سودانايل:
2025-06-29@22:49:52 GMT

وفي الليلة الظلماء تُفتقد “أنقذوا دارفور” (2004) (2-2)

تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT

"إذا أردت اليوم، ودارفور في هذا العسر من أمرها، أن ترى ما تراها منظمة "أنقذوا دارفور" فاعلة معها وجدت موقعها لا يزال على الشبكة، ولكنه، في قول أهله، غير مفعل".
قال المحرر في "نيويورك تايمز"، مؤلف كتاب "مدفعيات الصحافة" (عام 1967)، جيمس روستن، إن الخبر ليس خبراً مجرداً إلا في مساقطه بين العالمين، أما في موطن نشأته فهو علم اجتماع.

أي إن الخبر يخرج للعالم من صلب كيان اجتماعي وعليه بصمة من علائق هذا الكيان. ولكن تنسلخ هذه السياقات عنه حيث بلغ المسامع ويستبدل بها ربما أخرى من علم اجتماع من تلقوه من الوسائط.
ولا أعرف مثل الأكاديمي اليوغندي محمود ممداني من طرق هذه التفرقة بين الخبر وعلم اجتماعه في كتابه "منقِذون ومنقَذون: دارفور، السياسة، والحرب على الإرهاب" (عام 2009). فأخضع نوعية المعرفة بدارفور من وراء نشاط منظمة "أنقذوا دارفور" الأميركية، التي خرجت في 2004 للتضامن مع دارفور في نكبتها الأولى، لاختبار المفارقة بين الخبر في منشئه والخبر في مساقطه في العالمين. وستجده أصاب كثيراً.
جاء ممداني في كتابه إلى مسألة دارفور بقريب مما رأينا روستون يفعل. فرأى مثله بعد البون ما بين الواقعة في موطنها ومساقط خبرها بين العالمين. فكانت واقعة دارفور، حيث انتهت إلى منظمة "أنقذوا دارفور" هي عن صراع استئصالي يقوم به الجنجويد العرب، مدعومين بنظام إسلامي عروبي، على الجماعات الأفريقية، الزرقة في المصطلح المحلي، بينما كان رأي محمداني أنه، حيث وقع، نزاع بين بين مالكي الحاكورة (تملك جماعة ما أرضاً حصرياً عليها) ومن لا يملكونها بغض النظر عن الأعراق. فمن ملكوا الحواكير في دارفور أفارقة وعرب سواء. وبين من خلت يدهم عنها عرب وأفارقة كذلك. والصراع بوجه آخر نزاع على الموارد بين الرعاة والمزارعين صدف أن كانت غالبية الرعاة من العرب وإن لم تخل قائمتهم من الأفارقة.
ولا تختلف الصحافية والسينمائية جولي فلنت عن ممداني في كتابها اللاحق لكتابه "الحرب الأخرى: حروب العرب البينية في دارفور" (عام 2010). فأهم ما خرجت به في كتابها أن العرب، الذين ارتكبوا الجرائم في حق أفارقة دارفور خدمة لنظام "الإنقاذ" حتى اتهموا بـ"التطهير الإثني"، كانوا في الأثناء قاتل بعضهم بعضاً طويلاً وبضراوة ودموية. وزادت بأن وقائع "داحس وغبراء" العرب تلك تخلفت في مواطنها، ولم تبلغ أسماع أهل الخبر عبر المحيطات، أو أنهم أسقطوها عمداً حتى لا تعكر صفاء الصراع محض بين العرب والأفارقة. وهو الصراع الذي كان من وراء استثارة المنظمة للحملة أول أمرها في قول ممداني. فغاية "أنقذوا دارفور"، في قوله، هي "تعريب" العنف في سياق الحملات ضد الإرهاب، والعرب موئله، القائمة على قدم وساق. فحملة إسعاف دارفور في أشرق جوانبها، في قوله، هي رومانس مدفوع برغبة في إشباع إنسانية مروعة عجلى لعلاج لمشكلة مؤرقة للضمير، أما في أسوأ حالاتها فهي نشاط متقن مدجج بالصحافة مصمم لتوزير العرب كجماعة مزهوة سكرى بعرقها مصممة على استئصال الأفارقة عن بكرة أبيهم.
وأخذ ممداني على "أنقذوا دارفور" مطابقة تضامنهم مع أفارقة دارفور مع التضامن الذي سبق لهم مع قضية أفارقة جنوب السودان. وهذا إبعاد في النجعة. فبينما ربما صح القول إن المواجهة في الجنوب كانت بين دولة مركزية سيطر عليها عرب مسلمون، إلا أن الصراع في دارفور خلا من هذا الصفاء كما تقدم. فهو بين عرب وعرب، وعرب وأفارقة، وأفارقة وأفارقة، ناهيك بأنه لم تكن لعرب دارفور وقتها شوكة عرب المركز الحاكم في الخرطوم. علاوة على أن حرب الجنوب كانت "تمرداً" ضد الدولة بينما دارفور حرب أهلية بين المزارعين المستقرين والرعاة عائدة إلى سنوات آخر الثمانينيات.
ويرى ممداني أن الخبر عن دارفور، الذي سماه "أثر السي أن أن" غطى على سياقه حيث وقع. فنشطاء "أنقذوا دارفور" جمعوا، في قوله، بين نهج يستحقر المعرفة عما هم بصدد التضامن معه إلى تذرع بأنه يكفيهم حسن المقصد في نشاطهم العملي لمثل هذا التضامن. ويستغشون بثيابهم دون العلم بحقائق القضية التي نهضوا للتضامن معها لأن العلم الوثيق بها مما يعقد السردية بتفاصيل متكاثرة تغطي على الجراح النازفة في مثل محنة دارفور. وفي المقابل فهم يعتمدون على الدليل الذي يرونه بالعين المجردة ويتحاشون التطرق إلى سياق ما يرونه محاشاة العمى. فالصور لجراح دارفور النازفة والمقابلات مع من تصادف من الضحايا هي التي تتحدث إليهم دون غيرها مما فتح حركتهم جمعاء لما سماه "أثر السي أن أن"، أي تغلب الخبر على ما عداه، كما تقدم. فنشطاء "أنقذوا دارفور" نشأوا على الثقة في الصورة فوق ما عداها، وإن كان لا بد من السؤال عن محتواها، فلهذا وقته لاحقاً. وصفوة الأمر أنهم يجردون خبر دارفور و"بورنوغرافي العنف" في أرجائها من السياق. فهم كمن يستعيض بالوثوق الأخلاقي عن المعرفة الوثقى بعلم اجتماع خبره.
وقال ممداني إنه درج على أنه، ما طرأت له مسألة مثل دارفور (وسبق أن كتب عن الاستئصال العرقي في رواندا)، حتى تحرى شجرة نسبها ليعرف من أي سياق خرجت للوجود: كيف يعيننا هذا السياق في تغبيش معرفتنا بها، أو في فض مغاليقها. وقال إن هذا ما ساقه بمر الزمن إلى أن تتخذ مباحثه الطابع التاريخي لأن التاريخ سياق لا مهرب منه لفهم الواقعة حيث وقعت.
ويبدو أن الخبر سحابة صيف سرعان ما تنقشع. فإذا أردت اليوم، ودارفور في هذا العسر من أمرها، أن ترى ما تراها منظمة "أنقذوا دارفور" فاعلة معها وجدت موقعها لا يزال على الشبكة، ولكنه، في قول أهله، غير مفعل. فبينما بقيت الواقعة تبدد الخبر. وهذا علم اجتماع آخر عمن أضربوا هذه المرة عن إنقاذ دارفور.


IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: دارفور فی

إقرأ أيضاً:

أكسيوس: فوز ممداني جعل نبرة كراهية الإسلام عادية في أميركا وبأعلى المستويات

أثار فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، التي تؤهله للمنافسة على منصب عمدة مدينة نيويورك، موجة من الهجمات المعادية للإسلام من عديد من الأطراف، من بينهم أعضاء حاليون في الكونغرس.

بيد أن أهمية هذا التطور -حسب موقع أكسيوس الإخباري الأميركي- تكمن في أن خطاب العنصرية الصريح بات سمة طبيعية على أعلى مستويات السياسة في الولايات المتحدة.

ووفقا لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) ورابطة مكافحة التشهير، فقد بلغت حوادث كراهية الإسلام ومعاداة السامية أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2024.

ويأتي تعميم نبرة كراهية الإسلام في الخطاب السياسي بعد نحو عقد من الزمن من دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبان حملته الانتخابية لعام 2016، إلى حظر دخول المسلمين إلى البلاد بشكل تام وكامل.

وأفاد أكسيوس في تقريره بأن من يتصدر المشهد هذه الأيام أندي أوغيلز عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري، التي طالبت بسحب الجنسية من ممداني وترحيله، بحجة أنه مولود في أوغندا وحصل على الجنسية الأميركية عام 2018.

