عربي21:
2025-05-16@18:54:42 GMT

ونائب البرهان أيضا قد لا يعود

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

تناولت في مقالي هنا ليوم 30 أيلول/ سبتمبر الماضي، أمر خروج عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني من الخرطوم، بعد اختفاء عن الأنظار طوال أكثر من أربعة أشهر، ظل فيها هو وكبار قادة الجيش، محاصرين داخل مباني القيادة العامة للجيش، من قِبل قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي تخوض حربا ضد الجيش السوداني، دخلت الآن شهرها السابع، وحاول الإعلام الموالي للبرهان تصوير ذلك الخروج، وكأنه خروج من مكة حيث صناديد قريش يضيقون عليه، الى رحاب يثرِبِه (ميناء بورتسودان) حيث سيأتيه نصر الله والفتح.



قلت في ذلك المقال إن البرهان خرج من أرض المعركة الرئيس (الخرطوم) وقد لا يعود إليها، لأن حصار الدعم السريع على مواقع الجيش كلها في العاصمة، ما عدا قاعدة وادي سيدنا الجوية ما زال على أشُدِّه، وإن البرهان سيكتفي بالهيلمان والطيلسان الذي ينعم به في العواصم التي يزورها كرئيس دولة "افتراضية" على أحسن الفروض، فقد كان السودان الذي سطا البرهان على السلطة فيه، بعد أن أطاحت ثورة شعبية بحكم الجناح السياسي للحركة الإسلامية في نيسان/ ابريل من عام 2019، بزعم الانحياز للثورة، بلدا مهلهلا أوصاله مخلخلة، وبعض أطرافه خاضعة لجماعات متمردة، والبعض الآخر يعاني من بؤس الخدمات العامة وانعدام الأمن.

ثم بدأت الحرب بين الجيش والدعم السريع، ودخل السودان مرحلة الفوضى الشاملة، خاصة في منطقة العاصمة، حيث انسحبت قوات الشرطة من مسارح عملها مؤثرة السلامة، وحيث توقفت الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء، وحيث تعرضت معظم أحياء مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم وبحري وام درمان) للنهب من قبل عصابات مسلحة من بينها عناصر من الدعم السريع، فاكتملت حلقات الفشل، فما هو متعارف عليه، هو أن الدولة تصبح فاشلة إذا فقدت السلطة الحاكمة فيها القدرة على السيطرة الفعلية على أراضيها، وفقدت احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. مقرونا بفقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. ثم عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. وعن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو في الأسرة الدولية.

الآن فالبرهان خارج فعليا المعركة، وها هو نائبه على قيادة الجيش يخرج من مقر القيادة، أي أن كلا الرجلين باتا بعيدين عن مركز إدارة المعارك، ولم يبق أمامها سوى التواصل مع هيئة القيادة إلا عبر تطبيق واتساب، والمكالمات الهاتفية، في بلد تنهار فيه شبكات الاتصالات عدة مرات يوميا تحت ضغوط المكالمات، ولأن العديد من أبراجها الناقلة للمكالمات تعرضت للدمار.وقبل يومين اشتعلت الأسافير بالتصفيق والتهليل، لأن شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش السوداني (الذي هو البرهان)، وعضو مجلس السيادة، تمكن بدوره من الخروج من القمقم الذي ظل محبوسا فيه بأمر قوات الدعم السريع، وسار الرجل بين نفر من الضباط وصف الضباط رافعا علامات النصر بإصبعين، وكأنما هو يقول إن نجاحه في التسلل من حيث كان محاصرا لأكثر من ستة أشهر، هو في حد ذاته انتصار جدير بالاحتفاء.

منذ خروجه من الخرطوم، زار البرهان قطر ومصر وأريتريا وجنوب السودان وتركيا، ثم وقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث خاطب قاعة خاوية إلا من موظفي المراسيم ومرافقيه، وبعدها اتخذ من ميناء بورتسودان البعيد عن ارض المعارك ملاذا آمنا، ولكنه وكما عجز منذ انقلابه على الشق المدني في الحكم في تشرين اول/ أكتوبر من عام 2021، عن تشكيل حكومة، وجد نفسه أيضا "رئيسا" لحكومة لا وجود لها على الأرض أو حتى على الورق، ومنذ أسابيع سكت البرهان عن الكلام المباح وغير المباح عن الحرب، وربما تلقى النصح بالكف عن قبول الاستضافات في قنوات التلفزة للحديث عبر الهواتف، كما يفعل مراقبو المشاهد والمحللون السياسيون.

