ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة؟ أمر بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ؟

يقول تعالى : ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ أمرنا أن نتدبر وأن نتعقل وأن نتفكر، والفكر حركة النفس في المحسوسات .

. فلابد إذًا عندما نتفكر في القرآن الكريم من أن نتفكر فيما حولنا من واقعٍ معيش، وأن نتفكر فيما ضربه الله لنا من الأمثال، وأن نطبق هذا على ذاك، وأن نستخرج الحِكَم، وأن نكون من أهلها، تلك الأمثال ضربها الله لنا، ونحن نلتفت في واقعنا المعيش فإذ بنا نرى العدوان هو السائد، ونرى الحق وكأنه لا مكان له مع القوة، ونرى الفساد ولا يقوم له الناس كما يقومون لأصحاب العدوان والقوة ، عالم غريب يُحترم فيه الفاسد القوى، ولا يُحترم فيه الضعيف التقي ، والله سبحانه وتعالى أسس لنا في ذلك نظرا.

ويوضح علي جمعة: ربنا سبحانه وتعالى في أواخر سورة المدثر يقول : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } خطاب للبشر لمن سمع ولم يُصدّق أو لمن سمع وكره ، ويذكرنا الله تعالى بتلك الصورة {حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} أسد يريد أن يأكل حمارًا فيفر الحمار خوفًا وفزعًا ويتتبعه الأسد طغيانًا وعداونًا، نزاع حيوانى كهذا النزاع الذي فيه عدوان من أهل الشر، من أهل كراهية الوحي، من أهل تنحية كلمة الله ؛سدوا على أنفسهم منافذ النور، وسدّوا على أنفسهم مدارج الوحي، واكتفوا بما قد أقامهم الله فيه من جسديةٍ وجسمانية مردها إلى الطين والتراب والحمأ المسنون.

وتابع: انظر معي يقول ربنا سبحانه وتعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} آدم خُلق من ترابٍ .. من طينٍ .. من صلصالٍ .. من حمأٍ مسنون، ثم تمت له تسوية، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}، إذًا فالإنسان قد خُلق كما خُلق الحيوان من ترابٍ ومن صلصالٍ ومن حمأٍ مسنون، إلا أن الله قد أضاف تكرمة له الاستواء والنفخ من الروح وجعل هذا موجبًا لأن تسجد له الملائكة، فلما عصاه العاصي (إبليس)، طرده من رحمته لما قال له {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، فقاس قياسًا فاسدا، لأن النار وإن كانت قياسًا أحسن من الطين إلا أن الروح أعلى من الطين ومن النار ومن النور ومن الملائكة، وبموجب هذا أسجد الله الملائكة لآدم.

هذه العبادة تغير حياتك إلى الأفضل.. علي جمعة ينصح بها فعل واحد أمرنا به النبي عندما تضيق بنا الحياة..علي جمعة يكشف عنه

وبين: إذن فالإنسان رُكّبت فيه معان، معنى الحيوانية ومعنى الروحية ومعنى الاستواء ؛وفُضّل على سائر الكائنات بالروحية والاستواء وكان ذلك موجبًا للملائكة أن تسجد له، فعندما ألغى هؤلاء القوم الروحية والاستواء رجعوا إلى الحيوانية، إلى الحُمر المستنفرة التي فرت من قسورة.

{وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تأمل، تدبر، تفكر، استخلص، طبق هذا على ما حولك من مفاهيم البشر تجد نفسك متميزًا بتلك العقيدة السليمة التي توافق الحق وحينئذٍ { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }، فماذا عن هؤلاء؟!

هؤلاء {كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي أنهم عرفوه وعلموه بل وقد يكونوا قد عرفوا أنه من عند الله في بعض الأحيان، لكنه ثقيل لا يُراد له أن يكون برنامجًا لحياتهم { كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ } ردة إلى الحيوانية.

انظر ترتيب الآيات، وانظر تردد الإنسان بين الآدمية وبين الحيوانية؛ الإنسان في القرآن هو ذلك المخلوق الذي في مفترق الطريق، فإن هو زكّاها وحلاها وأعلاها دخل الجنة، وإن هو سد على نفسه أبواب الخير دخل النار ..

