أحمد حسن يرمم «ذاكرة منسية»
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
(ما من ذهاب أو إياب/ ما من مسير غير أحزان تسافر عبر أودية الضباب/ من الصقيع إلى السراب/ حيث البدايات اغتراب/ حيث النهايات انتحاب).
هكذا ينشد بأسى الشاعر الموهوب أحمد حسن عوض فى قصيدته الفاتنة (لا غير أنت) المنشورة فى ديوانه الجديد (ذاكرة منسية) الصادر هذا العام عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
قبل الولوج فى بستان هذا الديوان العامر بالقصائد اليانعة، علينا الاعتراف بأن الرواية العربية خطفت الاهتمام الجماهيرى والنقدى فى ربع القرن الأخير، بل يمكن القول إنها طردت دواوين الشعر من فوق أرفف المكتبات، إذ غدونا نلمح ازدهار الرواية بشكل لافت، لا من حيث الجوائز السخية التى تخصصها مؤسسات مرموقة فحسب، وإنما من خلال الإقبال الكبير على اقتنائها من قبل القرّاء العرب هنا وهناك.
المثير أن كثيرًا من الشعراء، الموهوبين وأنصاف الموهبين، قد هجروا أبيات القصيدة، وقرروا الإقامة فى قصور الرواية لأسباب متنوعة ليس الآن مكان ذكرها، الأمر الذى جعل العثور على ديوان جميل متفرد يعيد للشعر بهاءه القديم أمرًا بالغ الصعوبة.
من هنا يجب أن نحتفى ونحتفل بديوان (ذاكرة منسية)، ذلك أن الشاعر أحمد حسن عوض استطاع عبر 26 قصيدة أن يعقد مصالحة لطيفة بين القصيدة وبين القارئ المحروم من الشعر وحلاوته، وأن يثبت للقارئ الظمآن للقصيدة العذبة أن الشعر الجميل قادر على التألق إذا صادف شاعرًا موهوبًا مدججًا بثلاثة أسلحة فنية هى: رؤية شاملة للعالم المتوتر الذى نعيش فيه، ومهارات لغوية متنوعة، أما السلاح الفنى الثالث، فهو خيال خصب قادر على ابتكار تراكيب لغوية جديدة تعبر عن حال الإنسان فى هذا الزمن المشاغب.
اقرأ معى (متاهات الغياب) وهى قصيدة قصيرة. يقول أحمد: (سيمعن فى الغياب ولا يجىء/ كذاكرة من الزمن الخبىء/ تسافر فوق أشرعة الليالى دخانا يحتوى القمر المضيء/ لهذا الغيم أفئدة حيارى وللتعساء حلم لا يفىء/ أما من بارق يجتاح عينى ويخلع ذلك الجسد الصديء/ لتولد فوق أفق الله روحى وتحسو قطرة النور الدفيء/ أم أن الليل حين طوى فضائى وأرخى ستره الكابى القمىء/ توغل فى ضلوع الكون نصل وأزهق روح إحساس برىء).
يواصل شاعرنا المتدفق جولاته وصولاته فى حدائق الشعر المقطر، فيكتب لنا عن (الخلود) قائلاً: (من أين يتبعك الخلود وأنت سارٍ فى تفاصيل المدينة بين بين/ نهر تفيض بك المتاهة كلما شارفت معنى الضفتين/ أرق السؤال ووردتان تهاجران إلى الرؤى المستعصيات على التجسيد فى يقين المقلتين/ الآن... أين/ تمضى إلى جسد الرحيل وتنطفى بلحاظ عين/ وتعيد ترتيل الغواية... تنتشى... عند اشتجار حقيقتين/ هى خفقة أولى أطلت فى فضائك عندما بُعث السؤال على يديك مقطرًا بغمامتين).
