تعيش فاطمة صالح مع أسرتها في ملجأ لإيواء النازحين بمدينة الفاشر ولاية شمال دارفور غرب السودان بعد أن نزحوا إليها من منزلهم بسبب الحرب، لم تفقد الأمل والإصرار على مواصلة التعلم.
تحمل فاطمة (10 سنوات) صباح كل يوم حقيبة على ظهرها بها مجموعة من الكتب لحضور درس صغير يلقيه أحد معلميها المتطوعين في أحد المنازل بوسط المدينة، لتبدأ رحلتها التعليمية في تعلم فن القراءة والكتابة والرياضيات مع أخريات رغم ظروف الحياة الصعبة التي تواجهها ونقص الموارد التعليمية.


“العلم في الصغر كالنقش على الحجر، وإن لم تكن كتابا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك”، بهذه الجملة البسيطة تلخص فاطمة رحلة تعليمها المنزلي دون أن تفقد يوما رباطة جأشها، محاولة التغلب على الصعوبات لتحقيق أمنيتها.
تقول للجزيرة نت: “ولدت وترعرعت في مدينة الفاشر لأسرة بسيطة مكونة من 6 أفراد، ما إن بدأت في سلم التعليم حتى اندلعت الحرب اللعينة التي دمرت كل شيء، استطعت بعد ترك المدرسة الحكومية قسريا بسبب الحرب، الالتحاق بمعهد مشاعل للتعليم المنزلي حيث تعلمت فيه الكثير من علوم القراءة والكتابة والرياضيات كما تمكنت من حفظ آيات من القرآن الكريم وإتقان تلاوتها”.

تعطيل حياة
ومنذ أكثر من 8 أشهر على اندلاع الحرب، عُلقت جميع جوانب الحياة في السودان من بينها نظام التعليم، حيث تفككت البنية التحتية للمدارس في مناطق عدة وتأثر آلاف الطلاب والمعلمين ممن أُجبروا على الفرار من منازلهم وترك دروسهم ومدارسهم، إلى جانب تعرض مدارس عديدة لأضرار كبيرة وتدمير بعضها بالكامل، في حين أصبح البعض الآخر مأوى للنازحين والمشردين وثكنات عسكرية.
ومع ذلك، تبدو على فاطمة السعادة والرضا فيما تقوم به من جهد للحصول على تعليم منزلي أصبح آمنا وقريبا من أسرتها بمركز الإيواء في المدينة.
يقول محمد عبد الرحمن “مشاعل” صاحب فكرة مدرسة عائلية بمنزله في مدينة الفاشر إنه مع تبعات أوضاع الحرب، تعطلت الدراسة أكثر من 8 أشهر وتحولت المدارس في المدينة إلى أماكن للمعاناة والتشرد، وتعذر على الطلاب الوصول إلى التعليم.
وأضاف أنه على إثر ذلك أطلق مبادرته الطوعية بتحويل جانب من منزله إلى مدرسة لتعليم الفتيات حتى يتمكنّ من الاستمرار في التعلم والحصول على ما يحتجنه لتطوير مهاراتهن في العلوم المختلفة.
وأوضح “مشاعل”، في حديث للجزيرة نت، أن مبادرته قد تكون حلا مؤقتا في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، وأنه يأمل في استمرارها مستقبلا، خاصة وأن عدد الفتيات الدارسات فاق الـ70، وذكر أنه واجه تحديات كبيرة في سبيل إنشاء المدرسة تمثلت في توفير تجهيزات ملائمة من أثاث وسبورات وأدوات تعليمية أخرى.
أضرار كبيرة
تقول وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي بإقليم دارفور توحيدة عبد الرحمن يوسف، للجزيرة نت، إن العملية التعليمية تأثرت بالحرب مثلما تأثرت قطاعات الحياة الأخرى.
وأضافت أن الحرب شرّدت مديري التعليم والمعلمين والطلاب وقتلت بعضهم. وأوضحت الوزيرة أن الأولوية في الوقت الراهن هي إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وتوفير مأوى وإخلاء المرافق التعليمية بإيجاد بدائل لمراكز إيواء النازحين، علاوة على حصر المؤسسات وإعادة تشييد المباني وتوفير الأثاث للمكاتب والمقاعد وغيرها من المساعدات التعليمية.
وأشارت الوزيرة إلى الدمار والخراب الناجمين عن عمليات النهب والسرقة والحرق التي طالت العديد من المرافق التعليمية في البلاد.
من جانبه، يقول الخبير التربوي مدير عام وزارة التربية بولاية شمال دارفور أحمد هارون مستور، إن الدولة توقفت تماما عن التعليم في جميع المناطق وإن هناك أضرارا كبيرة لحقت بالبنية التحتية بالولاية خاصة في محليات الفاشر وطويلة وكتم وكبكابية ومليط.
وأضاف أن رؤية وزارته لاستئناف العملية التعليمية سُلمت للجهات المعنية بالأمر في الولاية والمركز وأن محورها الرئيسي هو وقف الحرب أولا وإعادة تأهيل المرافق، ولفت إلى خيبة الأمل التي لحقت بالمجتمعات المحلية حول مستقبل تعليم أبنائهم الذين منهم من هاجر ومن نزح إلى داخل السودان.

