حكم مضغ الطعام بصوت مسموع.. الإفتاء: سلوك شخصي فقط
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم مضغ الطعام بصوت مسموع؟ فألاحظ في كثير من الأحيان أن بعض المسلمين العرب يُخرِجون صوتًا عند مضغ الطعام، وكذلك يتحدثون وأفواههم مليئة بالطعام. أريد إجابة مفصلة من فضلك في هذا الموضوع. بارك الله فيكم.
. ماذا قال العلماء؟
وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، إن الشريعة الإسلامية شريعة متكاملة جاءت لسعادة الدارين، وشرع الله تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه لينظم للإنسان كل شئون حياته -من العبادة، والمأكل والمشرب والملبس، ومواكبة الحضارة، والتعلم والتعليم-، ويرتقي بسلوك الفرد والمجتمع في ذلك كله؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مكارمِ الْأَخْلَاقِ، وكَمَالِ مَحَاسِنِ الْأَفْعَالِ» أخرجه الطبراني في "الأوسط".
وذكرت دار الإفتاء، أن من الآداب التي اهتمت بها الشريعة: آداب الطعام والشراب؛ فعقد المحدِّثون في كتب السنة الأبواب والفصول لها، وأفرد بعضهم كتبًا لرواية السنن الواردة فيها؛ كابن حنبل وابن أبي عاصم النبيل في كتابيهما في "الأشربة"، والدارمي وابن أبي عاصم في كتابيهما في "الأطعمة"، وتكلم الفقهاء عن هذه الآداب في كتب الفقه واستفاضوا في تقريرها وأفردوا لها أبوابًا وفصولًا، وصنف بعضهم في أحكامها وآدابها استقلالًا؛ من ذلك "آداب الأكل" للأقفهسي، و"آداب المواكلة" لأبي البركات الغزي، والذي ذكر فيه واحدًا وثمانين عيبًا مِن جملة العيوب التي مَن علمها كان خبيرًا بآداب المؤاكلة.
وهذا يدل على عناية الشريعة الإسلامية بهذا الجانب من الآداب في الإسلام، وحرصها على أن يتكمل الإنسان بالمحاسن ويتجمل بالذوق الرفيع ويظهر بالمظهر اللائق في طعامه وشرابه؛ ابتداءً وانتهاءً، واكتسابًا واختيارًا، وتنظيمًا وتناولًا.
وأوضحت، أن من السلوكيات التي نهت عنها وأرشد الفقهاء إلى التنزه عنها وأنها لا تليق بالآداب العامة والذوق الرفيع: إحداث صوت أثناء المضغ والشرب، ووردت النصوص المتكاثرة من الكتاب والسنة بالنهي عن التشبه بالحيوانات في طبائعها المذمومة كالشره والجشع والنهم عند الأكل والشرب؛ منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ البَعِيرِ، وَلَكِن اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ».
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمَصَّ مَصًّا، وَلَا يَعُبَّ عَبًّا، فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنَ الْعَبِّ». والعَبُّ: شُرْبُ الماء من غير مَصٍّ، وعَبَّتِ الدَّلْوُ: إذا صوَّتَتْ عند غَرْف الماء. والكُبَادُ: وجعُ الكبد. والمقصود من هذا التوجيه النبوي: الإرشاد إلى التروي في الشرب شيئًا فشيئًا، لا أن يُجرَعَ جرعًا كما تفعل الدوابُّ مُحدِثةً صوتًا عنده، مع ما في ذلك مِن ضرر على الشارب، وحصول الضيق لِمَن حوله، وقد تقرر في الإسلام أنه "لا ضرر ولا ضرار".
ونص العلماء أيضًا على أن من الصفات المذمومة عند الأكل: التكلم في حال مضغ الطعام، وإحداث صوت لأشداقه وفمه عند المضغ والبلع، وعدُّوا ذلك من العيوب التي ينبغي على الآكل تَوَقِّيها والبعد عنها، وسمَّوا الأول "مُبَعْبِعًا"، والثانيَ "مُفَرْقعًا" و"رَشَّافًا"؛ قال العلامة ابن الملقن: "ولا يجعل اللقمة في فمه يَرشُفُها ويُسمَع لها حسٌّ".