التهليل لخروج كباشي نائب قائد الجيش السوداني من حالة الحصار التي كان خاضعا لها لستة أشهر، تذكر السودانيين بما حدث للرئيس المخلوع عمر البشير عندما زار جنوب افريقيا في عام 2015، للمشاركة في اجتماع لقادة أفارقة، وكان وقتها مطلوبا للمثول امام محكمة الجنايات الدولية متهما بارتكاب جرائم حرب وإبادة للبشر، فكان ان تحركت السلطات العدلية في الدولة المضيفة لاعتقاله، ولكن جهاز الأمن الجنوب أفريقي تمكن من تهريبه الى مطار صغير في أطراف مدينة جوهانسبيرغ، حيث غادر الى الخرطوم حيث نظم له انصار الحزب الحاكم استقبال الفاتحين، وأضفوا عليه لقب اسد افريقيا.

مجريات الحرب في السودان تقول إن يد قوات الدعم السريع هي العليا، لأنها لم تفقد موقعا سيطرت عليه منذ بدء المعارك، وإنها تتمدد في ولايات كردفان وتقترب من مدن إقليم النيل الأبيض، المحاذي لولاية الخرطوم من جهة الجنوب، وإن الجيش يفتقر الى القوات البرية، ومن ثم يستخدم سلاح الطيران لضرب المواقع التي يسيطر عليها الدعم السريع، فتكون النتيجة في كل مرة دك مساكن المدنيين وسقوط عشرات المواطنين صرعى.

والآن فالبرهان خارج فعليا المعركة، وها هو نائبه على قيادة الجيش يخرج من مقر القيادة، أي أن كلا الرجلين باتا بعيدين عن مركز إدارة المعارك، ولم يبق أمامها سوى التواصل مع هيئة القيادة إلا عبر تطبيق واتساب، والمكالمات الهاتفية، في بلد تنهار فيه شبكات الاتصالات عدة مرات يوميا تحت ضغوط المكالمات، ولأن العديد من أبراجها الناقلة للمكالمات تعرضت للدمار.

وهكذا قد يدرك كباشي ما أدركه البرهان من قبل بأن

خروج الناس من الشبكات هيِّن              ولكن التأمل في الرجوعِ

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجيش السوداني المعارك السودان معارك الجيش رأي مآلات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

ما وراء التسريب المفاجئ لقائد سابق في الدعم السريع

لقد خلّف المشهد الذي ارتسم في بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة في السودان، حيث جلس اللواء أبو عاقلة كيكل قائد ما يعرف بقوات درع السودان المتحالفة مع الجيش السوداني، وهو محاط بنخبة منتقاة من الصحفيين، موجةً من الاستياء العارم في أوساط الشعب السوداني.

لم يكن مجرد انعقاد هذا اللقاء الصحفي هو المستفز، بل تحديدًا ما تضمنه من تصريحات بالغة الغرابة وربما السطحية، والتي وصفها البعض بأنها محاولة باهتة لاستخفاف بوعي الشعب السوداني وذاكرته المضرجة بدماء لا تزال تنزف.

لقد خرج كيكل، الذي لم يمضِ وقت طويل على كونه جزءًا لا يتجزأ من منظومة مليشيا الدعم السريع، ليقدم شهادة "إنسانية" مفاجئة ومثيرة للدهشة في حق قائد التمرد، محمد حمدان دقلو "حميدتي". إذ وصفه بأنه كان "رقيق القلب"، و"كثير الصيام"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك زاعمًا أنه "كان يذرف الدموع عند سماع أخبار الجرائم التي ترتكبها قواته"!

وكان واضحًا من خلال ردود الفعل الشعبية والنخبوية الرفض الشديد لهذا النوع من المحاولات الذي اعتبر على نطاق واسع بأنه نوع من التلاعب المستفز بمشاعر الشعب السوداني، الذي اكتوى بنيران هذه الحرب وشاهد بأم عينيه فظائعها. حيث إنه سعْي لتجميل صورة شخص تلطخت يداه بدماء الأبرياء التي أُزهقت بلا ذنب. فهل تحول التعبير العاطفي إلى بديل مقبول للعدالة الغائبة؟

إعلان

الأمر الأكثر إثارة للقلق والانتباه، ألا يكون حديث كيكل مجرد كلام عابر أو انطباعات شخصية عفوية، بل قد يكون جزءًا من محاولة مُحكمة لإعادة تدوير صورة حميدتي، وتقديمها في سياق جديد. هذا السياق يبدو مرتبطًا بشكل وثيق بمساعي تسوية سياسية يجري الحديث عنها وتم تداولها في الخفاء والعلن، على المستويين؛ الإقليمي، والدولي.

