لجريدة عمان:
2025-06-23@03:19:44 GMT

أزمة النقد العربي

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

في عهد طه حسين والعقاد ومحمد مندور وغيرهم من كبار المبدعين والنقاد، كانت هناك حركات نقدية أثرَت حياتنا الثقافية في مجالات الأدب والفن عمومًا، ويكفي أن نتذكر الجدال الذي كان يدور حول مشروعية قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وهو ما أدى في النهاية إلى الاعتراف بهما ودراسة خصائصهما الإبداعية. مضى هذا العهد وجاء من بعد جيل من النقاد الأكاديميين ممن يدعون انتماءهم إلى الجيل الأول من الكبار، في حين أنهم كانوا أبعد ما يكونون عنهم، وعن الدور الذي كان يقوم به هؤلاء الكبار في واقع حركة النقد في ثقافتنا.

روَّج هؤلاء لأنفسهم باعتبارهم أساتذة النقد في عالمنا العربي، واستعانوا في ذلك بمناصبهم في مؤسسات الثقافة التي تولوها في الدولة المصرية، فذاع صيتهم في عالمنا العربي، وخاصةً في بلدان الخليج التي اقتاتوا على أموالها بما نالوا من جوائز، ومن عضويتهم في لجان منح الجوائز، ومن عضويتهم في اللجان التي لا حصر لها في الشأن الثقافي. ومن أسف أن نجد بعد هذا الجيل الثاني ينشأ جيل ثالث من تلاميذهم يسبحون بحمدهم ويسيرون على نهجهم، وإن كانوا أقل منهم شأنًا، فهم يجسدون حالة الانتقال من السيئ إلى ما هو أسوأ منه. فما الذي فعله مثل هؤلاء في تردي حالة النقد في عالمنا العربي.

اتبع هؤلاء المدارس النقدية التي شاعت في الغرب من قبيل: البنيوية والسميوطيقا، وغيرها من المذاهب الشكلانية التي تسعى تأطير النص الأدبي من خلال أدوات تُعنى بدراسة العلاقات الشكلية في بناء النص ولغته من دون اهتمام بمعنى النص في علاقته بالحياة وبالوجود، أي من دون اهتمام بما يريد أن يقوله النص فيما وراء بنيته الظاهرية. افتتن هؤلاء بهذه المدارس النقدية وسعوا إلى تطبيقها على بعض النصوص الأدبية، حتى بعد أن خفت تأثير هذه المدارس في الغرب نفسه. ومن المدهش أن هؤلاء كانوا يفعلون ذلك حتى من دون معرفة وثيقة بالأصول الفلسفية لهذه المدارس النقدية؛ وهذا ما عرفته عن قرب من خلال صلتي بهؤلاء، بل إنني وجدتهم لا يعرفون شيئًا عن الاتجاهات الفلسفية التي أزاحت هذه المدارس مثل الاتجاه الفينومينولوجي وفلسفة التأويل؛ ومن ثم فإنني وجدتهم لا يعرفون شيئًا عن التعامل مع النص من حيث معناه وسياقه التاريخي وأهمية الحوار مع النص من دون تأطيره في مقولات نظرية ووفقًا لأدوات شكلانية. وهكذا فإن مثل هذا الناقد يذهب إلى النص وفي ذهنه أدوات مسبقة للتعامل معه، وكأنه يريد تقييده منذ البداية! ومن المدهش أيضًا أن هؤلاء الذين ذاع صيتهم في عالمنا العربي (وفي الخليج خاصةً) كانوا يفتقرون إلى الموهبة في تناول أي نص أدبي: فتجد ناقدًا من هؤلاء لديه حالة من الاستسهال في الكتابة بحيث يكتب كل أسبوع عن كل عمل أدبي يصدر في عالمنا العربي في نوع من الكتابة الصحفية التي تحتفي بكل شيء وأي شيء من دون انتقاء لما هو جدير بالنظر، ومن دون السعي إلى تأسيس موقف نقدي خاص. فترى هذا الناقد يسرد -على سبيل المثال- وقائع الرواية التي يتناولها؛ لكي يملأ الصفحة التي يكتبها! ما السبب في هذه الحالة المتردية التي سادت النقد في عالمنا العربي؟

السبب الأول -فيما أظن- هو أن هؤلاء النقاد يفتقرون إلى الموهبة التي تتعلق بالحس الجمالي: فالرأي عندي أن كل ناقد هو في النهاية مُبدع فشل في أن يكون مبدعًا لأسباب عديدة لا محل لذكرها هنا؛ ومن ثم فإنه يجب أن يكون لديه -على الأقل- تلك الحساسية الجمالية التي تُوجَد لدى المبدع. والسبب الثاني هو أن هؤلاء النقاد يفتقرون إلى الأصول الفلسفية لنظريات النقد الفني والأدبي التي يسعون إلى تطبيقها على النصوص الأدبية وغيرها، وتلك مسألة ربما تحتاج إلى شيء من التفصيل: ذلك أن نظريات النقد لا تنشأ من عدم، وإنما تنشأ من النظريات الجمالية؛ فالنظريات الجمالية تؤسس أصول النقد التي يرجع إليها الناقد في تناوله للأدب والفن بوجه عام؛ ولهذا فإن النظريات الجمالية (التي تنتمي إلى علم الجمال) توصف بأنها «نقد النقد»، أي أنها تناقش وتتناول نقديًّا المبادئ والأصول النظرية التي ينبغي أن يرجع إليها الناقد في ممارسته للنقد. ولكن هؤلاء النقاد الذين نتحدث عنهم هنا، ليست لديهم معرفة وثيقة بهذه الأصول، فضلًا عن افتقارهم للحس الجمالي، وهذا هو مناط أزمة النقد في عالمنا العربي طيلة العقود الأخيرة التي ربما تمتد إلى قرابة نصف قرن.

