسي حديث، وتأهيل المطامر القديمة، وتشغيل محطة فرز متطورة في الخور، إضافة إلى مشاريع التحول الرقمي التي طورت نظام القيادة الموحد وتتبع المركبات وإصدار تصاريح التخلص من النفايات إلكترونيا بشكل فوري.
ونوه سعادة السيد عبدالله بن حمد بن عبدالله العطية، إلى أن شعار المؤتمر "نحو ثروة مستدامة" يعكس قناعة راسخة بأن النفايات تمثل فرصة اقتصادية واعدة ومصدرا مهما للتنمية المستدامة، مبينا أن ما سيتم طرحه من رؤى وتجارب وشراكات سيسهم في تعزيز ثقافة الاستدامة وتقديم حلول عملية قابلة للتطبيق.
وتتضمن النسخة الحالية، 11 جلسة حوارية و35 متحدثا دوليا، مع التركيز على أحدث الحلول المبتكرة في معالجة النفايات، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى بحث دور التعليم وصناع المحتوى في نشر ثقافة الاستدامة.
ويصاحب المؤتمر معرض متخصص بمشاركة أكثر من 40 جهة عارضة، من بينها وزارة البلدية وشركات القطاع الخاص، يستعرض أحدث التقنيات والمبادرات في مجال إعادة التدوير.
ويأتي هذا الحدث السنوي في إطار جهود وزارة البلدية لتحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، من خلال تعزيز ممارسات الاستدامة وتوسيع نطاق الاقتصاد الدائري، وبما يسهم في بناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.