أحمد حسن عوض شاعر جاد موهوب، عرف كيف يطوّع اللغة الفصحى لضرورات الشعر وعذوبته فى القرن الحادى والعشرين، وها هو يقدم لنا فى (ذاكرة منسية) مائدة عامرة بما لذ وطاب للعقل والروح والوجدان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ناصر عراق الجماهيري الرواية العربية أحمد حسن
إقرأ أيضاً:
ماهر مهران: «أزهار السنط» الفائزة بجائزة الرواية العربية: كتبتُها لتذكّر القارئ بأن الإرادة تنتصر دائمًا| خاص
صدر حديثًا عن مؤسسة الخلق العظيم بالعراق، العمل الروائي الجديد "أزهار السنط" للكاتب والشاعر ماهر مهران، في 122 صفحة، تحت إشراف ومراجعة اللجنة العلمية بالمؤسسة، بعد فوز مخطوطتها بجائزة الرواية العربية في دورتها الأولى التي تنظمها المؤسسة بالعراق.
وقال الكاتب ماهر مهران، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إن رواية أزهار السنط فازت العام الماضي بجائزة الرواية العربية بالعراق وهي رواية اجتماعية تدور في قرية من قرى صعيد مصر ، وهي رواية ترويها فتاة حالمة اسمها عوافي تتعرض لعقبات تكاد أن تدمرها لكن سرعان ما يجد القاريء نفسه وقد تورط في رواية للشخصية الثانية في الرواية وهي شلع تلك المرأة الصعيدية العنيدة التي وجدت نفسها محاصرة بكل عوامل الانهيار لكنها تقاوم وتحلم وتتحمل وقبل أن نعرف نتيجة حلمها يجد القاريء نفسه أمام رواية بدرية تلك المعلمة التي وجدت نفسها في مدرسة مدمرة وطلاب ضائعين وقررت أن تحيل الضعف إلى قوة والاحباط إلى نجاحات.
الرواية رغم أن ابطالها مأزومون وعلى وشك الضياع إلا أنها طاقة رواية ايجابية.
وأضاف
أزهار السنط رواية تستحق أن يقرأها طلاب المرحلة الثانوية والجامعية وكل من يريد التحول من الضعف إلى القوة ومن العجز إلى الإرادة ومن الضياع إلى التميز والتألق..
أزهار السنط هي الرواية الثامنة للكاتب ماهر مهران بعد قاو أسطورة الدم وبنات قبلي وعشى ليلي وأين أذهب يارب؟ وكرة النار والمزيفون وعحائب قريتي.
تدور أحداث الرواية في قرية "قاو" جنوب شرق أسيوط، حيث يستثمر المؤلف خبرته الطويلة في الكتابة عن الصعيد المهمش، ليقدم عالما سرديا لا يكتفي برصد الواقع الاجتماعي والاقتصادي القاسي، بل يفتش عن "الجميل الكامن" داخل شخوصه، ويجعل من التحول من الضعف إلى القوة ومن الركود إلى الانطلاق محورًا دراميًا أساسيًا.
وتوازن رواية أزهار السنط بين مستويات متعددة للغة، تمزج بين الحساسية الشعرية واللغة اليومية الحية، في بناء سردي يراوح بين الحزن والبهجة، واليأس والأمل، مع حضور واضح لخبرة المؤلف الشعرية في صياغة الجمل وإضفاء إيقاع خاص على السرد.
ماهر مهران، شاعر وروائي وكاتب مصري، عضو اتحاد كتاب مصر، ويعمل مؤلفًا ومعد برامج باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري، صدرت له في مجال الرواية أعمال بارزة عن عالم الصعيد المهمش، من بينها "قاو أسطورة الدم" (سلسلة وعد)، "بنات قبلي" (سلسلة أصوات – الهيئة العامة لقصور الثقافة)، "عشى ليلي" (دار الساقي – بيروت)، "كرة النار"، "أين أذهب يا رب؟"، و"المزيفون".
وعُرف كأحد أبرز أصوات شعر العامية المصرية، حيث أصدر عددًا من الدواوين منها "هفهفات النخيل"، "أغاني أشجار السنط"، "الخدامة"، "تعليم مجاني"، "العزف على الضلوع"، و"جسمها جنينة"
نال مهران الجائزة الأولى لشعر العامية التي نظمتها جريدة "أخبار الأدب" عام 1998، كما حصدت مخطوطات رواياته جوائز عربية مهمة، من بينها جائزة مانديلا للآداب عن "الحفر بأصابع ناعمة" (2021)، وجائزة شرف الدين بلال للآداب عن "اللعنات" (2022)، قبل أن تفوز "أزهار السنط" بجائزة الرواية العربية بالعراق عام 2024.