ألكسندر مالفاي يكتب: المنتدى الجماعى.. النداء الثالث والثلاثون: وسائل مختبرات الأفكار ودور الدولة فى تنمية عملها
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
تم عقد منتدى جماعى يضم ثلاثة وثلاثين شخصية من عالم الأفكار، بما فى ذلك ألكسندر مالفاي، رئيس سينوبيا، الذى يدعو إلى تحسين تمويل «مراكز الفكر» الفرنسية، مع التركيز على دورها الأساسى فى تطوير السياسات العامة الوطنية والأوروبية وتم نشره فى ١٠ نوفمبر فى صحيفة لوموند.
وقرر موقع Le Dialogue إعادة نشره.. فإلى نص البيان الصادر عن ذلك المنتدى الجماعى:
فى يوليو ١٩٨٢، فى مقال نشرته صحيفة لوموند، غامر د.
من المؤكد أن مجموعة صغيرة من المنظمات الفرنسية التى تحمل اسم «مراكز الفكر» تتألق فى فرنسا وعلى المستوى الدولي، سواء من خلال مصداقية عملها أو قدرتها على النشر. ولكن، كما أشار تقرير سان جيور Saint-Geours فى عام ٢٠١٦، فإن تمويل مختبرات الأفكار والدعم المقدم للمجتمع المدنى المنظم يتناقض مع طموحات فرنسا، سواء فى مجال التفكير الاستراتيجى أو فى دورها كلاعب رئيسى فى البناء الأوروبي.
بالمقارنة مع نظرائنا الألمان «برتلسمان، روبرت بوش، كونراد أديناور، فريدريش إيبرت، وما إلى ذلك»، فإن تمويل مؤسسات الفكر والرأى وجمعيات المواطنين العاملة فى القضايا الوطنية والأوروبية محدود فى فرنسا، ويتناقص بشكل منتظم فى السنوات الأخيرة، وذلك بسبب الانفصال بين المجالين الخاص والعام.
وبينما يصوت البوندستاج كل عام، وبطريقة شفافة، على تخصيص أموال للمؤسسات السياسية الكبيرة تزيد على ٦٢٠ مليون يورو، أى بزيادة قدرها ١١٠٪ خلال عشرين عامًا، فإننا نكافح من أجل رفع إجمالى التمويل فى فرنسا الأقل بأربعين مرة عن ألمانيا! ويتم توزيع هذه المبالغ، دون التشاور المسبق مع البرلمان، بطريقة تقديرية بحتة.
تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا ليست الدولة الوحيدة فى أوروبا التى تقدم دعمًا شعبيًا هائلًا لمؤسسات الفكر والرأي؛ وتظهر إسبانيا وإيطاليا والسويد والنمسا أيضًا التزامًا قويًا من جانب الدولة، حيث تمثل ما لا يقل عن ٤٠٪ من ميزانيات الهياكل المعنية.
فى فرنسا، يظل دعم الدولة متواضعًا، بينما فى عدد من المجالات، غالبًا ما يكون تصور فرنسا لأوروبا والعالم أكثر استباقية من تصور شركائنا الأوروبيين، على سبيل المثال، فى مسائل السيادة الأوروبية.
ومن خلال الحد من وسائل هذه الجمعيات، تقيد الدولة عملها ونفوذها، حيث تستطيع هذه المنظمات، من خلال دخول المجتمع المدنى وشكل التنظيم الهجين الواقع بين المعرفة والسلطة، تنظيم أفكار وأعمال تخدم المصلحة العامة.
وبالتالى فإن بلدنا يواجه خطر «الهبوط» من حيث الإبداع والبحث والمعلومات والنشر فيما يتعلق بالسياسات العامة الوطنية والأوروبية.
وفى حالة الاتحاد الأوروبي، فإن هذا المنظور مثير للقلق على الرغم من أن الجمعيات المكرسة للقضايا الأوروبية مثل الاتحاد الفرنسى لبيوت أوروبا، أو الحركة الأوروبية أو مؤسسات الفكر والرأى الفرنسية المخصصة لهذه القضايا قادرة على ممارسة عملها، اعتبارًا من اليوم. وهى قوة ناعمة منظمة ومفيدة ومتعددة الأوجه، فى مواجهة عودة القومية إلى قارتنا.
علاوة على ذلك، وبما أن مساعدات الاتحاد الأوروبى مشروطة بإظهار الصلابة المالية الراسخة، فإن العديد من المؤثرين الفرنسيين يجدون أنفسهم محرومين منها بحكم الأمر الواقع، وذلك لصالح جمعيات من بلدان أخرى تستفيد من مساعدات عامة أو خاصة أكثر سخاء.
