مشعل: المقاومة بخير والعدو يتورط كل يوم في غزة
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
عمان - صفا
أكّد رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج خالد مشعل، يوم الجمعة، أنّ المقاومة بخير في الميدان وأنّ رسائل قيادتها في غزة "مفعمة بالإيمان واليقين والثقة بالنصر، ولا تشير إلى التعب أو أنهم يبحثون عن مخرج".
وقال مشعل، في كلمةٍ ألقاها خلال فعالية "الاعتكاف العالمي" في عمان: "ما ترونه على شاشات التلفزة والفيديوهات لأبطال القسام من الميدان هو غيض من فيض"، لافتًا إلى أنّ "هناك كثيرًا من البطولات لم يستطع المجاهدون تصويرها في ظل الظروف القاسيّة".
وأضاف "عدونا يشعر بالصدمة لأن المجاهدين المقاتلين يصبرون في هذه الأنفاق تحت الأرض طوال هذه الشهور".
وأشار رئيس حركة في الخارج إلى أنّ "الاحتلال يتوّرط كل يوم بالقتال في غزة، ويتكبّد بالعشرات من القتلى والآلاف من الجرحى فضلًا عن الهزيمة النفسية التي لحقت بجنوده وخوفهم من خوض القتال".
ولفت مشعل إلى رفض كتيبة الاحتياط في جيش الاحتلال القتال في غزة، والخلاف بين القيادة الإسرائيلية والكابينت المصغّر وبين السياسيين والعسكريين في حكومة الاحتلال، مردفًا "نحن بخير وقد اقتربنا من ختام هذه المعركة المباركة".
وقال مشعل إنّ الاحتلال الاسرائيلي يحاول التوجه نحو جبهة لبنان لأنه استنفد الوقت ولم يبق لديه ما ينجزه في غزة بعد فشله في تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعها بداية الحرب.
وأضاف "الاحتلال يحاول أيضاً أن يفتح جبهة جديدة وأن يورّط الإدارة الأمريكية فيها في الشمال، وهو كالذي يتلمس الفرجة ولكن كلما ذهب تعمقت أزمته".
وتحدّث مشعل عن صعوبة الحياة وقساوتها في غزة بعد 100 يوم من الحرب، مضيفًا "يا أمتنا تذكروا كم هي قاسية هذه الحرب على حاضنتنا الشعبية في غزة، هؤلاء الذين شردوا من بيوتهم في هذا العراء في ظل الشتاء القارس والجوع فضلا عن العدوان والمجازر والهدم".
وشدّد مشعل على أنّنا "محتاجون إلى الجهاد على الأرض والجهاد بالمال وبالنفس وبكل ما نملك، الجهاد السياسي والإعلامي والجماهيري والانخراط في المعركة بكل أبعادها".
وجاءت فعالية "الاعتكاف العالمي" التي نُظمت في العاصمة الأردنية عمان، تلبية لنداء الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسّام "أبو عبيدة" الذي دعا في كلمته الأخيرة الأمة الى القنوت والدعاء بالنصر لغزة.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: طوفان الاقصى كتائب القسام فی غزة
إقرأ أيضاً:
غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
بقلم : سمير السعد ..
في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:
“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”
ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:
“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”
هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.
تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:
“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”
هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:
“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”
فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:
“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”
في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.
ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:
“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”
فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:
“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”
بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:
“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”
لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:
“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”
وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:
“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”
ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.
غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.
شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.
في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.