متى ما تحوّل العسكري فجأة إلى راوٍ عاطفي، يسرد قصصًا مؤثرة عن خصمه، فلنعلم يقينًا أن هناك جهة ما تحاول أن تقول لك بصوت خفيض: "انظر، لا يزال بإمكانك أن تصدّق هذا الوجه الآخر من القسوة".

هل كان كيكل "صنيعة استخباراتية" للجيش؟

في محاولة لفهم أعمق للدوافع الكامنة وراء تصريحات اللواء كيكل، وتداعياتها المحتملة على المشهد السياسي السوداني، يمكن طرح سؤالين محوريين: إلى أي مدى يمكن اعتبار تصريحات اللواء كيكل "تسريبات مدروسة" أو "اعترافات تلقائية"؟ وهل كانت هذه الإفادات تهدف حقًا إلى تبييض صورة حميدتي المشوهة، أم إنها جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل صورته بما يخدم مصلحة طرف أو أطراف معينة في هذه الحرب؟

على الرغم من النبرة التي بدت في ظاهرها عفوية للواء كيكل، وهو يسرد بعض التفاصيل المتعلقة بقائد التمرّد حميدتي، فإن السياق العام الذي أدلى فيه بهذه التصريحات، والتوقيت الحسّاس الذي يمر به السودان، والمنبر الإعلامي الذي اختير بعناية لنقل هذه "الاعترافات"، كلها عوامل تجعل من الصعب تصديق أنها مجرد "اعترافات تلقائية" أو انطباعات شخصية عابرة.

إن اللغة المُنمّقة التي استخدمها كيكل في تصوير الجانب "الإنساني" لحميدتي تحمل في طياتها دلالات أعمق بكثير مما تبديه كلماتها السطحية. إنها إفادات تبدو مشحونة بدلالات ناعمة ومُعدّة بعناية فائقة، ويبدو أنها تهدف إلى إعادة تركيب الصورة الذهنية لقائد باتت صورته مشوهة تمامًا في أذهان السودانيين والعالم أجمع، وذلك بفعل جرائم الحرب والانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها قواته.

إعلان

إن الطرح الذي يتردد في بعض الأوساط، والذي يفترض أن كيكل كان في الأصل "صنيعة استخباراتية" لصالح الجيش السوداني، وأن وجوده السابق في مليشيا الدعم السريع كان جزءًا من مهمة اختراق أو مراقبة مُخطط لها بعناية، هو سيناريو مثير للاهتمام بلا شك. لكن في الوقت نفسه، يتطلب التعامل مع هذا السيناريو قدرًا كبيرًا من الحذر والتحليل الواقعي الذي يستند إلى السياقات والمعطيات المتاحة.

فمن الضروري أن نتذكر أن كيكل لم يكن مجرد ضابط عادي أو عنصر هامشي في مليشيا الدعم السريع، بل شغل موقعًا حساسًا ومهمًا داخلها، وكان مقربًا من الدائرة الضيقة المحيطة بقائد التمرد. وهذا يشير بوضوح إلى أنه كان يتمتع بثقة عالية من قبل حميدتي شخصيًا- وهو أمر لا يُمنح عادةً لأي شخص يُشتم منه أدنى شك في ولائه أو ارتباطه بجهات أخرى. لكن في المقابل، يجب أن نأخذ في الاعتبار النقاط التالية:

إن وجود ضباط من الجيش أو الأجهزة الأمنية داخل تشكيلات عسكرية غير نظامية أو خارجة عن القانون، لأغراض الرصد وجمع المعلومات أو حتى محاولة التأثير، ليس سابقة جديدة في تاريخ السودان، أو في تاريخ الدول الأخرى التي شهدت صراعات مماثلة. لقد شهد تاريخ الانقلابات والتحولات الأمنية في مختلف دول العالم العديد من الشخصيات التي لعبت أدوار "الاختراق" المعقدة تحت غطاء من الولاء الظاهري للطرف الآخر.