أبعد من ذلك، فإن نقاط الضعف هذه تعرضنا لخطر التأثيرات الأجنبية، فى هذا القرن الحادى والعشرين حيث تتطلب التحولات الجيوسياسية والجيواستراتيجية العميقة، والصراعات المتعددة التى تجسدها، قياسًا دقيقًا للتدخل الأيديولوجى الذى يمكن أن يحدث داخل كيانات هشة بشكل خاص، فى مجتمعاتنا.
فى هذا السياق، فإن تعزيز حضور الدولة فى تمويل مؤسسات الفكر والرأى الفرنسية والجمعيات العاملة فى مجال الشئون الوطنية والأوروبية والدولية من شأنه أن يشكل، مع مراعاة الشفافية والحوكمة من قبل أعضاء مستقلين فى المجتمع المدني، ضمانة: أنهم لن يقعوا فى حضن المصالح الأجنبية، بما لا يتماشى مع المصلحة الجماعية، أو حتى يتعارض معها. ومن شأن هذا الحضور العام أيضًا أن يشجع الجهات الخاصة فى فرنسا على إعادة المشاركة فى دعم هذا النظام البيئى القيم.
وفى مواجهة كل هذه التحديات، حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وبالتالى فإن الفحص التالى لمشروع قانون المالية لعام ٢٠٢٤ يمكن أن يكون فرصة للنظر فى إنشاء صندوق عام مخصص لتعزيز البحوث الخاصة وتأثير الفكر الاستراتيجى الفرنسى فى أوروبا والعالم، والإجراءات التعليمية بشأن القضايا الأوروبية.
يمكن أن يكون هذا الصندوق الذى يجمع اللجان المختصة فى الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ بمثابة أداة لتمويل شفاف متعدد السنوات، بناءً على معايير ذات صلة «جودة الدراسات، والموضوعات المفضلة، وانتظام المنشورات والأحداث، والتبادلات خارج فرنسا، والتعليم والخبرة، ومبادرات التعميم، وتحريك الشبكة الإقليمية فى فرنسا، وما إلى ذلك».
وبنفس الطريقة، يستطيع المشرع أن يشجع الشركات الخاصة والعامة على تمويلها، من خلال تشجيع الإعفاء الضريبى للتبرعات، وتسهيل الاعتراف بالمنفعة العامة والوصول إلى وضع المؤسسة، وبشكل أكثر عمومًا من خلال إقناع الشركات بالاستثمار فى قضايا الفكر.
إن الطموح والشفافية والانفتاح، فى إطار المواجهة الحقيقية للأفكار والتعددية المضمونة، يمكن أن تشكل بعض المحاور لتطوير النظام البيئى التعددى والهش لمختبرات الأفكار وجمعيات المواطنين المشاركة فى فرنسا وأوروبا وحول العالم.
فى مواجهة التغيرات المتعددة المتسارعة التى تعبر عالمنا وتهزه، نحتاج إلى قوة حقيقية من المقترحات والابتكارات والبصيرة والإجراءات، وهى أكثر أهمية من أى وقت مضى لبلدنا.
الموقعون على النداء
إيف بيرنهايم، مدير المواجهات فى أوروبا- كريستيان دى بويسيو، أستاذ فخرى بجامعة باريس الأولى بانتيون السوربون- كريستين بونيو، أستاذة فخرية للتاريخ المعاصر بجامعة بوردو مونتين- كريستوف بونيو، أستاذ فخرى للتاريخ الاقتصادى فى جامعة بوردو مونتين- أوليفييه بريتون، رئيس شركة Image & Strategy Europe- آن بوشر، مديرة إدارة المواجهات فى أوروبا.
والمديرة العامة السابقة للمفوضية الأوروبية- مارتين بورون، الرئيسة الفخرية لاتحاد دور أوروبا الفرنسية، وعضوة البرلمان الأوروبى سابقًا- دومينيك كالملز، المؤسس المشارك لمعهد العقل - ماتيو كارون، مدير مرصد الأخلاقيات العامة- جان مارى كافادا، الرئيس الفخرى للحركة الأوروبية، وعضو البرلمان الأوروبى السابق- كارين دانيال، رئيسة الاتحاد الفرنسى لبيوت أوروبا- ميشيل ديرديفي.
