أي نفاق هذا؟ – د. #منذر_الحوارات
(أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً يهدف إلى معاقبة بعض المستوطنين اليهود الذين يهاجمون الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، على اعتبار أن ذلك يشكل تهديدا خطيرا للسلام والأمن في الضفة الغربية وغزة وإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط)، الشعور الوحيد الذي يمكن أن ينتاب قارئ هذا الخبر لن يكون إلا الغثيان المترافق بكم كبير من التقزز، ولا يبرز أمام القارئ إلا سؤال واحد، هل يمكن أن يصل استخفاف الولايات المتحدة بنا إلى هذه الدرجة، ونحن العرب حلفاؤها في كل عقود صعودها المشؤوم علينا وعلى منطقتنا التي لم تخمد فيها النيران لحظة واحدة، وإذا فتشت عن سبب أغلبها فستجد أن أميركا هي في الغالب مطلق الشرارة الأولى، هذا هو رد الفعل الأميركي الحاسم تجاه سيل الدماء المتفجر في الضفة الغربية منذ طوفان الأقصى وحتى الآن مئات الشهداء وآلاف المعتقلين، عدا عن التدمير والتخريب في البنية التحتية ومحاولات يومية لإذلال الفلسطينيين هناك غير حرمانهم من الصلاة في المسجد الأقصى ومعاملتهم بطريقة مهينة للإنسان وكرامته، طبعاً لن أتحدث عن غزة حيث نهر الدماء وعشرات آلاف القتلى الشهداء بسبب القنابل الأميركية الذكية والغبية في نفس الوقت.
والخطير في هذا القرار أبعد بكثير من أثره الأخلاقي والإنساني على أهمية هذين العنصرين، ففي طياته تبرئة لحكومة الاحتلال من الأعمال الإجرامية المرتكبة في الضفة ومحاولة إلقائها على حفنة صغيرة من المستوطنين، وهذا أخطر ما في الموضوع، إذ إنه يشكل تواطؤا مفضوحاً لإراحة حكومة دولة الاحتلال المدعومة أميركياً بالمال والسلاح من تبعات ما تقوم به من جرائم بحق الفلسطينيين، وهنا تقوم الولايات المتحدة بدور المتستر على العناصر الموغلة في التطرف في حكومة الاحتلال وليس بنغفير وسموتريتش سوى عينة ظاهرة للعيان أمام أعين العالم واللذين لو كانا في أي حكومة أخرى في العالم لفرضت الولايات المتحدة عقوبات تصل إلى حد الإجاعة على ذلك البلد، والأمثلة على ذلك في منطقتنا العربية غنية عن التعريف. فقد أدت إجراءات الولايات المتحدة العقابية إلى أن تدفع شعوب تلك المنطقة ثمن جرائم لم ترتكبها، أما هنا فترفض الولايات المتحدة عقاب إسرائيل الدولة على جرائم ارتكبتها أمام مرأى ومسمع العالم، لكنها غضت الطرف عن كل ذلك فقط لأن الفاعل إسرائيل.
محاولة تبرئة دولة وحكومة الاحتلال من الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين لا تقتصر على إسرائيل وحدها، بل تتعداها إلى الولايات المتحدة فهي الداعم الرئيسي لدولة وحكومة الاحتلال عبر تاريخها، فهذه المستوطنات وهذا الإذلال للفلسطينيين وهذا الانتهاك للمسجد الأقصى وقبل ذلك كله استدامة الاحتلال كل هذه السنين، والذي ما كان ليستمر لولا دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في المنظمات والهيئات الدولية واستخدامها المفرط لحق النقض الفيتو والذي منع العالم من تطبيق القوانين الدولية على إسرائيل كدولة محتلة، وبموازاة هذا التواطؤ مع دولة الاحتلال على الصعيد الأممي ادعت دوما أنها راعية السلام في المنطقة والعالم، وأنها هي القادر الوحيد على صنعه في الصراع العربي، لكنها في كل جولة مفاوضات عربية إسرائيلية ترعاها الولايات المتحدة ومنذ كيسنجر وحتى الآن كانت الخطوة الأميركية الأولى هي تمزيق القانون الدولي ودهسه تحت الأقدام، ووضع المصالح الإسرائيلية فوق كل اعتبار، وهذا ما قام به الوسطاء الأميركان عبر مسلسل المفاوضات التي لم تنته ولن تنتهي وهو ما أوصلنا إلى هذا النفق المظلم.