إن ما أدلى به كيكل مؤخرًا من إفادات وتصريحات، من الصعب وصفه بالعفوي تمامًا أو مجرد "اعتراف إنساني" عفوي، بل يبدو منسقًا ومُدارًا بقدر كافٍ يسمح له بالظهور دون أن يتعرض للمساءلة أو المنع، ويُسمع دون أن يتم تجاهل كلامه. وهذا الأمر يعزز بشكل كبير نظرية مفادها أنه إما:

عاد إلى صفوف الجيش بغطاء كامل ودعم من المؤسسة العسكرية، بعد أن أدى مهمة معينة داخل الدعم السريع (إذا كان بالفعل جزءًا من خطة استخباراتية). تمت إعادة توجيهه بشكل إستراتيجي من قبل جهات معينة ليخدم السردية العسكرية الجديدة، أو على الأقل ليقدم رواية بديلة تخدم مصالح الجيش وحلفائه. تم "إطلاقه" في هذا التوقيت تحديدًا كجزء من عملية "إعادة كسب" للرأي العام السوداني الذي بات يكنّ كراهية شديدة لمليشيا الدعم السريع وقادتها، أو كجزء من إستراتيجية أوسع لتفكيك صورة العدو من الداخل وزعزعة ثقة عناصره في قيادتهم. إعلان

إذا صحّت الفرضية بأن كيكل كان بالفعل "عينًا استخباراتية" في قلب المليشيا طوال الفترة الماضية، فإن ما يفعله الآن قد يكون بمثابة كشف للفصل الأخير من مهمة طويلة ومعقّدة.

إن السؤال المُلحّ هو: هل يمكن ربط "التسريبات" التي أدلى بها كيكل بما يدور في الكواليس من حديث متزايد عن وجود ترتيبات سياسية وتفاوضات محتملة لإنهاء الحرب الدّائرة في السودان؟

في هذا السياق، يمكن طرح عدّة سيناريوهات محتملة: هل تصرّف كيكل بمبادرة شخصية وبشكل منفرد، محاولًا اللحاق بـ "بازار التسوية" المحتمل، وتلافيًا لغضب حميدتي بسبب انشقاقه عنه وانضمامه إلى الجيش؟ أم هل يمكن أن تكون هذه "التسريبات" قد تمت باتفاق وتنسيق مسبق مع قيادة الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، بهدف تمهيد الرأي العام السوداني تدريجيًا لقبول فكرة مشاركة حميدتي في أي تسوية سياسية مستقبلية، وذلك بعد حالة الغضب الشعبي العارم ضده بسبب الجرائم التي ارتكبتها قواته؟

في ضوء ذلك، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

السيناريو الأول: مبادرة فردية للنجاة: هل تصرف كيكل بمفرده، مدفوعًا برغبة شخصية في تجميل صورته بعد انشقاقه عن الدعم السريع وانضمامه إلى الجيش، ومحاولةً منه للعودة إلى حظيرة حميدتي أو على الأقل تخفيف حدة الغضب تجاهه، إذا شعر بأن هناك صفقة سياسية قادمة لا محالة سيتم فيها تجاهل موقفه الحالي؟ السيناريو الثاني: تنسيق مع الجيش لـ "تلميع" صورة حميدتي في أذهان الرأي العام السوداني، بهدف تمهيد الطريق لقبوله طرفًا في تسوية سياسية قادمة، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة لإنهاء الحرب بأي ثمن. السيناريو الثالث: بالون اختبار سياسي: هل كانت تصريحات كيكل بمثابة "بالون اختبار" سياسي أطلقته جهة ما (ربما إقليمية أو دولية) لقياس رد فعل الرأي العام السوداني تجاه أي محاولة لإعادة دمج حميدتي في المشهد السياسي المستقبلي، أو على الأقل تخفيف حدة العداء تجاهه؟ إعلان كيف يقنع البرهان شعبًا موجوعًا بتسوية مع الجلاد؟

إن التحدي الأخطر الذي سيواجه البرهان إذا ما أقدم فعلًا على الدخول في تسوية سياسية تشمل مليشيا الدعم السريع وقادتها، إذ كيف يمكنه أن يقنع شعبًا بأكمله موجوعًا ومثخنًا بالجراح، وقوات نظامية ومستنفرين يقاتلون ببسالة ويقدمون أرواحهم فداءً للوطن، بأن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع أولئك الذين ارتكبوا أفظع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين والأرض؟

