تجاهلها نتنياهو العام الماضي.. تحذيرات إسرائيلية من فشل داخلي أثناء الحرب
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
القدس المحتلة- يبدو أن الإخفاق في إسرائيل في التحذير أو منع عملية "طوفان الأقصى"، لم يقتصر على المستويين السياسي والعسكري، إذ كشف العدوان على قطاع غزة فشلا في تحضير وتحصين الجبهة الداخلية للحرب ولحالات الطوارئ.
وخلصت توصيات تقرير قُدم إلى حكومة الاحتلال في فبراير/شباط 2022، إلى أن إدارة نظام الطوارئ الإسرائيلي "مليئة بالإخفاقات والفشل"، كالافتقار إلى التخطيط المنهجي وتحديد الأهداف والغايات، وأوجه القصور في الهيكل التنظيمي، وعدم توفير أدوات لمنح الصلاحيات وممارسة المسؤولية، وانعدام التنسيق بين الهيئات والوزارات الحكومية ذات الصلة.
وبحسب صحيفة "هآرتس"، بقي التقرير طي الكتمان دون معالجة، حيث قدم إلى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وهيئة الطوارئ الوطنية في وزارة الأمن، ومكتب رئيس الوزراء.
وكشف أن تلك الإخفاقات شجعت على توسع الخلافات والصراعات بين مختلف الجهات الفاعلة ذات الصلة، وبين المستويات الحكومية والمهنية، وأوجدت ظاهرة عدم الامتثال والتعاون المؤسسي والفشل في تنفيذ الإجراءات لتحصين الجبهة الداخلية.
ورفض مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الإفصاح عما إذا كانت قد جرت مناقشات حول التقرير، وما إذا تم اتخاذ أي خطوات لتنفيذ توصياته، واكتفى بالقول إن "مجلس الأمن القومي درس التقرير بشكل متعمق".
وبناء على طلب الحكومة، أعد التقرير البروفيسور عيلي زالتسبرغر والدكتور روبرت نيوفيلد، نيابة عن "المركز الوطني للمعرفة والأبحاث في حالات الطوارئ" في جامعة حيفا.
شلل وعجز
يعكس التقرير حقيقة ما حدث في أول أسبوعين بعد عملية "طوفان الأقصى"، حيث شهدت تلك الفترة شللا تاما في عمل مختلف الوزارات الحكومية، وعجزها عن التعامل مع احتياجات "الجبهة الداخلية"، وقصورها في تقديم الخدمات للإسرائيليين في حالة الطوارئ.
وفقط في الأسبوع الثالث للحرب، وافقت حكومة الاحتلال على إنشاء مركز مراقبة مدني لتنظيم عمل الوزارات، وتعيين مدير مشروع لإدارة عمل الوزارات في القطاع المدني، وتشكيل مديرية لإعادة إعمار مستوطنات "غلاف غزة"، وهو ما يشير إلى أن استنتاجات التقرير ما تزال قائمة.
وبحسب الموقع الإلكتروني "كلكليست" الذي يعنى بالشؤون الاقتصادية، فإن تعيين مدير مشروع لإدارة عمل الوزارات بعد نحو 3 أسابيع على الحرب، مؤشر على فشل الحكومة في توفير الحصانة المدنية والاقتصادية والاجتماعية للجبهة الداخلية في إسرائيل.
ليس هذا وحسب، بل استغرق الأمر قرابة أسبوعين، كما تقول صحيفة "يسرائيل هيوم"، حتى صادقت الحكومة على تحويل ميزانيات طوارئ للسلطات المحلية في الجنوب بتخوم جبهة غزة، وعلى الحدود الشمالية مع لبنان.
وحولت وزارة الداخلية ميزانية بقيمة 26 مليون دولار للمجالس والبلديات للتعامل مع حالة الطوارئ ضمن نفوذها، دون تحديد أي خطة لصرفها، وهو إجراء يشير إلى تنصل الحكومة من المسؤولية وتحويلها للحكم المحلي، بحسب الصحيفة.
بعد أيام قليلة من اندلاع العداون على قطاع غزة، طلب مجلس الأمن القومي الإسرائيلي من "مركز المعرفة والأبحاث في حالات الطوارئ" بجامعة حيفا، صياغة وثيقة عن سبل تعزيز ما سمي بـ"الحصانة الوطنية" وتدعيم معنويات الإسرائيليين في الجبهة الداخلية خلال الحرب.
وذكرت وثيقة المركز بضرورة أن تكون القيادة "ذات مصداقية وكاريزما"، وتعزيز الثقة الكاملة للجمهور في الأنظمة والوزارات الحكومية، وهما من المكونات الأساسية التي وردت في تقرير عام 2022. وفي كليهما -أي القيادة والثقة بالوزارات- "هناك عجز كبير".
