لجريدة عمان:
2025-05-21@18:08:26 GMT

اتجاهات النموذج التنموي العُماني

تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT

بحلول الذكرى الرابعة لتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أيدهُ الله - مقاليد الحكم في البلاد، والسنة الثالثة لشروع العمل بتطبيق مسارات الرؤية الوطنية (عُمان 2040)؛ يمكن القول إن هذه اللحظة التاريخية مهمة للتفكير والتأمل فيما تحقق من منجز تنموي خلال السنوات الفائتة؛ ليس فقط على مستوى أداء الاقتصاد وديمومته (كعنصر أساس لقراءة أي نموذج تنموي)، وإنما على مستوى أبعاد متعددة، منها: مستجدات العلاقة بين الدولة والمجتمع، ومسارات تطوير آليات العمل الحكومي، وممارسات التنموية النوعية قطاعيًا وجغرافيًا، وآليات تعزيز التنافسية الوطنية والعالمية، وانعكاسات البرامج والمشروعات التنموية على مستوى نوعية وجودة ورفاه الحياة الاجتماعية.

كل هذه الأبعاد في تقديرنا مهمة لتشخيص المنجز التنموي. ويمكن القول إن السنوات المنقضية كانت مختبرًا موسعًا لكشف التحديات التي تواجه أداء المالية العامة، والبرامج الاقتصادية، بالإضافة إلى نسق إدارة المواد العامة. وقد استطاعت الدولة عبر ما يتوفر من مؤشرات تصاعدية من إرساء منظومة واضحة للإصلاح المالي، واتخذت بعض السياسات الأولية المعينة على حفز أداء الاقتصاد، وتنشيط القطاعات العاملة فيه. إلا أن ما يلفت في المنجز المتحقق؛ هو الاتجاه الواضح لعمل الدولة من فكرة (التنمية الشمولية) إلى فكرة (التنمية النوعية) وعلامات ذلك تتركز في عدة عناصر:

-التركيز على القطاعات النوعية القاطرة للتنمية، وإيجاد محور للتنمية الاقتصادية يقوم على تلك القطاعات: ومن دلالات ذلك توجيه الاستثمار الاقتصادي نحو الطاقة المتجددة بمختلف مشروعاتها وبرامجها.

-التركيز على الاستفادة من البنى الأساسية المتحققة، والتركيز على القيمة الاقتصادية القصوى لها: ولعل من أهم دلالات ذلك التركيز السياسي والاقتصادي على البنى الأساسية لمحافظة مسندم، وتطويرها، واستكمال دورتها الاقتصادية تماشيا مع المخطط لها في الاستراتيجية الوطنية للتنمية العُمرانية.

-ربط العملية الاقتصادية ببرامج واضحة للعمل الاجتماعية تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية: وأهم ما يدلل على ذلك وجود نظام شمولي للحماية الاجتماعية، يشتمل الفئات الأكثر احتياجًا ويطور مساراته المستقبلية لمواجهة المخاطر الاجتماعية.