وشدد عضو هيئة كبار العلماء: فما شأن الدنيا ؟ شأن الدنيا أن من حصل سنن الله فيها تمكن منها، ومن لم يحصل سنن الله فيها لم يتمكن منها، فيتمكن منها المسلم أو الكافر على حدٍ سواء، إلا أنه ينبغي على المسلم في حالة ضعفه أن يستمر نورانيًا آدميًا ،وفي حالة قوته أن يستمر آدميًا نورانيا، فلا يظلم ولا يعتو ولا يعثو في الأرض فسادا ولا يخرج عن أمر الله.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: علي جمعة هيئة كبار العلماء علی جمعة الله فی أ م ث ال

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: النبي مؤسس لدولة قائمة على الرحمة والعدالة والقانون

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن النبي قدّم أرقى نموذج في التعامل مع الظلم والاعتداء، حين جاءه أحد الصحابة يطلب منه الإذن بالقتال، فقال له: "استعرض بنا الوادي، كفاية ظلم بقى، نقاتلهم بقى!"، فتمعر وجه النبي غضبًا، أي تغير وجهه رفضًا وغضبًا من هذا الفهم الخاطئ.

لماذا حذر النبي من النوم بعد الفجر؟.. لـ9 أسباب فانتبهيسري جبر: النبي أول خلق الله من جهة نوره وروحه وليس جسده

وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، خلال تصريح تليفزيوني: "النبي غضب لأنه جاء برسالة، لا كميليشيا، ولا جماعة، ولا فوضى، وإنما جاء كنبي ورسولٍ حاملٍ لقيم الحق والعدل، ومؤسس لدولة قائمة على الرحمة والعدالة والقانون".

وأضاف: "قال له النبي: "ألا إني رسول الله، ولا ينصرن الله هذا الدين حتى تسير الضعينة من مكة إلى الحيرة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها"... يعني الأمن الحقيقي مش في الانتقام، لكن في نشر السلام والأمان، دا كان هدف الإسلام".

وشدد الدكتور علي جمعة على أن: "القتال في الإسلام ليس وسيلة للهجوم أو للانتقام، وإنما هو دفاعٌ عن النفس والوطن والعقيدة، ويديره جيش ودولة، لا جماعة ولا أفراد، ولا يُترك للعاطفة أو للانتقام الشخصي".

وأشار إلى أن النبي ﷺ ربّى أصحابه على الصبر والثبات وعدم العدوان، قائلاً: "إن الرجل من قبلكم كان يؤتى به فيوضع المنشار في مفرق رأسه فيُنشر ما بين لحمه وعظمه، لا يضره ذلك في الله شيئًا"… يعني كان الصحابة يُبتلون في دينهم أشد البلاء، وما تزعزعوا، لأنهم فهموا أن الرسالة أعظم من مجرد ردّ فعل عنيف".

وتابع: "منهج الإسلام الأصيل يرفض العنف والميليشيات، ويرسّخ للدولة القانونية التي تحمي الحقوق وتنشر القيم، وهذا ما فعله رسول الله ﷺ حين أسس دولة المدينة".

طباعة شارك علي جمعة الدكتور علي جمعة الرحمة القانون سيدنا النبي

مقالات مشابهة

  • كيف تجعل الملائكة توقظك لصلاة الفجر؟.. علي جمعة يوصي بـ 3 أمور
  • علي جمعة: النبي مؤسس لدولة قائمة على الرحمة والعدالة والقانون
  • الفرق بين علامات يوم القيامة الصغرى والكبرى .. علي جمعة يوضح
  • علي جمعة يوضح علامات يوم القيامة الكبرى.. بدأت تقترب
  • ماذا يفعل المسلم فى هذا الزمن المليء بالفتن؟ على جمعة يجيب
  • كيف وسع النبي مفهوم العبادة وجعل الخير في كل عمل.. علي جمعة يوضح
  • علي جمعة يوضح مفهوم الصدقة وكيف يتصدق الله على عباده
  • علي جمعة: حقيقة الحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى
  • علي جمعة يكشف علامات رضا الله على الإنسان | 4 دلائل واضحة
  • عبادة سهلة تدل على حسن إسلام العبد.. تعرف عليها