على أن الأزمة ليست مقصورة على النقد الأدبي، وإنما تمتد إلى نقد الفنون الأخرى، مثل: النقد السينمائي ونقد الفنون التشكيلية. ذلك أن النقد السينمائي المهيمن على واقعنا الثقافي هو في أغلبه مجرد كتابات صحفية سطحية رديئة. أما الكتابات في مجال نقد الفنون التشكيلية، فهي ضئيلة ونادرة للغاية، وهذا ما اكتشفته بحكم عضويتي في لجنة الجوائز في مجال نقد الفنون التشكيلية بمؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون. ولكن الجانب المضيء هنا هو أننا نحاول اكتشاف المواهب القليلة لدى جيل الشباب، بهدف تشجيعها، ومن أجل تكوين جيل من النقاد في هذا المجال.

وعلى هذا يمكن القول إن الصورة ليست قاتمة تمامًا؛ فهناك حالات فردية من النقاد في مجال النقد الأدبي في عالمنا العربي ممن هم على معرفة وثيقة بالنظريات الجمالية، حتى إنهم يدرسون الأعمال الأدبية باقتدار. وربما يليق في هذا الصدد أن أذكر المثال التالي: لقد وجدت أساتذة في المغرب العربي ممن تناولوا شعر أدونيس باقتدار وعمق بالغ، ومنهم على سبيل المثال: عمر بن حفيظ من تونس، وراوية اليحياوي من الجزائر، وخالد بلقاسم من مملكة المغرب. ولذلك فإن أدونيس عندما أهداني بعضًا من دواوينه لم أستطع أن أكتب عنها؛ لأنني أدركت أنني لا يمكن أن أتجاوز في عجالة هذه الكتابات الرصينة التي كُتبت عنه. ومع ذلك، فإن هذه الجهود الفردية في عالمنا العربي لا تزال غير قادرة على تشكيل حركة نقدية، وهو ما نطمح إليه في مستقبل ثقافتنا العربية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه المدارس أن هؤلاء من دون

إقرأ أيضاً:

للخروج عن النص.. مشيرة إسماعيل تكشف كواليس استبعادها من مسرحية «العيال كبرت»

تحدثت الفنانة مشيرة إسماعيل عن مشاركتها بالتمثيل في مسرحية «العيال كبرت»، منذ عرضها الأول على خشبة المسرح، كما قامت بتصويرها للعرض التليفزيوني، ولكن لم تُعرض بسبب الخروج عن النص.

وكشفت مشيرة إسماعيل، في مداخلة هاتفية مع الإعلامية نهال طايل، ببرنامج تفاصيل المذاع على قناة صدى البلد 2، أنها انتهت من تصوير مسرحية ‘العيال كبرت’، وسافرت في اليوم التالي إلى دبي لتصوير فيلم «الحفيد» ومسلسل «أم العروسة»، وتلقت اتصالًا بعد أيام من سفرها للعودة إلى مصر من أجل إعادة تصوير المسرحية بسبب الخروج عن النص.

وأضافت مشيرة إسماعيل: «كلموني علشان أعيد تصويرها ومكنش ينفع عمل فيه الأستاذ عماد حمدي والأستاذة تحية كاريوكا، إني اعتذر لأنه كان فيلمين مكتوبين بمسلسل واحد وهما فيلم (الحفيد، وأم العروسة)، واتصورت بالفنانة نادية شكرى».
وأوضحت مشيرة إسماعيل أن النسخة التي قامت بتصويرها من مسرحية «العيال كبرت»، متواجدة لدى الفنانة الكبيرة صفاء أبوالسعود، قائلة: «التصوير الأولاني موجود عند صفاء أبوالسعود، احنا أصدقاء وعشرة عمر منذ الطفولة من أيام برامج الأطفال برنامج ماما سميحة، واستضافتني في برنامجها وأنا مبظهرش بس مينفعش أقولها لأ؛ لأنها عشرة عمري».

المصري اليوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • سلطة النقد تتّخذ إجراءات عملية لمعالجة أزمة تراكم الشيكل في المصارف
  • الضّب العربي.. من الكائنات البرية التي تسهم في التوازن البيئي بمنطقة الحدود الشمالية
  • التقاعد المبكر اتجاه بين شباب الـ 30 والـ 40
  • للخروج عن النص.. مشيرة إسماعيل تكشف كواليس استبعادها من مسرحية «العيال كبرت»
  • "بصل بصل.. بما حصل"
  • الأطراف الصناعية
  • عالمنا على حافة الرعب النووي!
  • ثقافة بلا روح.. وكتابة بلا قداسة!
  • فيلة صغيرة في بيت كبير لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل
  • خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم 20 يونيو.. النص الكامل