جذب الكفاءات والتنمية الاقتصادية
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
فبراير 9, 2024آخر تحديث: فبراير 9, 2024
الدكتور : محمود عبد العال فراج
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما آلت إليه ، بدأت حرب أخرى لا تستخدم فيها الجيوش ولا الأسلحة، وإنما بدأت حكومات العالم المتقدم في فتح برامج الهجرة إليها لاستقطاب وتعويض ما فقدته من قوى عاملة، ولتسريع عمليات إعادة البناء ولتنشيط اقتصاداتها، فركزت كل جهودها على الدول الفقيرة في القارة الأفريقية والآسيوية لتعويض النقص الحاد في الأيدي العاملة، وفتحت أبوابها على مصاريعها ترحيبًا بالعمالة القادمة إليها>
ثم جاءت الطفرة البترولية في منطقة الخليج العربي في القرن الماضي وأصبحت هي بوابة أخرى لاستقطاب الكفاءات من كل أصقاع الدنيا، حيث ساهمت موجات الهجرة المتتالية من وإلى البلدان المستهدفة في دفع عملية التنمية الاقتصادية في تلك البلدان لما أضافته القوى العاملة من تنويع في اقتصادات هذه الدول، واستيقنت تلك الدول ضرورة التركيز على قطاعات بعينها وكفاءات نوعية، فطورت برامج متعددة لاستقطاب تلك الكفاءات والمواهب، وبدأت من هنا حقيقة الحروب النوعية الجديدة ممثلة في برامج الهجرة والتجنس والإقامة طويلة الأجل لهدف إغراء الكفاءات والمواهب بالنزوح إليها والاستقرار فيها، حيث استقطاب المواهب يلعب دوراً حيوياً في تنمية الاقتصاد، ويساهم في تعزيز الابتكار وتطوير المهارات، مما يعزز فرص النجاح والنمو الاقتصادي من خلال توفير بيئة عمل جاذبة، فخلق بيئة عمل محفزة ومبتكرة تجعل المحترفين يشعرون بالرغبة في الانضمام إليها
كما قدمت للقادمين الجدد إليها فرص تعليم وتدريب عالية الجودة لتطوير مهارات المواهب المحلية والدولية، ويسرت إجراءات الهجرة للمحترفين الموهوبين لتسهيل اندماجهم في البيئة الجديدة، كما وفرت حوافز مالية وفرصًا مهنية مغرية لجذب المواهب وتحفيزها، وعملت على تعزيز التواصل مع مجتمعات المحترفين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفعاليات الصناعية.
إن عملية استقطاب المواهب والكفاءات ساهم بشكل كبير في تعزيز الابتكار من خلال جذب أفراد موهوبين ومبدعين، بما يمكن من تحفيز تدفق الأفكار الجديدة والحلول الابتكارية، إلا ان ذلك يتطلب توفير بيئة عمل تشجع على التفكير الإبداعي، وتعزز التعاون وتبادل الأفكار بين الموظفين الموهوبين لتحقيق نمو مستدام وتقدم في مجالات مختلفة، وإن موجات الهجرة المتتالية ساهمت بلا شك لكونها وسيلة لاستقطاب المواهب إذا تم توفير بيئة جاذبة في تنويع اقتصاديات الدول المستقبلة، وساهمت في إثراء المجتمع بالخبرات والمهارات الجديدة، مما عزز التنوع وحفز التطور الاقتصادي لتلك الدول من خلال ما وفرته من فرص عمل وظروف حياة جيدة المهاجرين الموهوبين.
إن عمليات الاستقطاب وجذب الكفاءات والمواهب لدولة ما يمنحها العديد من المزايا، منها على سبيل المثال لا الحصر، مساهمتها في تعزيز الابتكار والتنوع ، حيث تعمل المواهب المتنوعة والمهارات المتقدمة على توليد أفكار جديدة وحلول مبتكرة، وكذلك تعزز التنافسية الاقتصادية للدولة من خلال وجود محترفين موهوبين ضمن قاعدة العمل بما يساهم في تعزيز تنافسية الدولة في الساحة الدولية، كما إنها تسهم في تعزيز مهارات العمالة المحلية، وتفتح فرص عمل جديدة، وتنوع الفكر والثقافة في البلد المستضيف مما يعزز الفهم المتبادل والتعاون الدولي، ويساهم في دعم القطاعات الحيوية، ويعزز النمو الاقتصادي المستدام بالإضافة إلى أن وجود هذ المزيج المتفرد من الثقافات والتنوع الفكري والمعرفي والمهني الموجود في الدولة المعنية يجعلها جاذبة للاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن كفاءات مهنية فكرية متنوعة، وذلك لا يمكن أن يكون إلا من خلال أرض خصبة قادرة على احتواء العديد من الجنسيات على أراضيها.
