الوطن:
2025-10-16@01:26:09 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. بين الخوف والخشية

تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. بين الخوف والخشية

قَد يرَى البعضُ «الخوفَ» أمراً سلبياً، والحقُّ أنَّ «الخوفَ» شعورٌ طبيعىٌّ نفسىٌّ ليس فى ذاتِهِ سلبياً، وإنما يُوصفُ بالسلبيَّةِ أو الإيجابيَّةِ طبقاً لما يترتبُ عليهِ من آثارٍ، فيكونُ إيجابياً إذا كانَ خوفاً مِن اللهِ تعالى يَمنعُ صاحبَهُ من الطغيانِ والبغىِ وارتكابِ الآثامِ، أمَّا إذا قعَدَ بصاحبِهِ عن نُصرةِ حقٍّ فى استطاعتِهِ أنْ يَنصره، أو دَحضِ باطلٍ فى قُدرتِهِ أنْ يَدحضَهُ فيكونُ حينئذٍ أمراً سلبياً نهَى الشرعُ الشريفُ عنه.

والخوفُ فى صورتِهِ الإيجابيَّةِ الأولَى واجبٌ شرعاً، قالَ السادةُ العلماءُ: قَد فرَضَ اللهُ سبحانه على العبادِ أنْ يخافوهُ فقال تعالى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقالَ تعالى: {وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]؛ وذلكَ لأنَّ هذا الخوفَ هو أساسُ الِاستقامةِ..

وقد يستشكلُ البعضُ أمْرَ الشرعِ بالخوفِ وهو شعورٌ طبيعىٌّ خارجٌ عن نطاقِ سيطرةِ الإنسانِ وتحكمِهِ، ونقولُ: نعَم... الخوفُ فى ذاتِهِ أمرٌ طبيعىٌّ خارجٌ عن قدرةِ الإنسانِ، والأمورُ الطبيعيةُ الخارجةُ عن سيطرةِ الإنسانِ خارجةٌ فى ذاتِها عن نطاقِ التكليفِ، لكنِ المرادُ هنا أسبابُ الخوفِ لا الخوفُ ذاتُهُ، فعلَى الإنسانِ إذاً أنْ يُحصّلَ أسبابَ هذا الخوفِ، فيَعرفُ عقوبَةَ التقصيرِ والمعصيةِ والغفلةِ، فبهذا يتحققُ فيهِ الخوفُ مِن اللهِ تعالى.

وليسَ الخوفُ من اللهِ تعالى كلمةً مدَّعاةً يلوكُها الإنسانُ بفمِهِ دونَ أثَرٍ فى القلبِ، بل لا بُدَّ لها مِن حقيقةٍ وأثرٍ فى سلوكِهِ، ومِن هنا قيلَ: لا يُعدُّ خائفاً مَن لم يكنْ للذنوبِ تاركاً. وقال بعضُ الصالحين: صِدْقُ الخوفِ هو الورَعُ عن الآثامِ ظاهراً وباطناً.

وهذا معناهُ أنَّ الخائفَ مِن اللهِ تعالى لا يكونُ منهُ إفسادٌ فى النطاقِ الشخصىِّ أو العامِّ، بل هو شخصٌ صالحٌ لا يتأخرُ عن عملِ الصالحاتِ، فخوفُهُ من الله يحضُّهُ على العملِ الصالحِ قبلَ انقضاءِ أجلِهِ، وهذا يُفهمُ مِن قولِ بعضِ العارفين: الخوفُ ألَّا تُعلّلَ نفسَك بعَسى وسَوف. أى: الصالحُ لا يَتلكّأُ ويُؤخّرُ التوبَةَ والعملَ الصالحَ.

ومِن الخوفِ «الخشيةُ»، ولكنَّ الخشيةَ نوعٌ خاصٌّ من الخوفِ، فهى خوفٌ يخالطُهُ تعظيمٌ كما قالَ العلماءُ، وهذا التعظيمُ لا يحصلُ إِلَّا بعدَ عِلمٍ بمَن يُخشَى منه، ولهذا خُصَّ العلماءُ بالخشيةِ فى قولِ اللهِ سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وكلمةُ (إنما) فى أولِ هذهِ الجملةِ القرآنيَّةِ الكريمةِ لها دلالةٌ، فهيَ تدلُّ على أنَّ العلماءَ هم الذين يخشونَ ربَّهم دونَ غيرِهِم، فهم الذين تحقّقتْ فيهم الخشيةُ، وهذا يتناسبُ مع وصفِهم بـ(العلماء)، فعِلمُهُم جعلَهُم على معرفةٍ بصفاتِ خالقِهِم سبحانه وتعالى، وما يَليقُ به سبحانَهُ من كمالاتٍ، وما يَستحقُّه من عبادةٍ وطاعةٍ، فتحققتْ بناءً على هذهِ المعرفةِ الخشيةُ مِن الله فى قُلوبِهِم.

ومفهومُ هذا أنَّ مَن لم يتحققْ بمعرفَةِ اللهِ تعالى، وجهلَ ما يليقُ بذاتِهِ وصفاتِهِ مِن كمالاتٍ، وما يَستحقُّه سبحانه مِن تَنزيهٍ وتقديسٍ وطاعةٍ وعبادةٍ، خرَجَ مِن دائرةِ الخشيةِ، فليسَ هو مِن أهلِها.

ويُفهمُ من هذا أنه يَنبغى أنْ يعرفَ كلُّ مسلمٍ مِن صفاتِ اللهِ تعالى ما يَحملُهُ على الخشيةِ، بل ينبغى أن يصلَ كُلُّ ذِى عِلمٍ إلى اللهِ تعالى بعلمِهِ.