ورئيس منظمة المواجهة فى أوروبا ودار أوروبا فى باريس- رينيه دوسيير، رئيس مرصد الأخلاق العامة، والنائب الفخري- نيكولا دوفرين، مدير معهد روسو- جان جاريك، رئيس لجنة التاريخ البرلمانى والسياسي- كريستوف جومار، مدير فى سينوبيا- دومينيك جرابر، نائب الرئيس لشؤون المواجهة فى أوروبا- جوناس حداد، الناطق الرسمى باسم مؤسسة كونكورد- ماكسيم لوفيفر، سفير سابق.
وأستاذ منتسب دائم في ESCP - كريستوف لوفيفر، عضو اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية - جان مارك ليبرهير، رئيس معهد جان مونيه- ىجان كلود ميلي، نائب رئيس سينوبيا- جاك ماير، نائب رئيس قسم المواجهات فى أوروبا، الرئيس السابق لمجموعة التجديد التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا- ألكسندر مالفاي، رئيس سينوبيا- بنيامين موريل.
والمحاضر فى باريس بانثيون- هيرفى موريتز، رئيس الحركة الأوروبية فى فرنسا - لور نيكولو، رئيسة الشباب الأوروبى فى فرنسا- جاك بيرسيبوا، أستاذ فخرى بجامعة مونبلييه - كريستيان بييريه، مدير منظمة المواجهات فى أوروبا، وزير سابق- جوردن بروفوست، دكتور فى التاريخ المعاصر- دومينيك روسو، مدير برنامج المواجهة فى أوروبا، وأستاذ القانون الفخرى فى جامعة باريس ١ بانثيون السوربون- نيكولا تينزر، مدرس فى معهد التعليم الفردى فى باريس- سيدريك فيلاني، أستاذ بجامعة كلود برنارد ليون ١، نائب سابق ورئيس المكتب البرلمانى لتقييم الخيارات العلمية والتكنولوجية.
ألكسندر مالفاي: كاتب ورئيس مؤسسة سينوبيا SYNOPIA وعضو دائرة الاتحاد المتحالف. أول مقال كتبه كان فى سن 18 عامًا بعنوان الجمهورية السادسة، ومنذ عام 2008، نشر 5 روايات إلى جانب مقالاته ذات الطابع السياسى، كما عمل قائد فرقاطة بالبحرية الفرنسية.. ينضم للحوار، مستعرضًا البيان الجماعى الصادر حول مراكز الفكر التى لا تحظى باهتمام الدولة الفرنسية رغم أهميتها، وفق الموقعين على البيان.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مراكز الفكر القوة الناعمة فى فرنسا من خلال یمکن أن
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: اللاجئون واختراق الأمن الوطني
يُعدّ ملف اللاجئين في السودان من أكثر الملفات حساسية وتشابكًا في الوقت الراهن، لما يحمله من تداعيات أمنية، وأبعاد اجتماعية، وتحديات سياسية، خاصةً بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، والتي تسببت في موجات لجوء ونزوح داخلي وخارجي غير مسبوقة، كشفت هشاشة الدولة في التعامل مع هذه الأزمة، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات عدة حول السيادة والهوية الوطنية.
منذ بداية الحرب، سجّلت تقارير محلية مشاركة عناصر من جنسيات دول الجوار في القتال ضمن صفوف مليشيا الدعم السريع، ما أثار مخاوف جدية من استغلال وضع اللاجئين لاختراق الأمن الوطني السوداني. وتبرز هذه المخاوف في ظل هشاشة الحدود وغياب الرقابة الفاعلة على حركة اللاجئين، لاسيّما في ولايات مثل الخرطوم والنيل الأبيض، التي تحولت إلى مراكز تجمعات ضخمة لهم.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى قرار حكومة ولاية الخرطوم بترحيل اللاجئين خارج العاصمة كمحاولة لاحتواء التهديد، وفقًا لتصريحات صديق حسن فريني، المدير العام لوزارة التنمية الاجتماعية بالولاية، الذي أشار إلى أن الظروف الاستثنائية فرضت إعادة ترتيب الأولويات الأمنية والاجتماعية.
أما التحدي الأخطر، فهو محاولات فرض سياسة دمج اللاجئين في المجتمع في وقت تعاني فيه الدولة من فراغ تشريعي ومؤسسي. وقد كشف مقال نشر في “صوت السودان” عن توقيع مبدئي على بنود ما يُعرف بـ”الاتفاق العالمي للهجرة واللاجئين” (Global Compact)، وهو اتفاق لطالما تحفّظت عليه الخرطوم، لما ينطوي عليه من آثار مباشرة على التركيبة السكانية والموارد الوطنية.