و تجربة كندا تعد نموذجاً ناجحاً في استقطاب المواهب، حيث قدمت برامج الهجرة المؤهلة وتوفير بيئة حياة مريحة ومجتمع متنوع، و ساهمت في جذب محترفين من مختلف دول العالم، كما أن سياسة استقطاب المهارات تركز على توظيف الأفراد ذوي المهارات المطلوبة في سوق العمل المحلي.
وفي عالمنا العربي لمع جيداً اسم دولة الإمارات العربية المتحدة التي قامت بخطوات ناجحة في استقطاب المواهب، حيث أطلقت برامج مثل “الإقامة الذهبية” لجذب المحترفين والمهنيين من كافة القطاعات الرياضية والفنية والثقافية والطبية والدينية وغيرها من القطاعات الأخرى بالإضافة إلى إطلاق العديد من برامج الإقامة للمستثمرين والنوابغ وغيرهم من الفئات المستهدفة، كما قامت بتحسين بيئة الأعمال وتوفير فرص مهنية مغرية، مما جعلها وجهة محبوبة للكفاءات العالمية والعربية، وأصبحت موطناً للعديد من رجال الأعمال الناجحين مما أسهم بشكل كبير في تنوع البنية الاقتصادية للدولة مما أدى إلى تراجع الاعتماد على دخل القطاع النفطي.
وبرز إلى الواجهة العديد من القطاعات التي أصبحت تمثل رقماُ صعباً في موازنة دولة الامارات كقطاع السياحة والفندقة وقطاع الطيران والخدمات للوجستية المرتبطة بها، فدبي أصبحت مهمة في صناعة الطيران بسبب وجود مطار دبي الدولي، الذي يُعتبر أحد أكبر مراكز الطيران عالميًا، ذلك أن المطار يستقبل الملايين من المسافرين سنويًا، ويعد مركزًا للرحلات الجوية بين الشرق والغرب، مما يجعله محطة مهمة للشحن الجوي والتجارة الدولية، وبالإضافة إلى ذلك تستضيف الإمارة سنوياُ معرض دبي للطيران، وهو أحد أكبر المعارض العالمية في صناعة الطيران، حيث يجذب العارضين والمشترين من جميع أنحاء العالم. كما أن دبي مقر لشركات الطيران الرئيسية مثل الخطوط الجوية الإماراتية، مما يساهم في تعزيز مكانتها في هذا القطاع الحيوي.
إن قصة نجاح دولة الامارات بشكل عام وإمارة دبي بشكل خاص كان حجر أساسها هو الرؤية الاستراتيجية وقدرتها على المرور من تجربة الاستقطاب وجذب الكفاءات والمواهب والنوابغ والمستثمرين بنتائج باهرة ، حيث نجحت دبي و دولة الإمارات في استقطاب القوة العاملة الماهرة عبر عدة استراتيجيات منها توفير فرص عمل مغرية في قطاعات متنوعة وشركات عالمية وتقديم مستوى معيشي مرتفع، بما في ذلك السكن والتعليم والرعاية الصحية، وخلقت بيئة متعددة الثقافات تجعل الاندماج أسهل للمغتربين، ورواتب تنافسية ونظامًا ضريبيًا مواتيًا يعد جاذبًا كبيرًا و موفرًا لفرص التطور المهني والنمو الوظيفي، بالإضافة إلى أن الأمان والاستقرار السياسي يشجعان الأفراد على العمل والعيش في دبي، كما قدمت سياسات تأشيرة تسهل عملية الهجرة والعمل للمحترفين الأجانب.
لكن السؤال الأبرز حضورًا في قضايا الاستقطاب وجذب الكفاءات يكون: ما هي أهم القطاعات الاقتصادية التي تكون عادة هي القطاعات الأبرز؟ والإجابة: يعتمد أهم القطاعات الاقتصادية في جذب المواهب على الاحتياجات السائدة في سوق العمل وعادة ما تكون التقنية والابتكار والصناعات الإبداعية من بين القطاعات الرئيسية التي تستهدفها الدول لجذب المواهب، كما قد تشمل القطاعات الطبية والعلمية والتكنولوجية أيضًا فرصًا مهنية مغرية للمهاجرين المؤهلين.
