الوطن:
2025-12-12@15:03:20 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. بين الخوف والخشية

تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. بين الخوف والخشية

قَد يرَى البعضُ «الخوفَ» أمراً سلبياً، والحقُّ أنَّ «الخوفَ» شعورٌ طبيعىٌّ نفسىٌّ ليس فى ذاتِهِ سلبياً، وإنما يُوصفُ بالسلبيَّةِ أو الإيجابيَّةِ طبقاً لما يترتبُ عليهِ من آثارٍ، فيكونُ إيجابياً إذا كانَ خوفاً مِن اللهِ تعالى يَمنعُ صاحبَهُ من الطغيانِ والبغىِ وارتكابِ الآثامِ، أمَّا إذا قعَدَ بصاحبِهِ عن نُصرةِ حقٍّ فى استطاعتِهِ أنْ يَنصره، أو دَحضِ باطلٍ فى قُدرتِهِ أنْ يَدحضَهُ فيكونُ حينئذٍ أمراً سلبياً نهَى الشرعُ الشريفُ عنه.

والخوفُ فى صورتِهِ الإيجابيَّةِ الأولَى واجبٌ شرعاً، قالَ السادةُ العلماءُ: قَد فرَضَ اللهُ سبحانه على العبادِ أنْ يخافوهُ فقال تعالى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقالَ تعالى: {وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]؛ وذلكَ لأنَّ هذا الخوفَ هو أساسُ الِاستقامةِ..

وقد يستشكلُ البعضُ أمْرَ الشرعِ بالخوفِ وهو شعورٌ طبيعىٌّ خارجٌ عن نطاقِ سيطرةِ الإنسانِ وتحكمِهِ، ونقولُ: نعَم... الخوفُ فى ذاتِهِ أمرٌ طبيعىٌّ خارجٌ عن قدرةِ الإنسانِ، والأمورُ الطبيعيةُ الخارجةُ عن سيطرةِ الإنسانِ خارجةٌ فى ذاتِها عن نطاقِ التكليفِ، لكنِ المرادُ هنا أسبابُ الخوفِ لا الخوفُ ذاتُهُ، فعلَى الإنسانِ إذاً أنْ يُحصّلَ أسبابَ هذا الخوفِ، فيَعرفُ عقوبَةَ التقصيرِ والمعصيةِ والغفلةِ، فبهذا يتحققُ فيهِ الخوفُ مِن اللهِ تعالى.

وليسَ الخوفُ من اللهِ تعالى كلمةً مدَّعاةً يلوكُها الإنسانُ بفمِهِ دونَ أثَرٍ فى القلبِ، بل لا بُدَّ لها مِن حقيقةٍ وأثرٍ فى سلوكِهِ، ومِن هنا قيلَ: لا يُعدُّ خائفاً مَن لم يكنْ للذنوبِ تاركاً. وقال بعضُ الصالحين: صِدْقُ الخوفِ هو الورَعُ عن الآثامِ ظاهراً وباطناً.

وهذا معناهُ أنَّ الخائفَ مِن اللهِ تعالى لا يكونُ منهُ إفسادٌ فى النطاقِ الشخصىِّ أو العامِّ، بل هو شخصٌ صالحٌ لا يتأخرُ عن عملِ الصالحاتِ، فخوفُهُ من الله يحضُّهُ على العملِ الصالحِ قبلَ انقضاءِ أجلِهِ، وهذا يُفهمُ مِن قولِ بعضِ العارفين: الخوفُ ألَّا تُعلّلَ نفسَك بعَسى وسَوف. أى: الصالحُ لا يَتلكّأُ ويُؤخّرُ التوبَةَ والعملَ الصالحَ.

ومِن الخوفِ «الخشيةُ»، ولكنَّ الخشيةَ نوعٌ خاصٌّ من الخوفِ، فهى خوفٌ يخالطُهُ تعظيمٌ كما قالَ العلماءُ، وهذا التعظيمُ لا يحصلُ إِلَّا بعدَ عِلمٍ بمَن يُخشَى منه، ولهذا خُصَّ العلماءُ بالخشيةِ فى قولِ اللهِ سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وكلمةُ (إنما) فى أولِ هذهِ الجملةِ القرآنيَّةِ الكريمةِ لها دلالةٌ، فهيَ تدلُّ على أنَّ العلماءَ هم الذين يخشونَ ربَّهم دونَ غيرِهِم، فهم الذين تحقّقتْ فيهم الخشيةُ، وهذا يتناسبُ مع وصفِهم بـ(العلماء)، فعِلمُهُم جعلَهُم على معرفةٍ بصفاتِ خالقِهِم سبحانه وتعالى، وما يَليقُ به سبحانَهُ من كمالاتٍ، وما يَستحقُّه من عبادةٍ وطاعةٍ، فتحققتْ بناءً على هذهِ المعرفةِ الخشيةُ مِن الله فى قُلوبِهِم.