لكن الموقع الإخباري يقول إن سحب الجنسية هو من الإجراءات الصارمة المنصوص عليها في القانون الفدرالي الأميركي، ويقتصر عادة على الحالات التي تنطوي على الاحتيال للحصول على الجنسية.

وقد كشف ممداني -الذي سيكون أول عمدة مسلم لنيويورك في حال فوزه بالانتخابات العامة التي ستُجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل- عن التهديدات العنيفة ورسائل الكراهية التي تلقاها طوال حملته الانتخابية.

وقال لقناة "إم إس إن بي سي" إنه يعتبر فوزه "فرصة للتعريف بكوني مسلما هو مثل أن أكون من أتباع أي ديانة أخرى".

وانتقد موقع أكسيوس البيئة الإعلامية الأميركية، ووصفها بأنها متصدعة ومفرطة في تحيزاتها الحزبية، مما جعل فضح العنصرية علنا أقل فعالية.

إعلان

وأشار إلى أن الهجمات، التي كانت تثير حفيظة الحزبين الجمهوري والديمقراطي في يوم من الأيام، تنتشر الآن دون محاسبة، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تتفشى فيها نبرة الكراهية كالوباء.

إن محاولات ربط ممداني دون سند بما يسميه الموقع الأميركي الإرهاب الإسلامي قد تثير قلق بعض الناخبين، خاصة في ظل تنامي ظاهرة معاداة السامية في مدينة تضم أكبر عدد من السكان اليهود في العالم خارج إسرائيل.

ومع ذلك، فإن بعض منتقدي ممداني الأعلى صوتا لا يتمتعون بشعبية بالفعل في نيويورك، كما يقول راسيل كونتريراس مراسل أكسيوس الذي يرى أن تصريحات هؤلاء المعادية للإسلام من شأنها أن تؤدي إلى نتائج عكسية، وتزيد من تحفيز تحالفه لتحقيق فوز تاريخي.

كونتريراس: تصريحات منتقدي ممداني المعادية للإسلام من شأنها أن تؤدي إلى نتائج عكسية، وتزيد من تحفيز تحالفه لتحقيق فوز تاريخي.

وأوضح التقرير أن التحالف المناصر للمداني يضم ناخبين يهودا تقدميين وليبراليين متعلمين جامعيين ومجتمعات الطبقة العاملة.

وبعد فوزه في الانتخابات التمهيدية، لجأ نشطاء حركة "ماغا" المؤيدة لترامب من المشرعين الجمهوريين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمة ممداني في دينه وتراثه وسياساته اليسارية، واعتبروه "معاديا للسامية واشتراكيا وشيوعيا سيدمر مدينة نيويورك العظيمة".

لكن جيمس زغبي، المؤسس المشارك للمعهد العربي الأميركي، دافع عنه قائلا إن الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) أصبح ظاهرة أشد وقاحة رغم أنه لا توجد تداعيات.

ومن جانبه، قال باسم القرا، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية: "إننا نرى ظاهرة كراهية الإسلام نفسها تصدر من المتعصبين أنفسهم في كل مرة يترشح فيها مسلم لمنصب عام"، مضيفا أن الأمر أصبح طبيعيا الآن.

مقالات مشابهة

  • غزّة والشباب.. كيف انتصر زهران ممداني في معركته الأولى في نيويورك؟
  • خطيب ضحية حادث الطريق الإقليمى: أحلامى راحت وفرحنا كان أول أغسطس | فيديو
  • بعد زواج 7 سنين انفصال عبير صبري عن زوجها … ماذا قالت عنه؟
  • الغارديان: زهران ممداني يُطلق زلزالا سياسيا في نيويورك
  • أكسيوس: فوز ممداني جعل نبرة كراهية الإسلام عادية في أميركا وبأعلى المستويات
  • دعوة لتفعيل آليات “أممية” قوية من أجل الفاشر
  • ما وراء الخبر يناقش مستقبل التعاطي الأميركي الإسرائيلي مع الملف النووي الإيراني
  • عمتي “أم غالب الغرير” مدرسة في الإستقلال الإقتصادي
  • موجة عداء للمسلمين بعد فوز ممداني في انتخابات نيويورك التمهيدية
  • بعد تداول تسجيلات صوتيّة... مصادر أمنيّة تنفي هذا الخبر