ورطة «اليوم التالي»
مهما كانت النتائج العسكرية لهذه الحرب، فإن اليوم التالي لها لن يغيب عنه قلق إسرائيلي وأميركي عميق.
يرى الأميركيون أن رفض إسرائيل حلّ الدولتين يعني حلّ الدولة الواحدة، والقيام بنكبة جديدة في الضفة الغربية والقطاع أمر يصعب تحقيقه ولو بتدرّج.
يود بعض الإسرائيليين استعادة سيناريو بيروت 1982، في إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه السيناريو جاء بقوى أكثر راديكالية أدت لأزمة كبيرة لإسرائيل والغرب.
ما تطرحه الولايات المتحدة من منح إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية بعد تجديدها (جلب وجه بديل في رئاستها) لا يعدو كونه تعيين حارس أمني محلي لحماية أمن إسرائيل.
إعادة احتلال القطاع أو السيطرة الأمنية عليه تعني التورط بعبء إدارة شؤون أكثر من مليونَي إنسان، واستنزافاً أمنياً وعسكرياً، إذ لن يتوقف إيذاء الفلسطينيين القوة المحتلة بكل شكل.
تحاول الإدارة الأميركية إنقاذ إسرائيل بطرح حلول تقلّل تورط إسرائيل في استنزاف طويل تجرّ معه أميركا إلى ما لا تريده بهذه المرحلة، لكن حلول الطرفين المطروحة تورط كليهما.
* * *
أدخلت عملية 7 أكتوبر إسرائيل إلى حربٍ لم تخطّط لها، فاندفعت للانتقام بتوجيهٍ ومساعدة من الولايات المتحدة. حاول الأميركيون دفع نتنياهو للتفكير في «اليوم التالي» لحربه على غزة، حيث يفترض الطرفان إمكانية تحقيق الأهداف الكبيرة للحرب من تفكيك البنية العسكرية لحماس، والقضاء على حكمها للقطاع.
اصطدم الاثنان بتباعد خياراتهما الاستراتيجية، إذ يتمسك الأميركيون بحلّ الدولتين ولو شكلياً، بينما يفاخر نتنياهو بأنه منع بكل قوة إقامة دولة فلسطينية. تحاول الإدارة الأميركية إنقاذ إسرائيل من نفسها، عبر طرح حلول تقلّل من احتمالية تورط إسرائيل في استنزاف طويل تجرّ معه الولايات المتحدة إلى ما لا تريده في هذه المرحلة، لكن حلول الطرفين المطروحة تفضي إلى ورطة لكليهما.
إعادة احتلال القطاع أو السيطرة الأمنية عليه تعني التورط بعبء إدارة شؤون أكثر من مليونَي إنسان، واستنزافاً أمنياً وعسكرياً، حيث لن تتوقف محاولات الفلسطينيين لإيذاء القوة المحتلة بكل شكل ممكن.
بعض الإسرائيليين يودّون استعادة سيناريو بيروت عام 1982، في إنهاء خطر منظمة التحرير الفلسطينية، لكن حتى في ذاك السيناريو ظهرت قوى أكثر راديكالية لتحوّل فرحة الانتصار الإسرائيلي إلى أزمة كبيرة لإسرائيل وحلفائها الغربيين.
يستحضر الأميركيون سيناريوات العراق وأفغانستان لتحذير الإسرائيليين من أن إنهاء الإدارة الحالية للقطاع لا ينتج بالضرورة نصراً مستداماً، وأن هناك وسائل سياسية ضرورية لجعل أيّ تقدّم عسكري مثمراً.
ورطة احتلال القطاع تطرح حلولاً أخرى، أهمها تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، لكن هذا الحل إن حدث ينتج أزمة كبيرة للولايات المتحدة، إذ يجعل البيئة الإقليمية التي عملت على بنائها لعقود قابلةً للانفجار.
وقد يعني هذا تفريغ اتفاقية كامب ديفيد من مضامينها إذا ما ضرب هذا الحل كل الترتيبات الأمنية في سيناء، وارتدّ الأمر على إسرائيل بإشكالات أمنية جديدة. تسير العنجهية الإسرائيلية نحو تورط أكبر، وتغيب عن العقلية المتفلتة والمتعطشة للانتقام حسابات اليوم التالي، لكن الولايات المتحدة التي تسعى إلى أن تكون العقل الذي يرشّد الجنون الإسرائيلي، لا تملك هي الأخرى حلولاً تمنع الورطة.
تصرّ الولايات المتحدة على حل الدولتين الذي قُتل برصاص الاستيطان الإسرائيلي والرعاية الأميركية له. يرى الأميركيون أن رفض إسرائيل حلّ الدولتين (ونتاجه أصلاً أقل ّمن ربع دولة للفلسطينيين) يعني خطر إرغامها على حلّ الدولة الواحدة مستقبلاً، وأن القيام بنكبة جديدة في الضفة الغربية والقطاع أمر يصعب تحقيقه ولو بتدرّج.
لكن ما تطرحه الولايات المتحدة من منح إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها (وهذا يعني غالباً جلب وجه بديل في رئاستها) لا يعدو كونه تعيين حارس أمني محلي لحماية أمن إسرائيل.
ويبدو أن الأميركيين لا يقرأون جيداً فشل نموذج الضفة الغربية بشقَّيه الأمني والاقتصادي، ولا يرون أن عدم قدرة السلطة على ضبط الناس في الضفة، وتزايد العمليات ضد إسرائيل في السنوات الأخيرة، يعود بشكل أساسي إلى تعمّد الولايات المتحدة إضعاف هذه السلطة بعدم اتخاذ موقف سياسي ينقذ حلّ الدولتين من الموت، ويلجم الاستيطان الإسرائيلي.
