لجريدة عمان:
2025-07-13@02:43:50 GMT

قصة «مفبركة» وصالحة للتعاطف!

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

لفتني ما وُصف به الكاتب الياباني هاجيمي إيساياما، مؤلف مسلسل الإنمي الأكثر شهرة في الآونة الأخيرة «هجوم العمالقة»، باعتباره كاتبا مُعاديا للسامية، فلقد «جعل اليهود وحوشا يتحولون إلى عمالقة ويفسدون في الأرض». قرأتُ ذلك وأنا أقطعُ حلقات الجزء الرابع بصحبة أبنائي المشغولين بتحليل نظرياته وأبعاده وأزمانه المتداخلة والعميقة في آن.

فمنذ الحلقات الأولى أربكتنا الدلالات المتعلقة ببناء الأسوار وعزل الناس عن ذكرياتهم وعن علاقتهم بالعالم الأكثر اتساعا، وكيف أنّ مادة الأسوار هي «العمالقة» التي تُشكل تهديدا ساحقا للمحتجزين بداخلها!

كما لا يفوت أحدنا كثافة الترميزات الدينية والأسطورية، وقد برر أحدهم نجاح المسلسل لكونه: «يُغذّي أكثر ما يُحيّرُ وجودنا كبشر ويلتقطَ أكثرَ فصول إنسانيتنا هشاشة».

ولعل عين المشاهد الحذق وحواسه المتقدة، تكشفُ تشابها غامضا بين قصّة «الإلديانيين» في مارلي، وقصّة اليهود في أوروبا الشرقية، فثمّة شروحات تُعيدنا إلى أماكن حقيقية لها أسوار عالية وبوابة ذات حراسة مُشددة -كتلك التي فرضها هتلر- وشارات مُعلقة على الأذرع لتمييزهم عن الآخرين!

إنّ أحد أهم الأسئلة التي تجول في خاطرنا منذ بدء الأحداث المروعة في فلسطين: لماذا يُصدق العالم قصّة إسرائيل؟ رغم أنّه من اليسير على أحدنا بمجرد القراءة العابرة للتاريخ أن يُدرك الضغينة التي زجّت فلسطين إلى منعطفٍ حادٍ كهذا! لكن وكما يبدو فإنّ الذي يُمنح التعاطف العالمي هو الذي يقصُّ سردية جذابة وقابلة للتصديق، وهذا ما فعله الصهاينة باقتدار لأكثر من سبعة عقود، وقد تلقف الخيال الغربي الحكايات «الملفقة» باستحسان هائل. تناول أحمد الغندور على قناته اليوتيوبية «الدحيح» هذه الفكرة اللافتة في حلقة بعنوان: «حكاية الأرض»، وقد ذهب لتفصيل بالغ الدقة حول أنّ اليهودي الذي ينتقد الصهاينة، يُسمى «باليهودي الذي يكره نفسه»، لمجرد أنّه يحاول إفساد قصّة التعاطف التي ينسجونها، قصّة «عودة اليهود الشجعان إلى أرض الأجداد للبدء بتعميرها»!

وجد الغندور مقاربة بين ما يفعله الصهاينة وبين تعاطف الرجل الأبيض معه، ربما لأنّه يستعيد هو الآخر تاريخه عندما غيّر ملامح أمريكا بإبادة الهنود الحمر! فهم يملكون مسوغات فعل ذلك، لبناء حضارة ذات طراز رفيع حتى وإن كانت فوق مقابر بشرية! فما نشرته الصحيفة الأشهر نيويورك تايمز عام ١٩٤٨ بأنّ: «اليهود في خطر مميت على أراضي المسلمين»، يجعلنا نتأكد بأنّ القصّة المفبركة يُراد تصديقها منذ بدء تخلقها!

وضع مسلسل «هجوم العمالقة» أسبابا لإبادة رعايا «يومير» باعتبارهم شياطين في الأرض ولا حق لهم في الحياة، الأمر الذي يُذكرنا بشيطنة بعض الأعراق والحق في إبادتها لتطهير الأرض منها. بينما في الجهة المقابلة تظهر لنا صورة الوالدين الذين يُلقنان ابنهما «زيك» ما يمكن أن نفسره الآن بأنّهم شعب الله المختار! يُضيء المسلسل أيضا تلك الرغبة المحمومة في الحصول على الوقود الأحفوري «الغاز»، فهل يمكن أن تُبنى هذه القصّة على صدفة الأطماع التي تتوحش في العالم بأسره؟

عندما تردد اليهود بشأن فكرة الانتقال إلى فلسطين قبل عام 48 -كما تشير الحلقة- اضطلع صانعو القرار لحبك أسطورة مؤثرة، فالسفر إلى المجهول مخيف دوما، لكن ماذا لو قلنا لهم: «نحن لن نهاجر بل سنعود إلى وطننا»! فالرؤية الصهيونية تُقدم لنا اليهود باعتبارهم حالة فريدة في التاريخ، العداء ضدهم ثابت وقدري «معاداة السامية مرض وراثي بلا شفاء وعدوى عمرها 2000 سنة»، ولذا استُخدم الدين مسوغًا لتحقيق فكرتهم الاستعمارية، وغُرس في أعماقهم أنّ كراهيتهم تتم لمجرد أنّهم يهود، لذا فالحل أن تكون لهم دولة مستقلة ووطن خاص دون اندماج بالآخرين. هذا ما رآه هرتزل مؤسس المنظمة الصهيونية، فاختلاق تصور معاداة العالم للسامية -المستمر حتى اللحظة- هو الحل الذي سيُمكن اليهود من بناء قصتهم الأسمى، ولذا يُجرم أي رأي أو قول أو موقف لمجرد أنّه يثير حساسيتهم!