من هذا البيان المجمل نقول: إن ما يحدثه بعض الناس من صوت عند مضغ الطعام إنما هو سلوك شخصي قد يصدر من المسلم وغير المسلم، ولا علاقة لذلك بالإسلام ولا بالأديان، مع نصيحتنا للمسلم بالتحلى بمحاسن الآداب وكريم الخصال كما أرشد إليها الإسلام، ومراعاة آداب الذوق العامة التي تستحسنها العادات والأعراف المجتمعية ما دامت لا تخالف الشريعة الإسلامية، واجتناب ما قد يسبب الانزعاج أو الضيق لمن حوله، ليظهر بذلك صورةً راقية تدل على دينه وأمته.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء مضغ الطعام المسلمين الشريعة الإسلامية الإسلام
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الأديان وخاصة الإسلام دعوا إلى العفاف وغض البصر
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الأديان وخاصة الإسلام، دعت إلى العفاف، وهو أمرٌ يحدث اختلافًا بين المتدينين وغير المتدينين، ومن شدة الاتفاق عليه بين أهل الأديان لم يكن أبدًا عبر العصور، وحتى في عصرنا الحاضر، محلًّا للاجتهاد، بل كان محلًّا للاتفاق، سواء أقامه الشخص في نفسه أم لم يُقِمْه، فإن الجميع يعلمون أن العفاف، بكل جوانبه، مأمورٌ به على لسان الأنبياء.
فضل العفافوأوضح فضيلته أن القرآن قد أمر بغضِّ البصر عن العورات والمحرمات، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ» (أورده الحاكم في المستدرك).
وقال بعض الظرفاء:
إلهي ليس للعشاقِ ذنبٌ ** لأنك أنت تبلو العاشقينَ
فتخلقُ كلَّ ذي وجهٍ جميلٍ ** به تُسبي قلوبَ الناظرينَ
وتأمرُنا بغضِّ الطرفِ عنهم ** كأنك ما خلقتَ لنا عيونًا
فكيف نَغُضُّ يا مولانا طرفًا ** إذا كان الجمالُ نراه دينًا
وقال آخر:
خلقتَ الجمالَ لنا فتنةً ** وقلتَ لنا: يا عبادِ اتقونِ
وأنت جميلٌ تحب الجمالَ ** فكيف عبادُك لا يعشقونَ
فردَّ عليهم الشيخ التقي الأمين السوداني فقال:
خلقتَ الجمالَ لنا نعمةً ** وقلتَ لنا يا عبادِ اتقونِ
وإنَّ الجمالَ تُقًى، والتُّقَى ** جمالٌ، ولكنْ لمن يفقهونَ
فذوقُ الجمالِ يُصَفِّي النفوسَ ** ويهبُ العيونَ سموَّ العيونِ
وإنَّ التُّقَى هاهنا في القلوبِ ** وما زال أهلُ التُّقَى يعشقونَ
ومن خامر الطهرُ أخلاقَهُ ** تأبَّى الصغارَ وعافَ المجونَ
وربي جميلٌ يحب الجمالَ ** جمالُ التُّقَى يا جميلَ العيونِ
وهذا الجدل يُظْهِر كثيرًا من النماذج المعرفية بين المتقين وغيرهم.
العفاف
وأضاف أنه أمرَ أيضًا بحفظ الفرج كما تقدَّم، ومن هنا جاء مفهومُ العورات التي أمر صلى الله عليه وسلم بسترها، كما جاء في حديث بَهْزِ بن حكيم قال: حدَّثني أبي عن جدي قال: قلتُ: يا رسول الله، عوراتُنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ». قال: قلتُ: يا رسول الله، فإذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ». قلتُ: فإذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» (أورده النسائي في سننه الكبرى).