وفي غياب الفرصة لإصلاح هذا الأمر بشكل فوري، يوصي الباحثون بالتركيز على عناصر أخرى لتدارك الأوضاع خلال الحرب على غزة، واقترحوا "بناء قصة مشتركة ومصير واحد لجميع السكان، وتشجيع المبادرات المدنية وتدعيمها والامتناع عن التفرقة بين شرائح المجتمع، والكف عن التحريض على المجتمع العربي، الذي هو عنصر أساس في الحصانة واستقرار للجبهة الداخلية" على حد قول الباحثين.
في هذا السياق، يقول البروفيسور زالتسبرغر "منذ 3 أسابيع ونحن في حالة طوارئ دون إدارة وتعامل مرضيين، وهو ما يتأثر بالطبع بنقص الاستعداد وعدم الجهوزية. ومن المثير للدهشة كيف أن الدروس المستفادة من حالات الطوارئ السابقة، بما في ذلك وباء كورونا وحرب لبنان الثانية، لم نتعلمها ولم نطبقها، وهو الأمر الذي أوصلنا إلى أبعاد الكارثة الحالية والفشل الذريع في إدارتها".
صراعات وتهرب من المسؤولية
وأشار تقرير عام 2022 إلى مشكلتين أساسيتين في استجابة إسرائيل لحالات الطوارئ:
الأولى هي "الافتقار إلى مفهوم كامل وواضح للتعامل مع الأحداث الطارئة في جميع مراحلها، بدءا من الاستعداد لها وحتى إعادة الإعمار بعدها". وتسبب هذا النقص -مرارا وتكرارا- بالفشل في التعامل مع الصراعات بين المسؤوليات القطاعية للوزارات وهيئات الطوارئ وأنظمتها التي تتطلب الإعداد والتوجيه والموازنة، وحتى التدخل في مجالات مسؤولية كل هيئة. أما المشكلة الأساسية الثانية -بحسب التقرير- فهي الافتقار إلى الإطار القانوني أو التنظيمي لمنظومة هيئة الطوارئ، وفي غياب مثل هذه البنية الأساسية، فمن الصعب للغاية تحديد مسؤوليات الهيئات المختلفة، لغرض فرض الرسوم ومنح الصلاحيات.وعلى خلفية الإخفاقات القائمة والصعوبات التنظيمية في المؤسسات الرسمية والوزارات، أوصى التقرير بـ"نموذج طوارئ وطني جديد، ترأسه هيئة طوارئ مركزية، تعمل في مكتب رئيس الوزراء تلعب دور العامل القيادي في الاستعداد لحالات الطوارئ وإدارتها، مع ترسيخ وظائفها وصلاحياتها وتكوينها في التشريعات بالكنيست.
وفي الأسبوع الماضي، طالبت الحركة الديمقراطية المدنية في إسرائيل المستشارة القضائية للحكومة جلي بهاراف ميارا، بفتح تحقيق فوري في شبهات حول قيام ديوان رئاسة الوزراء بتوجيه من نتنياهو بحرق وثائق أو منع تسجيلات في أعقاب "طوفان الأقصى"، وخطوات أخرى من شأنها أن تصعب عمل لجان التحقيق التي ستشكل بعد الحرب على غزة.
واعتبرت الحركة هذه الخطوة محاولة من نتنياهو لحماية نفسه ولتقليص الشبهات التي تحوم حوله بشأن المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه فيما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وهو ما عدّه بعض المراقبين عدم ثقة داخل إسرائيل برأس هرم السلطة والمسؤول الأول والأخير عن قيادة الحرب الآن، وهو أمر لم يحدث من قبل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الجبهة الداخلیة
إقرأ أيضاً:
بين حصار لا ينتهي وموت بطيء .. الحقيقة التي يحاول العالم تجاهلها في غزة
في قطاع غزة اليوم، تتحوّل الحياة إلى اختبار يومي للبقاء، حيث يعيش السكان تحت حصار متواصل، ومعاناة متراكمة، وسياسات قاسية تمارس بشكل ممنهج، من قبل العدو الصهيوني، ما يُعانيه الفلسطينيون ليس مجرد تداعيات العدوان، ولا أضراراً جانبية للعدوان، بل خطة واضحة لإخضاع المجتمع وإبقائه في حالة إنهاك دائم، من نقص الغذاء والدواء، إلى تدمير البنية التحتية والمستشفيات، ومن المعابر المغلقة إلى التهجير القسري للمدنيين، كل عنصر من عناصر الحياة اليومية في غزة أصبح أداة ضغط، بينما الوعود الدولية بتحسين الوضع الإنساني تبقى حبراً على ورق.