وإذا رأينا إنساناً يستعملُ ما مَنحَهُ اللهُ تعالى من علمٍ فيما يَضرُّ ولا ينفعُ نعلمُ أنه حُجبَ بمعلوماتِهِ عنِ اللهِ تعالى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: قناة الناس سماحة الإسلام م ن الله

إقرأ أيضاً:

كيفية سجود الشكر لله تعالى وما حكمه؟

سجود الشكر.. أوجب الله تعالى على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقَرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم حيث قال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].

سجود الشكر لله تعالى:

 ووعد الله تعالى بنجاة الشاكرين من المؤمنين وجزائهم خير الجزاء حيث قال: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147]، وقال تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 145]، وقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].

مشروعية سجدة الشكر:

وشرعت سجدة الشكر لوجوب شكر نعمة الله تعالى على عباده عند حدوث نعمةٍ أو دفعِ بليةٍ، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أنَّه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء الشيء يُسَرُّ به خَرَّ ساجدًا شُكْرًا لله تعالى» رواه أبو داود، والترمذي -واللفظ له-، وابن ماجه في "سننهم".

كيفية سجود الشكر :

وسجود الشكر يصلى سجدة واحدة يؤديها المسلم عند حصول نعمةٍ له ونزولها به، أو بأحد المسلمين، أو عند اندفاع نقمةٍ وانكشافها عنه أو عن غيره من المسلمين؛ حمدًا لله تعالى وشكرًا وثناء وتَعبُّدًا، وهي مشروعة من حيث كونها قُرْبةً.


سجود الشكر 
وروى الإمام أحمد في "المسند" بسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوجَّه نحو صدقته، فدخل فاستقبل القبلة، فخرَّ ساجدًا فأطال السجود، حتى ظننت أن الله عز وجل قد قَبض نفسَه فيها، فدنوتُ منه فجلستُ، فرفع رأسه، فقال: «من هَذا؟»، قلت: عبد الرحمن، قال: «ما شأنك؟»، قلت: يا رسول الله، 
سجدتَ سجدةً خشيتُ أن يكون الله عز وجل قد قَبض نفسك فيها، فقال: «إنَّ جبريل عليه السلام أتاني فبشرني فقال: إن الله عز وجل يقول: مَن صَلَّى عليك صليتُ عليه، ومَن سَلَّم عليك سلمتُ عليه، فسجدت لله عزَّ وجل شكرًا».

وروى أبو داود بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من عَرْوَزا -بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الواو، هضبة الجحفة عليها الطريق بين مكة والمدينة- نزل فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلًا، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه قال: «إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجدًا لربي».

حكم سجود الشكر والفرق بينه وبين صلاة الشكر

ذهب الشافعية والحنابلة ومحمد وأبو يوسف من الحنفية -وعلى قولهما الفتوى في مذهب الحنفية- إلى أَنَّ سجدة الشكر من السُّنَن المستحبة، على خلافٍ بينهم وبين المالكية القائلين بالكراهة -في المشهور عندهم. ينظر: "رد المحتار" لابن عابدين (2/ 119، ط. دار الفكر)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 308، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 447، و"الإنصاف" للمرداوي (2/ 200، ط. دار إحياء التراث العربي).

وسبب الخلاف بينهم نظرتهم لسجدة الشكر هل هي عبادة مقصودة أم لا؟ فمَن ذهب إلى قَصْديتها وكونها قُرْبة قال بسُنِّيَّتها، ومن نَظَر إلى عدم قَصْديتها وعدم كونها قُرْبة نَفَى السُّنِّيَّة، أو نَفَى المشروعية مطلقًا. وأيًّا يكن الخلاف: فإنَّ سجدة الشكر لا تخرج عن كونها مشروعةً، فالكراهة -عند مَن قال بها- وإن كان فيها اللومُ على الفعل والحَثُّ على عدم الإقدام عليه، إلَّا أنَّ الأصوليين نَصُّوا على أنَّها لا تخرج عن دائرة المشروعية، بمعنى عدم تَرتُّب الإثم الأخروي، والمعنى مِن ذلك أنَّ المسلم لا يَلْحقه الإثم في فِعْلها.

وزاد ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (2/ 217، ط. المكتبة التجارية) على هذا المعنى أنَّه: [لو ضَمَّ للسجود صدقةً أو صلاةً كان أولى، أو أقامهما مقامه فحَسَنٌ] اهـ.

قال الشِّرْواني مُحَشِّيًا: [قد يوهم أنَّه ينوي بالصلاة الشكر، لكن في "ع ش" -حاشية الإمام الشبراملسي على نهاية المحتاج- خلافه، عبارته قوله: "أو صلاة"، أي: بنية التطوع، لا بنية الشكر؛ أخذًا مما ذَكَره في الاستسقاء من أنَّه ليس لنا صلاة سببها الشكر] اهـ.

مقالات مشابهة

  • في ذمة الله
  • العلماء يحذرون: عقل الإنسان يفقد توازنه بعد منتصف الليل
  • علي جمعة: أثنى الله تعالى على النبي ﷺ ومدح ما يتعلق به
  • حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
  • أذكار الصباح اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025
  • هل يجوز قول: «اللهم كما جعلت سورة الرحمن عروس القرآن عجّل بزواجي»؟
  • هل الكلام على الآخرين ينقض الوضوء؟.. الإفتاء ترد
  • كيفية سجود الشكر لله تعالى وما حكمه؟
  • أحمد عاطف آدم يكتب: صور غزة بين الذهاب والعودة
  • حكم إكرام العلماء والصالحين وذوي الشرف في السُنة