ويتأتى السؤال هنا: ما هي المسارات المطلوبة راهنًا لهذا النموذج التنموي، أو ما هي المرحلة التالية التي يمكن أن يركز عليها عمل آليات الدولة لاستدامة هذا النموذج وتعزيزه؟ وهنا يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال ما تضعه بعض تقارير المراكز والمؤسسات المتخصصة بشأن استشراف المستقبل. في الواقع وقبل الحديث عن التوقعات، لابد من التنبيه إلى نقطة مهمة، وهي أن عملية الاستشراف تأثرت بشكل منهجي وموضوعي بتداعيات جائحة كورونا (كوفيد 19)، فما كان يرصد ويتم التنبؤ به من مسار للمجتمعات والحكومات والعالم - ونحن في خضم الجائحة - بات اليوم يتراجع نسبيًا. وتعود بعض التحليلات إلى شق أكثر موضوعية في شأن نظرتها لمسار الحركة العالمية. إلا أن هناك سبعة متغيرات أساسية تجمع عليها أغلب التقارير في شأن طبيعة العالم بين الفترة (2024 - 2030) وهي: (القلق من الاضطرابات في التركيبات السكانية - تراجع الأسرة - إضراب هياكل العولمة وآلياتها - سلطة المناخ وإعادة التفكير في الاقتصاد الأخضر - اضطراب علاقة الدول بالمجتمعات - إعادة هيكلة سلوك الاقتصاد والمجتمع نحو مسارات الاستدامة وضبط التحضر - امتداد الاضطرابات السياسية نحو تأثيرات واسعة على بنى المجتمعات). يكاد لا يخلو أي تقرير من الإشارة إلى هذه العناصر - بعضها أو مجتمعة - وهي تُعرف بالمتغيرات الكبرى Major changes التي تشترك في القلق العالمي. لكن هناك متغيرات دقيقة وجب التنبه لها كونها تعمل على إحداث نقلات شمولية العالم، فإذا ما أخذنا على سبيل المثال متغير أنه في عام 2030 من المتوقع أن يكون 12% من سكان العالم في النطاق العمري أكبر من 65 عاماً، مقارنة بنحو 8% اليوم فإن ذلك يعني تأثر الاقتصاد بتقلص قوى العمل - الحاجة إلى أنماط جديدة من طب الشيخوخة - تقييم منظومة الاستثمار في الشيخوخة النشطة - تنشيط الاقتصادات الفضية - التعرف على القوى التكنولوجية الصديقة للشيخوخة - مراجعة أنظمة الحماية الاجتماعية لتتسق مع هذا التحول الديموغرافي.

ما يقود العصر الجديد حسب بعض التوقعات أيضًا هو انعدام الثقة في آلية المؤسسات الدولية، وتقلص الثقة في آليات التعاون الدولي – حسب تقرير Atlantic Council – وهو ما يعني صعودًا للتكتلات الجديدة، وبناء أنظمة جديدة للتعاون المجزأ، وصعود قواطر عالمية جديدة للتعاون في شكل دول أو مؤسسات أو هيئات ومبادرات. تتأتى التوقعات والتنبؤات الأخرى نحو زيادة الجدل بشأن تأثيرات الذكاء الاصطناعي والتفاوتات التي سيولدها استثماره في آليات عمل الحكومات، حتى اللحظة لا يوجد يقين عالمي واضح بشأن ميثاق عالمي للتواكب مع استخدام الذكاء الاصطناعي. تتوقع التقارير كذلك أن التأثير الأكبر لموجات التغير المناخي وللصراعات سيكون في انعدام الأمن الغذائي عن قطاعات واسعة من السكان في العالم وهو ما يستدعي عملًا عالميًا موحدًا للحد من هذا التدهور المتوقع.

إذن ماذا عن المستوى المحلي، في الواقع هناك ثلاثة محكات أساسية ينبغي التسريع في العمل عليها لاكتساب مرونة أكبر للانخراط في هذا العالم المتقلب، أولها التسريع في استصدار السياسة السكانية، وربطها مباشرة بالبرامج الاقتصادية والعُمرانية. هذه السياسة في تقديرنا هي محدد محوري ليس فقط لفهم محكات النمو السكاني واتجاهاته وضبط التعامل معه، بل لفهم الكتلة السكانية ككل ككتلة اقتصادية ومعرفية ومهارية وصحية وسياسية ومجتمعية. أما المحك الآخر فهو الانخراط الفاعل في تكوين الشبكات الدولية عبر قيادة المبادرات المحورية للمجالات التي تتميز فيها سلطنة عُمان، وتعتبر من خلالها كميزة عالمية تنافسية، سواء كان في المجالات الثقافية أو الاقتصادية أو غيرها من المجالات. إن قيادة مثل هذه المبادرات يعني انخراطًا نوعيًا في العمل الدولي، واستثمارًا أمثل في المقوم المحلي، وتجسيرا للتعاون والتفاهمات الدولية وتسويقًا وإقناعًا بالمواقف العُمانية. المحك الثالث هنا يكمن في دمج أكبر للمواطنين في صنع القرار الحكومي، وهنا لا نتحدث عن مجرد إشراك المواطنين في الإعلام بالقرار الحكومي، أو مجرد الاستماع للمطالبات بالخدمات العامة، وإنما إيجاد آلية حكومية أكثر ديمومة ومنهجية تربط المؤسسات العامة بالأفراد في صنع أجندة التنمية في مراحلها الأولى، وتوسيع نطاق المشاركة، والخروج من النخبوية والتكنوقراط إلى ملامسة النطاق الأوسع للمجتمع، وهو ما سيعزز دون شك الاتصال والثقة المباشرة بين الدولة والمجتمع.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الزراعة: توطين صناعة المبيدات ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية

أكد علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أن عملية توطين صناعة المبيدات أصبحت ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية، ما يدفع الدولة  إلى بذل كل الجهود لتوطين صناعة المبيدات كخطوة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير مبيدات آمنة وأكثر فعالية وبأسعار مناسبة لدعم الفلاح، في ظل متغيرات إقليمية ودولية متسارعة تؤثر بالسلب على القطاع الزراعي بصورة مباشرة.
وقال خلال كلمته في إطلاق فعاليات ورشة العمل التي نظمتها لجنة مبيدات الآفات الزراعية، تحت عنوان: "توطين صناعة المبيدات في مصر"، أن الدولة  تمضي بخطى ثابتة نحو دعم هذا القطاع الحيوي وتوفير بيئة استثمارية محفزة قادرة على احتضان الابتكار والتكنولوجيا وتعزيز قدرات الإنتاج المحلي، لافتاً إلى أنه بلغ عدد المستحضرات التجارية المسجلة في مصر نحو 3310 مستحضراً، منها 352 مستحضراً حيوياً، بينما يصل الاستهلاك السنوي من المبيدات إلى ما يقارب 8277 طن مادة فعالة، منها 2849 طن فقط إنتاج محلي، الأمر الذي يكشف عن فجوة إنتاجية كبيرة تبلغ حوالي 4782 طناً، بما يعادل 66% من إجمالي الاستهلاك.


وشدد وزير الزراعة على أهمية تعميق التصنيع المحلي، لكونه لا يقتصر على سد الفجوة القائمة فحسب، بل يمتد ليُتيح فرصاً واعدة للتوسع في الأسواق الخارجية، وخاصة القارة الأفريقية، حيث يشكّل النشاط الزراعي مصدر رزق لأكثر من 70% من السكان، مما يجعلها سوقاً استراتيجية في ظل تراجع إنتاج بعض الدول الكبرى مثل الصين، وهو ما يعزز من فرص مصر في أن تصبح مركزاً إقليمياً رائداً لصناعة المبيدات.


وأوضح فاروق أن مصر تضم حالياً نحو 48 مصنعاً للمبيدات، يتركز أغلبها في منطقة غرب الدلتا، وتركز هذه المصانع على التعبئة والتجهيز، لافتاً إلى أنها تواجه تحديات تتعلق بالقدرة التنافسية، والامتثال للمعايير الدولية، وتلبية احتياجات المزارع المصري.


وأكد أن وزارة الزراعة تمتلك الكفاءات والخبرات بفضل علمائها وباحثيها في التخصصات المختلفة، بمراكزها ومعاهدها البحثية، الأمر الذي يجعل مصر دولة واعدة وتقدم حاليا خبراتها للعديد من دول العالم، وعلى رأسها دول القارة الافريقية.

وأشار إلى أن الدولة  قادرة على مواجهة التحديات، كما أن وزارة الزراعة تقدم كافة أشكال الدعم والصلاحيات لتوطين صناعة المبيدات في مصر، حيث يحتاج الأمر أيضا إلى تكاتف وتضافر الجهود، وإشراك القطاع الخاص، وتشجيعه للمشاركة في جهود التنمية.