هذا الاتفاق، الذي يمنح اللاجئين حقوقًا موسّعة مثل حرية التنقل، والتملك، والحصول على الخدمات الحكومية، بل وحتى الجنسية، يُعدّ من وجهة نظر المراقبين انتهاكًا للسيادة الوطنية، ومحاولة لإعادة تشكيل المجتمع السوداني ديموغرافيًا. والمقلق أن هذه الخطوات تُتخذ في غياب أي تفويض تشريعي أو رقابة برلمانية، وسط غياب مؤسسات الحكم الانتقالي.
وفي ولاية النيل الأبيض، التي تستضيف أكثر من 500 ألف لاجئ، تعاني المجتمعات المحلية من ضعف الخدمات الأساسية، من تعليم وصحة إلى بنية تحتية متهالكة. وقد عبّر والي الولاية، الفريق قمر الدين فضل المولى، عن هذه الهواجس خلال لقائه مؤخرًا بوفد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مطالبًا بدور دولي أكبر لتخفيف العبء عن السكان المحليين.
وهذا يعكس إدراكًا متأخرًا لحجم الضغوط التي تواجهها الدولة السودانية كدولة مضيفة، في ظل تراجع عالمي ملحوظ في دعم قضايا اللاجئين. والمفارقة المؤلمة، هي الفرق الشاسع بين تعامل السودان مع لاجئي دول الجوار، وبين تعامل تلك الدول مع اللاجئين السودانيين.
ففي مصر وتشاد وإثيوبيا، يُعامل اللاجئ السوداني وفق قوانين صارمة تشمل رسوم إقامة وقيودًا على الحركة. بينما في السودان، تُفتح الأبواب دون رقابة كافية أو ضوابط صارمة، بل وتُجرى مفاوضات بشأن دمج اللاجئين، دون النظر في الانعكاسات الأمنية والاجتماعية لهذا الخيار.
وقد تصاعدت الانتقادات الموجّهة إلى معتمدية اللاجئين ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في السودان، وسط اتهامات نقلتها وسائل إعلام محلية موجهة للسيد موسى علي عطرون، معتمد اللاجئين، بلعب دور في التمهيد لتوقيع اتفاقيات بلا تفويض قانوني، في ظل غياب الشفافية والمساءلة. حيث أصبحت المفوضية تنفذ وتنسق دون رقابة فعلية من مؤسسات الحكم الانتقالي أو مجلس السيادة.
والمطلوب من حكومة “الأمل” المرتقبة، هو إعداد سياسة وطنية واضحة وشاملة تجاه قضية اللاجئين، تستند إلى موافقة تشريعية معلنة على أي اتفاق دولي محتمل، وتُعرض تفاصيلها على الرأي العام. كما يجب إعادة تقييم الوجود الأجنبي العشوائي، وتفعيل آليات الحصر والمراقبة والتصنيف، مع ضمان حقوق المجتمعات المستضيفة، وعدم تحميلها فوق طاقتها، وحماية الهوية الوطنية والديموغرافية من أي عمليات دمج قسرية.
وفي المقابل، هناك نماذج إقليمية يمكن الاستفادة منها في إدارة هذا الملف، مثل تجربة لبنان التي رفضت توطين اللاجئين السوريين، متمسكة بخيار العودة الطوعية، رغم الضغوط الأممية، وفق تقارير UNHCR” Lebanon لعام 2023.” كذلك في إثيوبيا، سُمح للاجئين بحرية التنقل والعمل بموجب قانون 2019، دون أن تُمنح لهم حقوق سياسية أو تملك.
وتؤكد هذه النماذج أن القانون الدولي لا يُلزم الدول بالتوطين أو منح الجنسية، بل يفرض عدم الإعادة القسرية، وضمان الحماية، وتوفير الخدمات، في إطار اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والمبادئ التي تعتمدها المفوضية السامية للأمم المتحدة “UNHCR”.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن ملف اللاجئين يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة السودانية على حماية أمنها الوطني دون الإخلال بالتزاماتها الإنسانية. وهو ملف لا يحتمل المجاملات السياسية أو التسويات الوقتية، فالتحدي الأكبر قد لا يأتي من الخارج، بل مما يُراد فرضه من الداخل تحت لافتة العمل الإنساني.
فهل تكون حكومة “الأمل” على قدر هذا التحدي؟ أم أن هذا الملف، كسابقاته، سيُترك مفتوحًا ليصبح عبئًا متفاقمًا على أمن البلاد ومستقبلها؟
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 9 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com