مقالات ذات صلة تسع ميمات (مقال 2) :خصائص خرّيج النظام التربوي الأردني، ومواصفاته 2024/02/26والآن، وفي هذا الوقت بالذات، حيث تتناثر أشلاء الأطفال ونساء وكبار السن في غزة في كل مكان، والفاعل هو الطائرات والقنابل والذخائر والدعم السياسي والمالي الأميركي، يصدر بايدن قراراً صاخبا بعقاب حفنة من المستوطنين بسبب ربما لن نعلم حقيقته، بينما تبقى جريمة الاحتلال كاحتلال معلقة بانتظار القدر، لكن لا يجب أن يفوتنا السؤال عن السبب الحقيقي لهذا القرار، هل هو لأجل العدالة أم لغير ذلك من الأسباب؟ نعم إنه غير كل ذلك، فقد جاء القرار قبيل توجه الرئيس بايدن إلى ولاية ميتشيغان المتأرجحة انتخابياً، والتي تُعد بؤرة الغضب الأميركي العربي من الحزب الديمقراطي وبايدن معاً، لذلك جاء هذا القرار في محاولة لامتصاص غضبهم للحصول على موقف مؤيد له في الانتخابات القادمة، إن هذا هو منتهى الاستخفاف وربما الاحتقار لأرواح من قضوا من الفلسطينيين من رئيس قوة عظمى في نفاق انتخابي مفضوح، هل هناك استغباء ونفاق أكثر من ذلك؟
الغد
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الضفة
إقرأ أيضاً:
هل تنجرف الولايات المتحدة نحو حرب ضد الصين بسبب تايوان؟
أصبحت تايوان على ما يبدو في الآونة الأخيرة أكثر جدية بشأن الدفاع عن نفسها، بعد أن مددت فترة التجنيد الإجباري إلى عام كامل وزادت ميزانيتها الدفاعية لشراء طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للسفن، وتحول تركيزها طويل الأمد من الأسلحة الثقيلة وأساليب الحرب التقليدية إلى الإستراتيجيات الدفاعية الأكثر تنوعا وتطورا.
ويخشى المحللون العسكريون من أن تتمكن الصين من غزو تايوان بحلول عام 2027 على أقرب تقدير. وفي حال اندلعت الحرب، فإن أمل تايوان وتوقعها هو أن تدخل الولايات المتحدة المعركة إلى جانبها، بينما تشير محاكاة الحرب إلى اندلاع قتال مكلف وخسائر كبيرة، بما فيها شبح التصعيد المحتمل إلى حرب نووية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الهويات الخائفة وسرديات المظلومية.. دراسة لجذور العنف في سورياlist 2 of 2قارة غنية مستغلة.. أفريقيا بين فرص الشراكة وتحديات المكانةend of listوفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية، تساءل رامون ماركس المحامي الدولي المتقاعد ونائب رئيس مؤسسة "رؤساء تنفيذيون من أجل الأمن القومي" عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان أم لا؟ في حال اندلعت شرارة حرب تتدرب من أجلها القيادة الأميركية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما يتوافق مع متطلبات قانون العلاقات مع تايوان، الذي يتطلب مثل هذا التخطيط لحالات الطوارئ.
قرار الرئيس لا يكفيوقد صرح الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عدة مرات بأن الولايات المتحدة ستدافع عن الجزيرة في حال تعرضها لهجوم من الصين.
وبموجب المادة الثانية من القسم الثاني من الدستور، يمتلك الرئيس السلطة -بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة- لإصدار الأمر باستخدام القوة العسكرية ردا على أي هجوم.
ومع ذلك، فإن هذه السلطة التنفيذية غير كافية لمنح الرئيس صلاحية أحادية لإعلان تحالف دفاعي مع تايوان دون مشاركة إضافية من الكونغرس، كما ينص على ذلك، ليس فقط الدستور ولكن أيضا قانون صلاحيات الحرب.
وأوضح ماركس أن الولايات المتحدة لم تبرم أي معاهدة عسكرية مع تايوان، ولا يلزم قانون العلاقات مع تايوان أو أي قانون اتحادي آخر الولايات المتحدة بالدفاع عنها.
إعلانويقتصر قانون العلاقات مع تايوان على إلزام الولايات المتحدة "بالحفاظ على القدرة على مقاومة أي لجوء إلى القوة أو غيرها من أشكال الإكراه التي يمكن أن تعرض أمن شعب تايوان أو نظامها الاجتماعي أو الاقتصادي للخطر".
ولم يصدر الكونغرس في أي وقت مضى قرارا يدعو إلى الدفاع عن تايوان، بينما تظهر عدة استطلاعات رأي في الولايات المتحدة عدم تأييد قتال واشنطن من أجل تايبيه، وتفضيل الوضع الغامض الراهن بدلا من ذلك، رغم أن واشنطن وبكين لا تزالان عالقتين في انزلاق خطِر نحو الحرب.