تختلف اهتمامات الأفراد وميولهم المهنية، ولكن بشكل عام، تعتبر الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وألمانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر من بين الدول الرائجة للاستقطاب والجذب للمواهب العالمية، لكن الأمر عادة ما يواجه بالعديد من التحديات، منها البيروقراطية في إجراءات التأشيرات والهجرة، وأحيانًا التحديات اللغوية والثقافية، ورفض المجتمعات التقليدية للعمالة المهاجرة، كما يمكن أن تكون قضايا مثل التمييز أو عدم توافر البنية التحتية اللازمة لتسهيل استيعاب المهاجرين مشكلات أخرى.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الکفاءات والمواهب استقطاب المواهب توفیر بیئة العدید من فی تعزیز من خلال
إقرأ أيضاً:
الدورة الخامسة لمنتدى عُمان للموارد البشرية بمسقط، تناقش آليات تمكين الكفاءات الوطنية
العُمانية: ناقشت أعمال الدورة الخامسة من منتدى عُمان للموارد البشرية بعنوان "آليات تمكين الكفاءات الوطنية وزيادة الإنتاجية" - التي بدأت اليوم بمسقط - مستقبل الموارد البشرية العُمانية في ظل التحولات العالمية المتسارعة، والارتقاء بها كعامل استراتيجي لتحقيق النمو والاستدامة، وذلك تحت رعاية صاحبة السمو السيدة حجيجة بنت جيفر آل سعيد.
وقال حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية في كلمة له: "إن المنتدى ينعقد في عصرٍ تتسارع فيه التغيرات التكنولوجية، وتتعمق فيه الفجوات بين أنماط العمل التقليدي ومقتضيات الاقتصاد الرقمي"، مشيرًا إلى ضرورة إعادة تموضع الكوادر الوطنية كفاعلٍ محوري ومهندسٍ لرؤية تمكينٍ تستند إلى المعرفة والتقنية.
وأضاف: "إن عنوان المنتدى لهذا العام يأتي استجابة منهجية وإدراكًا وطنيًا لمستقبل المؤسسات ومسيرة التنمية الشاملة بمعناها الواسع، ليبنى على قاعدة راسخة من رأس المال البشري الممكن، المدعوم بالتقنيات الذكية، والمحفز بمنظومات حوكمة مرنة وقيادة متبصرة".
وأشار إلى أنه "يتعين النظر إلى الذكاء الاصطناعي ليس كبديل للعنصر البشري، بل كأداة تمكين وتوسيع للأداء البشري، وكشريك استراتيجي يفتح آفاقًا جديدة للتفكير والتنفيذ والابتكار"، وهو ما تتناوله أعمال "مختبر الكفاءات الوطنية" الذي يأتي مصاحبًا لأعمال المنتدى كمنصة تفاعلية لاستقراء التحديات التي تواجه منظومات العمل، وصياغة حلول قابلة للتطبيق.
وأوضح أن المختبر يأتي بمثابة خطوة نوعية لبلورة نموذج عملي لبيئات العمل المستقبلية؛ يستهدف إعادة تصميم نظم الأداء، وتفعيل القدرات البشرية لكوادرنا الوطنية، وتحفيز ديناميكيات الإنتاج، بناءً على معايير مرنة، ومؤشرات ذكية، وممارسات عالمية متكيفة مع السياق الوطني.
وبين أن المنتدى يعد مساحة حوار وابتكار ووعي متقدم، تُبنى فيها الشراكات المؤسسية، وتُبلور فيها الرؤى الوطنية، وتُرسخ من خلالها ثقافة الأداء والتمكين، كما يسلط الضوء على التحديات عميقة التأثير التي تتسبب في تأخر العمل وتباطؤ الأداء التنموي، مؤكدًا على أهمية اتخاذ الإجراءات والخطوات التي تسهم في القضاء على البيروقراطية، من خلال ترسيخ ثقافة العمل لدى الموظف، وغرس قيم التفاني والإخلاص، وتأكيد مكانة العمل باعتباره واجبًا ومسؤولية.
وتناولت أعمال المنتدى عددًا من أوراق العمل، جاءت الأولى بعنوان "قيادة التغيير من أجل التمكين" قدمها المكرم عباس بن علي آل حميد عضو مجلس الدولة وخبير تنمية الموارد البشرية وإدارة التغيير، فيما جاءت الورقة الثانية بعنوان "دور اقتصاد المعرفة في تمكين الموارد البشرية" قدمتها شمسة بنت هلال الحجرية محللة السياسات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد.
وصاحبت أعمال المنتدى فعاليات "مختبر الكفاءات الوطنية: التمكين وزيادة الإنتاجية"، وهو مختبر تفاعلي يُعنى بطرح القضايا والتحديات الراهنة التي تواجه بيئات العمل الوطنية، ويهدف إلى بلورة تصورات عملية وحلول واقعية تُسهم في بناء نموذج عملي لبيئة عمل محفزة ومنتجة.
ويركز المختبر على استكشاف فرص دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في منظومات العمل اليومية، وتحديد متطلبات التحول في ثقافة المؤسسات لضمان جاهزيتها لمستقبل رقمي متغير ومتسارع.
وتخللت أعمال المنتدى - التي تنظمها جريدة الرؤية - إقامة حلقة عمل تدريبية تخصصية بعنوان "زيادة الإنتاج باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل"، هدفت إلى تزويد المشاركين بمعارف وأدوات تطبيقية تسهم في رفع الكفاءة وتعزيز النتائج المؤسسية باستخدام الحلول الذكية.