ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة؟ علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة؟ أمر بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ؟يقول تعالى : ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ أمرنا أن نتدبر وأن نتعقل وأن نتفكر، والفكر حركة النفس في المحسوسات .
ويوضح علي جمعة: ربنا سبحانه وتعالى في أواخر سورة المدثر يقول : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } خطاب للبشر لمن سمع ولم يُصدّق أو لمن سمع وكره ، ويذكرنا الله تعالى بتلك الصورة {حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} أسد يريد أن يأكل حمارًا فيفر الحمار خوفًا وفزعًا ويتتبعه الأسد طغيانًا وعداونًا، نزاع حيوانى كهذا النزاع الذي فيه عدوان من أهل الشر، من أهل كراهية الوحي، من أهل تنحية كلمة الله ؛سدوا على أنفسهم منافذ النور، وسدّوا على أنفسهم مدارج الوحي، واكتفوا بما قد أقامهم الله فيه من جسديةٍ وجسمانية مردها إلى الطين والتراب والحمأ المسنون.
وتابع: انظر معي يقول ربنا سبحانه وتعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} آدم خُلق من ترابٍ .. من طينٍ .. من صلصالٍ .. من حمأٍ مسنون، ثم تمت له تسوية، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}، إذًا فالإنسان قد خُلق كما خُلق الحيوان من ترابٍ ومن صلصالٍ ومن حمأٍ مسنون، إلا أن الله قد أضاف تكرمة له الاستواء والنفخ من الروح وجعل هذا موجبًا لأن تسجد له الملائكة، فلما عصاه العاصي (إبليس)، طرده من رحمته لما قال له {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، فقاس قياسًا فاسدا، لأن النار وإن كانت قياسًا أحسن من الطين إلا أن الروح أعلى من الطين ومن النار ومن النور ومن الملائكة، وبموجب هذا أسجد الله الملائكة لآدم.
وبين: إذن فالإنسان رُكّبت فيه معان، معنى الحيوانية ومعنى الروحية ومعنى الاستواء ؛وفُضّل على سائر الكائنات بالروحية والاستواء وكان ذلك موجبًا للملائكة أن تسجد له، فعندما ألغى هؤلاء القوم الروحية والاستواء رجعوا إلى الحيوانية، إلى الحُمر المستنفرة التي فرت من قسورة.
{وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تأمل، تدبر، تفكر، استخلص، طبق هذا على ما حولك من مفاهيم البشر تجد نفسك متميزًا بتلك العقيدة السليمة التي توافق الحق وحينئذٍ { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }، فماذا عن هؤلاء؟!
هؤلاء {كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي أنهم عرفوه وعلموه بل وقد يكونوا قد عرفوا أنه من عند الله في بعض الأحيان، لكنه ثقيل لا يُراد له أن يكون برنامجًا لحياتهم { كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ } ردة إلى الحيوانية.
انظر ترتيب الآيات، وانظر تردد الإنسان بين الآدمية وبين الحيوانية؛ الإنسان في القرآن هو ذلك المخلوق الذي في مفترق الطريق، فإن هو زكّاها وحلاها وأعلاها دخل الجنة، وإن هو سد على نفسه أبواب الخير دخل النار ..
وشدد عضو هيئة كبار العلماء: فما شأن الدنيا ؟ شأن الدنيا أن من حصل سنن الله فيها تمكن منها، ومن لم يحصل سنن الله فيها لم يتمكن منها، فيتمكن منها المسلم أو الكافر على حدٍ سواء، إلا أنه ينبغي على المسلم في حالة ضعفه أن يستمر نورانيًا آدميًا ،وفي حالة قوته أن يستمر آدميًا نورانيا، فلا يظلم ولا يعتو ولا يعثو في الأرض فسادا ولا يخرج عن أمر الله.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة هيئة كبار العلماء علی جمعة الله فی أ م ث ال
إقرأ أيضاً:
خير مسلك لبلوغ طيب رضوان الله ونزول دار كرامته.. خطيب المسجد الحرام يوضح
قال الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام، إنَّ في السير على خُطى سلف هذه الأمة وخيارها، خيرُ مسلكٍ لبلوغ الغاية من رضوان الله ونزول دار كرامته، إلى جوار أوليائه والصفوةِ من خلقه.