حتى لحظة كتابتي لهذا المقال لم أجد للكاتب الياباني «إيساياما» موقفا مُحددا في هذه الديستوبيا المرعبة، فهو يدفعنا لتورط عاطفي ثمّ يسحقنا بحقائق أكثر تعقيدا مما يبدو على السطح المتوتر، لكنه ينفي وجود عالم مثالي وحكاية مكتملة «فمن يمتلك المستقبل يُباح له انتهاك خطوط التاريخ»!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذی ی

إقرأ أيضاً:

الخوذة التي تقرأ المستقبل.. الإمارات تُطلق أول جهاز توليدي بالذكاء الاصطناعي

ابتكار من أبوظبي إلى العالم.. كيف تُغير خوذة الذكاء الاصطناعي قواعد اللعبة

يشهد الذكاء الاصطناعي طفرة غير مسبوقة حول العالم، تتجاوز كل التوقعات، وتعيد رسم ملامح مستقبل مختلف في مختلف القطاعات. لكن في قلب هذا التحول التكنولوجي العالمي، برزت الإمارات العربية المتحدة كدولة عربية تتقدم الصفوف، إذ ينمو فيها الذكاء الاصطناعي “بسرعة الصاروخ”، مدفوعًا برؤية استراتيجية مبكرة وشاملة، جعلت منه شريكًا في صنع القرار الحكومي لا مجرد أداة تقنية.

وفي تصريحات صحفية، يرى محمد علاء، المتخصص في الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي، أن الإمارات “استيقظت مبكرًا” لهذا التحول الكبير، وتعاملت مع الذكاء الاصطناعي باعتباره قوة محورية لا بد من توظيفها داخل مؤسسات الدولة.

ويضيف: "العالم كله يتحدث الآن عن الذكاء الاصطناعي، لكنه في الإمارات أصبح واقعًا فعليًا ضمن البنية الحكومية، ومستشارًا يقدّم التحليلات والمقارنات، ويتوقع النتائج، ويساعد صانع القرار على اتخاذ قرارات دقيقة وسريعة”.

وتابع محمد علاء:"نحن أمام لحظة فارقة في العلاقة بين التكنولوجيا وصنع القرار… بات الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة بحث، بل مرجعًا لصانع السياسات، وهذا يعكس رؤية إماراتية جادة نحو المستقبل.”

كما يشير الخبير إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي لم تعد حكرًا على المختبرات أو الشركات الكبرى، بل دخلت حياة الناس اليومية بقوة:

ويُبرز محمد علاء أن إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، التي أطلقت عام 2017، كانت من أوائل الرؤى الحكومية في العالم التي هدفت إلى دمج الذكاء الاصطناعي في جميع الخدمات، وصولًا إلى استخدام بنسبة 100% بحلول عام 2031.

كما يلفت إلى سلسلة خطوات سبّاقة اتخذتها الدولة، منها: تعيين أول وزير دولة للذكاء الاصطناعي في العالم، وتأسيس شركة G42 بقيادة الشيخ طحنون بن زايد، والمتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي أطلقت مؤخرًا أول خوذة ذكية بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإنشاء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي عام 2019، كأول جامعة للدراسات العليا المتخصصة في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.


ويرى أن دولًا عربية أخرى تتحرك بخطى متسارعة نحو الدمج الفعلي للذكاء الاصطناعي في قطاعاتها الحيوية، وخاصة مصر حيث أطلقت الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي عام 2021، وعقدت شراكات مع اليونسكو، وأطلقت برامج تدريبية موسعة، مع التركيز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصحة والزراعة والتعليم والخدمات.

مقالات مشابهة

  • ليلى خالد... المرأة التي هزّت سماء العالم
  • أردوغان: العالم الذي صمت مع سربرنيتسا يكتفي بمشاهدة الفظائع في فلسطين
  • أردوغان: العالم الذي صمت مع سربرنيتسا ويكتفي بمشاهدة الفظائع في فلسطين
  • أردوغان: العالم يقف متفرجا على الفظائع في فلسطين
  • "إعلان فيينا".. عندما ينطق اليهود بكلمة الحق
  • في ذكرى رحيله.. عمر الشريف النجم الذي عبر حدود السينما إلى قلوب العالم (تقرير)
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطين الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى أفق للسلام
  • علاء شلبي: مصر أكثر دولة انتصرت لحقوق الإنسان في فلسطين
  • الخوذة التي تقرأ المستقبل.. الإمارات تُطلق أول جهاز توليدي بالذكاء الاصطناعي