إن هذا التحدي يتطلب إستراتيجية سياسية وإعلامية وأخلاقية متكاملة ومحكمة تتمثل في وجوب أن يؤسس البرهان خطابه بشكل واضح وصريح على قاعدة أخلاقية متينة لا تقبل الشك أو التأويل، بحيث تُقدم أي تسوية محتملة للرأي العام السوداني ليس باعتبارها مكافأة للمليشيا المتمردة أو تبرئة لجرائمها، بل كآلية ضرورية لوقف نزيف المدنيين الأبرياء، ومنع تفكك الدولة السودانية وانهيار مؤسساتها، مع التأكيد في الوقت نفسه على أن ملف المحاسبة سيظلّ مفتوحًا، وسيتم التعامل معه لاحقًا عبر آليات عدلية وقضائية مستقلة، سواء كانت وطنية أو دولية، تضمن تحقيق العدالة الناجزة لجميع الضحايا.

يجب على البرهان أن يتوجّه بخطاب مباشر وقوي إلى القوات النظامية والمستنفرين الذين يسطرون أروع ملاحم البطولة في ساحات القتال، قائلًا لهم بصدق وتقدير: "إنكم لم تقاتلوا عبثًا ولم تُرق دماؤكم هدرًا، بل قاتلتم بشرف وبسالة دفاعًا عن عزة وكرامة الوطن، وعن أرواح وممتلكات أهلكم. ولولا صمودكم الأسطوري وتضحياتكم الجسام، لما كان هناك أي حديث عن تسوية في الأساس.. أنتم من فرضتم بشجاعتكم شروط أي حل سياسي مشرف".

كذلك لا يمكن تصور أي تسوية سياسية مستدامة دون تقديم ضمانات أمنية قوية وواضحة تمنع تكرار الكارثة تتمثل في:

إعادة هيكلة (الدعم السريع) بشكل كامل ودمجها تحت إشراف صارم من الجيش، بما يضمن ولاءها الكامل للدولة ومؤسساتها. إبعاد القيادات المتورطة في ارتكاب الجرائم والانتهاكات بشكل نهائي من المشهد العسكري والسياسي، وتقديمهم للعدالة. سيكون هناك جدول زمني واضح ومُلزم للانتقال التدريجي من مرحلة حمل السلاح إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والمؤسسات القوية. إعلان

أيضًا لضمان قبول أي تسوية محتملة من قبل القوات المسلحة والقوات المتحالفة معها، لا بدّ من إشراك قيادات هذه القوات وممثلين عنهم في عملية صنع القرار وصياغة أي وثيقة للتسوية. يجب أن يشعر هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم أن ما قاتلوا من أجله يتم الحفاظ عليه ولا يتم التنازل عنه في غرف مغلقة أو تحت ضغوط خارجية.

خلاصة القول: إذا كان الجنرال البرهان يسعى حقًا إلى تحقيق تسوية سياسية تحظى بقبول شعبي وعسكري واسع، فعليه أن يقدم هذه التسوية للشعب السوداني باعتبارها ضرورة مؤقتة وملحة لحماية الكيان الوطني من الانهيار الكامل، وليس باعتبارها ترضية سياسية لطرف دولي أو إقليمي.

يجب أن تكون أي تسوية مصحوبة بوضوح تام في ملف المحاسبة، وشفافية كاملة في الترتيبات الأمنية والسياسية المستقبلية، وصدق مطلق في الخطاب الموجّه للشعب.

الجروح التي أحدثتها هذه الحرب لا تزال مفتوحة ونازفة، ولن تلتئم إلا بالحقيقة والعدالة، وليس بالصفقات المشبوهة أو محاولات تجميل صورة من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مسيرات “الدعم السريع” تقطع الكهرباء عن الخرطوم وعدد من الولايات
  • ما وراء التسريب المفاجئ لقائد سابق في الدعم السريع
  • هجوم بالمسيرات يقطع الكهرباء في الخرطوم
  • انقطاع الكهرباء عن عاصمة دولة عربية
  • إعلان صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية – الجيش
  • رصاصة قناص تحول فرحة جندي في الدعم السريع الى كارثة “فيديو”
  • مسؤول بولاية الخرطوم: خسائر قطاع الطرق تجاوزت 420 مليار دولار
  • الجيش السوداني يقتحم آخر معاقل الدعم السريع في أم درمان
  • شاهد.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضحكات الجمهور بعد مطالبتها البرهان بــ(ختان) النساء المتخصصات في الإساءة على السوشيال ميديا وتهاجم المليشيا: (انعل أبو الدعم السريع وأبو حميدتي وأبو الحرب)
  • من يقرر مستقبل الدعم السريع ؟