خير مسلك لبلوغ الغايةوأوضح " خياط" خلال خطبة الجمعة الأولى من شهر جمادي الآخرة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه قد وجّه الله تعالى رسوله المصطفى- صلوات الله وسلامه عليه-، إلى انتهاج مناهج سلفه، من أنبياء الله ورسله.
وتابع: والاقتداء بهم فيما هداهم الله إليه من الحق، وما أكرمهم به من البيّنات والهدى، فقال عزّ اسمه (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ)، منوهًا بأن أجمل ما اتصف به الصفوةِ من أهل الإيمان، كمالُ الحرص على سلوك سبيل الإحسان في كل دروبه.
وأضاف: والحذر من التردّي في وَهدَة الإيذاء للمؤمنين والمؤمنات، بأي لون من ألوانه وفي أي صورةٍ من صورِه، يحدوهم إلى ذلك ويحملهم عليه، وأن ذلك الأدب الرفيع، والخلق السامي الذي رباهم عليه ربهم الأعلى سبحانه.
الصلة بين المؤمنينوأردف: حين بيّن لهم أنّ الصلة بين المؤمنين، هي صلة أخوّة في الدين كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، مشيرًا إلى أن الأخوّةَ تعني التراحم والتوادَّ والتعاطف، والقيام بالحقوق.
واستشهد بما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".
وأشار إلى أنه إذا كان للإيذاء باللسان واليد، دروبٌ شتى، وألوانٌ متعددة، لا تكاد تُحصَر، فإن من أقبح صور الإيذاء، ما اجتمع فيه اللسان واليد معًا، كمن يصف المؤمن بما ليس فيه من صفاتِ السوء، يقول ذلك بلسانه ويخطه بيمينه، ليستحكم الأذى، وليشتد وقعه، وليصعب دفعه.
الوعيد الصارخوأفاد بأنه لذا جاء الوعيد الصارخ، والتهديد الشديد الزاجر، لكل من آذى مؤمنًا، فقال فيه ما ليس فيه، وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح.
واستطرد: عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في رَدَغة الخبال حتى يخرج مما قال”.
وبين أن رَدَغة الخبال هي عُصارة أهل النار، وخُروجه مما قال هو بالتوبة عنه، وبأن يستحل ممن قال فيه تلك المقولة، وإنما جاءت هذه العقوبة، ليجتمع له العذابان: الاصطلاء بحرّ النار، والتأذي بعصارة أهلها.
أعظم أسباب الإيذاءونبه إلى سببٍ من أعظم أسباب الإيذاء المفضيةِ إليه، وهو اللّدَد في الخصومة، ولذا كان الألدُّ الخصٍم أبغضُ الرجال إلى الله، كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-.
ولفت إلى أنه جاء التحذيرُ الشديد لمن خاصم في باطل وهو يعلم، وذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بإسنادٍ صحيح عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فذكر الحديث وفيه قوله: "ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع"، أي: حتى يترك ذلك الذي وقع فيه.
ونوه بأن القول الحسن والكَلِمُ الطيب، أدبٌ عالٍ أخذ الله به عباده جميعًا، كما أخبر عزّ وجل عن ذلك بقوله: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، دلالةً على أن الكلام الطيب العذب يجمل مع الأصدقاء والأعداء جميعًا، وله ثماره الحلوة، فأما مع الأصدقاء؛ فهو يحفظ مودتهم، ويستديم صداقتهم، ويمنع كيد الشيطان أن يضعف حبالهم، ويُفسد ذاتَ بينهم.
ودلل بما قال الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ)، وأمّا حُسنُ الكلام مع الأعداء؛ فهو إما أن يطفئ خصومتهم ويستجلب مودتهم، وإما أن يخفف عداوتهم ويدفع مكيدتهم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).