ومفهومُ هذا أنَّ مَن لم يتحققْ بمعرفَةِ اللهِ تعالى، وجهلَ ما يليقُ بذاتِهِ وصفاتِهِ مِن كمالاتٍ، وما يَستحقُّه سبحانه مِن تَنزيهٍ وتقديسٍ وطاعةٍ وعبادةٍ، خرَجَ مِن دائرةِ الخشيةِ، فليسَ هو مِن أهلِها.

ويُفهمُ من هذا أنه يَنبغى أنْ يعرفَ كلُّ مسلمٍ مِن صفاتِ اللهِ تعالى ما يَحملُهُ على الخشيةِ، بل ينبغى أن يصلَ كُلُّ ذِى عِلمٍ إلى اللهِ تعالى بعلمِهِ.

وإذا رأينا إنساناً يستعملُ ما مَنحَهُ اللهُ تعالى من علمٍ فيما يَضرُّ ولا ينفعُ نعلمُ أنه حُجبَ بمعلوماتِهِ عنِ اللهِ تعالى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: قناة الناس سماحة الإسلام م ن الله

إقرأ أيضاً:

خطيب المسجد النبوي: رحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر فكيف بمن يطيعه ويحبه

أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي، المسلمين بتقوى الله، فهي أكمل زاد يصلح القلب ويهدي الخطى ويجمع للعبد خير الدنيا والآخرة.

هل عرفت الله؟

وقال خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي، إن السؤال الذي يتبادر في ذهن كثير من الناس هل عرفت الله، مفيدًا أن القرآن الكريم يفيض بالآيات الدالة على الله، فهو العظيم تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح، وفي تعاقب الليل والنهار وفي انبثاق الحياة، وانتظام الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ليشهد الخلق على أن وراء كل هذا النظام الدقيق ربًا لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.

رحمة الله تسع العاصي والجاهل

وأوضح أن الله تعالى يدبر كل شيء بحكمة لا يضل معها شيء، مشيرًا إلى التأمل في أسماء الله وصفاته فهو الرحمن القائل: «ورحمتي وسعت كل شيء»، فرحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر فكيف بمن يطيعه ويحبه، لافتًا إلى أن الرحمة ليست في العطاء فقط بل تكون في البلاء، ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رأى أمًا تضم طفلها خوفًا وشفقة قال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها».

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صبادعاء للميت يوم الجمعة .. ردد أفضل 310 أدعية تنير القبر وتجعله من رياض الجنة
وتابع: إن لطف الله يتجلى في طيات الأحداث، فيأتي بالخبر من حيث لا يحتسب ويدل على ما يصلح القلب والدنيا وهو الحفيظ الذي لا يغيب حفظه لحظة قال تعالى: «فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين» وهو القريب المجيب الذي يسمع المناجاة والقريب الذي لا يحتاج إلى وساطة لمناجاته، وفي هذا سر من أسرار القرب أن الله يحب أن يرى العبد يناجيه قال تعالى: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم».

الودود الكريم

وواصل: وهو الغفور الحليم الذي يفرح بتوبة عبده والحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة قال جل من قائل: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم» وهو الودود الكريم الذي يغدق ولا يمن وهو الحكيم العليم الذي يدبر بحكمة لا تدركها العقول قال تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم».

الشوق إلى لقاء الله

وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي، أن من أحب الله وعبده، دون أن يراه فقلبه يشتاق إلى لقاء الله، وتنتظره الروح ويترقبه القلب.


وختم بوصف ما في الجنة من نعيم لا ينفد ورؤية الله رؤية واضحة، ففي الحديث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته».

طباعة شارك خطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي المسجد النبوي خطبة الجمعة اليوم خطبة الجمعة الجمعة عبدالباري الثبيتي

مقالات مشابهة

  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • هل عرفت الله؟.. خطيب المسجد النبوي: تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح
  • خطيب المسجد النبوي: رحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر فكيف بمن يطيعه ويحبه
  • موعد أذان الظهر.. توقيت صلاة الجمعة والصلوات الخمس
  • حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء.. الإفتاء تجيب
  • نواف العجارمة ينعى وفاة شقيقته
  • لو عاوز تحلم بحد مات تعمل إيه؟.. داعية إسلامى يوضح الطريقة
  • حكم الوضوء بماء المطر وفضله.. الإفتاء توضح
  • علي جمعة: العفاف الظاهر يؤدي إلى الباطن وفقدان أحدهما يعني فقد الآخر
  • علي جمعة: طريق الإنسان مقيد بـ «الذكر والفكر» لله تعالى