ويرى ماركس أن الولايات المتحدة يمكن أن تنزلق إلى الحرب في ظل سيناريوهات متعددة، مع قيام السفن الحربية والطائرات الأميركية بدوريات منتظمة في المياه القريبة من تايوان، ما قد يدفع نحو صراع كبير مع القوات البحرية الصينية فجأة.
وكتب الأدميرال جيمس ستافريديس وإليوت أكرمان رواية عن أن حادثا بحريا واحدا في بحر الصين الجنوبي يمكن أن يتصاعد إلى حرب نووية مع الصين، وإذا فرضت الصين حصارا على تايوان، فقد ينتهي الأمر بالولايات المتحدة بسهولة إلى قتال إن أمر رئيس البحرية الأميركية بمرافقة السفن التجارية المارة عبر الخطوط البحرية الصينية.
ويقول ماركس، إن الوضع الذي تواجهه واشنطن في تايوان غير مسبوق، فعلى عكس جميع صراعاتها العسكرية السابقة منذ الحرب العالمية الثانية، ستواجه الولايات المتحدة هذه المرة قوة نووية من أجل الدفاع عن دولة لا توجد لدى واشنطن أي التزامات دفاعية تجاهها.
الكونغرس والشرعية الدوليةوعندما خاضت الولايات المتحدة الحرب في كوريا عام 1950، فعلت ذلك بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، وخاضت حرب فيتنام بموجب قرار خليج تونكين الذي أصدره الكونغرس عام 1964، وشنت حرب الخليج عام 1990 بموجب قانون أقره الكونغرس، وهو التفويض باستخدام القوة العسكرية، كما شنت حملتي البوسنة وكوسوفو تحت مظلة قرارات مختلفة للأمم المتحدة.
وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، سمح قانون صادر عن الكونغرس بالتدخل العسكري الأميركي في أفغانستان والحرب على ما سُمي بـ"الإرهاب"، والتفويض باستخدام القوة العسكرية عام 2001 ، كما خاضت الولايات المتحدة حرب العراق بموجب قرار التفويض باستخدام القوة العسكرية ضد العراق عام 2002 ولم تكن أي من هذه الدول قوى نووية.
وإذا أطلقت الصين النار على سفن البحرية الأميركية، فإن الرئيس مُخوّل بصفته القائد الأعلى للرد بسرعة، وبإمكانه أن يأمر القوات المسلحة باتخاذ إجراء، بما فيها توجيه ضربات تصعيدية محتملة، مع مراعاة المزيد من التشاور مع الكونغرس بموجب أحكام قانون صلاحيات الحرب.
وقال ماركس إن تفاهم بكين وواشنطن بشأن وضع تايوان يرجع إلى عام 1972 وبيان شنغهاي، حين اعترف الجانبان أن "جميع الصينيين على جانبي مضيق تايوان يؤكدان وجود صين واحدة، وأن تايوان جزء من الصين"؛ وعقب إصدار البيان، اعترفت الولايات المتحدة دبلوماسيا بجمهورية الصين الشعبية وأغلقت سفارتها في تايوان، ثم أقر الكونغرس قانون العلاقات مع تايوان، الذي حدد الإطار القانوني لعلاقة واشنطن الجديدة مع تايبيه.
إعلانويرى ماركس أن الولايات المتحدة تواجه وضعا حساسا، حيث إن هدفها هو ردع الصين عن مهاجمة تايوان، وإبداء نوع من الاستعداد للدفاع عن تايبيه -وإن كان غامضا- يدعم هذا الهدف، لكنه يجب أن يكون ضمن حدود، لأن تزويد تايوان بالأسلحة العسكرية لدعم وضعها كمنطقة تتمتع بحكم ذاتي أمر، وإلزام الولايات المتحدة مسبقا بخوض حرب مع الصين إذا هاجمت تايوان أمر آخر، فسلطة الرئيس الدستورية هنا ليست بلا حدود.
ويعد الاستناد إلى دور الرئيس في إدارة الشؤون الخارجية بصفته القائد الأعلى سندا قانونيا ضعيفا للغاية إذا ما تعلق الأمربالتعهد بالدفاع عن تايبيه، ويتطلب الدستور أن يكون للكونغرس رأي في الأمر، واعتبر ماركس أن الرئيس بايدن تجاوز الحدود عندما تعهد بشكل متكرر بأن تدافع الولايات المتحدة عن تايوان إذا تعرضت لهجوم من الصين، وهي تعهدات تراجع عنها مساعدوه لاحقا.
ومن الجدير ذكره، أن الولايات المتحدة أبرمت معاهدات دفاعية أقرها مجلس الشيوخ مع كل من اليابان والفلبين، بينما سيكون من الصعب سياسيا الحصول على دعم رسمي من الكونغرس للقتال من أجل تايوان، ومع ذلك فإن الأمر لا يعد مبررا للسماح للرئيس بتجاوز الكونغرس.