وأكد  حرص الدولة على تعزيز هذه الصناعة من خلال تطوير المناطق الصناعية المتخصصة، وتوفير الأراضي الملائمة، وتقديم حوافز ضريبية، وتفعيل دور المكاتب التجارية في الخارج لتسويق المنتجات، فضلاً عن دعم التوجه نحو المبيدات الآمنة والخضراء، بالإضافة إلى تمكين الكوادر الوطنية من مواكبة أحدث تطورات هذه الصناعة على المستوى العالمي.
وأشار إلى التزام وزارة الزراعة بكافة أجهزتها بالدعم الكامل لكل مستثمر جاد، وتسعى لتذليل العقبات، وبناء شراكة متكاملة مع القطاع الخاص، بما يخدم أهداف التنمية الزراعية المستدامة، معرباً عن تطلعه إلى المزيد من إسهامات العلماء والخبراء ورجال الأعمال المخلصين للوصول إلى نتائج مثمرة والخروج برؤية مستقبلية لتوطين صناعة المبيدات في مصر وبحث فرص الاستثمار والتطوير وطرح مقترحات قابلة للتنفيذ بالشراكة بين الجهات المعنية مع القطاع الخاص.

 وأكد الدكتور محمد عبدالمجيد رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية، على أهمية هذه الورشة، لافتاً إلى أن قضية توطين صناعة المبيدات في مصر أصبحت قضية حاكمة لا تقبل التأجيل، ويجب التعامل معها بكل إصرار وطموح، للانتقال إلى الأمام، وذلك على مرحلتين هما الاكتفاء الذاتي ثم التصدير، خاصة وأن مصر لديها تراكم معرفي ومعلوماتي وقادرة بفضل علمائها وخبرائها على تحقيق هذا الإنجاز.


وأضاف أن ورشة العمل من شأنها بحث عدد من الموضوعات الهامة على رأسها: توجه الدولة لتوطين صناعة المبيدات محلياً، والوضع القائم لمصانع المبيدات المحلية، وتوطين صناعة المبيدات في مصر بين الحاضر والمستقبل، وآفاق الشراكة مع الشركات العالمية، فضلاً عن آليات توطين وإنتاج المبيدات الحيوية في مصر، لافتاً إلى أنه سيتم أيضاً مناقشة عدد من الآراء والمقترحات من الشركات العاملة في مجال صناعة المبيدات بهدف زيادة القدرة الإنتاجية والصادرات المصرية من مبيدات الآفات الزراعية، إضافة إلى استعراض مبتكرات شباب الباحثين بمراكز البحوث والجامعات من المبيدات الحيوية، والمستخلصات النباتية.

طباعة شارك الزراعة وزير الزراعة مبيدات النواب الشيوخ

مقالات مشابهة

  • مصر ومالاوي تبحثان تعزيز التعاون التنموي والتجاري وتأكيد الشراكة في إطار الكوميسا
  • فريق الإعاشة بالجيش السلطاني العُماني يحصد المركز الأول عالميا
  • كلية الحقوق السويسي تناقش الدولة الاجتماعية.. المرجعيات السياسات والرهانات
  • الزراعة: توطين صناعة المبيدات ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية
  • برنامج تعاون لتدريب وتوظيف 300 باحث عن عمل في الحرس السلطاني العُماني
  • اليوم العالمي للنحل..أعظم الملقحات التي تطعم العالم
  • سوق العمل العُماني بين التنظيم والتنظير
  • دعامي يحكي أنّ ظلمَ المليشيا بات أكثرُ فداحةً مِنْ ظلم الدولة التي قاتلها
  • عبدالعزيز الحلو في وجه الطاحونة التي لا ترحم
  • تأهيل 80 مهندسًا عُمانيًا في مجال تصميم أشباه الموصلات ضمن برنامج تعاون مع شركة هندية