حلّ الدولتين المطروح أميركياً بلا مضمون، وورطة اليوم التالي أميركياً أنها لا تزال تأمل بتجاوز القضية الفلسطينية بنوع من الترتيبات الأمنية، والعودة إلى مساعي التطبيع عربياً لتأمين بيئة إقليمية تضمن الحفاظ على المصالح الأميركية في المنطقة، لكن الأمور لا تسير ببساطة وفق الأمنيات الأميركية.
ثبتت هذه الحرب زيادة اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة، وسرعت مسار تحوّلها إلى عبءٍ على الأميركيين، وفي حالة تراجع القوة الأميركية في العالم، وخاصة مع فشل الرهان الأميركي في أوكرانيا، وعودة أميركا إلى تركيز جهودها ومواردها لاحتواء الصعود الصيني، تجد إسرائيل نفسها في ورطة التعامل مع تراجع قوة ودور الراعي الأميركي، وأزماتها الداخلية، وعدم القدرة على إنهاء وجود الفلسطينيين في أرضهم.
مهما كانت النتائج العسكرية لهذه الحرب، فإن اليوم التالي لها لن يغيب عنه قلق إسرائيلي وأميركي عميق.
*بدر الإبراهيم كاتب عربي
المصدر | الأخبارالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة 7 أكتوبر إسرائيل إعادة احتلال القطاع السيطرة الأمنية اليوم التالي الإدارة الأميركية حل الدولتين الدولة الواحدة الولایات المتحدة الیوم التالی
إقرأ أيضاً:
استقرار العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية مع اقتراب إس آند بي 500 من أعلى مستوياته
استقرت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية نسبياً خلال تعاملات ليلة الأربعاء 25 يونيو/ حزيران، بينما لا يزال مؤشر S&P 500 بالقرب من أعلى مستوى له على الإطلاق.
واستقرت العقود الآجلة لمؤشرات S&P 500، وNasdaq 100، وDow Jones الصناعي خلال تعاملات هذه الليلة.
من جانبها، حققت أسهم شركة ميكرون Micron مكاسب في تعاملات ما بعد جلسة التداول يوم الأربعاء بعد أن تجاوزت نتائج أعمالها للربع الثالث المالي التقديرات. كما أصدرت الشركة توقعات متفائلة للربع الحالي.
ويأتي استقرار العقود الآجلة للمؤشرات الأميركية بعد أن أنهى مؤشر S&P 500 جلسة يوم الأربعاء دون تغيير، بينما ارتفع مؤشر Nasdaq المركب بنسبة 0.3%، وانخفض مؤشر Dow Jones الصناعي 106.59 نقطة، أو نحو 0.3%. ولا تزال المؤشرات الثلاثة تسير بخطى ثابتة نحو أسبوع إيجابي، ويبقى مؤشر S&P 500 أقل بنسبة 1% عن مستواه القياسي الذي سجله في فبراير/ شباط.
لكن محللون في وول ستريت يشككون في استمرار الزخم الأخير للسوق. وقال رئيس شركة Sri-Kumar Global Strategies، كومال سري كومار، لقناة CNBC يوم الأربعاء: "يبدو أن العوامل الاقتصادية الكلية المختلفة التي أدرسها تشير إلى استحالة استمرار هذا الوضع"، مشيراً إلى الصراع الإسرائيلي الإيراني، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتأثير "قانون مشروع القانون الكبير الجميل" (خفض الضرائب والإنفاق) على العجز المالي في الولايات المتحدة.
بدا أن التوترات في الشرق الأوسط هدأت بعد أن أعلن ترامب يوم الثلاثاء دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ. على الرغم من اتهام الرئيس لكلا البلدين بانتهاك الاتفاق، قائلاً إنه "غير راضٍ" عن أيٍّ منهما، إلا أن الاتفاق يبدو صامداً منذ ذلك الحين. وتخطط الولايات المتحدة لعقد اجتماع مع إيران الأسبوع المقبل.
ويستعد المستثمرون أيضاً لقراءة مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة لشهر مايو/ أيار، والمقرر صدوره صباح الجمعة. وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، يوم الثلاثاء، إن مؤشر التضخم المفضل لديه من المرجح أن يرتفع إلى 2.3%، بينما من المتوقع أن يرتفع المؤشر الأساسي، الذي يستثني الغذاء والطاقة، إلى 2.6%. ويمثل هذا ارتفاعاً عن القراءة الرئيسية البالغة 2.1% و2.5% للأساسي في أبريل/ نيسان.
ومع ذلك، أكد باول التزام الاحتياطي الفدرالي بالحفاظ على التضخم تحت السيطرة في مواجهة الآثار "غير المؤكدة" لرسوم ترامب الجمركية على الاقتصاد الأميركي.
وقال كومال سري كومار: "سنشهد ارتفاعاً في معدل التضخم... وأعتقد أن ذلك سينعكس خلال النصف الثاني من هذا العام، مع ارتفاع العائدات على السندات".
وأضاف سري كومار: "سيكون ذلك سلبياً على مؤشر Nasdaq تحديداً، وأعتقد أن S&P 500 لن يسلم من تأثير ذلك أيضاً".
على الصعيد الاقتصادي، يترقب المستثمرون بيانات طلبات إعانة البطالة الأسبوعية في الولايات المتحدة، المقرر صدورها يوم الخميس.