يمانيون / تحليل / خاص
هذا التحليل يستعرض الواقع القاسي على الأرض من خلال رصد مباشر للتنكيل والإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون، وتداعيات السياسات المطبقة على المجتمع في كل من غزة والضفة الغربية، كما يوضح كيف تتحوّل هذه السياسات إلى تفكيك ممنهج للجغرافيا والمجتمع، واستنزاف للقدرة على الصمود أو المقاومة، وتحويل الفلسطيني إلى نسخة منهكة من نفسه.
الواقع يكشف خطة منظمة لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتحويل حياته إلى صراع يومي للبقاء
غزة ليست مجرد مدينة محاصرة، ولا مجرد قطاع يتعرض لإبادة ووحشية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، إنها مختبر للقسوة الممنهجة على المدنيين، حيث تُدار الحياة اليومية بآليات الضغط والإرهاب النفسي والجسدي، ما يشهده السكان ليس عشوائياً، بل هو نتيجة سياسة واضحة لإبقاء الفلسطيني عاجزاً، منكسراً، ومرهقاً إلى أقصى حد ممكن.
وقفات الإنسانية الموعودة .. وعود بلا أثر
اتفاقات وقف إطلاق النار المتكررة لم تُحسّن الواقع الإنساني، بل أعادت إنتاجه بشكل أكثر إيلاماً، المعابر الإنسانية المفتوحة بشكل محدود لا تكفي لتوصيل المياه، الدواء، أو الوقود، والمستشفيات تعمل على الشظايا، والطواقم الطبية تنهار تحت ضغط مستمر، والمرضى يموتون بلا علاج متوفر، والحياة اليومية هنا تحولت إلى سلسلة من الاختبارات القاسية للبقاء، بدل أن تكون حياة.
التنكيل بالمدنيين
في رفح ومناطق أخرى، ظهرت مشاهد التحقير والإذلال التي لم تعد أحداثاً فردية، بل مؤشراً على سياسة منظمة لإخضاع المجتمع، المحتجزون يُسحلون، يُعرضون، يُهانون أمام الكاميرات، بينما يُترك المدنيون يعيشون في رعب دائم من أي تحرك أو اعتراض.
هذه السياسة أداة تحكم قصوى، جسد الفلسطيني كوسيلة لإرهاب النفس الجمعي، وفي الضفة الغربية، امتداد نفس الاستراتيجية، لا تختلف الصورة، من اغتيالات منتظمة للأسرى والمحررين، واعتقالات عشوائية مستمرة، وتوسع استيطاني يفتت الأرض والفكر، وتقسيم المجتمع إلى مناطق معزولة عن بعضها، بهدف إنتاج مجتمع عاجز عن المقاومة المنظمة أو الحياة الطبيعية، مجزأ جغرافياً ونفسياً.
تفكيك المجتمع
السياسات التي يطبقها العدو الصهيوني في غزة والضفة تعمل وفق منهجية خبيثة تهدف إلى إرهاق السكان اقتصادياً بالبطالة، ونقص الخدمات، وتوقف تام لمشاريع البنية التحتية، وتجويع نفس المجتمع المنهك الموجوع بنقص الغذاء والماء والدواء، وتفكيك الجغرافيا إلى كانتونات معزولة، وطرق مقطوعة، ومناطق مغلقة، وإبقاء أبناء غزة في إرهاق نفسي دائم، الخوف من القصف، والاعتقال، والتنكيل .
النتيجة هي مجتمع يعيش وهو غير قادر على الانفجار، حيث تحوّل كل يوم إلى اختبار للصبر على الألم، وليس لإعادة بناء حياة طبيعية.
التأثير العميق على الحياة اليومية
أطفال يموتون بسبب نقص الأدوية، نساء يقطعن أميالاً بحثاً عن ماء صالح، رجال يسهرون في انتظار المعابر، شوارع تتحوّل إلى مقابر صامتة، ومستشفيات تتكدس بالمصابين بلا علاج.
كل هذه التفاصيل تكشف حقيقة مؤلمة وواضحة، أن القسوة ليست نتيجة العدوان الصهيوني فقط، بل سياسة ممنهجة لإضعاف المجتمع وإبقائه تحت السيطرة المطلقة.
كشف الحقيقة واجب لا يمكن تأجيله
غزة اليوم ليست مجرد مشهد للمعاناة المستمرة، بل أرض تجارب للقسوة والإخضاع اليومي، والحقائق على الأرض تصرخ، من السياسات الصهيونية التي تحاول تحويل الفلسطيني إلى نسخة منهكة من نفسه، لكن الإنسانية تبقى شاهدة، وصرخة الحقيقة لا يمكن كتمها.