مواصلة التعليم
يؤكد الخبير جمال بخيت أحد قادة التعليم بدارفور، أن الحرب عرّضت آلاف الطلاب والمعلمين للخطر حيث لم يتم دفع الرواتب منذ أكثر من 8 أشهر، ما تسبب في هجرة الكثير من الخبرات والعقول المهنية إلى الخارج.
وقال إن طبيعة الوضع في السودان تجعل من المستحيل على المهاجرين العودة إلى ديارهم خاصة إن وجدوا ظروفا أفضل، وشدد على ضرورة أن تلتفت الأُسر إلى أهمية مواصلة تعليم أبنائها عبر المدارس المنزلية رغم استمرار هذه الحرب.
من جانبه، يؤكد الصحفي والمحلل السياسي عبد الله إسحاق من أم درمان، في حديثه للجزيرة نت، نجاح تجربة المدارس المنزلية في البيوت والمساجد بمنطقة الصالحة أم درمان.
وقال إنهم، كلجنة للخدمات والطوارئ، بدؤوا التجربة التي كانت ناجحة في بداياتها بتدافع الطلاب، ولكن سرعان ما توقفت بسبب اشتداد القتال في المنطقة، مناشدا الجميع العمل من أجل وقف الحرب في السودان.

الجزيرة

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

الحرب على كرسي السلطة الخالي

كلام الناس
نورالدين مدني
للأسف مازالت الحرب العبثية مستمرة رغم اثارها الكارثية على السودان والمواطنين،وفي كل يوم نسمع أخبار موت المواطنين وتدمير المنشات وازدياد المخاطر الصحية والأمنية على الذين لم يغادروا بيوتهم ولا حياة لمن تنادي.
لن نتحدث عن التصريحات المتضاربة بين طرفي الحرب من الإنقلابيين الذين يتبادلون الإتهامات فيما تستمر جرائمهم ضد المواطنين وماتبقى من منشات.
للأسف أيضاً فإن العالم يدين ويشجب الجرائم المرتكبة في هذه الحرب دون تحرك جاد لوقفها ومحاصرة الجرائم التي يشجبها ويدينها ويترك مشعليها يؤججون الحرب اللعينة بلا محاسبة.
إننا لانعول كثيراً على الحراك الدولي لكنه ضروري لمساندة الحراك المدني الذي للأسف تتهده الخلافات الحزبية فيما تزداد الحاجة لوحدة الصف وسد الفرقة لتأمينه وتعزيزه ودفعه لتكثيف الضغط الشعبي بالتعاون مع الجهد الإقليمي والدولي للإسراع بوقف الحرب والانتقال للحكم المدني الديمقراطي.
مع ذلك لن نمل الدعوة لإعلاء صوت العقل وسط المتحاربين على السلطة الذين عبر عنهم الكاريكاتير المصاحب لكلام الناس اليوم لأنهم حقيقة لم يعد يهمهم السودان ولا المواطنين بقدر حرصهم على كرسي السلطة الخالي الذي لم يعودوا يجلسون عليه!!!.
ربنا يحفظ السودان وينصر الشعب ويجعل كيد الانقلابيين في نحورهم.


noradin@msn.com

 

مقالات مشابهة

  • سيفقد أولاد دقلو كل المدن التي سيطروا عليها وسيتحولون إلى مجرد مجرمين هاربين
  • التعليم العالي والأونروا تبحثان التعاون على مستوى المشافي التعليمية وتقديم الخدمات الطبية
  • تنسيقية شباب الأحزاب تعقد ورشة عمل لمناقشة تعديلات قانون التعليم
  • بعد رفض أكثر من 8000 طفل.. «التعليم» تعلق على أزمة تنسيق رياض الأطفال بالجيزة
  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • السودان وفروقات الوعي السياسي
  • القتال تحت الأنقاض.. كيف تحافظ حماس على قوتها رغم الدمار الإسرائيلي؟
  • الحرب على كرسي السلطة الخالي
  • وزير التعليم العالي في CAISEC’25: الأمن السيبراني أولوية استراتيجية لحماية البيئة التعليمية وتحفيز الابتكار
  • وهم اسمه السودان !